{بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين، نبينا محمدٍ وعلى
آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أيها الإخوة والأخوات في درسٍ جديدٍ من دروس التوحيد للإمام المجدد محمد
بن عبد الوهاب -رحمه الله.
ضيف هذا اللقاء هو فضيلة الشيخ/ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء،
وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء.
أهلًا ومرحبًا بالشيخ صالح.}
حيَّاكم الله وبارك فيكم.
{قال المؤلف -رحمه الله تعالى: (بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ
الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي
أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف:180])}
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
هذا الباب في بيان النوع الثالث من أنواع التوحيد؛ لأن التوحيد ثلاثة أنواعٍ، أو
أقسامٍ:
- توحيد الربوبية.
- توحيد الألوهية.
- توحيد الأسماء والصفات.
ومعنى توحيد الأسماء والصفات أن نثبت لله ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات، وأن
ننفي عنه ما نفاه عن نفسه من النقائص والعيوب، على حد قوله تعالى: ﴿لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى: 11].
فأثبت لنفسه السمع والبصر، ونفى عن نفسه المثلية والمشابهة بمخلوقاته، وهذا هو
توحيد الأسماء والصفات.
وفي الحقيقة أن التوحيد على سبيل الإجمال نوعان: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية.
وتوحيد الأسماء والصفات يدخل في توحيد الربوبية، ولكن لما وقع فيه ما وقع من
الجهمية والمعتزلة والأشاعرة من المخالفات والتأويلات الباطلة أُفرد ببابٍ خاصٍّ أو
بنوعٍ خاصٍّ.
{( ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ﴾
[الأعراف: 180]، يُشْرِكُونَ)}.
﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَ﴾ [الأعراف: 180]، وكل أسمائه
-سبحانه- حُسنى، وكل اسمٍ منها يدل على صفةٍ عظيمةٍ، فالسميع يدل على السمع،
والبصير يدل على البصر، والعليم يدل على العلم، وهكذا، ولذلك كانت حُسنى؛ لأنها
تتضمن صفاتٍ عظيمةً لله -عزَّ وجلَّ.
وأهل السنة والجماعة يُثبتون الصفات لله كما جاءت، ولا يلحدون فيها بتأويلٍ أو
بتشبيهٍ، فهم خالفوا أهل الضلال، كـ: "فرقة المشبهة والممثلة وفرقة المعطلة" الذين
ينفون عن الله -عزَّ وجلَّ- أسماءه وصفاته.
فرارًا منهم بزعمهم من تشبيه الله بالمخلوقين، ولم يعلموا أن لله -سبحانه وتعالى-
أسماءً تليق -بجلاله- وصفاتٍ تليق -بجلاله، فلا تشبه أسماء المخلوقين وصفات
المخلوقين، فالله له أسماءٌ وصفاتٌ والمخلوق له أسماءٌ وصفاتٌ، ولكن أسماء الله
-عزَّ وجلَّ- تختص به، وأسماء المخلوقين تختص بهم، ولا مُشابهة بينهما من ناحية
الحقيقة والمعنى.
{(وَعَنْهُ: سَمَّوُا اللاَّتَ مِنَ الإِلَهِ، وَالْعُزَّى مِنَ الْعَزِيزِ)}
نعم هذا من الإلحاد في أسماء الله وصفاته أنهم سموا بها مخلوقاته، وذلك في اللات
والعزى، فاللات سموها من الإله، أخذوها من الإله، والعزى أخذوها من اسم الله
العزيز، وهذا هو الإلحاد في أسماء الله وصفاته أن تُنسب إلى المخلوقين.
{(وَعَنِ الأَعْمَشِ: يُدْخِلُونَ فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَ)}.
وهذا من الإلحاد في أسماء الله وصفاته، الإلحاد هو الميل بها، والإلحاد في اللغة هو
الميل، والمراد به هنا الميل بأسماء الله وصفاته عما تدل عليه من العظمة، وعدم
المشابهة لأسماء المخلوقين، وصفاتهم، فهم ألحدوا فيها، وهم على قسمين:
- قسمٌ حَرَّفُوهَا عن معانيها الصحيحة، وفسروها بغير تفسيرها الصحيح.
- وقسمٌ أدخلوا فيها ما ليس منها، أدخلوا لله أسماءً وصفاتٍ ليس من أسماء الله
وصفاته، وهذا إلحادٌ، وزيادةٌ عما وصف الله به نفسه، أو سمى به نفسه.
فهم مالوا بها إمَّا بالتحريف والتأويل، وإمَّا بالزيادة عما وصف الله به نفسه، أو
سمى به نفسه.
{قال المؤلف رحمه الله تعالى: (فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: إِثْبَاتُ الأَسْمَاءِ)}
الأُولَى: إِثْبَاتُ الأَسْمَاءِ في قوله: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ﴾ [الأعراف:180]،
فأثبت لنفسه سبحانه الأسماء، وهي كثيرةٌ لا تُحصى، لكن منها ما ذكره لنا، ومنها ما
لم يذكره لنا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أسألك بكل اسمٍ هو لك سميت به
نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب
عندك»، قوله: «استأثرت به» هذا دليلٌ على أن هناك أسماءً وصفاتٍ لم يبينها الله
لنا، وإنما استأثر بها سبحانه وتعالى، لا يعلمها إلا هو.
{(الثَّانِيَةُ: كَوْنُهَا حُسْنَى)}
الثانية: كون أسماء الله حسنى، بمعنى أن كل اسمٍ منها يدل على صفةٍ عظيمةٍ من صفات
الله، وليست ألفاظًا مجردةً، ليس لها معانٍ.
{(الثَّالِثَةُ: الأَمْرُ بِدُعَائِهِ بِهَ)}
أن الله أمرنا بدعائه بها، ﴿فَادْعُوهُ بِهَ﴾ [الأعراف:180]، تقول: يا رحمن
ارحمني، يا رزاق ارزقني، يا عليم علمني، وهكذا.
{(الرَّابِعَةُ: تَرْكُ مَنْ عَارَضَ مِنَ الْجَاهِلِينَ الْمُلْحِدِينَ)}
﴿وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ﴾ [الأعراف: 180]، أي: اتركوا الذين يلحدون في
أسماء الله وصفاته، لا تلتفوا إليهم، ولا تعتبروا قولهم.
{(الْخَامِسَةُ: تَفْسِيرُ الإِلْحَادِ فِيهَ)}
تفسير الإلحاد فيها: أنهم سموا بها آلهتهم، اللات، والعزى، اللات من اسم الله،
والعزى من اسم العزيز.
{(السَّادِسَةُ: الْوَعِيدُ لِمَنْ أَلْحَدَ)}
قوله تعالى: ﴿سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف:180]، هذا وعيدٌ، أن
الله توعد الذين ألحدوا في أسمائه وصفاته بالوعيد الشديد، ﴿سَيُجْزَوْنَ مَا
كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ .
{حقيقة انتهت الأسئلة والمسائل في هذا الباب، ولكن هناك يا شيخ أسئلةٌ تتعلق بهذا
الباب، وقد بينتم -حفظكم الله- تعريف توحيد الأسماء والصفات، السؤال يبقى يا شيخ:
هل أسماء الله مترادفةٌ أم متباينةٌ؟}.
لا، ما هي مترادفةٌ، أسماء الله، كل اسمٍ منها يدل على صفةٍ عظيمةٍ، فليست ألفاظًا
مجردةً مترادفةً، وإنما كل اسمٍ منها يدل على صفةٍ عظيمةٍ من صفات الله -سبحانه
وتعالى-، ولذلك كانت حسنى.
{كيف ندعو الله بأسمائه؟}.
كما ذكرنا، تقول: يا رحمن ارحمني، يا رزاق ارزقني، يا عليم علمني وهكذا.
{إذن يا شيخ، أسماء الله هل هي محصورةٌ؟}.
لا، ليست محصورةً؛ لأنها ما بينه الله لنا في كتابه وسنة رسوله -صلى الله عليه
وسلم-، ومنها ما استأثر الله -عزَّ وجلَّ- بعلمه، لا يعلمه إلا هو.
{شيخ صالح، الإلحاد بم يكون في الأسماء؟}.
إما بتسمية المخلوقين بها، على وجهٍ يشابه أسماء الله -سبحانه وتعالى-، وإما بجحد
معناها، وتحريفها عن مدلولها.
{أحسن الله إليكم، أيُّهُمَا أَعَمُّ الاسم أو الصفة؟}.
الاسم أعم، كل اسمٍ يدل على صفةٍ من صفات الله -عزَّ وجلَّ-، فالأصل الأسماء،
والصفات فرعٌ على الأسماء.
{الجهمية والمعتزلة يا شيخ، مذهبهم في أسماء الله}.
يلحدون فيها، إما بنفيها عن الله -عزَّ وجلَّ-، وإما بنفي معناها، إثبات لفظها،
ونفي معناها.
المقصود في قول: ﴿فَادْعُوهُ بِهَ﴾ [الأعراف:180]، هل هو دعاء المسألة؟ أم دعاء
الطلب؟ وما الفرق بينهما؟}.
المقصود كلاهما، دعاء الطلب، ودعاء المسألة.
{حفظكم الله، هذا الباب من الأبواب العظيمة، بم تختمون هذا الباب، لكي ننتقل إلى
باب آخر؟}.
نختمه بالحث على تدبر أسماء الله -سبحانه وتعالى-، ودعاء الله بها، وعدم تحريفها
وتأويلها، أو نفيها عن الله -سبحانه وتعالى.
{قال المؤلف -رحمه الله تعالى: (بابٌ لا يُقالُ: السَّلامُ عَلَى اللهِ)}.
من أسماء الله -عزَّ وجلَّ- السلام، بمعنى أنه سالمٌ من النقائص والعيوب، وبمعنى
أنه يُسلم خلقه -سبحانه وتعالى- مما يضرهم، وإذا كان اسمه السَّلام، فلا يقال:
السلام على الله من خلقه؛ لأن السلام دعاءٌ، والله -عزَّ وجلَّ- لا يُدعى له؛ لأنه
ليس بحاجةٍ إلى ذلك.
{(فِي (الصَّحيحِ) عَنِ ابنِ مسْعودٍ رضي الله عنه قال: كُنَّا إِذا كُنّا مَعَ
النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ في الصَّلاةِ قُلْنا: السَّلامُ عَلى
اللهِ مِنْ عِبادِه، السَّلام على فُلانٍ وفلانٍ، فَقالَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «لا تَقُولوا السَّلامُ عَلى اللهِ فإنَّ اللهَ هُوَ
السَّلامُ»)}.
نعم، هذا هو الدليل على أنه لا يُقال: السلام على الله؛ لأن السلام معناه الدعاء،
والله -عزَّ وجلَّ- يُدعى، ولا يُدعى له؛ لأنه ليس بحاجةٍ إلى من يدعو له، بل هو
الذي يُدعى -سبحانه وتعالى، كانوا في الأول -يعني: في أول الإسلام- يقولون:
السَّلام على الله من خلقه، فنهاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، قال: «لا
تَقُولوا السَّلامُ عَلى اللهِ فإنَّ اللهَ هُوَ السَّلامُ».
{قال المؤلف -رحمه الله تعالى: (في هذا الباب، مسائل عدة، الأولى: تَفسيرُ
السَّلامِ)}.
تفسير السلام، بمعنى: أنه السالم من الآفات والنقائص، وبمعنى: أنه مُسَلِّمٌ لخلقه
-سبحانه وتعالى- مما يضرهم.
{(الثَّانِيةُ: أنّهُ تحِيَّةٌ)}.
أن السلام تحيةٌ، كما قال -عزَّ وجلَّ- في أهل الجنة: ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ
يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ﴾ [الأحزاب: 44]، وفي هذا أن الذي يُدعى له بالسلامة هو
المخلوق؛ لأنه بحاجةٍ إلى الدعاء، وأمَّا الله -عزَّ وجلَّ- فإنه أولًا: هو
المُسَلِّم لغيره، وثانيًا: أنه ليس بحاجةٍ إلى الدعاء من خلقه.
{(الثَّالِثَةُ: تَعليمُهُم التَّحِيَّةَ الّتي تصْلُحُ للهِ)}.
نعم، يعني من نهى عن شيءٍ، فإنه يأتي بالبديل، النبي -صلى الله عليه وسلم- لما
نهاهم عن قول: السلام على الله، أتى بالبديل الصالح، علمهم ماذا يقولون: التحيات
لله، والصلوات والطيبات، والتحيات لله يعني التعظيمات، التحيات يعني التعظيمات كلها
لله -سبحانه وتعالى.
{(الرّابعةُ: العِلَّةُ في ذلِكَ)}.
أن الله ليس بحاجةٍ إلى أن يُدعى له، وذلك من قوله: «فإن الله هو السلام»، لما نهى
عن ذلك، بيَّن العلة التي من أجلها نهى عنه فقال: «فإن الله هو السلام».
{ما حكم قول: السلام على الله}.
لا يجوز ذلك؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- نهى عنه.
{إذن العلة نقول في هذا ما هي يا شيخ؟}.
لأن الله ليس بحاجةٍ إلى أن يُدعى له، وإنما يُدعى، ويُطلب منه سبحانه.
{يا شيخ، الله يحفظكم، مناسبة الباب لتوحيد الصفات، ما مناسبته يا شيخ؟}.
الكتاب كله في إثبات الكمالات لله -عزَّ وجلَّ-، ونفي النقائص والعيوب عن الله،
ونفي التشبيه، وهو من هذا النوع.
{نحن في كتاب التوحيد، مناسبة هذا الباب قول: لا يُقال السلام على الله أيضًا لكتاب
التوحيد يا شيخ صالح}.
المناسبة أن هذا الكتاب كله في بيان ما يكون لله -عزَّ وجلَّ- من الثناء، والحمد،
والشكر، والدعاء، وبيان ما يُنزَّه الله -عزَّ وجلَّ- عنه من النقائض والعيوب
والشرك وغير ذلك.
{إذا قال الإنسان مثلًا: السلام على الملائكة، هل يجوز؟}.
نعم، الملائكة مخلوقون، السلام على الملائكة دعاءٌ لهم.
{نريد أن نختم بكلمةٍ أخيرةٍ في هذا الباب}.
النهي عن قول السلام على الله، وبيان العلة في ذلك.
{شكر الله لكم يا شيخ صالح، وبارك الله فيكم، وفي علمكم، ونفع بكم الأمة الإسلامية
على ما بينتم لنا في هذه الدروس الطيبة المباركة، من دروس التوحيد، للإمام المجدد،
محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، كان معنا شارحًا لهذه الدروس، فضيلة الشيخ صالح بن
فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، والسلام عليكم
ورحمة الله وبركاته}.