{السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مرحبًا بكم أعزائنا المشاهدين مرحبًا بكم في حلقة جديدة من برنامجكم "البناء
العلمي"، نحن وإياكم في سلسلة علمية بعنوان "فقه النوازل" يقدمها معالي شيخنا،
الشيخ الدكتور/ سعد بن ناصر الشثري، باسمي وباسمكم جميعًا أرحب بمعالي الشيخ}.
حيَّاك الله، وأهلًا وسهلًا، أرحب بك وأرحب بطلة العلم، أسأل الله -جل وعلا- أن
يوفقهم لكل خير وأن يزيدهم من العلم والإيمان والتقوى.
{معالي الشيخ لا زال حديثاً عن النوازل وما يتعلق بها، فهل تحدثون مشكورين عن تاريخ
فقه النوازل}.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين، أما بعد.
فإن الوقائع التي وقعت في عهد النبوة كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحكم فيها،
وكان حكمه مرة بوحي ينزل من عند الله -جل وعلا- كما في قوله سبحانه:
﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا
يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ ...الآية﴾ [النساء:
127]، وهناك آيات كثيرة جاء فيها بيان أسئلة سُئل فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-،
فنزل الوحي فيها.
ومن أمثلة ذلك في قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ
فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ﴾ [البقرة: 219]، ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ اليَتَامَى﴾
[البقرة: 220]، ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ﴾ [البقرة: 217]، فهذه
نماذج مما كان الوحي ينزل فيها في بيان أحكام المسائل النازلة في ذلك الزمان.
وهناك أمور كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحكم فيها بدون أن يكون فيها آيات
قرآنية، ويكون فيها شيء من الاجتهاد واستخراج الحكم من النصوص بنوع نظر واجتهاد،
ومن هنا قال الله -جل وعلا-: ﴿إِنَّا أنزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ
لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ﴾[النساء: 105]، وهكذا في قوله
-جل وعلا-: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ
إِلَيْهِمْ﴾[النحل: 44]، فهذه أمور أيضًا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحكم فيها
وهي في غالبها من مسائل النوازل.
ووقع اختلاف بين العلماء في مسألة هل يجتهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ويقول
بأحكام بناءً على اجتهاد، وهناك بحث أصولي ومنشأ البحث في ذلك من مسألة: هل يجوز
للإنسان أن يذهب إلى الظنون ويحكم بها وإن كان قادراً على الحكم باليقين والجزم
والقطع؟ وذلك أنهم قالوا: إن النص قاطع، فهل يمكن أن يحال النبي -صلى الله عليه
وسلم- إلى ظنه واجتهاده مع إمكان نزول الوحي القاطع أو لا؟
وعلى كل فهذه المسألة أيضًا من المسائل المشهورة عند علماء الأصول، كذلك من المسائل
التي وقع الاختلاف فيها: هل يجتهد الصحابة -رضوان الله عليهم- في زمن النبي -صلى
الله عليه وسلم- أو لا؟ وقد قسمت هذه المسألة إلى أربعة مسائل:
أولها: اجتهاد الحاضر عند النبي -صلى الله عليه وسلم- بإذنه كما اجتهد سعد بن معاذ
لَمَّا حكم على بني قريظة، وقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لقَدْ حَكَمْتَ
بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ».
والثاني: من يحكم أو من يجتهد بحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم- بدون إذنه، فهذه
أيضًا وقع فيها اختلاف ونزاع.
والثالث: من كان يجتهد في النوازل وهو غائب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكنه قد
أذن له في ذلك، كما ورد في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا أرسل
معاذًا إلى اليمن قال له: «كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ، قَالَ:
أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ:
فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَإِنْ
لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا
فِي كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلَا آلُو».
والرابع: من يجتهد بغيبة من النبي -صلى الله عليه وسلم- بدون إذن من النبي -صلى
الله عليه وسلم.
وبعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت تُعرض للمسلمين مسائل نازلة كثيرة
ومتعددة، وكان الخلفاء الراشدون يستشيرون الفقهاء من الصحابة فيما يعرض لهم من
المسائل الحادثة، فيجمعونهم ويشاورنهم، ومن أمثلة ذلك: ما ورد عن عمر بن الخطاب
-رضي الله عنه- لَمَّا خرج إلى الشام فسمع أنَّ الطاعون قد وقع في الشام، فسأل
حينئذٍ المهاجرين والأنصار، ثم سأل أشياخ قريش، فكان المهاجرون والأنصار قد اختلفوا
عليه، هل يقدم على الشام وبها الطاعون أو يرجع؟ فلما سأل أشياخ قريش اجتمعت كلمتهم
على أن يعود، حتى جاءه عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- فأخبره بأن عنده علم في
ذلك بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونُ بِأَرْضٍ
فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِا، وَإِذَا وَقَعَ بِالطَّاعُونُ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ
بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْه».
فالمقصود أنه اجتهد في ذلك، كان هناك وقائع كثيرة وحوادث متعددة فيما يتعلق
بالنوازل، وقد اجتهد الصحابة -رضوان الله عليهم- فيها وكان بعضهم يُقَوِّمُ بعضهم
الآخر.
وكان من الطرائق في النظر في الاجتهادات أن يفتي الفقيه وبعد ذلك يطلب من السائل أن
يذهب إلى فقيه آخر فيسأله عن المسألة، كما وقع ذلك في عدد من الوقائع، فمرة يقع
توافق بين الاجتهادات ومرة يقع اختلاف وتضاد.
ومن أمثلة ذلك: ما ورد أن سائلاً سأل عن رجلٍ مات وله زوجة وبنت وبنت ابن وأخت،
فحكم فيها أبو موسى بأن الزوجة لها الربع وأن البنت لها النصف والباقي يكون للأخت،
قال: واذهبي إلى ابن مسعود فسيوافقني على ما قلت، ولَمَّا جاء السائل إلى ابن
مسعود، قال: قد ضللت إذًا وما أنا من المهتدين، وبيَّن أنه يكون لبنت الابن السدس
تكملة الثلثين مع البنت.
وهناك قضايا كثيرة في ذلك، حتى إن بعض الصحابة كان يحيل بعض المستفتين إلى فقهاء
البلدان التي يقدمون منها ولو كان أولئك الفقهاء من غير الصحابة، يعني: من
التابعين، ولذا يقول ابن عباس: اسألوا فلانًا، اسألوا الحسن، أسألوا أبا الشعثاء،
فكان يحيل إليهم من أجل أن يسألوهم، ثم بعد ذلك كانت هذه الفتاوى مصدراً من المصادر
الثرية فيما يتعلق بدراسة النوازل في تلك الأزمنة، واستمرت هذه الفتاوى حتى ألفت
كتب في الفتاوى المتعلقة بالنوازل، وألف مجموعة من العلماء كتباً في النوازل
الفقهية وإجابات أهل العلم فيما يتعلق بها، سواءً كان هؤلاء من فقهاء المذاهب
المتعددة، يعني: تجد هناك عدد من الكتب في المذهب الحنفي مثل: فتاوى العالمكيرية،
وهكذا تجد عند المالكية عدداً من كتب النوازل الفقهية ومن أشهرها كتاب المعيار
المعرب للونشريسي، وهكذا أيضًا عند الشافعية تجد مثلاً كتاب الفتاوى للسيوطي،
مجموعة من كتب أهل العلم التي اعتنت ببحث هذه النوازل.
هكذا أيضًا عند فقهاء الحنابلة ألَّف مجموعة منهم في النوازل، ومن أشهر هؤلاء ابن
منكور في كتابه الفواكه، واستمرت هذه المؤلفات وأصبحت مصدراً ثريًا من مصادر دراسة
المجتمعات الإسلامية سواءً في أمورها السياسية أو في أمورها الاجتماعية
والاقتصادية، بل وفي أمورها النفسية.
تكامل العقد في هذا حتى جاء عصرنا الحديث وكانت النوازل الفقهية فيه متعددة لوجود
تطور في حياة الناس، لانتقالهم في أمورهم الحضارية نقلات كثيرة، ومن ثَمَّ يحتاج
إلى أن يكون هناك جهود مضاعفة في دراسة هذه النوازل، وأعان على دراسة هذه النوازل
في العصر الحديث عددًا من الأمور.
أولها: إنشاء كليات الشريعة التي انتشرت في عدد من البلدان، فأصبحت تؤهل علماء
وطلبة علم وباحثين ومن ثَمَّ يكون لها من الأثر الجميل في إنشاء الشخصيات العلمية
التي تبحث هذه النوازل.
هكذا كان من الأسباب التي أدت إلى وجود انتشار لدراسة النوازل ما يتعلق بوجود
الطباعة التي هيئت وسهلت طبع الكتب ومنها ما يتعلق بالمصادر الشرعية، ومن ثَمَّ
يتمكن الناس من مراجعة هذه الكتب ويستخرجون ما يمكن أن يكون مشابهًا لمسائل
النوازل.
كذلك من الأمور التي وجدت في عصرنا الحاضر ما يتعلق بوسائل الإعلام، فإنها قد سهلت
انتشار هذه المقالات المتعلقة بالنوازل الفقهية وهيئتها.
هكذا من الأسباب التي كان لها أثرها في انتشار الدراسات المتعلقة بالنوازل الفقهية
وجود المنظمات سواءً الدولية أو المحلية، فهذه المنظمات تجمع وتهيئ ويكون لها أثرها
في دراسة النوازل الفقهية، ولذلك نجد أن في عصرنا الحاضر كان هناك جهود كبيرة
ومتعددة في دراسة النوازل ولها أوجه متعددة مختلفة، ولعلي أعرض لشيء من هذه الجهود.
فمن ذلك ما يتعلق بالرسائل الجامعية، رسائل الماجستير والدكتوراه، فإنه قد درس كثير
من الدارسين لهذه المراحل في النوازل الفقهية، فذكروا أحكامها وما يتعلق بها، فكانت
هذه الرسائل مصدراً من دراسة النوازل في عصرنا الحاضر.
ومن أمثلة هذا مثلاً: لو نظرت إلى أسماء الرسائل العلمية التي وجدت في العديد من
البلدان الإسلامية لوجدت مصدراً ثريًا لدراسة هذه النوازل.
ومن أمثلة هذا ما يتعلق بالمملكة العربية السعودية فإن الكليات الشرعية وكليات
الدراسات الإسلامية وجد فيها الكثير من الدراسات المتعلقة بالنوازل الفقهية، ولذلك
لما طبعت مؤسسة الملك فيصل سجلاً عن الرسائل المسجلة في المملكة العربية السعودية
كان هذا من أسباب قدرة الباحثين على الوصول إلى الدراسات والبحوث المكتوبة في
النوازل الفقهية.
النموذج الثاني: ما يتعلق ببرامج الفتوى، فإن برامج الفتوى سواءً كانت في الإذاعة
أو في التلفاز أو في غيرها من الوسائل، أصبح مما تُعنى به دراسة النوازل الفقهية
والحكم فيها، وفي الغالب أن الفقهاء الذين يشاركون في هذه البرامج يكون عندهم خلفية
في هذه النوازل وبالتالي يقررون أحكاماً تتعلق بهذه النوازل.
هكذا أيضًا الكتب والمؤلفات، فإن عدداً من العلماء بدءوا يكتبون في النوازل ويؤلفون
رسائل في دراستها وفي الحكم عليها.
أيضًا من الأمور التي كان لها أثرها في دراسة النوازل ما يتعلق بالمجلات العلمية،
فإن هذه المجلات قد اشتملت على نشر بحوث مختلفة، وكان من هذه البحوث ما هو معني
بدراسة النوازل الفقهية، ومن أمثلة هذا مثلاً: مجلة البحوث الإسلامية، مجلة البحوث
الفقهية، مجلات الجامعات التي فيها دراسات فقهية سواءً في جامعة الإمام أو في جامعة
الشارقة أو في جامعة الكويت أو في جامعة الأزهر، فإنه قد وجدت فيها دراسات متعددة
وبحوث بعضها يكون من بحوث الترقيات التي كتبها أساتذة الجامعات، فهذه البحوث لها
أثرها في دراسة هذه النوازل، وكل مجلة من هذه المجلات وضعت لها فهرسًا يتعلق بها.
ومن أيضًا الأمور التي كان لها أثر في توسع دراسة النوازل الفقهية: الموسوعات
الفقهية التي ألفت سواءً كانت تلك الموسوعات من جمعيات أو من مؤسسات عامة مثل
الموسوعة الكويتية والموسوعة المصرية، أو من أفراد قاموا بتأليف هذه الموسوعات،
ويحضرني في هذا تلكم الموسوعة التي أصدرها مركز التميز العلمي في بحث القضايا
المعاصرة في جامعة الإمام، حيث أصدر مجموعة من المجلدات التي تُعنى بدراسة النوازل
الفقهية.
هكذا أيضًا ممن له أثر في دراسة النوازل الفقهية في عصرنا الحاضر: المجامع الفقهية
والهيئات العلمية، فإنها قد عُنيت عناية تامة بدراسة النوازل الفقهية والبحث فيها
واستكتاب الباحثين فيها، كما وجد فيها مناقشات ثرية يمكن أن يستفاد منها، ومن أمثلة
هذا مجمع الفقه الإسلامي والمجمع الفقهي، فهذه مجامع أحدهم في مكة تابع لرابطة
العالم الإسلامي وفيه أعضاء يختارون من علماء العالم الإسلامي يتم ترشيحهم، وهذا
المجمع قد أصدر العديد من القرارات المتعلقة بقضايا ونوازل حادثة، كذلك أيضًا مجمع
جدة التابع لمنظمة التعاون الإسلامي فإنه قد عُني بدراسة العديد من النوازل الفقهية
وطبع مجلة تُعنى بدراسته لهذه النوازل، بحيث يكون عنده اجتماع في كل سنتين مرة،
ويقومون برصد الأبحاث، ثم بعد ذلك كتابة المناقشات التي حصلت في دراسة ذلك الموضوع
الفقهي المتعلق بالنوازل، ثم بعد ذلك يصدرون قرارًا متعلقاً بها، وهذه المجلة جمعت
شيئًا كثيرًا مناقشات متعددة، وأيضًا تم استخلاص القرارات الصادرة من المجمع في
مجلد لوحده، وهذه المجلة مليئة بالعلم في هذه المناقشات، والمجمع هذا يمثل من قبل
الدول الإسلامي بحيث يكون لكل دولة عضو في منظمة التعاون الإسلامي يكون لها مندوب
في هذا المجمع، وهناك خبراء يستعين بهم المجمع في دراسة النوازل التي تعرض له.
أيضًا من الأمور أو من الجهات التي لها أثرها: هيئة كبار العلماء في المملكة
العربية السعودية، فإنها قد درست العديد من النوازل الفقهية خصوصاً ما يتم عرضه من
قبل الجهات الرسمية لدراسته ومعرفة الحكم الشرعي فيه، وقد صدر عنها قرارات كثيرة
متعددة في كثير من النوازل الفقهية، ويتبع هيئة كبار العلماء اللجنة الدائمة
للإفتاء، وهذه اللجنة تُعنى بالدراسة والإجابة عن استفتاءات الأفراد، وقد درست
الكثير من النوازل الفقهية التي حدثت في عصرنا الحاضر وأخرجت فيها فتاوى، وقد تم
طبع فتاوى اللجنة الدائمة في ثلاث مجموعات:
المجموعة الأولى: في ست وعشرين مجلدا.
والثانية في اثني عشر مجلداً.
والثالثة في مجلدين كبيرين، وفيها فائدة كثيرة وفيها علم كثير.
أيضًا من الأمور التي وجدت في عصرنا الحاضر: البنوك الإسلامية التي عُنيت بوضع لجان
شرعية وهيئات تدرس ما يعرض عليها من أعمال هذه البنوك لاستخراج الحكم الشرعي فيها،
وبالتالي هم عُنوا بدراسة هذه النوازل المتعلقة بالمالية والمصرفية وأخرجوا فيها
قرارات كثيرة متعددة فيها بيان حكم الله -عز وجل- في كثير من النوازل.
وهذه الهيئات قد يكون بينها شيء من الاختلاف، لكن عندنا نسبة محل اتفاق بالمنع
ونسبة منع اتفاق بالجواز، وهناك نسبة قليلة هي التي قد يقع الاختلاف فيها،
والاختلاف مرة قد يكون في ذات الحكم، ومرة قد يكون في النظر حول تحقيق مناط الحكم،
هل تحقق أو لا؟ هذه الهيئات الشرعية في البنوك كان لها أثرها الجميل فيما يتعلق
بدراسة هذه النوازل.
هكذا أيضًا وجدت هيئات شرعية متعلقة بمجالات من مجالات الحياة في عدد من الأمور،
مثلاً في المجال الطبي وجد من يقوم بدراسة الوقائع والحوادث والنوازل الجديدة في
هذا الباب، هكذا مثلاً في مسائل اللحم الحلال والطعام الحلال، وجد هناك من يوصِّل
في هذا الباب، وبالتالي يخرج قرارات وفتاوى متعلقة بالنوازل التي تندرج تحت ذلك
الباب.
هناك أيضًا ما يتعلق بالمفتين في البلدان الإسلامية ودور الفتوى واللجان الشرعية في
البلدان، اللجان المحلية أيضًا كان لها أثرها في دراسة العديد من النوازل الفقهية،
نحن نحتاج إلى أن يكون هناك من يُعنى بتصنيف هذه الدراسات المتعلقة بالنوازل
الفقهية، بحيث يسهل على الناس الوصول إليها، صحيح اليوم وجد عندنا الشبكة العالمية
التي تُعنى برصد جميع ما يكون عند الناس من أمور، ومنها ما يتعلق بالنوازل الفقهية
لكن كون الشخص يجد هذه الأمور لا شك أن فيه صعوبة في الوصول إلى هذه المواد فيه
صعوبة على الباحثين، ومن ثَمَّ نحتاج إلى من يقوم بتصنيف هذه الدراسات وبوضع
الفهرسة التي تيسر لطلبة العلم الوصول إلى هذه الدراسات والقرارات والفتاوى
المتعلقة بفقه النوازل.
إذا كان الأمر كذلك فأشير إلى شيء: ألا وهو ظهور نماذج من نماذج الدراسات الفقهية
وبالتالي يكون لها من الخاصية ما ليس لغيرها من الأبواب، ولعلي أضرب في ذلك أمثلة:
مثلاً ما يتعلق بفقه الضرورة، هذا الفقه وجد فيها دراسات تطبيقية تقوم بتطبيقه على
نوازل فقهية متعددة في بلدان مختلفة، ومن ثَمَّ محاولة إيجاد ضبط لهذا الباب
وبالتالي يتمكنون به من دراسة النوازل الفقهية.
هكذا أيضًا فيما يتعلق بما يسمى بفقه الأولويات، ما هو الأولى، وما هو الذي يقدم
وما هو الذي يؤخر، هذا أيضًا قد عُني به طائفة من فقهاء العصر وكتبوا فيه وبالتالي
فإن دراساتهم تفيد في دراسة النوازل الفقهية.
هناك أيضًا نماذج كثيرة مثل هذه النماذج تكون بمثابة معايير وضوابط يلتزمها الفقيه
ويسير على وفقها وبالتالي يصل إلى معرفة الحق في هذه الأبواب.
من الأمور التي أؤكد عليها في هذا: أن من أنواع ما خرج في عصرنا ما يتعلق بالاجتهاد
الجماعي والاجتهاد المركب، الاجتهاد الجماعي يكون فيه مناقشة بين فقهاء الشريعة
وبالتالي قد يتوصلون لحكم يتفقون عليه وقد لا يتفقون، والاجتهاد المركب الذي يكون
فيه عدد من الأشخاص كل واحد منهم له اختصاصه، وبالتالي هذه الاختصاصات يقوي بعضها
بعضها الآخر وبالتالي تكون متكاملة.
ومن أمثلة هذا: أنني قد احتاج في مسألة إلى نظر طبي واحتاج إلى نظر هندسي، واحتاج
إلى نظر اجتماعي، فبالتالي أخذ من أهل الاختصاص ما يتعلق باختصاصاتهم في هذه
الأبواب، ثم بعد ذلك أقوم بالدراسة الفقهية لتلك النوازل بمراعاة الضوابط والوضع في
الأبواب الأخرى، ومن ثَمَّ نعرف أن النوازل الفقهية لازالت محل عناية عند العلماء،
ومحل نظر واجتهاد، فاتني أن أنبه هنا إلى أن بعض الكليات وضع منهجاً أو مقرراً
يتعلق بفقه النوازل بخصوصه، وبالتالي كانت هناك دراسات متعددة لوضع مؤلفات في هذه
المقررات، فأفادت الناس في هذا الباب.
من الأمور التي أؤكد عليها: أن ما سبق من نماذج دراسات النوازل الفقهية لا بدَّ أن
يكون لها ضوابط، وهذه الضوابط لا بدَّ من مراعاتها، ولا بدَّ من التحقق من وجودها،
يعني مثلاً: في موضوع الفتاوى لا بدَّ أن يلاحظ أن يكون هناك توصيف دقيق للنازلة
قبل الحكم عليها؛ لأن المصطلح قد يختلف معناه ما بين زمان وآخر، ومن ثَمَّ قد ينزل
كلام الفقيه على غير مراده، وهكذا فيما يتعلق بتغيير المصطلحات التي توجد عند أهل
العلم في النوازل الجديدة، فقد تتغير أسماء النازلة، بل أن الإنسان ينبغي به أن
يفرق بين بلد وآخر فيما يتعلق بالنظر في النوازل، وذلك لأن النازلة قد توجد على
صورة في بلد وقد توجد في بلد آخر على صورة أخرى، وبالتالي يكون لكل حكمه أو لكل
طريقة دراسته.
إذا نظرنا في الوقائع التي تحدث في عصرنا، نجد أنها على أنواع، فهناك نوازل سياسية،
هذه النوازل السياسية تحتاج إلى من يحكم فيها، والحكم مرة قد يكون يتعلق بأصحاب
الولاية، ومرة قد يتعلق بغيرهم، يعني مثلاً: أحكام المظاهرات، أحكام الثورات،
ونحوها، هذه أمور جديدة ويحتاج الناس إلى معرفة حكمها بناءً على أدلة شرعية،
فالفقيه عندما يأتي ويستخرج الحكم عليه أن يُبَيِّنُ هذا الحكم لعموم الناس؛ لأنهم
المحتاجون له، بخلاف المسائل التي تتعلق بصاحب الولاية في نفسه أو في ولايته، فإنه
لا يصح أن يخبر بها بقية أفراد الناس حتى لا يحدث من الفوضى والاضطراب ما لا يتناسب
مع حال دولة أهل الإسلام.
هكذا هناك فتاوى متعلقة بأمور اقتصادية، فإن التمويل والمالية والعلاقات التجارية
متجددة، وبالتالي نحتاج إلى دراسة هذه النوازل الفقهية المتعلقة بالأمور المالية،
ولاحظ هنا أن النازلة قد تأتي باسم، ثم يتغير اسمها فلا يلاحظ وجود الفرق ويظن أن
المسألتين متغايرتان وهما على صورة واحدة، وفي مرة قد يأتينا المصطلح التجاري، ثم
بعد ذلك يدخل فيه معاني أخرى، مثل التأمين كيف أدخل فيه معاني متعددة في الزمان
الآخر؟ هكذا أيضًا فيما يتعلق بالأمور الاجتماعية، في اللباس، في العلاقات تحتاج
إلى نظر فقهي لاستخراج الأحكام الفقهية المتعلقة بها.
هكذا أيضًا حتى في مسائل الجنايات، أنه لا يظن أن مسائل الجنايات ليس فيها نوازل،
بل فيها نوازل متعددة، أنا أعطيك نموذج: في باب الإقرار هل يستخدم جهاز الكشف عن
الكذب ولا ما يستخدم، هذه مسألة نازلة ونحتاج فيها إلى تقرير حكم، هناك مسائل عديدة
في هذه الأبواب، كذلك في أبواب العبادات جاء فيها نوازل جديدة من استعمال الأجهزة
في المساجد وعند الصلاة، ونحو ذلك مما نحتاج فيه إلى معرفة أحكام الشريعة في هذه
الأبواب.
فالمقصود أن النظر الفقهي في النوازل لا زال مستمر وأن علماء الشريعة لا زالوا
يستمرون في إعطائهم الأحكام الشرعية المتعلقة بهذه النوازل، وأشير هنا إلى مسألة
وهي مسألة أصولية: ألا وهي هل يخلو الزمان من مجتهد؟ يعني: هذه النوازل التي تحدث
في أمة الإسلام، هل يمكن أن تأتي النوازل ولا يكون هناك فقهاء يبينون أحكامها
ويعرفون الأمة بأوامر الله ونواهيه في ذلك الباب أو لا؟.
هناك بحث أصولي كبير في هذا الأمر، فجمهور أهل العلم قالوا: يمكن أن ينقطع باب
الاجتهاد بحيث لا يوجد مجتهد في عصر من العصور، وهناك قول آخر اختاره فقهاء
الحنابلة وجماعة، يقولون: لا يمكن أن يخلو عصر من مجتهد فقيه، ويستدلون عليه بقول
النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تَزالُ طائفةٌ من أُمَّتي على الحقِّ»، ومن الحق
الاجتهاد في هذا الباب، ومن ثَمَّ فالصواب أنه لا يخلو زمان من مجتهد لكن قد يُعرف
وقد لا يُعرف، وبالتالي لا بدَّ على الأمة من إظهار هؤلاء الفقهاء العلماء ومن
إبراز مكانتهم ومنزلتهم ومن تمكينهم من الاجتهاد في المسائل النازلة التي تحدث عند
الناس.
فالمقصود أن هذا أمر من المستحسن أن يكون محل عناية، ومن التوصيات في هذا الباب: أن
تبرز ضوابط دراسة النوازل الفقهية في الأمة؛ لأن الجيل الناشئ من طلبة العلم
يحتاجون معرفة هذه الضوابط؛ ولأن كانت تلك الضوابط مستقرة في أذهان الفقهاء
المتقدمين إلا أن الحاجة تدعو إلى تدوين ذلك، هكذا نحن نحتاج إلى دراسات جامعة
للنوازل الفقهية التي حدثت في عصرنا الحاضر، وبالتالي نكون قد قربنا هذه النوازل
للناس.
كذلك نحتاج إلى دراسات تأصيلية في كيفية دراسة النوازل، وبالتالي نسهل على الفقهاء
في هذا الباب.
فالمقصود أن دراسة النوازل الفقهية لازالت من الأمور المستمرة في الأمة وأنه ما من
زمان وإلا فيه فقهاء يدرسون للأمة نوازلها، فهذا شيء مما يتعلق بدارسة النوازل
الفقهية ولعلي أشير إلى من الموضوعات المناسبة نتحدث عنها ما يتعلق بأسباب الخطأ في
دراسة النوازل الفقهية.
وكأني استشعر بك تقول: إن الوقت قد أزف وأننا لن نتمكن من دراسة هذا الموضوع اليوم،
فلعلنا نؤجله ليوم آخر، بارك الله فيك، وفقك الله للخير، وجعلني الله وإياك من
عباده الصالحين وأولياؤه المفلحين، هذا -والله أعلم- وصلى الله على نبينا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين.
{أحسن الله إليكم معالي الشيخ ونفع بعلمكم الإسلام والمسلمين.
في ختام هذه الحلقة نشكركم أيها المشاهدون على طيب المتابعة، ونلقاكم -بإذن الله
تعالى- في حلقة قادمة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.