الدرس السادس
معالي الشيخ أ.د. سعد بن ناصر الشثري
إحصائية السلسلة
{السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مرحبًا بكم أعزائنا المشاهدين مرحبًا بكم في حلقة جديدة من برنامجكم "البناء
العلمي"، نحن وإياكم في سلسلة علمية بعنوان "فقه النوازل" يقدمها معالي شيخنا،
الشيخ الدكتور/ سعد بن ناصر الشثري، باسمي وباسمكم جميعًا أرحب بمعالي الشيخ}.
حيَّاك الله، أهلًا وسهلًا، أرحب بك وأرحب بأحبتي من طلبة العلم الذين يدرسون في
هذا البناء، وأسأل الله -جل وعلا- أن يوفقهم لكل خير وأن يرزقهم نية خالصة وإتباعًا
للسنة النبوية وأن يرزقهم العلم النافع والفهم الدقيق.
{لازال حديثنا معالي الشيخ متصلًا حول آداب دراسة النوازل، فتفضل يا معالي الشيخ
بإكمال الحديث حول هذا الباب}.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين، أما بعد،
ففي لقاءٍ سابق تحدثت عن أشياءٍ مهمةٍ فيما يتعلق بآداب دراسة النوازل، ومن ذلك
استحضار النية والإخلاص لله -جل وعلا- فيها، بأن يكون مقصود الإنسان بدراسة النوازل
الفقهية أن يرضي الله وأن يحصل على أجر الآخرة، وأن لا تكون مقاصده دنيوية، وهكذا
أكدت على التوكل على الله -جل وعلا- ودعائه وحسن الظن به -سبحانه-، وكذلك أكدت على
أن يكون الإنسان من أهل الطاعة مجانبًا للمعصية، وكذلك أكدت على أن يكون من شأن
الإنسان أن يتوب لله -جل وعلا- على ما يبدر منه.
وهكذا أيضًا أكدت على تأكد الإنسان من أهليته سواءً أهليته للاجتهاد بشكل عام أو
أهليته في ذلك الباب المجتهد فيها بناءً على قولنا بأن الاجتهاد يتجزأ ولا يشترط في
المجتهد أن يكون مؤهلا للاجتهاد في جميع الأبواب، وهكذا أكدت على تصور المسألة
المجتهد فيها ومعرفة أجزاءها، والتفصيل في المسائل المشتركة وعدم إطلاق القول فيها،
وهكذا أكدت أيضًا على مراعاة الجانب العقدي، فإنه لا بدَّ أن يُراعى عند دراسة
النوازل الفقهية، وكم من مسألة يكون ظاهرها له حكم فقهي لكنك عند دراسة خفاياها
يتبين لك حكم آخر.
وأيضًا من الأمور التي كنت تكلمت عنها ما يتعلق بجمع جميع الأدلة التي يمكن
الاستدلال بها في المسألة النازلة، بحيث يراجع الآيات القرآنية، الأحاديث النبوية،
الإجماعات التي ممكن أن تكون في المسألة، الأقيسة التي يمكن أن يستدل بها فيها،
ويتحقق من كل استدلال ومدى انطباقه ومدى صحته وهل هو استدلال متوافق مع القواعد
الأصولية التي يذكرها علماء الشريعة أو لا، فإذا وصل إلى قناعة بصلاحية الدليل
للاستدلال به في المسألة من جهة صحته تصحيحًا وتضعيفًا ومن جهة دلالته بحيث يكون
مُطابقًا للمسألة المجتهد فيها من جهة الدلالة ومن جهة كون ذلك الدليل له مكانته
ومنزلته، وبالتالي يقوم بجمع هذه الأدلة والمقارنة بينها والنظر في طرائق دفع
التعارض بين الأدلة المتعارضة في ذهن المجتهد.
من الأمور التي نؤكد عليها في هذا الجانب: أن يكون هناك استكمال للنظر من قِبل
المجتهد الناظر في المسألة النازلة، فإنه إذا لم يستكمل النظر فيها كان متساهلًا في
الفتوى، فالتساهل في الفتوى ليس المراد به أن يحكم الإنسان بأسهل الأقوال بناءً على
الدليل، وإنما المراد بالتساهل في الفتوى أن يكون هناك فتوى قبل استكمال النظر
فيها، فهذا هو معنى التساهل في الفتوى، وقد عَدَّهُ العلماء من الذنوب بل عدُّوهُ
من الكبائر.
من الأمور التي نؤكد عليها في هذا الباب: أن يكون هناك تعمق في دراسة الأوصاف التي
تحيط بالنازلة، فهناك أوصاف لازمة وهناك أوصاف عارضة، وبالتالي يفرق بينها، وهذه
مسألة يغفل عنها كثير من دارسي النوازل، يعني: عندنا نازلة فقهية يكون لها أوصاف من
ذات النازلة تكون أوصافًا لازمة وبالتالي نراعيها عند إصدار الحكم على تلك النازلة،
وهناك أوصاف عارضة تأتي معها تبعًا تقارنها وليست منها، فهذه الأوصاف العارضة أحكم
عليها لذاتها، لذات الوصف ولا تحكم على أصل الفعل بناءً عليها، فإنه يتصور انفكاك
أصل الفعل عن تلك الأوصاف العارضة، وبالتالي لا بدَّ من التفريق بين هذين النوعين
من أنواع الأوصاف، ولذلك كثير من المعاملات سواء مثلًا الإيداع في البنوك، هذه
المعاملة قد توجد فيها أوصاف أخرى، لأنك حكم الإيداع خصالة، ثم كونهم يعطون عليه
نسبة في الربح أو نسبة من رأس المال هذا وصف زائد، فتقول: الإيداع لذاته حكمه كذا،
لكن إذا كان الإيداع يترتب عليه إعطاء النسبة من رأس المال يكون قرضًا قد جر نفعًا،
فيكون من أنواع الربا وبالتالي تذكر ما فيه من الحكم.
كثير من النوازل التي تنزل بالناس نجد أن هناك خلطًا بين أوصافها اللازمة وأوصافها
العارضة، وبالتالي يقع الخلط في أحكامها، وهذه مسألة أنبه عليها تنبيهًا كثيرًا
فإنها من أكثر أسباب الخطأ عند دراسة النوازل.
هكذا أيضًا لا بدَّ أن يكون عندنا معرفة للفروقات التي تكون بين المسائل الفقهية،
فإنه عندما لا يوجد قدرة على التفريق بين المسائل يقع هناك خلط كثير، وإذا نظرنا في
شيء من أبواب خلط أولئك الذين خلطوا في كثير من المسائل نجد أنها كانت بسبب عدم
القدرة على ملاحظة الفرق بين المسائل الفقهية، وأنا أضرب لك مثلًا في قول الله -عز
وجل-: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَ﴾ [البقرة: 275]، جاء بعد قول
المشركين: ﴿إِنَّمَا البَيْعُ مِثْلُ الرِّبَ﴾ فلم يلاحظوا الفرق بينهما سواءً في
صفته أو في آثاره ومآله، ولذا تجد أن هناك فرقًا، البيع مبادلة نقد بسلعة مالية،
وبالتالي يحصل منها استفادة للطرفين وتنتهي العلاقة بينهما بمجرد انتهاء ذلك العقد،
بخلاف الربا فهناك علاقة ممتدة وهناك بيع مال نقدي مقابل مال نقدي ليس فيه انتفاع
مباشر، وفيه زيادة في ذلك المال النقدي، وقد تكون تلك الزيادة مركبة وبالتالي لا
بدَّ من ملاحظات الفروق بين هذين الحكمين، وعدم ملاحظة الفروقات يجعل الإنسان يخطأ
كثيرًا.
وكذلك من الآداب: ملاحظة الصياغة الواردة في النص الشرعي كتابًا وسنة بحيث يعرف
الدلالات لكل كلمة؛ لأن عدم معرفة الكلمات قد توقع الإنسان في أخطاء كثيرة، ولذا
أنا أمثل بمثال، لما نزل قوله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ
اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾[الأنبياء: 98]، جاء ابن الزبير
فقال: خاصمت محمدًا، قد عبدت الملائكة وعبد المسيح بن مريم، نرضى أن نكون معهم، ولم
يلتفت إلى أن الله -عز وجل- قال: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ﴾، ولم يلتف أيضًا
إلى أن العمومات يمكن أن يرد لها تخصيص، والتخصيص قد يكون بسياق سابق، لا يلزم أن
يكون التخصيص في نفس سياق الكلام، وقد ورد الثناء على الملائكة وورد الثناء على
عيسى ابن مريم في مواطن كثيرة من كتاب الله -عز وجل-، ولذا ردَّ الله عليه بقوله:
﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ
* لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ
خَالِدُونَ﴾[الأنبياء: 101- 102] الآيات.
لماذا وقع الخطأ في ذلك؟ من عدم مراعاة اللفظ القرآني من جهة وعدم مراعاة الطريقة
القرآنية والنبوية في سياق الأحكام، فإنه لا يصلح من الإنسان أن ينظر إلى دليل
ويغفل بقية الأدلة، فإن الدليل المطلق يمكن أن يرد عليه تقييد والدليل العام يمكن
أن يرد عليه تخصيص، والدليل قد يرد عليه بيان وتوضيح، ومن ثَمَّ لا يصح بالإنسان أن
يُغفل ذلك عند دراسة النوازل الفقهية.
من الأمور والأخطاء الكبيرة: تقديم الأقيسة على النصوص، إذا من الآداب أن نقدم النص
على القياس؛ لأن القياس فيه جهد بشري أكثر مما في جهد فهم النص، وبالتالي نحن نقدم
النصوص ونؤكد عليها، وإذا نظرنا إلى أسباب ضلال كثير من الناس، وجدناه نشأ من تقديم
الأقيسة على النصوص، نحن نعلم ونجزم بأن الأقيسة الصحيحة لا تعارض النص، لكن قد يظن
بالقياس الفاسد أنه صحيح، وبالتالي يقع الالتباس عند العبد، ومن ثَمَّ إذا صح النص
عندك فقدمه.
ومن هذا الباب نجد أن إبليس لما أمره الله -جل وعلا- بالسجود لآدم وهو أمر صريح ونص
من رب العزة والجلال عارضه بالقياس، فقال: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ﴾ [الأعراف: 12]،
وبالتالي قدم هذا القياس على النص فوقع في مثل هذا الالتباس.
ومن هنا فإن الواجب تقديم النصوص على الأقيسة، فالقياس فرع للنص، وبالتالي لا يصح
أن نعارض الأصول بما يتفرع عنها، صحيح أننا لا نغفل النظر للأقيسة، يعني إذا وجدت
نصًا شرعيًّا فلا تقول لن أنظر إلى الأقيسة، بل انظر إلى الأقيسة، لأنه قد يكون في
القياس تخصيص للفظ العام الوارد في النص، ومن ثم تلاحظ هذا الأمر.
وأنا أضرب لك مثلًا: في قوله -جل وعلا-: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا
كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور: 2]، فهنا أمر بجلد الزاني غير
المحصن مائة جلدة، ثم جاءنا في سورة "النساء" في قوله -جل وعلا-: ﴿وَمَن لَّمْ
يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا
مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ المُؤْمِنَاتِ﴾ إلى أن قال: ﴿فَإِذَا
أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى
المُحْصَنَاتِ مِنَ العَذَابِ﴾[النساء: 25]، يعني تجلد خمسين جلدة، فيأتينا القياس
فيقول: نصف الحد على الأمة لكونها مملوكة، فالعبد المملوك يماثلها في هذه الصفة،
وبالتالي نخصصه من عموم الآية الأولى، فهنا القياس خاص والنص عام، فخصصنا النص
العام بواسطة القياس، فالمقصود أننا لا نغفل النظر في الأقيسة مطلقًا لوجود الدليل
النصي فيها، وإنما لا نقدم القياس على النص.
هكذا أيضًا من الآداب التي نراعيها في هذا الباب: أن لا نقدم ما نظنه مصلحة على
النصوص الشرعية، فإن النصوص الشرعية محققة لمصالح العباد بلا إشكال، كما في قوله
تعالى: ﴿اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِين﴾[المائدة: 3]، وكما في قوله تعالى: ﴿وَمَا
أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾[الأنبياء: 107]، فمن مقتضى كون هذه
الشريعة رحمة أن تكون محققة لمصالح العباد، لكن قد يأتينا من يأتينا ويعارض النص
بما يظن أنه مصلحة ويبطل مدلول النص بناءً عليها، فنقول له: ما ظننته مصلحة ليس
بمصلحة حقيقة، وبالتالي فإن هذه ليست بمصلحة.
وأضرب لك مثلًا: جاءت النصوص بتحريم الخمر في قوله -جل وعلا-: ﴿يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ
رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*
إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ
فِي الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ
فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ* وَأَطِيعُوا اللَّهَ.. ﴾[المائدة: 90- 92] إلى آخر
الآيات، فهذه آيات صريحة في تحريم الخمور، فلما يأتينا من يأتينا ويقول: الخمر فيها
تجارة ويمكن أن نستفيد من التجارة فيها، لو وضعنا من مصانع للخمور بدل أن تتلف
الأعناب، نقوم بتصنيعها خمورًا فنبيعها على الكفار، وبالتالي نحصل على فوائد
اقتصادية كبيرة، لو نضع بارات لغير المسلمين من أجل أن تعود علينا بالمال الكثير،
كل هذه يظن ذلك الظان أنها مصلحة وهي في حقيقة الأمر مفسدة، لأنه ما كان مخالفًا
للنص فإننا نجزم بأنه مفسدة مهما ظنت العقول أنه يحقق مصالح العباد.
ومن هذا المنطلق نقول: هذه التجارة بدل أن تشتغل بشيء ينفع الناس وينفع البشر،
حينئذٍ صرفنا هذه الجهود في ذلك المال المفسد وتلك الخمور التي تنتج الشر والفساد
على الناس، وبالتالي هي مفسدة، وإذا نظرنا لهذا المال وجدنا مال حرام قد نُهي عنه
في الشرع، وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن التجارة في الخمر وقال
أو لعن في الخمر عشرة: بائعها ومشتريها وحاملها والمحمولة إليه وعاصرها ومعتصرها..
إلى آخر الحديث، فبالتالي نعلم أن هذه معصية بجميع أجزائها، فتكون مفسدة، ثم اشتغال
الناس بالمعاصي صرف لهم عن الطاعات وعمَّا يعود على مجتمعاتنا بالنمو وبالتنمية،
فيكون ذلك من أسباب انشغالنا بما يفسد أحوالنا، ثم إذا تيسرت الخمر وأصبح وجودها
ممكن في مجتمعاتنا حينئذ سيوجد عند الفساق من الفرصة في تناولها ما لم يكن هناك
مصانع للخمور ولا تجارة فيها، وبالتالي تنتشر في الناس وتكون من أسباب وجود تصرفات
كثيرة بناءً على وجوده هذه الخمور، من إسراف في أموال وبذل لها فيما لا ينفع ومن
حصول الجرائم التي تنتج عن احتياج شارب الخمر إلى مال يحوجه إلى أن يسرق المال حيث
أنه فقد جانب الخوف من الله -جل وعلا-، كذلك تنقص درجة الإيمان عند الإنسان
وبالتالي لا تمنعه من الإقدام على إتلاف أموال الآخرين أو الاستيلاء عليها على جهة
الظلم.
هكذا قد يحدث منها حوادث أخرى على مستوى النفس، فهي تؤثر عليها في صحة البدن،
وبالتالي نحتاج إلى علاج الأبدان بأموال كثيرة، كذلك النفسيات تتأثر بسبب هذه
الخمور وبالتالي تجعل عند الإنسان من الصفات النفسية من الاكتئاب والهم ونحوه مما
يعيقها عن العمل والإنتاج، هكذا يكون لها تأثيرها الاجتماعي والأسري، كم من زوجين
حصل بينهم من الخصام والنزاع إلى أن أدى إلى الافتراق وأدى إلى ضياع الأولاد بسبب
تناول هذه الخمور، كذلك فيما يتعلق بحوادث السير، إلى آخر ذلك من الحوادث الكثيرة
والأشياء الكثيرة التي تنتج عن وجود هذه الخمور في مجتمعاتنا، فظن أن المصلحة تتحقق
بهذا الأمر فإذا بالمفاسد الكثيرة تتحقق به، وبالتالي لا يصح ولا يجوز لنا أن نعارض
نص بمصلحة أو نقدم ما نظنه مصلحة على ما هو منصوص عليه في الشرع.
ولذا مثلًا إذا جاءنا قائل وقال: بأن المصلحة تقتضي كذا مما هو مخالف للنص، قيل:
أنت إنما نظرت إلى المسألة بربع عين ولم تنظر إلى المسألة من جميع جوانبها.
مثلًا لو جاءنا قائل وقال: إن من المصلحة أن يكون اجتماع الناس لصلاة الجمعة في
البلدان التي توجد إجازة فيها في يوم إجازتهم، وبالتالي نحقق مصلحة الشارع في
اجتماع الناس وفي أدائهم للصلاة، فنقول: ما ظننته مصلحة هو في حقيقة الأمر مفسدة،
وذلك أن هذا الأمر يخالف النص، وبالتالي أنت تعود الناس على إهمال النصوص وعدم
اعتبارها ووضع قيمة لها من جهة، ثم لو قدر أنهم فعلوا كما تذكر لحصل عند الناس من
الاختلاف والاضطراب شيء كثير، فلا يبقى اجتماع في يوم لا في يوم الأحد ولا في يوم
الجمعة، يتفرق الناس بين هذه الأيام، يأتيك واحد يوم الجمعة وواحد يوم السبت وواحد
يوم الأحد، ومن ثَمَّ لا يوجد اجتماع نحقق لمقصد الشارع في هذا الباب، ومن هنا فإنه
لا يصح بنا ولا يجوز لنا أن نعارض مقتضى النصوص بما نظنه من المصالح، وهذا أدب لا
بدَّ أن يلاحظه الإنسان.
كذلك من الآداب التي يجب علينا أن نلاحظها: أننا عند النظر في النوازل لا بدَّ أن
نقارن بين الأقوال التي يمكن تخريج المسألة عليها قبل التخريج، يعني عندنا مثلًا
مسائل التحويل البنكي، وهناك مسألة السفتجة مثلًا التي ذكرت سابقًا أو مسائل من بيع
الموجز أو غيره، وعندنا من يريد أن يخرجها على بيع العربون أو بيع الخيارات، يعرف
الآن في الخيارات المالية، هناك من يريد أن يخرجه على بيع العربون، فقبل أن تخرجه
لا بدَّ أن تبحث المسألة المخرج عليها، ولا يصح بك أن تقوم بالتخريج لمجرد وجود
قول، يعني مثلًا في مسألة التأمين لا يصح بك أن تخرجها على قول الحنفية فيما يتعلق
بضمان التجار، حتى تحقق الحق وتعرف الراجح في تلك المسألة المخرج فيها، مثله مثلًا
في مسألة الإيجار المنتهي بالتمليك، يأتيك من يأتي ويخرجها على قول عند المالكية
فيما يتعلق بالوعد الملزم، وهنا أنبه إلى شيئين:
الأول: أنه لا يصح بك أن تخرج مسألة نازلة على قول مرجوح، فلا بدَّ أن تعرف الراجح
من المرجوح، فلا تخرجها إلا على الأقوال الراجحة، أما الأقوال المرجوحة فلا يصح بك
أن تخرج المسائل النازلة عليها، لأننا نعلم أن الحق في أحد الأقوال هو القول
الراجح، وبالتالي عندما تخرج على قول مرجوح فأنت تخرج على باطل، ولذا قرر العلماء
أن لوازم القول الباطل لا تلزم قائله، ولذلك التخريج على القول الباطل أصلًا لا
يقول به قائل القول الباطل، وبالتالي لا يصح التخريج على قول مرجوح وإنما لا بدَّ
من تحقيق الحق ومعرفة الراجح في المسائل المخرج عليها، وليس كل قول في مسألة يجوز
أن يخرج عليها، وإنما نخرج حكم النازلة الجديدة على القول الراجح التي ترجح قبل،
فلا نقيس على قول مرجوح، فهذا من أعظم الآداب التي يجب أن نراعيها في هذا الباب.
كذلك من الأمور المتعلقة بهذا: ترك التعصب، عندما يكون هناك تعصب عند دارس النوازل
الجديدة يقع في خطأ كبير ويقع من التباسات عديدة بسبب هذا التعصب، والتعصب قد يكون
بسبب الانتماء إلى بلد أو الانتماء إلى مذهب أو الانتماء إلى شيخ معين، وبالتالي
هذا التعصيب الذي يجعلك تلتزم بهذا القول الوارد عن ذلك الإمام، يجعلك لا تصل إلى
الحق ولا تدرك الصواب فيه، ومن هنا جاءت نصوص الأئمة في ذم التعصب وبيان خطأ أصحابه
وبيان الآثار السيئة المترتبة عليه.
والتعصب بالتزام الإنسان بأحد الأقوال وعدم تميزه لجانب الصواب فيها، هذا يجعل
الإنسان يقع في الخطأ عند دراسة النوازل الفقهية، ومن هنا فإن تعصب الإنسان لقائل
أو لمذهب أو لبلد يجعله لا يصيب الحق عند دراسة النوازل.
هكذا من الآداب التي ينبغي أن تراعى في هذا الجانب: مراعاة ما يتعلق بالأعراف التي
تكون عند الناس الذين يراد دراسة النازلة لديهم، عندما لا نراعي العرف نقع في زلل
فيما يتعلق بهذا الباب، والأعراف منها أعراف لفظية ومنها أعراف عملية، فلا بدَّ من
مراعاة ذلك، وأضرب لك أمثلة في هذين البابين:
عندما تشاهد استعمالات لفظة الخِطبة في النكاح، نجد أن بعض البلدان تستعمل هذا
اللفظ ويراد به الوعد بالتزويج، بينما في بلدان أخرى يريدون بلفظ الخطبة عقد
النكاح، ومن هنا لا بدَّ أن تميز عرف من يسألك أو من يستفتيك في هذا الباب، فإذا
جاءك من يستخدم الأسلوب الأول وقال: ما حكم خلوة الرجل بمخطوبته؟ فانظر ماذا يريد
بهذه اللفظة، يعني لو قال: ما حكم اتصال الخطيب بمخطوبته ورؤيته لصورتها في الجوال
ومكالمته لها بالمكالمة التي تكون فيها صورة؟ فنقول حينئذٍ: ما مرادك بمخطوبته؟ هل
هي التي عقد عليها أو لم يعقد عليها بعد؟ فهذه لها حكم وهذه لها حكم، ولكل منهما
حكم مستقل.
هل يجوز لي أن أري والدي صورة مخطوبتي، ماذا تقول؟ تقول: ما تريد بخطيبتك؟ هل
المقصود من عقد عليها أو لم يعقد عليها؟ وذلك ناتج من أن هناك أعرافًا في استعمال
لفظة الخطبة لا بدَّ من مراعاتها عند الحكم على هذه النازلة.
هكذا هناك أيضًا أعراف عملية وفعلية لا بدَّ من مراعاتها عند دراسة النوازل، ومن
أمثلة ذلك مثلًا فيما يتعلق بأعراف الناس فيما يدفع من الهدايا قبل عقد النكاح، ما
حكمه؟ وما يدفع من الهدايا بعد عقد النكاح ما حكمها؟ هل هي داخلة في ضمن المهر؟ أو
ليست بداخلة فيه، وبالتالي يكون الحكم بناءً على ذلك.
هكذا من الآداب التي لا بدَّ أن نراعيها في هذا الجانب: رجوع الإنسان إلى الحق
عندما يتبين له أن ما قاله سابقًا ليس موافقًا للحق، ولذلك ورد عن أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه لما كتب إلى شريح كتابه في القضاء، قال: "ولا
يمنعنك قضاء قضيته اليوم فراجعت فيه نفسك وتبين لك فيه الحق أن تعود إليه"، ومن هنا
فإن إصرار الإنسان على قول بناءً على أنه قاله سابقًا بعد أن يتبين له أن الحق في
خلافه معصية من المعاصي، وهو نوع من أنواع الكذب على الله -جل وعلا- الذي هو من
أكبر الذنوب ومن أكبر الآثام، وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ
افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ﴾[الأنعام: 21]، وقال سبحانه:
﴿وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ﴾[طه:
61].
والنصوص الواردة في تحريم الكذب على الله وبيان سوء عاقبته في الدنيا والآخرة كثيرة
متعددة، ولذا فإن من أعظم الآداب التي تتعلق بدارس النوازل أن يراجع الحق كلما تبين
له، وأن لا يجامل في ذلك نفسه، وأن لا يمتنع من أن يقول الصواب في هذه المسألة كذا
ورجعت لها لما تبين لي في هذه المسألة، وأنا أذكر في هذا الباب أن بعض، يعني هذا
أيضًا لابد من مراعاته، وهو التحقق من وجود الأوصاف التي يذكرها المستفتون، فإن
دارس النازلة في الغالب قد يعتمد على قول المستفتي، فمرة هذا المستفتي يكون قد قصر
في الأوصاف ومرة ذكر أوصافًا عارضة وأدخلها في المسألة المسئول عنها، وبالتالي لا
بدَّ من التحقق من هذه الأوصاف التي يذكرها المستفتي بحيث ننزل الكلام في منازله
ولا يكون الحكم غير منطبق على المسألة التي اجتهد فيها، ومن هنا لا بدَّ من مراعاة
حقيقة الأوصاف التي يذكرها المستفتون.
أيضًا من الأمور التي لا بدَّ أن يتأدب بها دارس النوازل وأن يعرف حقيقتها: أن يعرف
المقاصد التي تكون وراء عرض بعض النوازل الفقهية على المجتهدين، فقد يكون هناك
أغراض سياسية وقد يكون هناك أغراض تجارية وقد يكون هناك أغراض انتقام وأغراض
اجتماعية عند الكلام عن بعض النوازل، وبالتالي على الفقيه أن يكون فطنًا في ملاحظة
تلك الكلام في تلك النوازل.
يعني مثلًا في مرات يكون هناك توجه سياسي معين وبالتالي يكون عرض المسألة النازلة
بعرض معين يتوافق مع التوجه السياسي لتلك المسألة، هناك فرق بين أن تبين حكم
النازلة وأن تبين مسائل وجوب الطاعة لأصحاب الولاية، فهذا تبين له حكمه في موطنه
وهذا تبين له حكمه في موطنه، أما عندما نخلط بين المسألتين فحينئذٍ يقع عندنا
إشكال.
فمثلًا هناك كثير من التنظيمات التي كان أصلها مُباحًا، فعندما تأتي تنظيما وتلزم
الناس بشيء لأن صاحب الولاية يرى أن المصلحة تتحقق بهذه التنظيمات، فإننا حينئذٍ لا
نخلط بين حكم النازلة وبين التنظيمات المتعلقة بتنظيم هذه النازلة وبيان الحكم
المرتب عليها.
إذًا عندما نجد أن هناك جانب آخر غير جانب النازلة في ذاتها، لا بدَّ أن نفرق
بينهما، فنقول مثلًا هذه المسألة يجب فيها الحكم كذا طاعة لصاحب الولاية، لأن الله
-عز وجل- أمر بطاعته ومعصيته تعد من المحرمات شرعًا، وفي المقابل لا بدَّ أن تلاحظ
أن بعض الناس يلاحظ التفلت من مثل ذلك الحكم بدعوة التفريق بين أمر صاحب الولاية
والحكم الشرعي، ومن ثَمَّ لا تكون مهيجًا للناس على مخالفة أمر صاحب الولاية، بل
عليك أن تراعي أن لا يدخل الحكم حكمًا عامًا دائمًا ثابتًا وإنما تربطه بالوصف
المؤقت وهو أمر صاحب الولاية من جهة وتبين أن التزام ذلك الأمر من الواجبات
الشرعية، وبالتالي تكون دراستك للنازلة دراسة في محلها.
وهكذا فيما يتعلق بموضوع الأمور التجارية، فإن بعض الناس قد يحاول استصدار فتوى من
أجل ضرب شركة معينة لتخسر في إنتاجها، وبالتالي يقع هناك التباس عند الناس ولا يقع
بيان حقيقي لذلك الأمر.
وأنا أضرب لك أمثلة: في بعض المأكولات والمشروبات تصدرها شركة معينة، فيأتي من
يقابلها ويقول: ذلك المشروب فيه خنازير فما حكم أكل الخنزير؟ فيكون جواب المفتي أو
الدارس: أكل الخنازير محرم ووضع الخنازير في الأطعمة محرم، فيأتي تطبيق ذلك الكلام
تطبيقًا فاسدًا على هذه النازلة التي وجدت عند الناس، فهذا الطعام الذي ورد على
الناس أيًّا كان ذلك الطعام أصبح عند الناس محرمًا لهذا السبب، ولذلك في بعض الدول
وضعت منظمات عالمية بعض الأعمال الخيرية من أجل أن يكون عمل استخباراتي لمعرفة بعض
الخصائص أو بعض الأشخاص أو بعض الأعمال، وبالتالي يأتيك من يأتي ويحرم ذلك العمل
الخيري، لماذا؟ لأنه عنده الصفة عارضة موجودة فيه وهو العمل الاستخباري المقارن
لذلك العمل الخيري، فيقع في لبس، وأنا أذكر في هذا بوجود حملة تطعيم على بعض
الأمراض السارية، مثل: شلل الأطفال أو غيره، فتركب هذه الحملة أهداف سياسية بالبحث
عن أشخاص مطلوبين سياسيًّا أو أهداف تجارية وبالتالي يقال بتحريم ذلك التطعيم بناءً
على مضادة ذلك الهدف السياسي الذي رُكب لذلك العمل، فتكون الدراسة الفقهية لتلك
النازلة غير مطابقة للواقع، وهذا نجده مثلًا في أمثلة كثيرة في مسائل الطب ومسائل
الاقتصاد وغيرها من المسائل.
فالمقصود أنه لا بدَّ من ملاحظة تلك الأوصاف التي قد تركب للواقعة من أجل أن يكون
التوجه فيها لتوجه معين، ومن هنا إذا أراد الإنسان الحكم على نازلة فلا بدَّ أن
يفرق بين الأوصاف التي تقترن بتلك النازلة من جهة ولا بدَّ أن يعرف المقاصد
والأهداف التي يريدها بعض من يقدم على تلك النازلة.
يعني عندنا مثلًا في بعض نزول الأسهم أو الشركات التي تنزل للاكتتاب العام و
المساهمة العامة، هناك من يحاول أن يستولي على عدد كبير من أسهم هذه الشركة، فيبدأ
بإصدار تصريحات وتهجمات على تلك الشركة من أجل أن يبتعد الناس عنها ليشتري تلك
الأسهم، وفي المقابل نجد أن المصرف الذي يتولى عملية الاكتتاب يقوم بمحاولة إخفاء
بعض الأمور الممنوعة شرعًا عند الشركة المكتتب فيها من أجل أن لا يخسر في ذلك
الاكتتاب بكون من يقدم على شراء الأسهم لا يكون مستوعبًا لعدد الأسهم المطروحة
للاكتتاب وبالتالي يلزم البنك بها، ونحو ذلك من التصرفات التجارية التي تنبني على
وجود أغراض وأهداف تجارية تطغى على الصورة الحقيقية للنازلة الفقهية.
أيضًا من الآداب التي لا بدَّ أن نراعيها في هذا الباب: عدم التهجم على الاجتهادات
الأخرى وعلى المجتهدين المخالفين، فكون الإنسان اجتهد وتوصل إلى الحق في مسألة لا
يعني به ذلك أن يقلل من اجتهادات الآخرين، فإن اجتهاده قد يكون أو هو صواب في ظنه
لكنه يحتمل أن يتبين له خلاف ذلك بعد ذلك، وهكذا اجتهادات الآخرين هو يراها خطأ ولم
توافق الحق، لكنه قد تتغير صورة المسألة عنده ومن ثَمَّ لا يبقى على رأيه هذا،
ولذلك هذا الرأي الاجتهادي الآخر صحيح أنا قد أناقشه وقد أفند أدلته وقد أوضح حقيقة
الحال وقد أبين أنه لم يبنى على قواعد صحيحة ولكن ليس معنى ذلك أن أتهجم على ذلك
الرأي تهجمًا غير مبني على سندًا ودليل.
ومثله فيما يتعلق بالتهجم على المجتهدين الآخرين، فإن الفقهاء الذين اجتهدوا في هذه
المسألة لهم مكانتهم ومنزلتهم وتبرئ ذمتهم عند الله -جل وعلا- وهم بين أجرين
الإصابة وأجر الخطأ وهم معذورون عند الله -جل وعلا-، ومن ثَمَّ لا يصح بالإنسان أن
يقوم بالتهجم عليهم أو أن يستنقص مكانتهم أو أن يحاول صد الناس عنهم وعن
اجتهاداتهم، وكذلك لا يعني هذا أن يقصر في بيان القول الذي توصل إليه، لأن هذا أدب
آخر، وهو أن وجود الاجتهادات الأخرى في المسألة لا تعني أن يقصر الإنسان في تبليغ
ما لديه، أو أن يستحي من إظهار اجتهاده في هذه المسائل ولو خالف هوى الناس
ورغباتهم، فعندما تتوصل إلى حق أو تتوصل إلى رأي ترى أنه هو الصواب والحق وأنه حكم
الله في المسألة، فعليك أن تبديه وأن تبين هذا الحق وأن توضحه للناس وأن تقيم
الدليل عليه ولو وجد من يخالفه، ولو كان الرأي المخالف تميل إليه أهواء الناس
ورغباتهم فلا تستحي من بيان هذا الحق وتوضيحه، بيَّنهُ وعرف الناس وبيَّن الحكم
الشرعي المتعلق به ليكون هذا من أسباب براءة ذمتك ومن أسباب كونك مبلغ لشرع الله
ولدينه وإن عليك إلا البلاغ المبين.
وكذلك كون الناس لا يلتزمون بقولك، هذه ليست من مسئوليتك ولا من مهمتك، ولا ينقص
بها قولك، فإن الله -جل وعلا- قد عاب على كثير من الناس ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم
مُّؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: 8]، ﴿إِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن
سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنعام: 116]، وبالتالي وجود كثرة العوام الذين يأخذون بقول آخر
غير القول الذي تقوله في المسألة النازلة لا يعني أن تسكت وأن لا تبين الحق، لا
يعني أن تسكت وتترك بيان الحق في المسائل التي اجتهدت فيها في المسائل النازلة بعد
أن تتأكد من أهليتك للتكلم في هذه المسائل.
ولكن في مرات قد يكون الناس على قول ويسيرون عليه، ويكون عندك من الاجتهاد ما تخالف
به رأي الجماعة، ويكون بيان هذا القول يخالف فتوى جماعة الفقهاء في هذه المسألة،
وبالتالي ينقض قولهم بالكلية، ومن ثم على الإنسان أن يراعي الحكم في ذلك، فمثلًا في
مسائل التحليل (DNA) في مسائل إثبات النسب، يكون الناس يسيرون على أنه عند الإثبات
يقتصر على إثبات النسب بالفراش، ولا يرجع إلى التحليل، فتكون من رأيك أن يثبت النسب
بذلك، فيكون الولاية والقضاء والفتوى عند غيرك من المجتهدين، فإظهارك هذا القول
تشويش على الناس بدون أن يكون له أي أثر أو فائدة، ومن ثَمَّ على الإنسان أن يراعي
هذا الجانب فيما يتعلق بهذا الحكم.
فهذه أشياء وآداب متعلقة بدراسة النوازل الفقهية، متى التزمها الإنسان كان ذلك من
أسباب وصوله إلى فوائد وآثار جميلة، منها تيسير الاجتهاد ومنها درء التخبط في
الاجتهادات، ومنها الابتعاد عن الخطأ في الاجتهاد، ومنها وجود ألفة بين المجتهدين
في هذه النوازل وعدم وجود فرقة وتنافر فيما بينهم، كذلك مراعاة هذه الآداب يحصل فيه
تدريب وتعليم للآخرين في كيفية دراسة النوازل، وهكذا يوصل إلى إيجاد عقليات فقهية
متمكنة تتمكن من دراسة النوازل الفقهية.
نحتاج إلى نتحدث عن كيفية استنباط الأحكام في النوازل الجديدة، فهل يكفينا وقتنا أو
نرجئه إلى لقاءٍ آخر نتدارس فيه كيفية تطبيق الأدلة والقواعد على النوازل الجديدة.
{لعلنا نرجئه -إن شاء الله- إلى الحلقة القادمة}.
أسأل الله -جل وعلا- أن يرزقنا وإياكم علمًا نافعًا وعملًا صالحًا، كما أسأله -جل
وعلا- أن يخرج في الأمة عقليات فقهية ومجتهدين يجتهدون في النوازل الكثيرة المتعددة
التي ترد على الأمة، فإن النوازل في عصرنا الحاضر كثرت وتعقدت واحتاجت إلى فقهاء
مؤهلين مع وجود أشغال كثيرة تتعلق بالفقهاء من فتوى الناس ومن تصحيح أوضاعهم ومن
الدعوة إلى الله -جل وعلا- ومن النظر في النوازل ومن إعانة أصحاب الولاية على تحقيق
المقاصد الشرعية.
بارك الله فيك، وصلى الله على نبينا محمد.
{في ختام هذه الحلقة نشكركم أيها المشاهدون على طبية المتابعة، ونلقاكم -بإذن الله
تعالى- في حلقة قادمة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
سلاسل أخرى للشيخ
-
3820 1
-
6055 11
-
4718 10
-
5594 5
-
4167 23
-
5958 24
-
7129 24
-
8520 24
-
7488 11
-
10847 11
-
13218 11
-
16670 12