الدرس الرابع

معالي الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان

إحصائية السلسلة

6585 11
الدرس الرابع

كتاب التوحيد (2)

{بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أيها الإخوة والأخوات في درسٍ من دروس التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
ضيف هذا اللقاء هو فضيلة/ الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء.
أهلًا ومرحبًا بالشيخ في هذا الدرس.}
حياكم الله وبارك فيكم.

{قال المؤلف -رحمه الله تعالى: (بابُ مَنْ هزَلَ بِشَيْءٍ فيهِ ذِكْرُ اللهِ أَو القُرآنِ أو الرَّسولِ)}
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
(بابُ مَنْ هزَلَ بِشَيْءٍ)، معنى الهزل: الانتقاد والسخرية بشيءٍ فيه ذكر الله، إمَّا اسم الله -جلَّ وعلَا، وإمَّا الأذكار، كتب الأذكار الشَّرعية التي فيها تعظيم الله -سبحانه وتعالى، وأعظم ذلك القرآن الكريم؛ فإنَّ هذا ردةٌ عن دين الإسلام، كما يأتي في هذا الباب.
{(قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ﴾ [التوبة: 65]
عن ابنِ عُمَرَ ومحمدِ بنِ كعبٍ، وزيدِ بنِ أسلمَ، وقَتادةَ -دخَلَ حديثُ بَعْضِهِم في بَعْضِ-: أنَّهُ قالَ رجُلٌ في غَزْوَةِ تَبوك: مَا رَأَيْنا مِثْلَ قُرّائِنا هَؤلاءِ أرغَبَ بُطونًا، ولا أَكْذَبَ ألَسُنًا، ولا أجْبَنَ عندَ اللِّقاءِ – يَعني: الرسولَ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وأَصْحَابَهُ القُرَّاءَ)
}
في هذا الباب ذُكِرَ دَلِيلُ هذه الترجمة، وهي أنَّ رجالًا مِنَ المُنَافقين قالوا في غزوة تبوك -وهي آخر غزوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَل تبوك، في شمال الجزيرة، تبوك بعيدةٌ عن المدينة، شمالي المدينة، وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن المشركين الروم يعدون لغزو المسلمين، وكان ذلك في وقت الحر، وقت الصيف، شدة الحر، ابتلاء من الله -سبحانه وتعالى، والمسافة بعيدةٌ بين المدينة وتبوك، ووقت مطيب الثمار.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المهاجرين والأنصار لغزو الروم، والمنافقون تخلفوا وقالوا: ﴿لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ﴾ ، قال الله -جلَّ وعلَا: ﴿قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَراًّ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾ [التوبة: 81]، فهذه الغزوة فيها امتحان لأهل الصدق والإيمان.
خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن معه من المهاجرين والأنصار نحو هذه الغزوة، وتخلف المنافقون، وقالوا: ﴿لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ﴾ ، جلس أناسٌ مِن ضِعاف الإيمان ومن المنافقين يتحدثون، وقالوا: (مَا رَأَيْنا مِثْلَ قُرّائِنا هَؤلاءِ أرغَبَ بُطونًا، ولا أَكْذَبَ ألَسُنًا، ولا أجْبَنَ عندَ اللِّقاءِ)، يعنون: رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وكان معهم فتى شابٌّ من المؤمنين، فأسرع إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأخبره بمقالتهم.
ثم إنهم جاءوا يعتذرون إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- عَمَّا قالوا، فوجدوا الوحي قد سبقهم، ونزلت الآية: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ * لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ [التوبة:65-66]، فكانوا ممسكين بناقة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويعتذرون إليه، ولا يلتفت إليهم، ولا يزيد عن تلاوة هذه الآية: ﴿أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ * لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ .
فالله -جلَّ وعلَا- حَكَمَ عليهم بالكفر لهذه المقالة، ﴿قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ فدل ذلك على أنَّ مَن هَزَلَ، أي: استهزأ بشيءٍ فيه ذكر الله، أو الرسول أو القرآن، أنه قد كفر بعد إيمانه.

{( فقالَ له عَوْفُ بنُ مالكٍ: "كَذَبْتَ ولَكِنَّكَ مُنَافِقٌ")}
هذا هو الشاب المؤمن الذي كان معهم في المجلس.
{(ولَكِنَّكَ مُنَافِقٌ، لأُخْبِرَنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
فَذَهبَ عوْفٌ إلى رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِيُخْبِرَهُ فَوجَدَ القُرْآنَ قَدْ سَبَقَهُ)
}
وجد القرآن قد نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم بخبر هؤلاء، والحكم عليهم، قبل أن يصل هذا الشاب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله -جلَّ وعلَا- يعلم ويسمع مقالتهم.

{( فَجَاءَ ذَلَكَ الرَّجُلُ إِلى رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ارْتَحَلَ وَرَكِبَ ناقَتَهُ.
فقالَ: يا رَسُولَ اللهِ إنَّما كُنَّا نَخُوضُ ونَتَحَدَّثُ حَدِيثَ الرَّكْبِ نَقْطَعُ بِهِ عَناءَ الطَّرِيقِ)
}.
نعم، جاء يعتذر، إنما نخوض في الحديث فيما بيننا، ولا نقصد شيئًا من معناه، ويعتذر إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولكن الله -جلَّ وعلَا- أنزل كفرهم بهذه المقالة، وعدم قبول معذرتهم.

{(قالَ ابْنُ عُمَر: "كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ متعلِّقاً بِنِسْعَةِ ناقَةِ رَسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وإِنَّ الحِجَارةَ تَنْكُبُ رِجْلَيْهِ")}.
نعم، الحجارة التي تثير أخفاف الناقة، تصيب رجلي هذا الذي يعتذر إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم، وهذا تأكيدٌ للرواية، وذكر للمشهد الذي حصل، والرسول لا يلتفت إليه، ولا يزيد أن يتلو عليه الآية.
{(وَهُوَ يَقُولُ: ﴿إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنلْعَبُ﴾ [التوبة:65]، فيقولُ لَهُ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم: ﴿أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ [التوبة:65-66])}.
دَلَّ على أن فيهم مؤمنون، قد ارتدوا بهذه المقالة، فدل على أنَّ من هزل بشيءٍ فيه ذكر الله، أو الرسول، أو القرآن، أنه يرتد بذلك عن دين الإسلام.

{قال المؤلف -رحمه الله تعالى: (في هذا الباب عدة مسائل: الأُولى: -وهِيَ العَظِيمَةُ- أنَّ مَنْ هَزَلَ بِهَذا كافِرٌ)}.
هزل، يعني: استهزأ بشيءٍ من هذا، من الرسول أو القرآن، أو ذكر الله -عزَّ وجلَّ، فهو كافرٌ ﴿قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ ، دَلَّ على أنهم كانوا مؤمنين، وليسوا منافقين، كانوا مؤمنين فارتدوا بهذه المقالة.

{(الثانِيةُ: أنَّ هذا هُوَ تفسيرُ الآيةِ فِيمَنْ فَعَلَ ذلِكَ كائناً مَنْ كانَ)}.
الآية وإن كان سبب نزولها خاصًا بهذه القضية، إلا أن حكمها عامٌّ لكل من صدر منه شيءٌ من الاستهزاء بالله، أو بالرسول، أو بالقرآن، أو بشيء فيه ذكر الله -جلَّ وعلَا.

{(الثالثةُ: الفرقُ بينَ النَّميمةِ والنَّصيحَةِ للهِ ولرسولِهِ)}.
الفرق ين النميمة، الرجل الذي راح يخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليس نمامًا، وإنما أراد النصيحة لله ولكتابه ولرسوله، فهو ليس يقصد النميمة عند الرسول بهؤلاء، وإنما يقصد النصيحة، ففيه فرقٌ بين النميمة والنصيحة، النميمة حرامٌ، والنصيحة واجبةٌ.

{(الرَّابِعةُ: الفرقُ بينَ العفوِ الذي يُحِبُّهُ اللهُ وبينَ الغِلْظَةِ على أعداءِ اللهِ)}.
نعم، أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما لان معهم كعادته -صلى الله عليه وسلم، وإنما غلَّظ عليهم، غلَّظ عليهم عقوبةً لهم، وكان لا يلتفت إليه، ولا يزيد على أن يتلو عليه الآية، فهذه غلظةٌ في حق من فعل هذا، فدل على أنه يُغَلَّظُ عليه، ويُشَدَّدُ عليه في الإنكار.

{(الخامِسَةُ: أنَّ مِنَ الاعتِذارِ ما لا يَنْبَغِي أنْ يُقْبَلَ)}.
نعم، الاعتذار إذا كان عن شيءٍ من هذا النوع، وهو الاستهزاء بشيءٍ فيه ذكر الله، أو الرسول، أو القرآن، أنه لا يُقبل الاعتذار في ذلك.

{فضيلة الشيخ، بعض الناس يخوض في بعض الآيات، أو بعض الأحاديث، ويقول: أنا لا أدري، وهذا قصدي، هؤلاء الذين يخوضون يا فضيلة الشيخ، ثم يعتذرون}.
لا يجوز الخوض في آيات الله، وأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بغير علمٍ وبصيرةٍ، ولا يجوز الخوض فيها ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنعام: 68]، فلا يجوز الخوض في آيات الله كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، لا يجوز الخوض فيها بغير علمٍ.

{نختم هذا اللقاء، ونذكر للإخوة والأخوات في هذا الدرس، أبرز الدروس المستفادة من هذا الباب}.
كما سبق، وكما بينه الشيخ في الترجمة وفي المسائل: تعظيم ذكر الله -عزَّ وجلَّ-، وتعظيم القرآن الكريم، تعظيم سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنهما وحيٌ من عند الله -سبحانه وتعالى-، فلا يجوز الاستهانة بهما، والخوض فيهما بغير علمٍ، وغير صدقٍ؛ لأن ذلك خطرٌ على الدين، وردةٌ عن الإسلام.

{شكر الله لكم يا شيخ صالح، وبارك الله فيكم على ما بينتم وشرحتم وأفضتم في هذا الدرس، من دروس التوحيد، جزاكم الله عنا، وعن أمة الإسلام خير الجزاء، وجزى الله المؤلف خير الجزاء على ما بيَّن في كتاب التوحيد من مسائل عظيمة تهم الأمة، شكرًا لحضراتكم أنتم أيها الإخوة والأخوات على متابعتكم لهذه الدروس مع فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، يتجدد اللقاء -إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك