الدرس التاسع

معالي الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان

إحصائية السلسلة

6534 11
الدرس التاسع

كتاب التوحيد (2)

{بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أيها الإخوة والأخوات في درسٍ من دروس التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
ضيف هذا اللقاء هو فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء.
أهلًا ومرحبًا بالشيخ صالح في هذا الدرس.}
حيَّاكم الله وبارك فيكم.

{قال المؤلف رحمه الله تعالى: (بَابُ لاَ يُرَدُّ مَنْ سَأَلَ بِاللهَ)}
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
قال رحمه الله: (بَابُ لاَ يُرَدُّ مَنْ سَأَلَ بِاللهَ).
السؤال بالله أن يقول: أسألك بالله أن تفعل كذا وكذا، والباء هنا للقسم، فهو أقسم عليه أن يُحقق له سؤاله.
والله جلَّ وعلَا يقول: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ﴾ [النساء: 1]، يقول بعضكم لبعض: أسألك بالله.
فمن تعظيم الله عزَّ وجلَّ وإجلاله ألا يرد من سأل به، نعم.
{(عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللهِ فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَ بِاللهِ فَأَعْطُوهُ، وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ، وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُوهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تُرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ)}
«وَمَنْ سَأَلَ بِاللهِ فَأَعْطُوهُ»، أعطوه ما سأل إجلالًا لله، وتعظيمًا له، وهذا من كمال التوحيد.

{(«مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللهِ فَأَعِيذُوهُ»)}.
«مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللهِ فَأَعِيذُوهُ»، فإذا قال: أعوذ بالله منك، فإنه يحقق له مطلوبه، ولا يضره بشيءٍ خافه منه.
دخل النبي صلى الله عليه وسلم متزوجًا امرأةً يُقال لها عمرة بنت الجون كانت جميلةً، قالت لها النساء: إذا دخل عليك -أي رسول الله- فقولي: أعوذ بالله منك، فإنه يزيد حبك عنده، فخدعنها بذلك، فلمَّا قالت للرسول -صلى الله عليه وسلم- ذلك، قال لها: «لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ ، الْحَقِى بِأَهْلِكِ»، فتركها صلى الله عليه وسلم.

{اللهم صل وسلم على رسول الله، («وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ»)}
المسألة الثالثة: من دعاكم إلى طعامٍ أو وليمةٍ فأجيبوه، لأن هذا من حق المسلم على المسلم، «إذا دعاك فأجبه»، لا سيما الوليمة التي تكون على مناسبة الزواج؛ فإنه يجيبه حتى ولو كان صائمًا، فيذهب إن شاء أكل، ونقض صيامه، وإن شاء اعتذر إلى صاحب الدعوة بأنه صائمٌ ليأذن له بالرجوع.

{(«وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُوهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تُرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ»)}
نعم، هذه المسألة الرابعة: من صنع إليكم معروفًا بأن قضى لكم حاجةً، أو حقق لكم مطلوبًا، فكافئوه على ذلك، من باب رد الجميل، فإن لم تجدوا ما تكافئونه به لِفقرٍ ونحوه فادعوا له، ادعوا له بالمغفرة أو بالرحمة أو بالغنى أو باليسر أو ما أشبه ذلك، حتى تروا، أي: يغلب على ظنكم أنكم كافأتموه.
فصار من صنع المعروف يكافأ بأحد أمرين:
إمَّا أن يرد عليه مثل ما بذل، وإمَّا بأن يُدعى له بالبركة والخير والغنى مما يسره ويطيب خاطره، ويرد الجميل عليه، وهذا من محاسن الأخلاق بين المسلمين.

{قال المؤلف رحمه الله تعالى: (في هذا الباب مسائل متعددةٌ، منها:
الأُولَى: إِعَاذَةُ مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللهِ)
}.
إعاذة من استعاذ بالله؛ لأنه لجأ إلى الله -جلَّ وعلَا، واعتصم به، فمن إجلال الله وخوفه، أن يُعاذ ولا يصل إليه مكروهٌ من جهة من استعاذ منه.

{(الثَّانِيةُ: إِعْطَاءُ مَنْ سَأَلَ بِاللهِ)}.
المسألة الثانية: فيه إعطاء من سأل بالله، كذلك، إجلالًا لله -سبحانه وتعالى، وتعظيمًا له، واتقاءً لغضبه سبحانه: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ﴾ [النساء: 1]، "تساءلون به" يسأل بعضكم بعضًا، فيقول: أسألك بالله أن تفعل كذا.

{(الثَّالِثَةُ: إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ)}.
إجابة الدعوة، إذا كان ليس هناك محظورٌ شرعيٌّ؛ لأن يكون في إجابتها حضور منكرٍ، بأن يكون المجلس أو الطعام الذي دعا إليه عنده حضور يفعلون المنكر، فإن كان يقدر على إزالته، فإنه يجيب، تحقيقًا لطلب أخيه، وإزالةً للمنكر، وإن كان لا يقدر على إزالته، فإنه لا يجيب الدعوة، ولا يذهب إليه.

{(الرَّابِعَةُ: الْمُكَافَأَةُ عَلَى الصَّنِيعَةِ)}.
نعم، ومن صنع إليكم معروفًا، فكافئوه على معروفه، وهذا من باب الأخلاق الطيبة، تبادل الصداقة والمودة.

{(الْخَامِسَةُ: أَنَّ الدُّعَاءَ مُكَافَأَةٌ لِمَنْ لَمْ يَقْدِرْ إِلاَّ عَلَيْهِ)}.
هذه المسألة فيها: أن الدعاء إذا لم يقدر على مكافأته، أنه يدعو له، وأن ذلك يعوض عن بذل المال، فإن الدعاء فيه خيرٌ كثيرٌ، فيدعو له بالرحمة والمغفرة والغنى ونحو ذلك.

{(السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ: (حَتَّى تُرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ))}.
يعني: أكثروا له من الدعاء، حتى يغلب على ظنكم أنكم قد كافأتم معروفه، قابلتموه بالدعاء، فدل على أنه إذا كان المكافئ أنقص من المعروف، أن ذلك لا يكفي.

{من الأسئلة التي نود أن نستفسر عنها يا شيخ: ما حكم الشرع في نظركم من رد من سأل بالله؟}.
هذا يُنقِّص التَّوحيد؛ لأنه لم يُعظِّم الله -سبحانه وتعالى-، فهذا يُنقِّص التَّوحيد.

{ولكن يا شيخ صالح، قد ينحرج المسئول، فهل يُلزم بإجابته؟ عندما يقول: أسألك بالله}.
نعم، ظاهر هذا أنه يجب عليه، يجب عليه أن يحقق مطلوبه، إذا كان مطلوبه مباحًا، وهو يقدر على إجابته ومكافأته.

{شيخنا الكريم، قد يردد بعض الناس يسأل بالله، هل يجوز للإنسان أن يسأل بالله؟}.
نعم ﴿تَسَاءَلُونَ بِهِ﴾ [النساء: 1]، يقول: أسألك بالله، هذا في القرآن الكريم.

{يا شيخ، إذا سألني بالله أن أقرضه مالًا، وأنا لا أرغب، هل يلزمني شيءٌ؟}.
لا يلزمك هذا، تعتذر منه إذا كنت تخاف أنه ما يرد عليك، لستَ بملزمٍ في هذا.

{هل يُشترط أن يكون السؤال بلفظ الجلالة؟}.
نعم، «مَنْ سَأَلَ بِاللهِ فَأَعْطُوهُ» كذا، من سألكم بالله، نعم.

{أحسن الله إليكم، ما أبرز الوقفات في هذا الباب العظيم يا شيخ صالح، حتى نختم به هذا اللقاء؟ ماذا نقول؟}.
نعم، هذا الباب فيه تحقيق التَّوحيد، وإجلال الله -سبحانه وتعالى، وتعظيمه، وطلب حوائج المسلمين في ما طلبوا منه مما يقدروا عليه، قضاء حوائج المسلمين، وهذا من محاسن الأخلاق، ومكارم الأخلاق، ومما يزرع المحبة والمودة بين القلوب، ومن صنيع المعروف.

{شيخ صالح، حقيقة أرغب أن أستفسر فيما شرحتم في بداية هذا اللقاء، وأختم به هذه الحلقة، لما قالت: ابنة الجون للرسول -صلى الله عليه وسلم: أعوذ بالله منك، أعاذها وطلقها، لكن يا شيخ صالح، يظهر أنها خُدعت}.
أي نعم، خُدعت، خدعنها النساء بذلك، والرسول ليس له إِلَّا الظاهر، فأعطاها مَا طَلَبت من مفارقتها.

{شكر الله لكم شيخنا الكريم، وبارك الله فيكم، على ما بينتم، وشرحتم، وأفضتم في هذا الباب العظيم، من أبواب التَّوحيد، للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، كان معنا فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، شكر الله للشيخ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك