الدرس الثاني

معالي الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان

إحصائية السلسلة

9425 11
الدرس الثاني

كتاب التوحيد (2)

{بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أيُّها السَّادة في درسٍ من دروس التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله.
ضيف هذا الدرس هو فضيلة الشيخ/ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء.
أهلًا ومرحبًا بالشيخ صالح في هذا الدرس}
حياكم الله وبارك فيكم.

{قال المؤلف -رحمه الله تعالى: (بَابُ مَنْ سَبَّ الدَّهر فَقَدْ آذَى اللهَ)}
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
هذا الباب في النَّهي عَن سَبِّ الدَّهر، وهو الوقت والزمان، كالذين يَسُبُّون اليوم أو يَسُبُّون الشهر، أو يَسُبُّون السنة أو نحو ذلك؛ لأنَّ الوقت إنما هو مخلوقٌ لله -عزَّ وجلَّ، وَمُدَبَّرٌ بأمر الله، وما يجري فيه مِن خيرٍ أو شرٍ فإنما هو من الله -سبحانه وتعالى.
فالذي يَسُبُّ الدَّهر يَسُبُّ المُدَبِّر وهو الله -سبحانه وتعالى، وهذا لا شك أنَّه إِمَّا أن يتنافى مع التوحيد، وإِمَّا أَنَّه يُنْقِصُ التَّوحيد.

{(قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهر﴾ [الجاثية: 24])}
نعم هذا من القرآن الكريم، قال الله -عزَّ وجلَّ: ﴿وَقَالُو﴾ أي: أهل الجاهلية الذين ينكرون البعث مِنَ الملاحدة ونحوهم، ﴿مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَ﴾ وهؤلاء يُسَمَّون بالدَّهرية؛ لأنهم لا يؤمنون بالبعث، وإنما ينسبون الأمور إلى الدَّهر أنه هو الذي يحييهم، وهو الذي يميتهم، وهو الذي يرزقهم، ويدبر الأمور، وهذا من جهلهم بالله -سبحانه وتعالى.
فمن سَبَّ الدَّهر فقد آذى الله؛ لأن الدَّهر مخلوقٌ، والذي يدبر فيه الأمور هو الله -عزَّ وجلَّ، فالذي يَسُبُّ الدَّهر إنما يَسُبُّ المُدَبِّر لا المُدَبَّرَ فيه، الدَّهر مُدبرٌ فيه، وأما المدبر فهو الله سبحانه وتعالى.

{(وفِي (الصَّحِيحِ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَالَ اللهُ تَعَالَى: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ»)}
نعم، هذا يُبين علاقة مناسبة الترجمة، (بَابُ مَنْ سَبَّ الدَّهر فَقَدْ آذَى اللهَ)، هذا مأخوذٌ من لفظ هذا الحديث، أن الله -عزَّ وجلَّ- يقول في الحديث القدسي الذي يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ» بماذا؟ «يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ».
الدَّهرُ إنما هو مُدَبَّرٌ ومخلوقٌ، ووقتٌ وزمانٌ لأعمال العباد، ولما يُجريه الله فيه من الحوادث خيرها أو شرها، فالذي يَسُبُّ الدَّهر يَسُبُّ الله -عزَّ وجلَّ؛ لأنَّه هو المدبر الذي بيده تصريف الأمور، وما يجري مِن خَيرٍ أو شرٍّ فهو بقضاء الله وقدره، لا بسبب الدَّهر، إنما هذا اعتقاد الدَّهرية الذين ينسبون الأمور كما في هذه الآية ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ﴾ أي: ليس هناك بعثٌ ولا نشورٌ ﴿مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَ﴾ أي: يموت قومٌ ويحيى آخرون، يولدون، فقومٌ يولدون وقومٌ يموتون، هكذا يزعمون أن هذا إنما هو من تصرف الدَّهر.
﴿نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهر﴾ ينسبون الهلاك إلى الدَّهر، أي أن الموت بيد الدَّهر، هو الذي يميتهم، قال الله -عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَا لَهُم بذَلِكَ﴾ أي: بهذا القول من علمٍ، لا حجة لهم، ولا دليل لهم على ذلك ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾ .

{(وَفِي رِوَايَةٍ: «لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ؛ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ»)}.
هذه الرواية، مثل الرواية التي قبلها، فيها النهي عن سب الدَّهر، وهو الزمان، والوقت، والأيام، والسنين، والشهور، لا يجوز سبها؛ لأنها مُدبَّرةٌ مخلوقةٌ، ليس بيدها شيءٌ من الأمر، وإنما المدبِّر هو الله -سبحانه وتعالى، ولهذا قال -عزَّ وجلَّ: «وَأَنَا الدَّهْرُ»، ليس من أسماء الله الدَّهر، كما يظنه البعض، وإنما فسَّره النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ»، فسره في الحديث، معنى «وَأَنَا الدَّهْرُ»، أي أنه هو الذي يقلِّب الليل والنهار، ويُجري فيه الحوادث والوقائع، فليس الدَّهر هو الذي يحدث هذه الأمور.

{قال المؤلف -رحمه الله تعالى: (في هذا الباب عدة مسائل، الأُولَى: النَّهْيُ عَنْ سَبِّ الدَّهْرِ)}.
نعم، النَّهي عن سَبِّ الدَّهر، وهذا صريحٌ في الحديث: «لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ؛ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ»، «يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ».

{(الثَّانِيَةُ: تَسْمِيَتُهُ أَذًى للهِ)}.
تسمية سَبِّ الدَّهر أذىً لله؛ لأنه يَسُبُّ الله في الحقيقة، مَن سَبَّ الدَّهر، فإنه يَسُبُّ المدبِّر والخالق، الذي يدبِّر ما يجري في هذا الزمان وهذا الوقت، فهو مسبةٌ لله -عزَّ وجلَّ، وهذا أذًى لله -عزَّ وجلَّ، فالله يتأذى من أفعال عباده، ولا يتضرر بها -سبحانه وتعالى، هو يتأذى بها، كما في هذا الحديث: «يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ»، ولا يتضرر بشيءٍ، ولا يضره شيءٌ -سبحانه وتعالى.

{(الثَّالِثَةُ: التَّأَمُّلُ فِي قَوْلِهِ: «فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ»)}.
نعم، «فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ»، ما معناه؟
تأملوا، يعني هو الذي يدبر الأمور، وليس الذي يدبرها هو الوقت والزمان، وإنما الذي يدبرها هو الله -سبحانه وتعالى، فهذا معنى: «أنا الدَّهر».

{(الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ سَابًّا وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ بِقَلْبِهِ)}.
يكون سابًا بلسانه، وكما يجري على ألسنة بعض الناس، ما نسمعه من كثيرٍ منهم، الله لا يبارك في الساعة التي جابتك، هذا وقتٌ ما هو طيبٌ، فهذا كله من الجهل، ولا تُنسب الأمور إلى الدَّهر، ولا إلى الساعة، ولا إلى الشهر، ولا إلى الزمان، وإنما تُنسب الأمور إلى الله، هو المدبِّر -سبحانه وتعالى، ولا يدبِّر هذه الأمور إلا لحكمةٍ، لحكمة يعلمها -سبحانه وتعالى، قد تظهر لنا، وقد لا تظهر.

{في وقتنا الحاضر -يا شيخ- بعض الناس لا يتورع في إطلاق لسانه، ويطلق العنان للسانه، يقول: كيف يشاء؟}.
نعم، هذا من الجهل، الغالب أنه من الجهل، والجهل آفةٌ؛ لأنهم لم يتعلموا التوحيد والعقيدة، ولم يتعلموا ما ينبغي أن يُقال، وما لا يجوز أن يُقال، هذا نتيجة الجهل، وعدم تعلم العقيدة، والجريان على العادات أيضًا، فهذا فيه ضرر الجهل بالتوحيد.

{شكر الله لكم فضيلة الشيخ، على ما بينتم لنا في هذا الدرس الطيب والمبارك من دروس التوحيد، للإمام المجدد، محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله.
شكر الله لكم، وبارك فيكم، وشكرًا لكم أنتم أيها السادة، على تفضلكم بمتابعة هذه الدروس، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك