الدرس الثامن
فضيلة الشيخ أ.د. فهد بن سليمان الفهيد
إحصائية السلسلة
{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
مرحبا بكم أيها الإخوة والأخوات، من المشاهدين والمشاهدات، في هذا الدرس المتواصل المستمر، والذي تقدمه لكم جمعية (هُداة الخيرية) لتعليم العلوم الشرعية، معنا في هذه الليلة فضيلة الشيخ/ الأستاذ الدكتور فهد بن سليمان الفهيد -حفظه الله- ليشرح لنا (كتاب التوحيد) للإمام المجدد الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى-، فحياكم الله شيخنا الفاضل}.
حياكم وحيا الله الإخوة جميعًا، وأهلاً وسهلاً بكم.
{جزاكم الله خيرًا، نستأذنكم أن نستأنف}.
على بركة الله. تفضل.
{الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ، اللهم اغفر لنا ولشيخنا، وللمشاهدين والمشاهدات والمسلمين أجمعين.
يقول الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- في كتابه -كتاب التوحيد: (بَابُ مَا جَاءَ فِي الْكُهَّانِ وَنَحْوِهِمْ.
رَوَى مُسْلِمُ فِي "صَحِيحِه": عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: «مَنْ أَتَى عَرَّافاً فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، فَصَدَّقَهُ؛ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمً».
وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قال: «مَنْ أَتَى كَاهِناً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ؛ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَلِلْأَرْبَعَةِ، وَالْحَاكِمِ -وَقال: "صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا: عَنْ النّبِيِّ ﷺ: «مَنْ أَتَى عَرَّافاً أَوْ كَاهِناً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ؛ فَقَدْ كَفَرَ بمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ».
وَلِأَبِي يَعْلى -بِسَنَدٍ جَيِّدٍ- عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- مِثْلُهُ: مَوْقُوف)}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أمَّا بعد،
فنسأل الله -جل وعلا- لنا ولكم ولجميع المسلمين، العلم النافع، والعمل الصالح، والتوفيق لِمَا يحبه الله ويرضاه.
يقول الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد: (بَابُ مَا جَاءَ فِي الْكُهَّانِ وَنَحْوِهِمْ) هذا الباب عقده الشيخ هنا بعد الكلام عن التحذير من السحر، وبيان أنواعه؛ لأنَّ الكهانة من جنس السحر، والكهان مشابهون للسحرة من أوجه كثيرة، مثل: دعوى علم الغيب، والقدرة على معرفة الأمور، والشفاء، ونحو ذلك، فهذا يوجد في الكهان كما يوجد في السحرة، ولذلك ألحقهم بهم.
ولا يظن ظانٌّ في هذا الباب أنَّه لابد من وجود اسم الكاهن؛ لأنَّ الكاهن قد يتسمى بغير هذا الاسم، ولكن توجد أوصاف تدل على اسم الكاهن.
إذًا، نحن نتعرف على ما قاله الله، وقاله رسوله ﷺ لضبط المعاني الشرعية وفهمها فهمًا جيدًا، ثم نعرف من خلال الواقع ما الذي انطبقت عليه هذه المعاني الشرعية؛ فنلحقه بذلك الحكم.
والكهانة أو العرافة سيأتي شرحها وتفسيرها من الكلام الذي نقله الشيخ عن البغوي، في آخر هذا الباب، قال: (بَابُ مَا جَاءَ فِي الْكُهَّانِ وَنَحْوِهِمْ) يعني: ماذا جاء في هذه الأشياء؟ جاء فيه تحذير شديد، يدل على أنهم كلهم على ضلال وانحراف، ويجب على المسلمين مجانبتهم، والبعد عنهم، ويجب أن نعرف أنَّ هؤلاء هم أولياء الشيطان، وليسوا بأولياء الرحمن، فلا يشتبه عليك هذا بهذا؛ لأنَّ كثيرًا من الناس يغلط، فيشتبه عليه ولي الرحمن مع ولي الشيطان، ويظن أنهما سواء، ونقول: لا يا أخي الكريم، انتبه!
قوله: (بَابُ مَا جَاءَ فِي الْكُهَّانِ وَنَحْوِهِمْ) أي: عليك أن تعرف ما جاء في هذا الباب، هل جاء في القرآن شيء يخص هذا؟
نعم، قال الله -عز وجل: ﴿قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ [النمل:65]، ﴿قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ﴾ [الأعراف:188]، وأيضا جاء في القرآن العظيم: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الْإِنسِ ۖ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِّنَ الْإِنسِ﴾ [الأنعام:128]، ولاحظ أنَّ أولياؤهم هذه تدل على أنَّ هؤلاء هم أولياء الشيطان، أولياء الجن، ﴿وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِّنَ الْإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ﴾ وهذا شأن الكهان، بجميع أنواعهم وصفاتهم حتى المعاصرين منهم بالأسماء الجديدة، هذه طريقتهم، أن يستمتع بعضهم بالجن، ﴿رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا ۚ قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾. إذًا هؤلاء جاء ذكرهم في القرآن، أمَّا في السنة فقد قال الشيخ -رحمه الله: (رَوَى مُسْلِمُ فِي "صَحِيحِه": عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ) قيل: هي حفصة -رضي الله عنها- وقيل: أم سلمة، ومثل هذا لا يضر إبهامه، فإذا قيل: عن أحد أصحاب النبي ﷺ أو عن بعض أزواج النبي ﷺ، فهذا لا يضر أبدًا؛ لأنَّ جميع الصحابة عدول، وأمهات المؤمنين من جملة أصحاب النبي ﷺ، وهن مزكيات بتزكية الله لهن، ﴿النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ [الأحزاب:6]، وهن معه في الجنة.
قال: (عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: «مَنْ أَتَى عَرَّافاً فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، فَصَدَّقَهُ؛ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمً») إذًا استخدم هنا مسمى العرَّاف، بينما في اللفظ الذي بعده، قال: (وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قال: «مَنْ أَتَى كَاهِناً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ؛ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) لاحظ أنَّ العقوبة اختلفت، في الأول قال: «لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمً» وبينما في الثاني قال: «فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ». أيهما أشد؟ لا شك أنَّ الكفر أشد، أي أنَّ الذي يكفر بما أنزل على محمد ﷺ أشد، وهذا من بيان أنه وقع في أمرٍ مخرجٍ من الملة، وما الذي أنزله الله على محمد ﷺ ويعارضه الكاهن؟
دعوى علم الغيب؛ لأنَّه يدعي أنه يعلم الغيب، والذي أنزل على محمد وهو القرآن فيه، أنه لا يعلم الغيب إلا الله، ولذا فالذي يصدق هذا الكاهن فحقيقة أمره أنه يُكذب بما أنزل الله على محمد ﷺ.
الحديث الأول في صحيح مسلم، لكن كما ذكر أهل العلم ومنهم شيخنا الشيخ ابن باز وغيره: أنَّ لفظة «فصدقه» هذه ليست موجودة في الصحيح، والذي في صحيح مسلم: «مَنْ أَتَى عَرَّافاً فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمً» يعني: ما العقوبة المترتبة على مجرد الإتيان والسؤال؟
الجواب: «لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمً» نعوذ بالله.
هل يقضيها؟ لا، هل يتركها؟ لا؛ لأنَّه إذا تركها كفر. إذًا ماذا يفعل؟
يصلي، ولكن ليس له ثواب؛ لعظم الجرم الذي فعله! انظر، هذا جرم واحد يأتي في دقائق معدودة، في اتصال هاتفي، أو يذهب إلى مكانه، أو يلتقي به في وسائل التواصل الاجتماعي، أو غيره، ثم يسأله: حدث كذا فماذا تقول؟ أو يقول: أنا أسألك عن كذا، فهذا إتيان للساحر، سواء أتاه في بيته، أو دكانه، أو أتاه في صحراء، أو من خلال الأجهزة أو القنوات، «فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمً».
أمَّا الحديث الثاني: وهو حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: «مَنْ أَتَى كَاهِناً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ» فيعني أنَّ الأول أقل، ولكن كلاهما مجرم، لكن الإجرام والذنب الأعظم؛ التصديق بما يقوله الكاهن، فإذًا الإتيان والسؤال من كبائر الذنوب، والإتيان والسؤال والتصديق يوقع في ماذا؟ في الكفر، هل هو كفر مخرج من الملة أم كفر أصغر؟ هذا فيه تفصيل.
وكذلك الكاهن، هل الكاهن كافر كفرًا مخرجًا من الملة أم أنَّ كفره من الكفر الأصغر؟
هذا المسألة هذه توقف فيها الإمام أحمد، وقد نقل عنه فيها ثلاث روايات:
إحداهما: أنه توقف فيها، والسبب هو أنَّ الكاهن الذي يُسمي نفسه كاهنًا، قد يكون مُتخرصًا كذابًا، يعني: هو ليس له رئي من الجن، ولكن هو يلقي ذلك، ويتكلم بذلك من باب التخرص، ولكنه لا يقول: أنا أعلم الغيب، ولكنه يقول: سيحدث كذا وكذا، فهذا يتخرص، ولا يدعي شيئًا ليس عنده فيه علم، ولكن هذا من باب الكذب والتخرص. هذا نوع.
النوع الثاني: يستعين بالجن، ويستغيث بهم، ويطلب منهم، ويدعي للآخرين أنه يعلم الغيب، وكونه يدعي أنه يعلم الغيب؛ فهذا -لا شك- أنَّ كفره كفرًا أكبر، نسأل الله السلامة والعافية.
والرواية الثالثة عن أحمد: التوقف بالنسبة للآتي بنفسه، أي: الذي يذهب إليهم بنفسه، وهذا فيه تفصيل:
إذا أتاهم وسألهم دون تصديق لهم، وهو يعتقد أنهم كاذبون، لكن حمله على ذلك ضعف نفسه، وكثرة جزعه، ونحو ذلك من الأسباب، فحمله ذلك على الإتيان والسؤال، وإلا فهو يعتقد أنهم كاذبون، ولكنه يقول: لعلي أتحصل منهم على فائدة أو شيء، فهذا لا تُقبل له صلاة أربعين يومًا، أي: ليس له ثواب فيها، وليست مقبولة عند الله -عز وجل-، ويجب أن يصليها، ولا يجوز له إعادتها، وإنما إذا تاب توبة نصوحًا، فنسأل الله -جل وعلا- أن يغفر له ولنا ولجميع المسلمين، لكن هذه التوبة النصوح لا بد فيها من البراءة، والعزم أن لا يعود إلى مثل هذه الموبقات العظيمة، نعوذ بالله من هذه الحال.
الحكم الثاني في الذي يذهب إلى هؤلاء، أنه يأتيهم ويسألهم ويصدقهم، فهذا أيضًا ينتقل إلى كونه كفرًا، ولكن هل هو من باب الكفر الأكبر أو الأصغر؟
نقول: إن كان تصديقه؛ لأنَّ هذا المتنبأ أو هذا الكائن أخبر أنه سيحدث كذا وكذا في هذه السنة، رأيتم كيف؟ فهذا يخبر بأنه صدقه في هذا الأمر، فهذا من الكفر الأصغر، وإذا اعتقد أنه يعلم الغيب، أو أنَّ عنده قدرات خارقة على معرفة الغيب، فهذا من الكفر الأكبر. نعوذ بالله.
على كل حال، هذه من الأشياء التي قد تتفاوت فيها أحوال النفوس، وتختلف فيها ما يقوم في القلوب، وتختلف فيها الأحوال أيضًا والوقائع، لكن كل هذا باب وَخِيم ومسلك خطير جدًا.
لاحظ أنَّ النبي ﷺ قال في الحديث الأول: «مَنْ أَتَى عَرَّاف»، وفي الحديث الثاني قال: «مَنْ أَتَى كَاهِن» والعراف والكاهن سيأتي تعريفهم بعد قليل، ولكن كل منهما يغلب عليهم الاستعانة بالشياطين، ويكون لهم رئي من الجن كما مر معنا في الآية: ﴿رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَ﴾.
وقوله: ﴿اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ﴾ يدل على أنَّ هناك متعة للجني حصلت، ومتعة للإنسي حصلت، والسؤال ما هي المتعة التي حصلت للكاهن الإنسي أو العراف؟
الجواب: المتعة التي أخذها الإنسي هي الإخبار بهذه الأمور، فالإخبار بهذه الأمور يجعله عند بعض الجهلة والسذج مقصدًا، ويجعل له حظوة ومنزلة، ويتمادحون به أنه عرف المسألة الفلانية، أو عرف مكان المسروق، هذه متعة له، بل وقد يعطونه أيضًا مالا، وغالبهم لا يفعل هذه الأشياء إلا بمقابل.
لكن المؤمن يعرف الفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان بأشياء، من ضمنها: أنهم يأكلون أموال الناس بالباطل، وهذه من علامات أولياء الشيطان، وليست من علامات أولياء الرحمن، الذين يحبون الإحسان ويحبون الإكرام، هؤلاء المؤمنون لا يظلمون، ولا يكذبون، ولا يتكلمون بالغيب، فكيف يشتبه هذا على بعض الناس.
الذي يسمونه الزار. حيث بعض العوام يقول: فلان عنده زار، ما معنى الزار عندهم بلهجتهم؟
مرادهم أنه له جني، يتخبطه ويتلبسه، أو يقارنه ويخبره، نعوذ بالله من هذا الحال، وهذا يعد من جنس هؤلاء الكهان، ويعدُّ من أولياء الشيطان.
ما الحكم على هؤلاء العرافين أو الكهنة أو السحرة أو الذين يقولون: نحن عندنا زار، أو نحن نتصل مع العلم ما ورائي. أو نحو ذلك؟
الحكم أنه يجب القضاء عليهم، ويجب على ولاة الأمور منع جميع هذه الأمور، وصد هذه الأمور الشيطانية عن المسلمين، وحمايتهم منها، وإذا وجد من يتعاطاها ببيع، أو شراء، أو ترويج، يجب القضاء عليه وعقوبته، يعني: لا يجوز أبدًا أن تفتح دكاكين أو مؤسسات أو شركات قائمة على أعمال الكهانة، والسحر، والشعوذة، والخرافة، والتعامل مع الجن، بل يجب القضاء على هؤلاء، ومنعهم.
كذلك ما يسمى الآن بعلم الطاقة، والأحجار الكريمة والعلوم التي يزعمون أنهم يستشرفون بها المستقبل بمخاطبة الغيب، وبعض المعاصرين منهم من يأتي برياضات هندية شركية أو رياضات مأخوذة من شرق الأرض أو من غربها وكلها قائمة على أمور ترجع إلى هذا الأمر، ما هو؟ يعني مثلا: يسمون ادعاء علم الغيب يسمونه استشراف المستقبل، يقول: أنا أعرف مستقبلك، وأنا أستشرف مستقبلك من خلال أنك تتكلم، أو تعطيني سيرتك، أو أي برج أنت فيه، أو أي كذا، ثم يأخذ يقول له: سيحصل لك كذا، وستتزوج في السنة الفلانية، أو تتحصل على مال، أو يحصل لك كذا وكذا، وهؤلاء لا يسمون أنفسهم كهانًا، ولكن يقولون هذا علم برمجة لغوية عصبية، يسمونها بهذا الاسم، ولكن مهما سموه بهذه الأسماء إلا أنَّه يرجع عندنا للكهانة، يرجع إلى أن هؤلاء ما زادوا على أنهم عرافون أو منجمون أو كهان، ولذا يجب الحذر منهم كلهم، ولا يجوز إتيانهم، ولا تصديقهم، ولا يجوز الترويج لهذه الأعمال، ولو غيروا أسماءها، أو صبغوها بصبغات معاصرة جذابة، فليحذر المسلمون منها.
كذلك ما يسمى برياضة اليوجا، فاليوجا هي أعمال رياضية في الأصل، مأخوذة من عبادات الهند، الذين يزعمون أنَّ الخالق والمخلوق شيء واحد، وأنهم يتصلون بالخالق، وهم يقومون بأشياء تتعلق بأنواع من الكفر، كالقول بوحدة الوجود، أي: الخالق والمخلوق شيء واحد، كذلك شركيات وهمهمات واستغاثات بأسماء غريبة، وترانيم بأسماء مجهولة، وكل هذا يعد من أولياء الشيطان، ويعد من الأمور الكفرية الباطلة، ولا يجوز لنا أن ننقل هذه الأمور بحذافيرها للمسلمين، ولا بأس أن نستعمل الرياضة، لكن نقطع هذه الأشياء، ولا نجعل الرياضة المفيدة على صفة عبادة المشركين، وعبادة أصحاب الأصنام، بل يجب علينا أن نبتعد عن مشابهتهم، ﴿وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ﴾ [الروم:32]، ﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَو﴾، إذًا علينا أن نسلك الصراط المستقيم، ولا نسلك صراط المغضوب عليهم ولا الضالين. هذا ما يتعلق بالحديث الأول.
والحديث الثاني مثله، إلا أنَّ الفرق أنَّ فيه التصديق، والتصديق للكاهن يوجب الكفر بما أنزل الله على محمد ﷺ.
قوله: (وَلِلْأَرْبَعَةِ) الأربعة هم: أبو داود والنسائي، والترمذي، وابن ماجه.
(وَالْحَاكِمِ) أي: في المستدرك، (وَقال: "صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا") يعني على شرط البخاري ومسلم.
(عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عَنْ النّبِيِّ ﷺ، قال: «مَنْ أَتَى عَرَّافاً أَوْ كَاهِناً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ؛ فَقَدْ كَفَرَ بمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ»).
ما الفائدة من هذه الرواية؟
الفائدة قوله: «عَرَّافاً أَوْ كَاهِن» فجمع بينهما.
(وَلِأَبِي يَعْلى -بِسَنَدٍ جَيِّدٍ- عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- مِثْلُهُ: مَوْقُوف)، وابن مسعود -رضي الله عنه- لا يقول مثل هذا، إلا إذا سمعه من النبي ﷺ؛ لأنَّ هذا لا يُقال من قبيل الرأي، أو من جهة الرأي، وإنما -لا شك- أنه قد سمعه من النبي ﷺ، فهذا الحديث جاء عن إحدى أمهات المؤمنين، وجاء عن أبي هريرة، وجاء عن ابن مسعود -رضي الله عنهم أجمعين-.
{أحسن الله إليكم شيخنا.
قال -رحمه الله تعالى: (وَعَن عِمْرَانَ بنِ حُصَينٍ س مَرْفُوعاً: «لَيْسَ مِنّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطِيِّرَ لَهُ، أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ، أَوْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ، وَمَنْ أَتَى كَاهِناً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ؛ فَقَدْ كَفَرَ بمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ» رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه- دُونَ قَوْلِهِ: «وَمَنْ أَتَى..» إِلى آخِرِهِ.)}
حديث عمران بن حصين هذا روي مرفوعًا، يعني: إلى النبي ﷺ، أنه قال: «لَيْسَ مِنّ» وهذا وعيد شديد؛ لأنَّ الرسول ﷺ تبرأ منه، وجعل الذي يفعل هذه الأمور ليس منا، يعني: ليس من المسلمين، أو ليس من أتباع النبي ﷺ.
هل هذا معناه أنه كافر؟
نقول: لا، هذا وعيد شديد، مثل قوله ﷺ: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّ» ، هل معناه أنَّ الغاشَّ كافر؟
الجواب: لا، هذا وعيد شديد، يدل على أنَّ فِعْلَه هذا من أفعال غير المسلمين، من أتباع النبي ﷺ، ولذا يجب الحذر من ذلك، وأمَّا التكفير والكفر؛ ففيه تفصيل كما تقدم.
قال: «لَيْسَ مِنّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطِيِّرَ لَهُ» سيأتي باب خاص ذكره الشيخ في التطير، والتطير من أمور الجاهلية، وهو التشاؤم بالأشياء، أو التشاؤم بالأوقات أو بالأزمنة، أو بالأماكن، أو بالأسماء، أو بالطيور، والتطير أصلا من التشاؤم بالطيور، ثم صار مُستعملا في كل ما يُتشائم به، ويُعتقد فيه أنه مصدر الشر من دون الله -عز وجل-.
«تَطَيَّرَ» أي: تطير هو بنفسه، يعني: هيج الطير، فقال: والله لا أسافر الآن، أو وضع خطوطًا ثم اختار شيئًا، وقال: هذا يدل على أنه سيحدث شيئًا، فهذا يتطير بنفسه.
الثاني: «تُطِيِّرَ لَهُ» كمثل من يقول: أنا لا أفهم في هذا، ولكني أذهب إلى شخص يعرف، وكانوا في الجاهلية يقولون:
خَبِيرٌ بَنُو لِهْبٍ فَلا تَكُ مُلْغِيا ... مَقَالَةَ لِهْبِيٍّ إِذَا الطَّيْرُ مَرَّتِ
نسأل الله العافية والسلامة، فهم لا يفهمون، ولا يعلمون الغيب، فضلا عن الطيور أو البهيمة العجماء، التي لا تعرف شيئًا.
قال: «أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ». دليل على ماذا؟
دليل على أنَّ بعض الناس يقول: أنا ما أُحسن الكهانة، ولكني أذهب إلى كاهن، وهذا أيضًا تبرأ منه الرسول ﷺ، سواء تكهن هو بنفسه أو ذهب إلى كاهن.
«أَوْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ» يعني: إمَّا هو يقوم بالسحر بنفسه، أو يُعمل له السحر، فكلهم تبرأ منهم الرسول ﷺ.
قال: «وَمَنْ أَتَى كَاهِناً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ؛ فَقَدْ كَفَرَ بمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ» وذكر الشيخ أيضًا أنه ثبت مرفوعًا عن ابن عباس، لكن دون قوله: «وَمَنْ أَتَى كَاهِناً فَصَدَّقَهُ .....».
إذًا على المسلم أن يحذر من هذه الأفعال، فلا يفعلها هو بنفسه، ولا يذهب إلى من يفعلها.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله تعالى: (قال: الْبَغَوِيُّ: "الْعَرَّافُ الَّذِي يَدَّعِي مَعْرفَةَ الْأُمُورِ بِمُقَدِّمَاتٍ يَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَى الْمَسْرُوقِ، وَمَكَانِ الضَّالَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ".
وَقِيلَ: هُوَ الْكَاهِنُ. وَالْكَاهِنُ: هُوَ الَّذِي يُخْبِرُ عَنِ الْمُغَيَّبَاتِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يُخْبِرُ عَمَّا فِي الضَّمِيرِ.
وَقال أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: "الْعَرَّافُ: اسْمٌ لِلْكَاهِنِ، وَالْمُنَجِّمِ، وَالرَّمَّالِ، وَنَحْوِهِمْ، مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ فِي مَعْرِفَةِ الْأُمُورِ بِهَذِهِ الطُّرُقِ."
وقال: ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْمٍ يَكْتُبونَ "أَبَا جَادٍ"، وَيَنْظُرُونَ فِي النُّجُومِ: " مَا أَرَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ خَلَاقٍ)}.
هذه النقول مهمة ومفيدة، وتعين طالب العلم المسلم على فهم المراد.
قال: (قال: الْبَغَوِيُّ) أي: الحسين بن مسعود البغوي، صاحب كتاب مشهور، شرح السنة، وله تفسير أيضًا مشهور.
(قال: الْبَغَوِيُّ: "الْعَرَّافُ الَّذِي يَدَّعِي مَعْرفَةَ الْأُمُورِ بِمُقَدِّمَاتٍ يَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَى الْمَسْرُوقِ، وَمَكَانِ الضَّالَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ") يعني: ذلك الذي يقول: أنا أعرف الأمور الغيبية، أعرفها بمقدمات، فمقلا يقول: أعطني اسم أمك، أعطني اسم جدك، أعطني كذا وكذا. ثم يأخذ هذه الأسماء ويقول: انتظر ساعة، أو تعال بكرة، ثم يأتي ويقول مثلاً: السيارة المسروقة تجدها في الوادي الفلاني، أو الشاة المسروقة أخذها فلان وفلان.
من الذي يعينه؟
القرناء من الجن والشياطين، يعينونه على هذه الأمور، مكان الضالة والمسروق ونحو ذلك، ولهذا تجد أنَّ بعض الناس يتخذ هذه صنعة، فيأتي عند شخص ويقول له: أنت اسمك فلان ابن فلان، كنت تختبر قبل أمس في المادة الفلانية. كيف عرف؟
يقول: أنا غريب في هذا البلد، فكيف عرف أني أنا كذا وكذا؟ الجن يتخابرون فيما بينهم، وهؤلاء العرافون يقال لهم.
قال: (وَقِيلَ: هُوَ الْكَاهِنُ) يعني: أنَّ القول الثاني لمعنى العراف هو: الكاهن.
وفي الثالث قال: (وَالْكَاهِنُ: هُوَ الَّذِي يُخْبِرُ عَنِ الْمُغَيَّبَاتِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ)
وهذا عام في كل من يتنبأ، كحال من يتنبأ ويقول: السنة القادمة سيحدث فيها كذا وكذا، سيموت الملك الفلاني، ستطول حياة الملك الفلاني، ستقوم الحرب الفلانية بعد سنة، سيحدث غلاءً، سيحدث فيضانًا، سيحدث زلزالًا، هؤلاء الذين يتنبأون بالمستقبل هم الكهان أو نحو ذلك، وكل هؤلاء كفار يدعون علم الغيب، لكن هذا تقريب لك، فأي واحد يدعي علم المغيبات ويقول: أنا أعلمها، هذا كاذب، وهو في نفس الوقت كاهن.
قال: (وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يُخْبِرُ عَمَّا فِي الضَّمِيرِ) ما معنى يخبر عما في الضمير؟
يأتي عند شخص ويقول له: أضمر في نفسك شيئًا ولا تتكلم به أمامي، فأضمر في نفسك مثلا: كلمة اللبن، أو أضمر في نفسك: الدخان، كما في قصة ابن صياد، جاء النبي ﷺ ليفضحه ويختبر أمره للمسلمين، فقال النبي ﷺ: «خَبَأْتُ لكَ خَبِيئَ» فقالَ: الدُّخُّ، وما استطاع أن يكملها. فقال له النبي ﷺ: «اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ» ، والإخبار عمَّا في الضمير هذا يعني الصناعة الآن عند بعض الناس، لا أدري ماذا يسمونها بالأسماء الجديدة.
فنحن لا تهولنا ولا تجعلنا هذه الأمور ننبهر، وأذكر الطلبة الكرام بما سبق ذكره، أنَّ هناك ثلاثة أمور تجعل كثيرًا من الناس ينبهرون ويصدقون بعض أهل الشر والباطل، وهي:
الأولى: العلوم والمكاشفات.
الثانية: القدرة والتأثيرات.
الثالثة: الغنى والسعة.
ولهذا لا يملكها على الكمال والإطلاق إلا الله -سبحانه وتعالى- وأمر الله أول رسول أرسله إلى أهل الأرض، وآخر رسول أرسله إلى أهل الأرض محمد ﷺ، أن يقول للناس: إنه لا يملك ذلك، ﴿قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ﴾ [الأنعام:50].
هل قال الرسول ﷺ كما أمره الله في سورة الأنعام؟
وفي سورة هود عن نوح عليه السلام: ﴿وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ﴾ [هود:31]، و ﴿وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ﴾ هي القدرة والتأثيرات، و ﴿خَزَائِنُ اللَّهِ﴾ أي: كثرة الأموال، والثالث: ﴿وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾، أي: المغيبات.
فإذا كان أفضل خلق الله، أولي العزم من الرسل، نبينا الله محمد ﷺ، ونوح أول رسل الله إلى أهل الأرض، ينفون عن أنفسهم هذا، ثم يأتيك واحد يدعيها لنفسه؛ فتعرف مباشرة أنه كذاب خبيث، وأعظم فتنة هي فتنة الدجال الذي سيخرج آخر الزمان، هناك دجاجلة كُثر جدًا سيخرجون آخر الزمان، دجاجلة لا يحصون، معنا الآن في هذا الزمان وقبله وبعده، لكن ليس مثل الدجال الأعظم، يفتن الناس، نعوذ بالله من فتنته، ولهذا من صدق في دعائه، «وأعوذ بك من المسيح الدجال»؛ وقاه الله -عز وجل- شره، وشر من دونه من الدجاجلة.
قوله: (وَقال أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: "الْعَرَّافُ: اسْمٌ لِلْكَاهِنِ، وَالْمُنَجِّمِ، وَالرَّمَّالِ، وَنَحْوِهِمْ، مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ فِي مَعْرِفَةِ الْأُمُورِ بِهَذِهِ الطُّرُقِ")
وهذا من أحسن التعريفات، يعني: أنَّ اسم العراف يشمل هذه كلها، فإذا سمي برمجة لغوية عصبية، أو سمي: علوم الطاقة، أو الأحجار، أو علوم الخط في الأرض، أو أي اسم، فهذه الأشياء لا تهولكم -أيها الإخوة الكرام- واعلموا أنَّ لكل قومٍ وارثٍ، وأنَّ هؤلاء ورثة أولياء الشياطين، من كفرة اليهود والنصارى والمجوس والصابئين وأنواع المشركين وعباد الأوثان، فلا يغرنكم حالهم.
قوله: (وقال: ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْمٍ يَكْتُبونَ "أَبَا جَادٍ"، وَيَنْظُرُونَ فِي النُّجُومِ: "مَا أَرَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ خَلَاقٍ") يعني: ليس له نصيب عند الله، ويريد ابن عباس بذلك الذي يكتب الحروف "أَبَا جَادٍ" التي هي: "أبجد هوز حطي كلمن" هذه الحروف يأخذونها، ويقولون مثلا: "اسم ريان" أو "اسم أحمد" الحرف الأول يعادله الرقم الفلاني، والحرف الثاني الرقم الفلاني، ويضعونه في جداول، ثم يقولون: سوف يحدث لك كذا أو يحدث لك كذا، هؤلاء الذين يريدهم ابن عباس.
قال: (وقال: ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْمٍ يَكْتُبونَ "أَبَا جَادٍ"، وَيَنْظُرُونَ فِي النُّجُومِ)
وهذا يبين لك أنَّ هؤلاء المنجمين أو الذين يتخذون علم الأبراج سببًا للمعلومات أنَّ هؤلاء ليس لهم عند الله من خلاق، يعني: ليس لهم نصيب عند الله -عز وجل-، ولذا فالواجب الحذر من هؤلاء أشد الحذر، وعدم تصديقهم، ويجب الكفر بهم، ويجب على ولاة الأمور منعهم، ويجب على المسلمين مقاطعتهم، والحذر منهم، وبالله التوفيق.
{أحسن الله إليكم.
قبل ما ننتقل للباب الآخر شيخنا الفاضل، أحيانا نرى بعض الناس لَمَّا يحصل شيء مما حصل من هذا المنجم، أو الكاهن يبدأ ينشره. يقول: رأيتم هذا صحيح وكذا}.
صدقت، وهذا كما قال النبي ﷺ: «فَيَكْذِبُ معها مِئَةَ كَذْبَةٍ، فيُقالُ: أليسَ قدْ قالَ لنا يَومَ كَذا وكَذا: كَذا وكَذا، فيُصَدَّقُ بتِلْكَ الكَلِمَةِ الَّتي سَمِعَ مِنَ السَّماءِ» ، وهذا يدل على أنَّ الباطل يروج عند الناس بسرعة، فالذي يُرَوِّج لهؤلاء شريك في الإثم، وبعض الناس يتكلم مثلا في وسائل التواصل، يقول: رأيتم كيف المنجم الفلاني أو المتنبأ الفلاني أو الشيخ الفلاني أو المعالج الروحي أو الطبيب الشعبي أو كذا، يعني: قد يعطون ألقابًا كثيرة، المهم أنه في النهاية يرجع إلى كونه كاهنًا، وهذا كله يجب الحذر منه؛ لأنَّ كل واحد تأثر بكلامك وذهب إليه فأنت تبوء بإثمه؛ لأنك دللته على الشر، نسأل الله العافية والسلامة؛ ولذا كان الواجب هو التحذير والإنكار على هؤلاء.
{مجرد النظر لهذه القنوات أو النظر يدخل في جنس الإتيان؟}
النظر يدخل في جنس الإتيان، حتى ولو كانوا في السوق فابتعد عنهم، لأنه في بعض الأسواق يأتون بهم، وفي بعض الأماكن يأتون بهم؛ ابتعد عنهم. أو في الإنترنت؛ ابتعد عنهم، وحذر منهم إخوانك المسلمين.
{أحسن الله إليكم شيخنا.
قال -رحمه الله تعالى: (بَابُ مَا جَاءَ فِي النُّشْرَةِ.
عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سُئِلَ عَنْ النَّشْرَةِ؟ فقال: «هِيَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَقال: "سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْهَا؟ فقال: ابْنُ مَسْعُودٍ يَكْرَهُ هَذَا كُلَّهُ. "
وَفِي "البُخَارِيّ": عَنْ قَتَادَةَ: "قلت لِابْنِ الْمُسَيَّبِ: رَجُلٌ بِهِ طِبٌّ، أَوْ يُؤَخَّذُ عَنِ امْرَأَتِهِ؛ أَيُحَلُّ عَنْهُ أَوْ يُنْشَّرُ؟ قال: لَا بَأْسَ بِهِ؛ إِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ الْإِصْلَاحَ، فَأَمَّا مَا يَنْفَعُ؛ فَلَمْ يُنْهَ عَنْهُ" انْتَهَى.
وَرُوِىَ عَنِ الْحَسَنِ: " لَا يَحِلُّ السِّحْرَ إِلَّا سَاحِرٌ."
قال ابْنُ الْقَيِّمِ: "النُّشْرَةُ: حَلُّ السِّحْرِ عَنِ الْمَسْحُورِ، وَهِيَ نَوْعَانِ:
حَلٌّ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ، وَهُوَ الَّذِي مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الْحَسَنِ؛ فَيَتَقَرَّبُ النَّاشِرُ وَالْمُنْتَشِرُ إِلَى الشَّيْطَانِ بِمَا يُحِبُّ، وَيُبطِلُ عَمَلَهُ عَنِ الْمَسْحُورِ.
وَالثَّانِي: النُّشْرَةُ بِالرُّقْيَةِ، وَالتَّعَوُّذَاتِ، وَالدَّعَوَاتِ وَالْأَدْوِيَةِ الْمُبَاحَةِ، فهَذَا جَائِزٌ")}.
قال -رحمه الله تعالى: (بَابُ مَا جَاءَ فِي النُّشْرَةِ) وأورد في ذلك أحاديثًا وآثارًا وكلامًا لابن القيم.
أول شيء، ما هي النشرة؟
النشرة هي فك السحر، والسحر قد ينزل بالإنسان -نعوذ بالله منه- قد يُبتلى المؤمن به، فماذا يفعل المؤمن؟ المصنف -رحمه الله- وضع هذا الباب حتى يُعرف ما الواجب على المسلم في مثل هذه الأحوال.
هناك طريقان:
طريق شيطاني، وطريق إيماني، والمؤمن هو من يسلك الطريق الإيماني، ويحذر من الطريق الشيطاني.
فالنشرة هي العلاج وفك السحر، والسحر يؤثر بأمر الله -جل وعلا- القدري الكوني، ولا يرضاه الله -عز وجل- لكنه قد يقع ابتلاءً وامتحانًا.
قال: (عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سُئِلَ عَنْ النَّشْرَةِ؟ فقال: «هِيَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ) وهذا صريح في تحريم النشرة؛ لأنَّ الرسول ﷺ حكم عليها بأنها من عمل الشيطان، وإذا حكم النبي ﷺ على أمر بأنه من عمل الشيطان؛ كان ذلك العمل محرمًا في الشريعة الإسلامية، ولا يجوز، لماذا؟
لأنَّ الساحر الذي يريد فك السحر، يقوم بالاستغاثة بالشياطين، ويقوم بمزاولة السحر، والله -عز وجل- لا يرضى بالكفر، ولا يرضى بالاستغاثة بغيره، ولا يرضى -سبحانه وتعالى- بالسحر؛ لأنَّ الله -عز وجل- حرمه، والساحر يفعل أشياء حتى تستجيب له الشياطين، فتذهب وتؤثر في هذا المريض بفك بعض المرض، أو فكه كله، فهذه تسمى النشرة، ولهذا قال الرسول ﷺ: «هِيَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ».
قال: (رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ، وَأَبُو دَاوُدَ) أي رواه الإمام أحمد بسند جيد، ورواه أبو داود صاحب السن. و (قال): يعني: أبو داود بعدما روى الحديث ("سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْهَا؟) يعني: الإمام أحمد بن حنبل، فقال: (ابْنُ مَسْعُودٍ يَكْرَهُ هَذَا كُلَّهُ) يعني: عبد الله بن مسعود يكره هذا كله، يعني: يحرم، والكراهة هنا بمعنى التحريم، كما هو في عرف الصحابة -رضي الله عنهم والتابعين-.
الآن أتى بالمعنى الثاني، فقال: (وَفِي البُخَارِيّ: عَنْ قَتَادَةَ)، أي: قتادة بن دعامة السَّدوسي. (قلت لِابْنِ الْمُسَيَّبِ) هو: سعيد بن المسيب بن حزن المخزومي. (رَجُلٌ بِهِ طِبٌّ، أَوْ يُؤَخَّذُ عَنِ امْرَأَتِهِ) أي: رجل مسحور بطب، والطب هو السحر، يعني: أصابه سحر، والعرب تسمي الأشياء بأضدادها تفاؤلا، فيقولون عن الصحراء: مفازة، ويقولون عن اللديغ سليم، ويقولون: رجل به سحر، فيه طب، ولهذا جاء في الحديث الآخر: في آخر الرؤيا التي رآها النبي ﷺ، قال: «ما بَالُ الرَّجُلِ؟ قالَ: مَطْبُوبٌ، يَعْنِي: مَسْحُورًا، قالَ: ومَن طَبَّهُ؟ قالَ: لَبِيدُ بنُ أعْصَمَ، قالَ: وفيمَ؟ قالَ: في جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ في مُشْطٍ ومُشَاقَةٍ، تَحْتَ رَعُوفَةٍ في بئْرِ ذَرْوَانَ» .
الشاهد أنَّه سمى المسحور مطبوبًا، وهذا معنى قوله: (به طب) يعني: به سحر.
قال: (أَوْ يُؤَخَّذُ عَنِ امْرَأَتِهِ) ما معنى يُؤَخَّذُ عَنِ امْرَأَتِهِ؟
يعني: يحبس عنها، أي: إذا أراد أن يجامعها يكون نشيطًا ويكون كذا، ثم عند مباشرة الوقاع أو الجماع يذهب كل ما يجد عنه، وهذا مؤلم جدًا له ولها، أي: للرجل ولزوجته، نعوذ بالله من هذا.
(أَيُحَلُّ عَنْهُ أَوْ يُنْشَّرُ؟) ما معنى يحل؟ يعني: يفك السحر، (أَوْ يُنْشَّرُ) يعني: يعالج بفك السحر. فقال سعيد -رحمه الله- وهو من كبار التابعين: (لَا بَأْسَ بِهِ؛ إِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ الْإِصْلَاحَ، فَأَمَّا مَا يَنْفَعُ؛ فَلَمْ يُنْهَ عَنْهُ)، وكلام سعيد بن المسيب محمولا على ماذا؟ على العلاج المباح، وليس على السحر، كما زعم بعض الناس. ما هو العلاج المباح؟
الأدوية السليمة، الرقية الشرعية، التعوذات التي وردت في سورة الفلق، وسورة الناس، وكذلك الاستطباب عند أهل الطب العارفين، أهل الخبرة، كل هذا لا بأس به. وهذا من أسباب زوال السحر بإذن الله، مع الدعاء، وسؤال الله -عز وجل- العافية، فهذه أسباب عظيمة تُؤثر، وليس المراد أنه يستعان بالسحر، كما يقول بعضهم: صب الرصاص في الماء فيُعرف العائن أو يعرف كذا، وهذه أمور متوهمة لا يجوز سلوكها.
قال: (وَرُوِىَ عَنِ الْحَسَنِ) الحسن هو الحسن البصري، (وَرُوِىَ عَنِ الْحَسَنِ: "لَا يَحِلُّ السِّحْرَ إِلَّا سَاحِرٌ") أي: لا يحل السحر بنفس طريقة السحر إلا ساحر، أمَّا بالطرق الشرعية فلا بأس بها، وأما أن يذهب إلى السحرة فهذا يسمى أيضًا النشرة.
فالنشرة تطلق على فك السحر، إمَّا فك السحر بسحر مثله، وإمَّا فك السحر بأشياء مباحة؛ فهذا لا بأس به.
قوله: (قال ابْنُ الْقَيِّمِ) ابن القيم هو أبو عبد الله، محمد بن أبي بكر بن القيم الجوزية، المتوفى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة. قال: (النُّشْرَةُ: حَلُّ السِّحْرِ عَنِ الْمَسْحُورِ، وَهِيَ نَوْعَانِ: حَلٌّ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ، وَهُوَ الَّذِي مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الْحَسَنِ) ماذا قال الحسن؟ لا يحل السحر إلا سحرًا، (فَيَتَقَرَّبُ النَّاشِرُ وَالْمُنْتَشِرُ إِلَى الشَّيْطَانِ بِمَا يُحِبُّ)، والناشر هو من جنس الساحر، والمنتشر هو الذي أصابه السحر، أي: يريد أن يعالج فيسمى منتشرًا، فيتقرب هذا وهذا إلى الشيطان بما يحب؛ (وَيُبطِلُ عَمَلَهُ عَنِ الْمَسْحُورِ).
قال: (وَالثَّانِي: النُّشْرَةُ بِالرُّقْيَةِ، وَالتَّعَوُّذَاتِ، وَالدَّعَوَاتِ وَالْأَدْوِيَةِ الْمُبَاحَةِ، فهَذَا جَائِزٌ) وهذا فصل الأمر، وفصل الخطاب، وبهذا يعرف بطلان قول من زعم أنه يجوز حل السحر بالسحر ضرورة، وهو قول فاسد باطل.
أولا: لكونه مخالفًا لكلام الرسول ﷺ، حيث قال لَمَّا سئل عن النشرة: «هِيَ مِنْ عَمَلِ الشَّيطَانِ».
ثانيًا: أن حَلَّ السحر بسحر مثله لجوء إلى السحرة، والسحر نفسه حرمه الشرع ولم يجزه أبدًا، ولم يستثن شيئا عن شيء، حتى يقال هو جائز.
ثالثًا: أنَّ فيه ترويج للسحرة، فإذا قلنا لا بأس من فَكِّ السحر بسحر، فكأننا نقول: افتحوا دكاكينكم، وافتحوا محلاتكم، وشركاتكم يا أيها السحرة وتعالوا، وهذا أعظم الترويج لهم، وهذا القول يُعينهم على هذا الباطل، ولذا كان هذا فاسدًا، ولا يجوز مثل هذا القول.
رابعًا: ماذا يفعل الساحر حتى يفك السحر؟
يتقرب إلى الشيطان، فهل يجيز الشرع أن نرضى بعبادة الشيطان والكفر، لا يمكن أبدا أن نرضى بذلك، بل نصبر على الفقر، ونصبر على البلاء، ونصبر على المرض، ونسأل الله العافية، ولكننا لا نصبر على الكفر، ولا نرضى به، ولا نقره، ولا نروج له، ولهذا من قال بهذا القول؛ فعليه أن يتوب إلى الله -عز وجل-، وللأسف فإنَّ بعض الجهلة والأغرار يتعلقون بمثل هذه المقولات، ويبحثون عن مثل هذه الأشياء، حتى يذهبون إلى السحرة، ويحصل المحذور، نسأل الله العافية والسلامة.
أمَّا القراءة الشرعية بالقرآن، فهي علاج، كذلك الأدوية المباحة التي في المستشفيات أو أهل الخبرة، وأهل الإتقان بجميع أنواع الطب، وليس طبًا واحدًا، فالطب أنواع كثيرة، ولله الحمد، و «مَا أنْزَلَ اللَّهُ داءً إلَّا أنْزَلَ له شِفاءً» ، فيبحث المؤمن ويسعى حتى يشفيه الله -عز وجل- ويكثر من الدعاء.
وقد ذكر بعض أهل الخبرة بعض الصور، كأن يأخذ ماءً، ويضع فيه ورق السدر، ويدقه حتى يكون مثل الرماد، ويضعه بالماء حتى تخرج له رغوة؛ لأن السدر من أنواع المنظفات كالصابون، ويقرأ في هذا الماء بسورة الفاتحة، والإخلاص، والمعوذتين، وآية الكرسي، وآخر آيتين من سورة البقرة، والآيات التي ورد فيها شأن ذكر السحر في سورة الأعراف، وفي سورة يونس، وفي سورة طه، ويقرأ: سورة "الكافرون" أيضًا، وينفث في هذا الماء، ثم يصب عليه، وذكر شيخنا عبد العزيز بن باز -رحمه الله- أن الله -عز وجل- نفع بذلك كثيرًا ممن ابتلوا، ووقع عليهم هذا البلاء، وفك عنهم ولله الحمد، فهذا مجرب ونافع، ولا يضر، ويختلف عمَّا يفعله الكفرة والمشركون والسحرة، فكله لجوء إلى الله، وأشياء طيبة ونافعة، ليس فيها اعتقاد بخرافة أو باطل ولله الحمد، فكذلك من وجد دواء نافعًا وجربه واستفاد منه فلا بأس، لكن الأشياء المحرمة في الشريعة مثل: النجاسة أو الخمر أو المعازف، فهذه لا يجوز أبدًا، وكذلك الاستعانة بالجن، كل هذا لا يجوز، وهذا خلاصة الكلام عن موضوع النشرة، وبهذا نصل إلى ختام هذا الدرس، ونسأل الله -جل وعلا- أن يشفي مرضانا ومرضى المسلمين، ونسأل الله -سبحانه وتعالى- بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، أن يفك البلاء والسحر والحبس عن المحبوسين عن أزواجهم والمسحورين، نسأل الله -جل وعلا- أن يفرج همهم، وأن يشفيهم وأن يعافيهم.
وقبل أن أختم، ذكرت مسألة وهي مهمة جدًا، وهي: أنَّ بعض الناس كلما ذهب إلى راق يقول له من يرقيه: والله أنت مسحور، أو مصاب بمس أو فيك عين، أو كذا وكذا، وهذه الأمور حقيقة يسرفون فيها، وربما يتكلمون بغير علم، يتكلمون بالظن، وهذا غلط، والواجب على المسلم أن يحذر، والواجب أيضًا على من يرقي إخوانه أن لا يروعهم، وأن لا يتكلم بغير علم أو بالظن، فيقول: أنا أعرف وأنا كذا، لا، أنت لا تعرف، أنت مثلنا، فإذا قرأت القرآن وأحسنت إلى أخيك -فجزاك الله خيرًا- لكن لا تزيد بهذه التوقعات، أو بهذه الإطلاقات التي ما عندك فيها يقين أبدًا، ما يقول رأيت رؤيا أو يقول إنه كذا، فلا، نعم هناك بعض الصور قد يتيقن الإنسان، كأن ينطق على لسانه بكلام لا يستطيعه هذا المريض ولا يعرفه ولا يفهمه أبدًا، كان يتكلم بلغة أخرى، أو بلهجة لا يعرفها هذا المريض، فنعرف أنَّ الشيطان قد تخبطه من المس، وبالتالي يمكن أن نقول: هذا يغلب على الظن كذا وكذا، أما القطع بأن هذا مسحور أو أن هذا معيون، فلا؛ وهذا شي غيبي، فتوكل على الله، والجأ إلى الله، وادعو الله -عز وجل-.
كذلك الراقي ينبغي له أن لا يعلق الناس في رقيته أو بشخصه، وإنما يعلقهم بالله، وهذا من كمال التوحيد والتوكل على الله -سبحانه وتعالى- فيقول لهم مثلا: اقرأوا على أنفسكم هذا، هذه هي السنة أنَّ المؤمن يقرأ على نفسه، والمريض يقرأ على نفسه، ولهذا جاء بعض المرضى إلى أحد الصالحين وقال له: ادع الله لي، فقال: أنا إذا دعوت الله لك فأنا لست مضطرًا، وأنت إذا دعوت الله -عز وجل- فدعاؤك دعاء المضطر، والله -عز وجل- يقول: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ [النمل:62]، وبهذا نعرف أنَّه ينبغي للمؤمن أن يلجأ إلى الله -سبحانه وتعالى- وأن يُكثر الدعاء والتضرع بين يدي الله، ونقول لكل مؤمن ابتلي: نفس دعائك هذا، ونفس تضرعك، ونفس هذه الحالات التي تجد أنت فيها الصعوبة، وتكثر من اللجوء إلى الله، هذا من أعظم أنواع العبودية، وهذا من أعظم ما يُقربك إلى الله -سبحانه وتعالى- فلا تزهد في هذا الأمر، ولا تتركه، ولا تهمله، ومن ثَمَّ تقول: أذهب إلى الراقي، وبعض الجهلة يقول: هذا الراقي كأنَّ شفاءه محقق ومتيقن، ما هذا الكلام؟ هذ في الحقيقة خدش في العقيدة، الشفاء من الله - سبحانه وتعالى- والرقية هي قراءتك لكلامه -جل وعلا- فاقرأ أنت كلام الله -عز وجل- بيقين، وتوكل على الله، ولا بأس أن تذهب إلى أخيك يرقيك، ويدعو الله لك، لكن الأكمل أن تبذل أنت هذا لنفسك في الصباح وفي المساء، وقبل النوم، وتسأل الله -عز وجل- في أوقات السحر، وأوقات الإجابة أن يجيب دعاءك وأن يشفيك وأن يعافيك أو يشفي مريضك أو نحو ذلك.
نسأل الله -جل وعلا- أن يشفي مرضانا ومرضى المسلمين، وأن يفرج همومنا أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
{اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد، شكر الله لكم فضيلة الشيخ على هذه الإفادة، وأنتم يا طلاب العلم شكر الله لكم استماعكم، وأسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا وإياكم من أهل العلم العاملين به، ونلتقي -إن شاء الله- وأنتم على خير في درس قادم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سلاسل أخرى للشيخ
-
12802 18
-
16749 9
-
34810 6
-
3050 13
-
3131 12
-
4154 11
-
5557 12