الدرس التاسع

معالي الشيخ أ.د. سعد بن ناصر الشثري

إحصائية السلسلة

13220 11
الدرس التاسع

القواعد الفقهية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين، أما بعد..
فهذا لقاءٌ جديدٌ نفرح فيه بتدارس العلم؛ لأننا بذلك نتقرب إلى رب العزة والجلال، خصوصًا بتعلُّم القواعد التي تندرج تحتها فروعٌ كثيرةٌ، وبذلك نختصر وقتًا كثيرًا عند تعلُّمنا لهذه القواعد التي تضم ألفاظًا يسيرةً ومعانيَ كثيرةً.
أخذنا فيما مضى عددًا من القواعد الكلية التي تندرج تحتها فروعٌ فقهيةٌ، وركزنا على القواعد التي تكثر فروعها في أبواب المعاملات المالية.
في هذا اليوم -بإذن الله عزَّ وجلَّ- نأخذ قاعدةً متعلقةً بالشروط، نتكلم فيها عن: ما ثبت بالشرع مقدمٌ على ما ثبت بالشرط.
قولنا: "مَا ثَبَتَ" أي: ما وجد وما تقرر وما تأكد بواسطة الشرع، بورود دليلٍ يدل عليه؛ فإنه مقدمٌ على ما اشترطه المتعاقدان.
هذه القاعدة قاعدةٌ مهمةٌ، وتنبني عليها فروعٌ فقهيةٌ في جميع أبواب المعاملات، بل قد يترتب عليها أبواب العقود الأخرى كعقد النكاح، وقد دل على هذه القاعدة عددٌ من الأدلة.
منها: قول النبي -صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم ، إلا شرطًا أحل حرامًا، أو شرطًا حرم حلالً».
وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يتعلق بالشروط «إن أحق ما أوفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج».
ويدل على ذلك مثل قوله -عزَّ وجلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، ومن الوفاء بالشروط التي تضمنها ذلك العقد.
الشروط على نوعين:
شروط العقود وشروطٌ في العقود.
مثال ذلك:
يشترط في صحة البيع الرضا بين المتعاقدين، هذا من الذي وضعه؟
رب العزة والجلال، لو لم يوجد هذا الشرط ما الحكم؟
بطل العقد، لكن هناك شروطٌ يشترطها أحد المتعاقدين، كما لو اشترط أحدهما تأجيل الثمن، من الذي وضع هذا الشرط؟
المشتري، هو الذي يريد تأجيل الثمن، ورضي به الآخر، لو لم يوجد هذا الشرط؟
حينئذٍ نقول: إن العقد صحيحٌ ويحق لمن فاته الشرط أن يبطل أو أن يفسخ العقد.

كم عدد شروط البيع؟
سبعةٌ معروفةٌ، من قبل الشارع، كم عدد الشروط في البيع؟ لا يوجد لها تحديدٌ؛ لأنها تختلف باختلاف المتعاقدين، فإذن الشروط في البيع تفارق الشروط في شروط البيع، شروط البيع محفوظة العدد محددةٌ تكون من قبل الشارع، إذا فات أحدها بطل العقد، ولابد من وجودها جميعًا في جميع العقود، وهي محصورةٌ بعددٍ معينٍ.
بينما الشروط في البيع فهي من قبل المتعاقدين، وإذا فاتت أو فات أحدها لم يبطل العقد لكن يحق لمن فاته غرضه فسخ العقد.
وكذلك هذه الشروط غير محصورةٍ بعددٍ، إذن عرفنا الفرق بينهما.

وفي جميع العقود هناك شروطٌ للعقد من قبل الشارع، وهناك شروطٌ في العقد من قبل المتعاقدين، نحن اليوم نتكلم عن هذين الأمرين، نقارن بينهما.
فنقول: ما ثبت بالشرع من شروطٍ وأحكامٍ مقدمٌ على ما ثبت بالشرط حيث شرطه أحد المتعاقديْن على الآخر.

إذا عرفنا هذا فإن الشروط في العقود ستة أنواعٍ:
النوع الأول: شروطٌ من مُقتضى العقد، فهذه تقرر وتثبت ما كان ثابتًا بالعقد.
مثال ذلك: بعتك سيارةً واشترطت علي أن أسلم السيارة لك، تسليم السيارة سيكون بالعقد، اشترطه أو لم يشترطه، فهذا شرطٌ ما هو من مقتضى العقد، ثابتٌ سواءً اشترطه أو لم يشترطه.
مثالٌ آخر: تزوج امرأةً وشرطت عليه أن ينفق عليها، أو شرط الرجل على المرأة أن يطأها، أو شرطت المرأة أنها إذا جاءت بولدٍ أن ينسب إليه، هذه الشروط ثابتةٌ، ثابتٌ مفادها وجد الشرط أو لم يوجد.
ولكن الشرط يكون تأكيدًا، فهذه شروط مقتضى العقد، وهو ثابتٌ شُرط أو لم يشرط، هذا النوع الأول.
النوع الثاني: شرط ما هو من مصلحة العقد، كما لو اشترط صفةً في المعقود عليه.
مثال ذلك:
اشترى منه السيارة واشترط تأجيل الثمن، تأجيل الثمن لا يؤخذ من ذات العقد، إذن ليس من مقتضى العقد، لكن هذا من مصلحة العقد، وبالتالي يكون شرطًا صحيحًا ولو تعدد.
مثالٌ آخر:
لو اشترط عليه مثلًا أن يكون المبيع على صفةٍ معينةٍ، هذا من مصلحة العقد، كذلك لو اشترط رهنًا، قال بتأجيل سنةٍ مع وجود كفيلٍ، أو اشتراط رهنٍ، في هذه الحال هذا الشرط صحيحٌ وجائزٌ لأنه من مصلحة العقد ولو تعدد.
الأمر الثالث من الشروط: شروط من مصلحة العاقد، ليس من مصلحة العقد.
اشترى منه الكمبيوتر بألف ريال، واشترط عليه مسح السيارة كل يومٍ لمدة أسبوعٍ، شرط مسح السيارة هل هو من مصلحة العقد؟ هل هو من مقتضى العقد؟ لا، لكنه من مصلحة العاقد.
ما حكم هذا الشرط؟
يحتاج إلى بحثٍ فيه، واضح الآن اختلف الفقهاء في الشروط التي من مصلحة العاقد، الجمهور يقولون: هذه الشروط باطلةٌ، لماذا يا أيها الجمهور قلتم بذلك؟ قالوا: لأن هذا خارج مقتضى العقد، خارج مصلحة العقد، ويجب أن نوفر العقد لما هو من مقتضاه ومن مصلحته، ولا نشترط فيه شروطًا أخرى.
واستدلوا عليه أيضًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطلٌ وإن كان مائة شرطٍ»، وهذا حديثٌ صحيحٌ متفقٌ عليه.
واستدلوا ثالثًا بحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيعٍ وشرطٍ، وهذا في سنن أبي داود لكنه ضعيف الإسناد.
وحديث «كل شرطٍ ليس في كتاب الله» مرادٌ به كل شرطٍ يخالف ما في كتاب الله فهو باطلٌ، فهنا المراد به الشرط المخالف للشرع.
هذا القول الذي يقول بإبطال الشروط التي من مصلحة العاقد هذا مذهب الأئمة أبي حنيفة ومالك والشافعي.
في مقابلة هؤلاء مذهب الإمام أحمد، مذهب الإمام أحمد يصحح الشروط التي في العقد لمصلحة العاقد، وعندهم روايتان، روايةٌ تقول: لا يصح إلا شرطٌ واحدٌ، لحديث نهى عن شرطيْن في بيعٍ، وروايةٌ أخرى تقول: تصح الشروط وإن تعددت، وهذا القول الثاني هو الأرجح في هذه المسألة.
ما الدليل؟
قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، ومن الوفاء بالعقد الوفاء بشرطه، وكذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم»، وكذلك أيضًا ما ورد في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الثنيا إلا أن تُعلم.
في الاستثناءات شروطٌ، فإذا كانت معلومةً فإنه تصح بمقتضى هذا الحديث، نهى عن الثنيا، يعني الاستثناءات، ومنها الشروط، إلا أن تُعلم، إذا كانت الشروط معلومةً جاز اشتراطها.
ويدل على ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان قادمًا إلى المدينة، وكان معه جابر بن عبد الله فاشترى النبي -صلى الله عليه وسلم- جمل جابر منه، واشترط جابر حملانه إلى المدينة، قال: بشرط أن تبقى أغراضي وأدواتي على البعير حتى نصل إلى المدينة.
هذا الشرط ليس من مصلحة العقد، وإنما من مصلحة العاقد، وصحح النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الشرط، فدل هذا على صحة الشروط التي تكون لمصلحة العاقد، وهذا القول هو أرجح الأقوال في المسألة، ويدلك هذا على سعة مذهب الحنابلة فيما يتعلق بباب المعاملات، لأنهم هم الذين فقط يصححون الشروط التي تكون من مصلحة العاقد.

وأيضًا هناك مسألةٌ وهي هل الأصل في العقود الصحة أو لا؟
الحنابلة يقولون: الأصل في العقود أنها صحيحةٌ، ولو جاءنا عقدٌ جديدٌ نحكم عليه بأنه صحيحٌ، بينما كثيرٌ من الفقهاء يرون أن الأصل في العقود أنها توقيفيةٌ ولا نستحدث عقودًا جديدةً.
إذن هذا هو النوع الثالث من أنواع الشروط
الأول: شرط ما هو من مقتضى العقد.
الثاني: شرط ما هو مصلحة العقد.
الثالث: شرط ما هو من مصلحة العاقد.
الرابع: شرط يخالف مقتضى العقد.
مثال ذلك:
أبيعك السيارة على أن تبقى السيارة في ملكي، نقول: هذا شرط يخالف مقتضى العقد، وبالتالي يكون باطلًا.
مثالٌ آخر:
تزوج امرأةً واشترط عليها ألا يعطيها مهرًا، نقول: هذا شرطٌ باطلٌ؛ لأن من مقتضى العقد وجود المهر وبالتالي نثبت مهر المثل.
اشترطت عليه ألا يطأها بعقد النكاح، نقول: هذا الشرط يخالف مقتضى العقد.
أجره البيت، واشترط عليه ألا يسكن فيه، نقول حينئذٍ: هذا الشرط باطلٌ.


هل يؤثر هذا على العقد؟
هناك منهجان في الشروط المخالفة لمقتضى العقد، منهم من يقول: يبطل الشرط ويصح العقد، وهذا مذهب أحمد وجماعةٌ.
الجمهور يقولون: يبطل أصل العقد، قالوا: وجد فيه شرطٌ باطلٌ وبالتالي يبطل أصل العقد.
مذهب الحنابلة في هذه المسألة أقوى؛ لأنه ورد في حديث بريرة الذي ذكرناه في اللقاء السابق، أن أصحابها باعوها بتسع أواقٍ على عائشة، واشترطوا أن الولاء لهم، فهذا الشرط يخالف مقتضى العقد، حيث إنَّ مِن مُقتضى العقد أنه إذا باعه انتقلت ملكيته للمشتري، وبالتالي انقطعت علقته، فيكون الولاء للمعتق الذي كان المملوك في ملكه.
ولذلك اشترطوا هذا الشرط فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعائشة: اشتريه، هذا الشرط شرطٌ باطلٌ وقال الحديث السابق، «كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطلٌ، إنما الولاء لمن أعتق» فدل هذا على تصحيح العقد مع وجود شرطٍ تخالف مقتضى العقد، كما قال الحنابلة خلافًا لرأي الجمهور وهذا يدلك على سعة مذهب الحنابلة في أبواب العقود لأنهم يسعون إلى تصحيحها.

النوع الخامس من أنواع الشروط: ربط عقدٍ بعقدٍ.
بحيث يكون العقدان في محلٍّ واحدٍ، فهذا يؤدي إلى إبطال العقدين، ومن أمثلته:
نكاح الشغار، وهو أن يقول: أزوجك أختي على أن تزوجني أختك، ففي هذه الحال نقول: هذا ربط عقدٍ بعقدٍ، وبالتالي يبطل العقدان، ما الدليل؟
أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيعتين في بيعةٍ، وفي لفظٍ نهى عن صفقتين في صفقةٍ.
ولذلك لا يصح أن تجمع بين عقديْن على محلٍ واحدٍ، مثال ذلك: عندك أجيرٌ، عندك موظفٌ في محلك، تقول له: راتبٌ ألف ريال ونسبةٌ ثلاثة بالمائة من الأرباح، نقول: هذا لا يصح؟ لماذا؟
لأنه جمعٌ بين عقديْن، العقد الأول عقد المضاربة، يستحق فيه النسبة، والثاني عقد الإيجارة يأخذ فيه الراتب.
ماذا نفعل؟ نقول نجعل كل واحدٍ منهما على عملٍ مخالفٍ، مثال ذلك: يقول ادفع عشرة آلاف ريال وتكون شريكًا. ولك واحد بالمائة من الربح مثلًا، وتعمل في المحل ولك الراتب الفلاني، فهنا سبب الاستحقاق اختلف.
أو يقول: الراتب على تنظيمك للمحل، والنسبة على بيعك، فهنا اختلف.

لماذا ندقق في هذا الأمر؟
لأنه عند حصول النزاع، يأتي الشرع ويفك هذا النزاع بوضع كل واحدٍ منهما له محلٌ مختلفٌ عن محل الآخر.
النوع السادس: ربط أو اشتراط العقد بأمرٍ مستقبليٍّ.
مثال ذلك: تقول: أبيعك هذا الكمبيوتر بألف ريال بشرط ترضى الوالدة، يمكن الوالدة ما ترضى، هذا ربط العقد بأمرٍ مستقبليٍّ، جمهور أهل العلم لا يصححون هذا العقد، يقولون: العقود لابد أن تكون باتةً مجزومًا بها.
وذهب طائفةٌ وهو روايةٌ عن أحمد إلى تصحيح العقود المربوطة بأمورٍ مستقبليةٍ، ويستدلون على ذلك بأن عتاب بن أسيد أمير مكة اشترى دارًا من صفوان بن أمية في مكة؛ ليجعلها دارًا للسجن، واشترط رضى عمر بذلك.
ففي هذه الحال قلنا: إنه وقع إجماعٌ من الصحابة على تصحيح العقد وفي نفس الوقت قلنا: إن هذا الإجماع يدل على جواز ربط عقد البيع بأمرٍ مستقبليٍّ، دل على جواز ربط البيع بأمرٍ مستقبليٍّ.

إذن عرفنا أن أنواع الشروط ستة أنواعٍ، كل واحدٍ منها له حكمٌ، وعرفنا الفرق بين شروط الشرع وبين شروط المتعاقدين، هذا شرط العقد، وهذا شرطٌ في العقد.
الشروط هل تكون خاصةً بالعقود؟
نقول: لا قد تكون هناك شروطٌ في أمورٍ أخرى، مثلًا في: الاعتكاف، في الاعتكاف بعض الناس يشترط شروطًا، أنه يذهب للغداء في البيت، مثلًا في الإحرام بعض الناس يشترط عددًا من الشروط مثلًا من الشروط أنه إذا حبسني حابسٌ فمحلي حيث حبستني، فهذا شرطٌ في الإحرام، بحيث يجوز له التحلل من الإحرام متى وجد له ما اشترطه.
وهذه القاعدة المتعلقة بالشروط قاعدةٌ مهمةٌ، ويجب علينا أن نحققها.
القاعدة تقول: "ما ثبت بالشرع مقدمٌ على ما ثبت بالشرط"، فإذا اشترطت عليك شروطًا وكان الشارع لا يجيز هذه الشروط فحينئذٍ هذه الشروط لاغيةٌ، لمخالفتها للشرع.
مثال ذلك:
لو استأجره ليعمل عنده، قال من شروط العمل أن تصنع لي خمرًا، أو أن تحضر لي الدخان، حينئذٍ نقول هذا الشرط شرطٌ باطلٌ، لأن الشارع قد نهى عنه، والشرط الثابت بالشرع مقدمٌ على ما ثبت بالشرط.
ما الدليل على هذه القاعدة؟
الأدلة السابقة أدلةٌ على وجوب الالتزام بالشروط، نحن نريد أدلةً تدل على تقديم ما ثبت بالشرع على ما ثبت بالشرط.
أعطونا أدلة لذلك.
الأدلة حديث بريرة «كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطلٌ»، أيضًا النصوص الدالة على وجوب العمل بالكتاب والسنة، مثل: ﴿مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ [الحشر: 7]، ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [التغابن: 12]، معناه تقديم ما ورد في الشرع على ما جاء في الشروط.
ومن ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم: «إنما الطاعة في المعروف، لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الله»، ونحو ذلك.
كذلك أيضًا قول النبي -صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ».
الشروط المخالفة للشرع على خلاف أمر الشارع، فتكون مردودةً، لأنها على خلاف ما جاء عن الشرع.
أظن هذا نريد أمثلةً لشروطٍ مخالفةٍ لما ثبت بالشرع، حديث بريرة
إذن هناك الشروط التي تخالف مقتضى العقد، هذه تدخل معنى فنقول: ما ثبت بالشرع مقدمٌ على ما ثبت بالشرط.
أيضًا لو عقد على امرأةٍ واشترطت عليه ألا يطأها، لو عقد على امرأةٍ واشترط أن يطأها في وقت الحيض وفي الدبر، نقول: ما ثبت بالشرع مقدمٌ على ما ثبت بالشرط.
كذلك لو اشترط على المرأة ألا ينفق عليها، ماذا نقول؟
نقول: هذا الشرط غير لازمٍ.
لكن لو قدر أنه مضت سنةٌ، لم تطالب بالنفقة، ثم طالبت بها، نقول: تنازلتِ، سبق أن تنازلتِ، لكن يجب عليه أن يقوم بإعطاء النفقة في المستقبل.
إذن واضحةٌ هذه القاعدة، وقاعدة الشروط قاعدةٌ مهمةٌ، وقاعدةٌ أصيلةٌ، ويترتب عليها فروعٌ فقهيةٌ في كثيرٍ من الأبواب الفقهية.

نتقل إلى قاعدةٍ جديدةٍ، وهي قاعدة: "إذا اجتمع حلالٌ وحرامٌ، فإننا نغلب جانب التحريم".
ما المراد بهذه القاعدة؟ إذا اجتمع الحلال، يعني: اجتمع سبب الحل مع سبب الحرمة، فحينئذٍ نغلب جانب التحريم.
من المعلوم أن الأحكام الشرعية لها أسبابٌ، مثلًا الحرمة، ما تقول إنها محرمٌ إلا لوجود سبب التحريم، مثلًا في الأطعمة، هناك أسبابٌ للتحريم، قد تكون لنجاستها، قد يكون لعدم ذكاتها، قد يكون هناك أسبابٌ إذن.
هكذا بقية الأحكام لها أسبابٌ يعلق الشارع الحكم على السبب، فإذا وجد سبب تحريمٍ، ووجدت إباحةٌ، فإننا نغلب جانب التحريم، وأظن أننا سبق أن أشرنا إليها فيما مضى في قاعدة: اليقين لا يزال بالشك، وقلنا المسائل أربعة أنواعٍ:
النوع الأول: ما وجد فيه دليل إثباتٍ فقط، فحينئذٍ نثبت الحكم، وجد فيه دليل إباحةٍ، فنثبت الإباحة، مسألةٌ أخرى: ما وجد فيه دليل تحريمٍ فقط، نثبت التحريم.
النوع الثاني: ما وجد فيه دليل نفيٍ، فحينئذٍ نثبت النفي، نحكم بالنفي، الأول دل على جواز أكل الأرنب، نقول: الأرنب جائزٌ؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أكل الأرنب، فيه دليل يدل على جواز أكل الخيل، نقول: أكل الخيل جائزٌ، هناك مسائل دل الدليل على التحريم، مثل أكل لحم الخنزير، أو الميتة، أو شرب الخمر، فحينئذٍ نحكم بما دل عليه النص.
النوع الثالث: ما لم يوجد فيه دليل إباحةٍ، ولا نفيٍ، ولا تحريمٍ، لم يوجد فيه دليل إثباتٍ ولا نفي، فحينئذٍ نحكم بقواعد الأصل السابقة معنا، قد يكون الأصل بإباحته، كما قلنا: الأصل في الأطعمة الحل، وقد يكون الأصل بالتحريم، كما قلنا: الأصل في العبادات الحظر والمنع.
النوع الرابع من أنواع المسائل: ما وجد فيه الدليلان، دليل إباحةٍ، ودليل الحظر والتحريم، دليل الإثبات، ودليل النفي، ففي مثل هذه المسائل، نقدم دليل التحريم، ونحكم بالحرمة، وهو ما جاء لتطبيق هذه القاعدة.

نريد أن نستدل على القاعدة، ثم نأتي بأمثلةٍ فقهيةٍ على هذه القاعدة.
جاء في الحديث، حديث عدي بن حاتم، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا أرسلتَ كلبك المعلم، فوجدت معه كلبًا آخر، فلا تأكل، فإنما سميتَ على كلبك»، هنا وجد سببان، سبب تحريمٍ، هو الكلب الأجنبي غير المعلم، وسبب إباحةٍ، وهو الكلب المعلم، ففي هذه الحال نقول: لا يجوز الأكل، تغليبًا لجانب التحريم.
الكلب المعلم، المراد به الذي عُلِّمَ الصيد، بحيث لا ينطلق إلا إذا أُمر، وإذا انطلق لا يأكل من الصيد، وإذا زجر عن الصيد انزجر، هذا هو الكلب المعلم.

ما الأدلة أيضًا؟
ما ورد في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا رميت بسهمك الصيد، فوقع في الماء فلا تأكل»، الرمي بالسهم يحل ما صِيد بالسهم، لكن لما وقع في الماء، وجد عندنا سببيْن: سبب حلٍّ، وهو السهم، الصيد، ووجد سبب تحريمٍ، وهو الغرق، فحينئذٍ ماذا نقول؟ نغلب جانب التحريم، على منطوق هذا الحديث «إذا رميتَ بسهمك الصيد، فوقع في الماء فلا تأكل».
جاء أيضًا من الأدلة على القاعدة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الحلال بيِّنٌ، والحرام بيِّنٌ، وبينما أمور مشتبهاتٌ، فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه»، هذا الذي اجتمع فيه سبب حلٍّ، وسبب حرمةٍ، من المشتبهات التي أمرنا بتركها، ويدل عليها أيضًا حديث الحسن بن علي -رضي الله عنهما، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»، وأيضًا ما ورد في الحديث، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «استفت قلبك، وإن أفتاك المفتون، ثم أفتوك»، هذا الحديث كثيرٌ من الناس ينزله على غير محله، بعض الناس يقول: راجع نفسك، إذا قالت نفسك حلالٌ، خلاص، كل ما عليك من أحدٍ، ولا عليك من المفتين لهذا الحديث، نقول: لا، هذا فهمٌ خاطئٌ، المراد بهذا الحديث: ترك ما يقع في نفسك منه شكٍّ وريبةٍ، ولو أفتاك المفتون بالحل والجواز، وليس المراد به: إذا أفتوك بالحرمة، تخالف فتواهم، بناءً على ما في قلبك، هذا من اتباع الهوى، والله -عزَّ وجلَّ- يقول: ﴿ولَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [ص: 26]، إذن المراد بالحديث: أنه إذا تحرج قلبك من شيءٍ، وأفتاك مفتون بالحل والجواز، فحينئذٍ استفت قلبك، وإن أفتاك المفتون، ثم أفتوك.
ويدل على هذا أيضًا حديث: «إذا نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه، وإذا أمرتكم عن شيءٍ فائتوا منه ما استطعتم»، في جانب النهي شدد، مرةً أمرٍ بأمرٍ جازمٍ.
نريد أن نمثل بأمثلةٍ لهذه القاعدة، عندنا شخصٌ عنده حوشٌ فيه ذبيحتان، فيه شاتان، إحداهما نطحت الأخرى، فماتت، انكسرت قرون الاثنتين، إحداهما ماتتْ، فجاء بالسكين، وقطع رقبتها بعدما ماتت، هذه التذكية لا تنفع، فأخذ الشاة الثانية فذبحها، التي ذبحها حلالٌ، والأخرى ميتة، ذهب فيبدو أن أحد الأشخاص سحبهما، واختلطتا، ولم يستطع أن يفرق بينهما، ماذا نفعل؟
يجب تركهما جميعًا ، اجتمع سبب حل، وسبب حرمة، في كل واحدة منهما، فوجب تركهما.
من أمثلة هذا: ما لو اختلطت أخته بأجنبيةٍ، لم يجز جواز الرجل منهما، كيف تختلط أخته؟ لا يعرف أخته. من يجيب؟
{قد يكون هذا برضاعٍ مثلًا}.
نعم، هناك زيدٌ له بنتان، إحداهما رضعت من أمك، ولا تدري هل هي الصغرى أو الكبرى، في هذه الحال نقول: لا يجوز لك الجواز بواحدةٍ منهما.
لماذا؟ اجتمع فيهما سبب حلٍّ، وسبب حرمةٍ، فغلبنا جانب التحريم.
في بعض مراتٍ تكون المسألة الواحدة، نغلب فيها جانب سببٍ، ونغلب جانب سببٍ آخر، من الجهة الأخرى، أعطيكم مثالًا: جاء في الحديث، أن عتبة بن أبي وقاص، عهد إلى أخيه، سعد بن أبي وقاص، وصاه بوصيةٍ قبل موته، قال: يا أخي، أنا وطأت جارية زمعة، جاريةً مملوكةً لزمعة، وأتت بولدٍ، فأطلب منك أن تطالب بهذا الولد، وتثبته لي، لأنه من ولدي، قال: فاقبض هذا الولد، فلما فتح النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة، جاء سعد بن أبي وقاص لزمعة، أو لولد زمعة، عبد بن زمعة، فقال: أعطني ابن أخي عتبة، هذا فلانٌ الذي ولد على فراش أبيك من جاريته، هذا ولد أخي عتبة، فقال عبد بن زمعة، هذا أخي، ولد على فراش أبي، فذهبوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعون في هذا الغلام لمن، هل يكون ابنًا لعتبة بن أبي وقاص؟ أو يكون أخًا لعبد بن زمعة؟ فقضى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الولد للفراش، كانت فراشًا لزمعة، وبالتالي يثبت النسب لزمعة، ثم رأى شبهًا بيِّنًا بعتبة، فقال: «يا سودة»، سودة زوجة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهي ابنة زمعة، أختٌ لعبد هذا، «ويا سودة، احتجبي منه»، ففي جانب إثبات النسب، نظر إلى الفراش، وغلب الحرمة هنا، وفي جانب الحجاب، حجاب سودة، قال: «احتجبي منه»، غلب جانب التحريم في هذه المسألة.
انظر سودة كانت كبيرةً في السن في ذلك الوقت، لأنه بعد فتح مكة، ومع ذلك أمرها النبي -صلى الله عليه وسلم- بالاحتجاب منه.
إذن هنا في هذه المسائل، قمنا بتغليب جانب التحريم.
من القواعد التي تتعلق بالمعاملات، وتتعلق بغيرها، أن وسائل الحرام حرامٌ، الطرق المفضية إلى التحريم نعتبرها محرمةً، إذن نقول: وسائل الحرام حرامٌ، ما هي الوسائل؟ يعني الطرق والأسباب المؤدية إلى الحرام نحكم بحرمتها. ما هو الحرام أصلاً؟ هو ما نهى عنه الشارع نهيًا جازمًا، بحيث يترتب الإثم على فاعله، ومن تركه تقربًا لله، فإنه يكون مأجورًا.
ما هو المراد بالقاعدة؟
أو الوسائل والطرق المفضية إلى الفعل المحرم، تكون محرمةً.
مثال ذلك: السرقة حرامٌ، لكن هناك وسائل للسرقة، فتح الباب، الدخول للبيت، وضع السلالم للقفز، هذه كلها وسائل للحرام، فتكون محرمةً. ركوبه في سيارته هو من بيته إلى محل السرقة، تكون محرمةً، يأثم بها.
مثاله أيضًا: من سافر ليعصي الله، فحينئذٍ أخذه للتأشيرة حرامٌ، وشرائه للتذكرة حرامٌ، وركوبه للطائرة حرامٌ، وجميع الأفعال التي يفعلها من أجل أن يتوسل بها إلى ذلك السفر المحرم، تكون محرمةً؛ لأن وسائل الحرام حرامٌ.
إذن هذه القاعدة واضحةٌ، ما الدليل على هذه القاعدة؟
نهى الشارع عن قربان حدود الله، قال: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَ﴾ [البقرة: 187]، لم يكتف بالنهي عن فعل الحدود، وإنما نهى عن قربان تلك الحدود.
ومثله في قول الله -عزَّ وجلَّ: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى﴾ [الإسراء: 32]، نهي عن الوسائل المفضية إلى الزنا، لم يكتف بالنهي عن الزنا، وإنما أيضًا نهى عن ما يؤدي إلى الزنا.
ومثله أيضًا: الحديث السابق، حديث النعمان بن بشير، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما أمورٌ مشتبهاتٌ، لا يعلمها كثيرٌ من الناس، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه»، إذا رعيت بغنك، حول المكان الممنوع منه، فقد تقع في المكان الممنوع منه بدون قصد. فهذه المواطن المقاربة للحرام، بمثابة وسائل مؤدية إليه، ولذلك نهى الشارع عنها.
ويدل على ذلك عدد من النصوص، تدل على أن الشارع، لاحظ ما تؤدي إلى الأفعال، مثلًا، في قول الله -عزَّ وجلَّ: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: 108]، نهى عن سب آلهة المشركين، لماذا؟ لأنها تفضي إلى جعل المشركين يسبون الله -عزَّ وجلَّ-، فدل ذلك على أن الوسائل لها أحكامها وغاياتها.
ومثل ذلك أيضًا، لما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن من أكبر الكبائر: سب الرجل لوالديه، قالوا: يا رسول الله، كيف يسب الرجل والديه؟ قال: «يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه، فيسب أمه»، فلاحظ هذا المعنى ما يفضي إليه واقع الأمر. فيه نصوصٌ كثيرةٌ تدل على النهي عن الوسائل.
يلاحظ أن الوسائل في مراتٍ يكون لها حكم حال كونها وسيلةً، وبالتالي تأخذ هذا الحكم.
مثال ذلك: في وطئ الأجنبية حرامٌ، من وسائل هذا الحرام، العقد عليها، لكن الشارع قد جعل هذا الفعل مباحًا حال كونه وسيلةً إلى هذا الأمر.
مثالٌ آخر: ما حكم أخذ أموال الآخرين؟
حرامٌ، لكن لو جاءنا واحدٌ، وقال: أنا أخذت أموال الآخرين بواسطة الشراء أو البيع، جائزٌ، لماذا؟
لأن الشارع قد جعل هذا الفعل، وهو البيع وسيلةً إلى هذه الغاية، وهي أخذ أموال الآخرين، وجعله مباحًا عند كونه وسيلة لذلك.
فإذن ما جاء حكمه في الشرع حال كونه وسيلةً، لا يدخل معنا في هذه القاعدة، كذلك في بعض المسائل، يعني قد يكون هناك وسائل لكنها لا تفضي غالبًا أو كثيرًا إلى الحرام، لو جاءنا واحدٌ، ودخل سوق الخضار، قال: اتقوا الله، لا تبيعوا العنب، فهناك أناسٌ يقومون بتصنيع الخمور من هذا العنب، نقول: هذا الفعل صحيحٌ قد يؤدي إلى الحرام، لكن نادرًا، والشارع لا يلتفت في مثل هذا إلى النادر، وبالتالي لا نحكم فيه، لكن لو كان يؤدي غالبًا، أو كان يؤدي قطعًا إلى الحرام، فحينئذٍ نمنع منه.
من أمثلة هذه القاعدة مثلًا: بيع الأعناب لمصانع الخمور، البيع حلالٌ، لكن لما كان مؤديًا إلى حرامٍ، وهو صنع الخمر، قلنا: لا يجوز البيع في هذه الحال، كذلك بيع السلاح في أوقات الفتن، السلاح إذا بيع في أوقات الفتن، سيؤدي إلى سفك الدم الحرام، وبالتالي نمنع من مثل ذلك، كذلك الواسطة، وساطة الرشوة، نقول: لا يجوز ذلك، لماذا؟ لأنه وسيلة إلى الحرام، كتابة عقود الربا، أو الشهادة عليها، ما حكمها؟ نقول: وسائل مؤديةٌ إلى الحرام، فتكون محرمةً.
هناك أيضًا وسائل نص الشارع على تحريمها، من أمثلة ذلك مثلًا: اختلاف المرأة بالرجال الأجانب، مثال ذلك أيضًا: الخلوة بالمرأة الأجنبية، مثال ذلك: سفر المرأة بلا محرمٍ، مثال ذلك: تعطر المرأة في مجمع الرجال، ونحو ذلك.
قد يسأل سائلٌ ويقول: أنا أبيع الكمبيوتر، يمكن واحدٌ يستخدمه في حرامٍ، نقول: إذا غلب على ظنك، أن هذا المشتري سيستخدمه في حرامٍ، ما يجوز تبيع له، لكن إذا كنت لا تدري، أو وكان الغالب على الناس أنهم يستعملونه في المباح، حينئذٍ يجوز لك البيع. يأتي واحدٌ ويسألك عن الدخول في المدارس، التي تتولى إعطاء أفكارٍ إلحاديةٍ، الدخول في هذه المدرسة، إدخال ابنك في هذه المدرسة، يؤدي إلى تأثر الابن بما في هذه المدارس، ووسائل الحرام حرامٌ، وبالتالي لا يجوز إدخاله في مثل هذه المدارس.
جاء واحدٌ يسأل، يقول: جاءني شخصٌ يشتري سكينًا، وعلمت أنه يأخذها ويذبح له شخصًا آخر، يجوز بيع السكين له أو لا يجوز؟ لا يجوز، لماذا؟ القاعدة ما هي؟ وسائل الحرام حرامٌ.
مثالٌ آخر: في المحاماة مثلًا، عندنا محامٍ، وعندنا شخصٌ ظالمٌ، وقال: أريدك أن تداعيلي لكي نأخذ أموال فلانٍ، وترى عندنا أسلوبًا محكحكًا نستطيع أن نأخذ هذا المال، قال: لا، أنت ظالمٌ، ولا يجوز لي أن أساعدك على هذا الظلم، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «انصر أخاك ظالمًا، أو مظلومً»، قالوا: هذا نصره وهو مظلومٌ، فكيف يُنصر وهو ظالمٌ؟ قال: «يردعه عن الظلم»، وبالتالي لا يجوز له أن يتوكل في الخصومة عن الظلمة والطغاة، لأخذ حقوق الآخرين، فإن من فعل فعلاً محرمًا لا يجوز الدفاع عنه، كذلك أيضًا وسائل المفضية إلى الزنا، كذلك أيضًا ما قد يستعمل في أي أمرٍ محرمٍ، تعلم أن هذا المشتري سيستعمله في أمرٍ محرمٍ، لا يجوز تتعاون معه، بيتٌ أو محلٌ تجاريٌّ، سيؤجر لشركةٍ تعمل فيه أمرًا محرمًا، قمارًا، ربًا، محلات زنا، مراقص، ما يجوز يؤجرها إليه، والمال الذي يؤخذ من هذا مالٌ محرمٌ، وكسبٌ خبيثٌ، لماذا؟ لأنك الآن أنت أعنته على الحرام، وكان فعلك وسيلةٌ تؤدي إلى فعل الحرام، فيكون فعلك حينئذٍ حرامًا، ولو لاحظ الناس هذه القاعدة، لعصم الله -عزَّ وجلَّ- الأمة من كثيرٍ من المحرمات، ما يجد الظالم، ولا العاصي من يعينه على الحرام، وبالتالي قد يكون هذا من أسباب تخلصه من ذلك الأمر المحرم.
هذه قاعدةٌ من القواعد الكلية، التي أخذناها في هذا الفصل، وسائل الحرام حرامٌ، وهي قاعدةٌ مهمةٌ، ولها تطبيقاتٌ كثيرةٌ، يعني مثلًا في باب الصيد، صيد المحرم، المحرم لا يجوز له أن يساعد الصائد بأي نوعٍ من أنواع المساعدة، أخذًا من هذه القاعدة، وانطلاقًا من الأحاديث التي وردت في هذا الباب.
أسأل الله -جلَّ وعلَا- أن يوفقكم لخيريْ الدنيا والآخرة، وأن يرزقكم العلم النافع، والعمل الصالح، وأن يجعلكم من الهداة المهتدين، كما أسأله -جلَّ وعلَا- أن يُكثر العلماء في الأمة، وأن يجعلهم هداةً، يقتدى بهم في الخير، كما أسأله -جلَّ وعلَا- أن يوفق ولاة أمور المسلمين في كل مكانٍ لما يحب ويرضى، وأن يجعلهم من أسباب الهدى والتقى والصلاح، كما أسأله -جلَّ وعلَا- أن يوفق ولاتنا في هذه البلد، بلاد الحرمين الشريفين، المملكة العربية السعودية، وغيرها من بلاد الإسلام، كما أسأله -جلَّ وعلَا- أن يجعلهم من أسباب وقاية أهل الإسلام من كل سوءٍ، ومن كل شرٍّ، هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك