{بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغر
المحجلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أيها الإخوة والأخوات في درسٍ من دُروس التوحيد للإمام المجدد محمد بن
عبد الوهاب -رحمه الله.
ضيفُ هذا اللقاء هو فضيلة الشيخ/ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء،
وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء.
أهلاً ومرحبًا بالشيخ صالح في هذا الدرس}.
حيَّاكم الله وبارك فيكم.
{قال المؤلف -رحمه الله تعالى: (بَابُ مَا جَاءَ فِي الـ " لو ") }.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الشيخ -رحمه الله: (بَابُ مَا جَاءَ فِي الـ " لو ") أي: ما جاء من الأدلة في
حكم قول "لو" في الكلام، تارةً يكون ذلك جائزًا، وتارةً يكون ذلك غير جائزٍ،
ومخلًّا بالعقيدة، فهو أراد أن يبين في هذا الباب ما يجوز، وما لا يجوز.
{قال الله -تبارك وتعالى: ﴿يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا
قُتِلْنَا هَاهُنَ﴾ [آل عمران: 154]}.
يقول المنافقون بعد وقعة أحدٍ، وما جرى على المسلمين فيها من النكبة: ﴿لَوْ كَانَ
لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ﴾ ، يعني: لو استشارنا محمدٌ في هذا الأمر لما حصل علينا
القتل، لو أخذ برأينا، ما حصل علينا القتل في هذه الوقعة، وهذا من المقام المذموم
في كلمة "لو"؛ لأنها تسخُّطٌ على القدر، وعلى القضاء والقدر، فـ "لو" ليس لها دخلٌ
في القتل أو عدم القتل، إنما هذا قدرٌ من الله -سبحانه وتعالى- لحكمةٍ أرادها
-سبحانه وتعالى، وهم لا يعلمونها.
{وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا
قُتِلُو﴾ [آل عمران: 168]}.
نعم، وكذلك المنافقون الذين قالوا لإخوانهم من المؤمنين، والمراد بإخوانهم هنا:
الذين من قبيلتهم، المراد بالإخوة للنسب، ﴿الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ
وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُو﴾ ، والقتل إنما هو بيد الله -سبحانه
وتعالى، لا يدفعه أحدٌ، فكلمة "لو" هنا فيها تلوُّمٌ على القدر، وهذا أمرٌ لا يجوز.
{(وفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ
صلى الله عليه وسلم قَالَ: «احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللهِ
وَلاَ تَعْجِزَنَّ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ
كَذَا لَكَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ،
فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ»)}.
نعم، هذا الحديث قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: «احْرِصْ عَلَى مَا
يَنْفَعُكَ»، المسلم يحرص على ما ينفعه، ويفعل الأسباب النافعة، وَيَكِلُ الأمر إلى
الله -سبحانه وتعالى- في حصول النتائج، وإنما يفعل الأسباب ويحرص على ما ينفعه في
دِينِه وَدُنيَاه، فإن حصل عكس ما يريده، فإنه لا يجزع، ولا يتسخَّط، ولا يقول: لو
أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، فإن هذا بقضاء الله وقدره، ولا يمنعه فعل الإنسان، أو
حرص الإنسان، فالمسلم يرضى بالقضاء والقدر، سواءً كان له أو عليه، وهذا من أركان
الإيمان الستة، تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر،
خيره وشره، لا تؤمن بخيره فقط، بل تؤمن أيضًا بشره، لأنه كله من عند الله -سبحانه
وتعالى، وتؤمن بالقدر خيره وشره.
«احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللهِ»، لا تعتمد على حرصك، أو على
فعلك، بل استعن بالله، اطلب منه الإعانة والتوفيق، فهذا من الأسباب، احرص على ما
ينفعك
«احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلاَ تَعْجِزَنَّ»، لا تملْ
إلى الكسل والخمول وتعطيل الأسباب.
«احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللهِ» جمع بين الأمرين، فالحرص على
ما ينفع، وفعل الأسباب، والاستعانة بالله في حصول النتائج.
«احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلاَ تَعْجِزَنَّ»، فالمراد
بالعجز هنا الكسل والخمول، وتعطيل الأسباب النافعة.
«وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ» يعني: مما تكره « فَلاَ تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ
كَذَا لَكَانَ كَذَا وَكَذَ» هذا ما يقوله المؤمن، فهو يفعل الأسباب، ويؤمن
بالقضاء والقدر، وأن الأسباب لا تغير من القدر شيئًا، وإنما أُمرنا باتخاذها، وأن
نتوكل على الله سبحانه في حصول النتائج، ولا نجزع إذا حصل أو نتلوَّم ونقول: لو أني
فعلت كذا وكذا لكان كذا وكذا، فهذا فيه اعتراضٌ على القضاء والقدر.
«فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» فإن "لو" هذه هي العلة في النهي عن
قول: "لو" في هذه المواطن؛ لأنها تفتح عمل الشيطان على الإنسان، فيصبح فيه تحسرٌ
وفيه تلوُّمٌ، وفيه نكدٌ مما أصابه، ولو أنه وَكَلَ الأمر إلى الله ورضي بالقضاء
والقدر، بعد فعله للأسباب، لكان ذلك خيرًا له، ولانغلق باب الشيطان عليه، فلا يأتيه
الشيطان؛ لأنه أغلقه على الشيطان بالإيمان بالله، والإيمان بالقضاء والقدر.
{قال المؤلف -رحمه الله تعالى: (فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: تَفْسِيرُ الآيَتَيْنِ فِي آلِ عِمْرَانَ)}.
تفسير الآية ﴿الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا
قُتِلُو﴾ ، في هذا أن المنافقين يقولون: لو أطاعونا ما قُتلوا، فكأنهم يدفعون
القضاء والقدر الذي قدَّره الله.
﴿قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ
الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ﴾ [آل عمران: 154]، فالقضاء لا يُدفع والقدر، وإنما
تُتخذ الأسباب الواقية، فإذا حصل المطلوب فالحمد لله، وإن لم يحصل، فإن هذا بقضاء
الله وقدره، فلا يجزع الإنسان مما أصابه أو ما فاته.
{ (الثَّانِيَةُ: النَّهْيُ الصَّرِيحُ عَنْ قَوْلِ: (لَوْ) إِذَا أَصَابَكَ
شَيْءٌ)}.
نعم، النهي الصريح من الرسول -صلى الله عليه وسلم: «فإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو»،
هذا نهيٌ صريحٌ من الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه إذا أصاب الإنسان ما يكره، فإنه
يرضى بقضاء الله وقدره ويُسلم، ولا يقول: لو أني فعلتُ كذا لكان كذا وكذا، فإن هذا
لا يجديه شيئًا، بل يفتح عليه عمل الشيطان، من التحسر، ومن الجزع لقضاء الله وقدره.
{(الثَّالِثَةُ: تَعْلِيلُ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ ذَلِكَ يَفْتَحُ عَمَلَ
الشَّيْطَانِ)}.
نعم، علل النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا النهي «لا تقل لو»، لماذا؟ لأنها تفتح على
الإنسان عمل الشيطان من الوساوس، ومن الجزع، ومن السخط، ومن التلوُّم.
{(الرَّابِعَةُ: الإِرْشَادُ إِلَى الْكَلاَمِ الْحَسَنِ)}.
نعم، النبي -صلى الله عليه وسلم- أرشد إلى ما يقوله المسلم إذا أصابه شيءٌ، فإنه لا
يجزع ويسلم، ولا يقل: لو أني فعلتُ كذا وكذا، ولكن يقول: قدَّر الله وما شاء فعل،
هذا الذي يقوله المسلم عندما يصيبه شيءٌ لا يرضى به، أو يكرهه فإنه يرضى ويُسلِّم
مع فعل السبب، فالمسلم لا يجزع لقضاء الله وقدره، بل يرضى ويُسلِّم.
{(الْخَامِسَةُ: الأَمْرُ بِالْحِرْصِ عَلَى مَا يَنْفَعُ مَعَ الاِسْتِعَانَةِ
بِاللهِ)}.
نعم، الجمع بين الأمرين، الحرص على ما ينفع من الأسباب، والاستعانة بالله على حصول
المقصود، فلا يُعتمد على السبب، ويُترك الاستعانة بالله، ولا يُستعان بالله ويُترك
السبب، بل يُجمع بينهما، هذا هو المنهج الصحيح، السليم، الذي أرشدنا إليه رسول الله
-صلى الله عليه وسلم.
{(السَّادِسَةُ: النَّهْيُ عَنْ ضِدِّ ذَلِكَ وَهُوَ الْعَجْزُ)}.
«ولا تعجزنَّ»، لا تترك الأسباب كسلًا، واعتمادًا على القضاء والقدر، بل اجمع بين
الأمرين، تؤمن بالقضاء والقدر، وتعمل الأسباب النافعة المفيدة.
{فضيلة الشيخ، يتسخَّط بعض ضِعاف الإيمان على أقدار الله، ويقولون: لو لم نفعل ذلك،
ما حصل لنا ما حصل، ما العلاج؟}.
هذا هو، هذا الذي ورد في هذا الباب، أن الإنسان يفعل الأسباب النافعة، ويعتمد في
حصول النتائج على الله -سبحانه وتعالى، فإن حصل مقصوده، فالحمد لله، وهذا فضلٌ من
الله، يشكر الله على ذلك، وإن حصل عكس مقصوده، فإنه يعلم أن هذا بقضاء الله وقدره،
وربما يكون ذلك خيرًا له، ربما أنه لو حصل له مقصوده، لكان هذا ضررًا عليه، الله
أعلم -سبحانه وتعالى.
{شكر الله لكم فضيلة الشيخ صالح، وبارك الله فيكم، على ما بينتم وشرحتم في هذا
الدرس الطيب المبارك، من كتاب التوحيد، للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه
الله-، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.