الدرس الثالث
فضيلة الشيخ أ.د. فهد بن سليمان الفهيد
إحصائية السلسلة
{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله ربِّ العالمين اللهم صلِّ وسلم على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين، نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، مرحبًا بطلاب العلم، حيَّاكم الله وبيَّاكم وجعل الجنة مثوانا ومثواكم، نرحبُ بكم في هذه الحلقة من برنامج (جادة المتعلم)، والذي نشرح فيه (كتاب التوحيد) المستوى الثاني، يصطحبنا فيه فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ فهد بن سليمان الفهيد. باسمكم جميعًا نرحبُ بشيخنا المبارك، حيَّاكم الله شيخنا}.
حيَّاكم الله وحيَّا الله الإخوة جميعًا، وجزاكم الله خيرًا.
{أحسن الله إليكم، نستأذنكم شيخنا في البداية.
قال -رَحِمَهُ اللهُ: (بابُ ما جاءَ أنَّ سبَبَ كُفْرِ بَنِي آدمَ وتَرْكِهِمْ دِينَهُم هُوَ الغُلوّ في الصَّالِحِينَ.
وقولُ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿يا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ولا تَقُولُوا على اللهِ إلاَّ الحقَّ إنما المَسِيحُ عِيسى بنُ مَرْيمَ رَسُولُ اللهِ وكَلِمَتُهُ ألْقَاها إلى مَرْيمَ وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ [النساء:171].
في الصَّحيحِ عَنِ ابنِ عَبّاسٍ رضيَ الله عَنْهُما في قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَقَالُوا لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدًّا وَلاَ سُوَاعًا وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرً﴾ [نوح:23]؛ قالَ: "هَذِهِ أَسْماءُ رِجالٍ صالِحينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلمّا هَلَكوا أَوْحَى الشَّيطانُ إلى قَوْمِهِمْ، أَنِ انصبوا إِلى مَجالِسِهِمْ الّتي كَانوا يَجْلِسُون فِيها أنصابًا وَسَمُّوها بِأسمائهم، ففعلوا، وَلَمْ تُعْبَدْ، حَتى إِذا هَلَكَ أُولئِكَ وَنُسِي العِلمُ عُبِدَت".
وقالَ ابنُ القيِّمِ: "قالَ غَيرُ واحدٍ مِنَ السَّلَفِ: لما مَاتُوا عَكَفُوا عَلَى قُبُورِهِمْ، ثُمّ صَوّروا تَماثِيلَهُمْ، ثُمّ طالَ عَلِيْهِمُ الأَمَدُ فَعَبَدوهُمْ")}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد؛ فهذا الباب (بَابُ مَا جَاءَ أنَّ سبَبَ كُفْرِ بَنِي آدمَ وتَرْكِهِمْ دِينَهُم هُوَ الغُلوّ في الصَّالِحِينَ) وكذلك الأبواب التي بعده -أربعة أبواب أو خمسة- هي من القواعد الكبرى في مسائل الاعتقاد، وهي مما يجب على كلِّ عاقل أن يتدبره حق التدبر ليعرف مداخل الشرك وأسبابه وكيف وقع؛ لأنه إذا عرف الإنسان هذا الشيء تجنَّبه وابتعد عنه وعرف خطورته الشديدة، وعرف السبب في كثرة النصوص الواردة في التحذير من هذا السبب أو ذاك.
قال -رَحِمَهُ اللهُ: (سبَبَ كُفْرِ بَنِي آدمَ) آدم عليه السلام نبي مُكلَّم، وهو أول البشرية، خلقه الله -عَزَّ وَجَلَّ- من تراب، ولم يكن أحد قبله، فآدم على الإسلام، وكذلك زوجه وذريته، وبقي هذا الإسلام والتوحيد في هذه الذرية عشرة قرون -كما قال عبد الله بن عباس: "كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم عن الإسلام"، وهذا يدل عليه قول الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ﴾ [البقرة: 213]، ولهذا يقول العلماء: "أول رسول إلى أهل الأرض نوح" يعني: بعد حدوث الشرك، ولهذا قال الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [النساء: 163]؛ لأنه أول ما حدث الشرك كان في قوم نوح.
وهنا وَضَّحَ الشيخ بذكر الآيات وذكر الأحاديث التأصيل لهذا الموضوع؛ لأن الموضوع خطير جدًّا، فنحن عرفنا أنَّ البشرية كلها أصلها على التوحيد، وليس كما يقول بعض المخلِّطين والمخرفين أنَّه كان هناك وثنية، وأن أول إنسان هو إنسان بدائي لا يفهم شيئًا؛ هذه نظريات باطلة فاسدة، لكن الكلام على من يقرّ بالدين ويقر بالأديان ويقر بأن الله -عَزَّ وَجَلَّ- أرسل الرسل وأنزل الكتب، والكلام مع من ينتسب إلى دين الإسلام أيضًا.
ويقال لهؤلاء جميعًا: أعظم شيء انحرفت به البشرية هو الغلو في الصالحين، وهذا حكم خطير وحكم عظيم.
المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ- قال: (بابُ ما جاءَ أنَّ سبَبَ كُفْرِ بَنِي آدمَ وتَرْكِهِمْ دِينَهُم هُوَ الغُلوّ في الصَّالِحِينَ)، وهناك أسباب أخرى لا شك، فهناك الآباء والأجداد، وهناك التقليد الأعمى، وهناك التعصب، وهناك العناد والمكابرة، وهناك البغي والحسد، هناك أغراض دنيوية كثيرة تجعل كثيرًا من الناس ينحرف ويضل ويكفر بالله -عَزَّ وَجَلَّ-، فالأسباب للكفر كثيرة، ليس هذا السبب الوحيد، لكن هذا أعظم الأسباب، وأعظمها تأثيرًا، وأعظمها انتشارًا في الأرض، ولهذا يجب علينا أن ننتبه له، كما نحذر من جميع أسباب الكفر ونحذر من جميع أسباب الشرك من أولها إلى آخرها، لكن هذا العاقل إذا نظر في الآيات ونظر في الأحاديث عرف خطورته وأنه قد يدخل عليه حتى هو؛ فيتعوذ بالله وينتهي عن الغلو في الصالحين.
الغلو ما هو؟
الغلو: هو مجاوزة الحد، يقال: غلا الماء، أي: زاد. فإذا زاد الإنسان عن الحد المحدود يقال: غلا.
وفي الشرع المطهر إذا زاد عمَّا شرعه الله -عَزَّ وَجَلَّ- يقال: غلا، حتى في رمي الجمار قال ﷺ: «أمثالَ هؤلاءِ فَارْموا ثمَّ قالَ يا أيُّها النَّاسُ إيَّاكم والغُلوَّ في الدِّينِ فإنَّهُ أهْلَكَ من كانَ قبلَكُمُ الغلوُّ في الدِّينِ» ، فإذًا من زاد في حجم الحصاة أو نوعها أو ما يرمى به؛ لزاد عن المشروع ويعتبر غلا في الدين؛ فكيف بمن زاد فيما هو أعظم من ذلك في حق الله -عَزَّ وَجَلَّ- في عبادته في جعل شريك معه بأسباب واهية.
قال الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ: (وقولُ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿يا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ولا تَقُولُوا على اللهِ إلاَّ الحقَّ﴾).
هذه الآية في سورة النساء، من هم أهل الكتاب؟ اليهود والنصارى، هنا نهاهم الله -عَزَّ وَجَلَّ- عن الغلو، والذي يُنهى عن الغلو هو الذي يقوم بالدين، أمَّا الجاحد للدين الكافر بالدين فيُقال له: دِنْ بهذا الدين، وهذا على وقته قبل مبعث النبي ﷺ، أما بعد مبعث النبي ﷺ فلا يقبل الله من العالمين دينًا غير دين الإسلام، واليهود والنصارى عندهم في كتبهم أنَّه سيبعث نبي آخر الزمان وهو محمد ﷺ، لكن حمَلَهم الكفر والحسد والهوى والضَّلال على ترك اتباعه -ﷺ.
فننظر في هذه الآية: ﴿لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ولا تَقُولُوا على اللهِ إلاَّ الحقَّ﴾، وفي سورة المائدة: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ [المائدة: 77]، فالحقيقة أن اليهود غلوا، ومن غلوهم قالوا: عزير ابن الله، والنصارى غلوا، ومن غلوهم قالوا: المسيح ابن الله، ولكنهم -أعني النصارى- أكثر غلوا من اليهود، فاليهود يكثر فيهم التكبر والاستكبار والعناد، ولهذا يُوصف اليهود بأنهم قتلة الأنبياء، ويوصفون بالغدر ونقض العهود، فهم عندهم علم ولكنهم يكابرون، أمَّا النصارى فأغلبهم ضالُّون، يوصَفون بالضلال، ومن ضلالهم: الغلو في الصالحين وفي الأنبياء وفي المعظَّمين عندهم، هذا من أكثر ما يكون انتشارًا عند النصارى، واليهود عندهم هذا الشيء أيضًا، لا يعني أنَّه ليس عندهم بل عندهم هذا الغلو إلى هذا الوقت المعاصر، الآن يوجد عند بعض كفرة اليهود أو أغلب كفرة اليهود غلو فيمن يعتقدون أنهم صالحين.
والمقصود: أنَّ الله -عَزَّ وَجَلَّ- نهى أهل الكتاب من كفرة اليهود والنصارى عن الغلو في الدين ﴿لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ﴾، إذًا هذا يدل على أن المسلم يحذر مما انحرف فيه -أو بسببه- من قبله من الأمم السابقة، هذا وجه الاستدلال بهذه الآية، لأنَّ الموضوع موضوع مزلَّة أقدام، يعني حب الأنبياء واجب، وحب الصالحين يعتبر مستحبًّا، ينبغي حبهم ومن الولاء لهم وللمؤمنين، لكن هذا الحب إذا زاد عن حدِّه أو صارَ يتصرَّف بتصرفات لا يقتضيها هذا الحب الصَّادق، صار حبًّا كاذبًا وصار غلوًّا وصار انحرافًا في الدين، وإلا فمحبة المؤمن لأخيه المؤمن ومحبة المؤمن لأهل العلم والتقوى والعبادة والصلاح ومحبة المؤمن للصالحين؛ هذا أمر يُشكر عليه ويؤجر عليه، ولكن هذا لا يقتضي عبادتهم من دون الله، ولا يقتضي أن يقال عنهم إنهم يعلمون الغيب، ولا يقتضي أنَّه يسجد لهم أو يركع لهم أو يذبح لهم أو يستغيث بهم أو يأتي عند قبورهم أو يهتف بأسمائهم، وغير ذلك مما يكون من أنواع الشرك والعبادة التي تُصرف لغير الله -عَزَّ وَجَلَّ، فهذا هو الغلو فيهم، يقول عنهم: إنهم يعلمون الغيب، أو يقول عنهم: إنَّ الواحد منهم يخرج من قبره ويحقق لي مقاصدي كلها! كل هذا ناتج عن الخرافات وناتج عن الغلو، يعني صار ينظر لهم نظرة إكبار، كما يقول العلماء: يقدسونهم ويجعلونهم في منزلة عظيمة جدًّا حتى يصفونهم بما لا يوصف إلا الله -عَزَّ وَجَلَّ- به، فيصفونهم بعلم الغيب، ويصفونهم بإجابة الدعاء، ويصفونهم بتحقيق الأشياء التي لا يمكن تحقيقها، وهذه أمور لا يقدر عليها إلا الله تبارك وتعالى، وهذا كله ناتج عن الغلو فيهم.
وذكرتُ في أكثر من مناسبة: أنَّ بعض هؤلاء الذين يُعتقد فيهم هذا الشيء، وهم أحياء لا يتمكنون من بعض الأمور لعجزهم أو لكبر سنهم أو مرضهم، فإذا كانوا وهم أحياء عجزوا عن تحقيق مقاصد لهم، فإذا ماتوا جاء أولياء الشيطان وقالوا لهم: إنهم يفعلون ويتركون وبيدهم كذا وعندهم كرامات؛ فيطلبون منهم أمورًا هم يوم كانوا أحياء ما استطاعوا تحقيقها لأنفسهم فضلا عن غيرهم! فهذا كله من الغلو في الصالحين، ومع كل أسف يتكرر هذا، مع ما حذر الله -عَزَّ وَجَلَّ- كفرة اليهود والنصارى والمسلمون يقرأون هذا إلا أنَّه يوجد في المسلمين من يغلو فيشابه أهل الكتاب، وهذا مصداق قوله ﷺ كما سيأتي في أبواب لاحقة: «لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَن كانَ قَبْلَكُمْ، شِبْرًا شِبْرًا وذِراعًا بذِراعٍ» ، فهذا مما يقع -مع الأسف- حتى قال بعضهم: إنَّ الولي قادر على أن يخلق! وبعضهم يقول: إن الولي يخرج من قبره ويحقق لك ما تريد! ويقول بعضهم: إنَّ الولي يحمي البلاد! ويقول قائلهم: يا خائفين من التتر لوذوا بقبر أبي عمر ينجيكم من الخطر! كل هذا من الكفر العظيم، لوذوا بالله، لماذا تلوذون بمخلوق لا يملك لنفسه أو غيره نفعا ولا ضرا؟! وبعضهم يقول: ما دام فينا القبر الولي الفلاني فلن تصيبنا مصيبة! كل هذا من الشرك الأكبر، والشرك في الربوبية أيضًا غير الشرك في الألوهية، نسأل الله العافية والسلامة.
{ولنفترض يا دكتور أنَّ هذا إن كان يجري النفع لاستطاع أن ينفع نفسه أولًا ثم ينفع غيره}.
نعم، وأيضًا هذه ليست محبة للصالحين، هذا افتراء على الصالحين، ولو كان هذا الصالح صالحًا وهو حي وسمعك تقول هذا الكلام لكان أول مَن يتبرأ منه هو هذا القائل لهذا الكلام، ولهذا قال الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾ [الأحقاف: 5]، هذا هو الشاهد: ﴿وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً﴾.
قال: (في الصَّحيحِ عَنِ ابنِ عَبّاسٍ رضيَ الله عَنْهُما في قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَقَالُوا لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدًّا وَلاَ سُوَاعًا وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرً﴾ [نوح:23]؛ قالَ: "هَذِهِ أَسْماءُ رِجالٍ صالِحينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلمّا هَلَكوا أَوْحَى الشَّيطانُ إلى قَوْمِهِمْ، أَنِ انصبوا إِلى مَجالِسِهِمْ الّتي كَانوا يَجْلِسُون فِيها أنصابًا وَسَمُّوها بِأسمائهم، ففعلوا، وَلَمْ تُعْبَدْ، حَتى إِذا هَلَكَ أُولئِكَ وَنُسِي العِلمُ عُبِدَت").
يعني هؤلاء كانوا في زمن واحد متقاربين، وفُقدوا في وقت واحد، ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، وهؤلاء مذكورون في سورة نوح، فحريٌّ بالمسلم أن يعرف خبرهم، الله -عَزَّ وَجَلَّ- ما ذكرهم إلا لنعرف سبب ذكرهم، ولنعرف ماذا جرى لهم، هل هم طواغيت؟ هل هم أناس كفار يعادون نبي الله نوح؟ لا، هم رجال صالحون، على التوحيد وعلى الإسلام وعلى الدين الصحيح؛ بل على علم وعلى عبادة وزهد، كما قال عبد الله بن عباس، فماتوا في وقت واحد ففقدهم الناس، وأسفوا وحزنوا، قالوا: هؤلاء كانوا يذكِّروننا ويَعظِوننا ويأمروننا بالخير، وإذا رأيناهم اشتقنا إلى عبادة الله من زهدهم وورعهم، والآن ماتوا، ما الحل؟ فأوحى الشيطان، وهذا فيه تبيان أن الشيطان يفكر كيف يضل بني آدم ويجتهد، وأنه يلقي إليهم الحبائل التي تصيدهم، وأنه يعطيهم أول الأمر خطوة غير مقصودة لذاتها، ولكن يريد ما وراءها، والله -عَزَّ وَجَلَّ- قال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ [النور: 21]، فزيَّن لهم الشيطان أمرين عظيمين وسببين للكفر، وكلاهما من الغلو في الصالحين:
الأمر الأول كما قال ابن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: (أَنِ انصبوا إِلى مَجالِسِهِمْ الّتي كَانوا يَجْلِسُون فِيها أنصابًا وَسَمُّوها بِأسمائهم). النصب مثل التمثال، لكن أوسع من التمثال، يعني علامة مثل عمود، فبنوا أعمدة أو بنوا تماثيل، فقالوا: إذا رأينا هذا ود الذي كان يأمرنا؛ فالآن نعبد الله ونجتهد، فكان يذكرنا، وهذا كان حبيبنا في الله يذكرنا وينهانا عن المنكرات وينهانا عن المعاصي، ومات وراح إلى ربه، فافعلوا مثل ما كان يفعل؛ كلام في ظاهره استحسانات العقول!
وهنا يأتي خطر البدع في الدين، وما أكثر الآن إلى يومنا هذا والمبتدعة يقعون في نفس ما وقع فيه أولئك.
قال: (ففعلوا، وَلَمْ تُعْبَدْ، حَتى إِذا هَلَكَ أُولئِكَ) يعني ماتوا، الجيل الأول مات الذي كان هذا هدفه.
قال: (وَنُسِي العِلمُ)، هذه مهمة ونقف عندها، أهمية انتشار العلم الصحيح، أي بقعة في الأرض وأي مكان وأي مدرسة وأي جامعة ينتشر فيها العلم الصحيح تفر البدع والشركيات، والكفريات تذهب، وأي مكان في الأرض وأي بقعة يقل فيها أهل العلم بشرع الله -عَزَّ وَجَلَّ- تكثر فيها الكفريات والشركيات والبدع والخرافات، فهؤلاء الذين ابتدعوا هذه البدعة ما جاءهم واحد من أهل العلم وقال: لا، هذا لا يجوز هذا بدعة، لو قال لهم قائل بهذا لانتفع على الأقل نصفهم، وصار نصفهم ينكر على الآخر مثلا، لكن ما وجد أحد ينكر عليهم، فأهل الأرض صاروا بحاجة، فأرسل الله نوحًا، وهكذا تتابع الرسل على البشرية حتى خاتمهم محمد ﷺ، ومحمد ﷺ لا نبي بعده ولا رسول بعده، لكن ورثته العلماء، فالعلماء هم القائمون بتنبيه الناس ونصحهم، إذا نقصَ العلم أو زال العلم ظهر الكفر وظهر الشرك؛ لأنَّ لا أحد ينكر عليه، يقول: سأذهب إلى ساحر؛ ما أحد يقول له شي! يأتي واحد يقول: ما رأيك تصنع كذا وكذا يشفى مريضك؛ فتبدأ الخرافات تنتشر في يوم، بعض الناس يقول: شهادات دكتوراه أو جامعات أو الإنترنت؛ لا أبدًا، في هذا الوقت الذي نحن فيه وفي عصر التقنية يوجد الآن من يصرح بالشرك الأكبر ويستغيث بغير الله ويذبح لغير الله، نظرًا لانتشار الجهل ودعاة الباطل!
وهذا يؤكِّد لنا وجوب أن يقوم طائفة من أهل العلم وطائفة من الناس بدراسة العلم الشرعي، وأن هذا الأمر واجب، وأن يخصَّص من الطلبة من يدرس العلم الشرعي في جميع أقطار الدنيا، يجب على المسلمين أن ينتبهوا لهذا، وأن يحفِّظوهم القرآن والسنة ويدرِّسوهم على طريقة العلماء الراسخين الطريقة السلفية الصحيحة، التي تعتمد على كتاب الله وسنة رسوله، وعلى ما كان عليه الصحابة -رضي الله عنهم- هؤلاء إذا خلت منهم الأرض تكون مصيبة عظيمة ويكثر الجهل.
هذا معنى قوله: (وَنُسِي العِلمُ عُبِدَت)، أي: عُبدت من دون الله -عَزَّ وَجَلَّ-، إذًا صار في العبادة في الجيل الثاني.
كيف عُبِدت؟
وردت الروايات أن الشيطان قال: إنهم كانوا يستسقون بهم المطر، ويتوسَّلون بهم أو نحو ذلك، فعبدوهم من دون الله.
إذًا هذا هو سبب الشرك الذي وقع في قوم نوح ﷺ، فأرسل الله إليهم نوحًا يدعوهم وينذرهم، وبيَّن الله -عَزَّ وَجَلَّ- في سورة نوح وفي غيرها ماذا قال لهم كيف ابدأ وأعاد، وكيف استمر في دعوتهم واستخدم جميع الوسائل العظيمة الشرعية، سرًّا وجهارًا وليلًا ونهارًا، وكل هذا يعني قابلوه بالصد والاستكبار -نعوذ بالله.
وكما يقول أهل العلم: الذي يقع في المعصية يختلف عن الذي يقع في البدعة، وهذه البدعة بدعة شركية، فالذي يقع في البدعة يرى أنَّه على دين، وأنه يرضي الله -عَزَّ وَجَلَّ- بهذا، فلما جاءهم رسول كذَّبوه وقالوا: نحن أهل الدين، فأبوا أن يتخلوا وقالوا -من شدة التعصب: ﴿لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرً﴾ [نوح: 23] ما تتركونهم أبدًا، استغيثوا بهم، الجؤوا إليهم، اهتفوا بأسمائهم.
ومن جملة الباطل الذي صنعوه: أنهم يصورون أصنامًا على نفس الطريقة، يعني: الصنم الذي يشبه ود يصورونه ويتوازعونه بينهم، حتى تقول كل قبيلة وكل طائفة: أنتم لكم (ود)، ولا تتعبدوا بـ (يعوق)؛ لأن (يعوق) للقبيلة الثانية، واستمر هؤلاء حتى بعثة النبي ﷺ، وكانت أصنامهم، نفس الأصنام، وعمرو بن لحي الخزاعي الذي جدد الشرك، وأحيا الشرك في الناس، هو الذي أتى بهذه الأصنام إلى جزيرة العرب، وكانت موجودة في جدة، قد دفنها البحر، فاستخرجها وتم توزيعها على القبائل، فسبحان الله العظيم! أول رسول إلى أهل الأرض ينكرها، وآخر رسول إلى أهل الأرض يكسرها، نسأل الله أن يحيينا ويميتنا على سنة محمد ﷺ.
هذا معنى قوله: (وَنُسِي العِلمُ عُبِدَت).
ونحن الآن في القرن الخامس عشر، يعني الزمان متأخر جدًا، والحاجة عظيمة جدًا للحذر مما وقع فيه الأوائل، فإذا كان أقوام على مستوى كبير ووقعوا في هذا الشرك الأكبر؛ فما بالك بمن في زماننا، فمن باب أولى أن نخاف ونحذر وننشر الوعي بين المسلمين حتى لا يقعوا في عبادة غير الله -عَزَّ وَجَلَّ.
إذًا؛ من أعظم أسباب الشرك: الابتداع في الدين، كل المشركين الذين ينتسبون للدين بدعهم نابعة من دعواهم التَّمسك والمحبة للصالحين، والغلو في الصالحين، والغلو في العلماء، والغلو في الأئمة؛ كل هذا من الباطل.
قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وقالَ ابنُ القيِّمِ)، يعني ابن القيم الجوزية، وهو محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، من العلماء الراسخين في العلم وله مؤلفات عظيمة نافعة، وهذا الكلام المذكور هنا نقله الشيخ من كتاب ابن القيم الشهير النافع (إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان).
قوله: (قالَ غَيرُ واحدٍ مِنَ السَّلَفِ)، يعني ليس عالمًا من علماء السلف، بل أكثر من واحد قالوا هذا القول.
قال: (لما مَاتُوا عَكَفُوا عَلَى قُبُورِهِمْ، ثُمّ صَوّروا تَماثِيلَهُمْ، ثُمّ طالَ عَلِيْهِمُ الأَمَدُ فَعَبَدوهُمْ)، الأثر الأول لابن عباس ذكر فيه الأنصاب فقط، في قوله: (انصبوا إِلى مَجالِسِهِمْ الّتي كَانوا يَجْلِسُون فِيها أنصابً)، هنا التماثيل هي الأنصاب، لكن قبل التماثيل عكفوا على قبورهم، إذًا العكوف على القبور هذا رقم واحد.
الثاني هو الغلو في الصالحين: حيث وضعوا التماثيل ووضعوا صورًا لهم وأنصابًا بأسمائهم.
هذا هو السبب الذي لأجله غلا قوم نوح في: "ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، نسرا"، فانتبه لهذين السببين، وبهذا تعرف لماذا نهى النبي ﷺ عن الصلاة في المقبرة، فقال: «لا تَجْلِسُوا علَى القُبُورِ، ولا تُصَلُّوا إلَيْها» ، وسيأتي هذا الموضوع، وتعرف من خلال هذا لماذا لا يشرع لنا العكوف عند القبور، ما هو من شريعة الإسلام، قال تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: 187] في المساجد فقط، هذا الذي جاء في القرآن، العكوف في المساجد وليس في المقابر، إلى آخر الأشياء التي جاءت في مسائل المقابر من الاحتياط وسد الذرائع؛ كل هذا لأن هذا من أسرع الأسباب التي توقع الناس في الشرك.
قال: (ثُمّ طالَ عَلِيْهِمُ الأَمَدُ فَعَبَدوهُمْ)، هذا يبين لك أنَّ الشرك لا يحدث مباشرة، فمع مرور الزمان ينسى العلم، ونسأل الله -جَلَّ وَعَلَا- أن يجعلنا وإيَّاكم أيها الإخوة الكرام المشاهدين والمشاهدات وجميع إخواننا المسلمين ممن يحيي العلم بالله الوارد في كلام الله في القرآن العظيم وفي سنة الرسول ﷺ الثابتة صحيح عنه، وفيما قرره علماء السلف الصالح رحمهم الله تعالى.
ظاهر كلام ابن القيم الذي نقله عن غير واحد من السلف في قوله: (عَبَدُوُهم)، من العابد؟ القوم، لكن هل هو الجيل الأول ولا الجيل الثاني؟ محتمل.
أمَّا أثر ابن عباس فهو صريح في أنَّ الجيل الأول لم يَعبد، ففعلوا النصب ولم تعبد، الجيل الثاني عبدوهم، يعني: الآباء وكبار السن الذين كانوا وقعوا فيها راحوا وماتوا، ثم جاء الصغار الشباب الجدد وقالوا: نعبدهم، وجاء الشيطان قال: اعبدوهم، فعبدهم، ولم يسموها عبادة، بل قال لهم الشيطان: يتوسلون بهم، ويستسقون بهم المطر.
أمَّا في الأثر الثاني في الكلام المنقول عن السلف قال: (ثُمّ طالَ عَلِيْهِمُ الأَمَدُ فَعَبَدوهُمْ)، ظاهره أنهم هم عبدوهم، وهذا محتمل، الإنسان مع الأزمنة يرق دينه وينسى، إلا من ثبته الله -عَزَّ وَجَلَّ-، ولهذا كان من دعاء النبي ﷺ وكان يتوسل إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ-، ويسأل الله -عَزَّ وَجَلَّ- الثبات، فكان يقول: «اللَّهُمَّ لكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وإلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بعِزَّتِكَ -لا إلَهَ إلَّا أَنْتَ- أَنْ تُضِلَّنِي، أَنْتَ الحَيُّ الَّذي لا يَمُوتُ، وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ يَمُوتُونَ» ، فيسأل الله -عَزَّ وَجَلَّ- ويَعوذ بالله -عَزَّ وَجَلَّ- من أن يضله الله -عَزَّ وَجَلَّ-، قال تعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ﴾ [إبراهيم: 27]، والواحد ما يأمن على نفسه ويقول: أنا في مأمن، ويقول: والله لا يمكن أن يقع الشرك ولا يمكن أن يقع الكفر؛ لا، المؤمن يخاف، قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: 74]، وكان أكثر دعاء النبي ﷺ: «يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي علَى دينِكَ» ، فبعض الناس يقول: لا يمكن أني أحدث الشرك؛ لا، سيأتي باب خاص في هذا الأمر وأن بعض الناس يقع في الشرك، وبعض الناس يقع في الردة، وبعض الناس يقع في الكفر؛ ولكن نعوذ بالله من ذلك، ونسأل الله أن يعافينا وإيَّاكم وجميع المسلمين ويثبتنا على دينه.
فالمقصود: أن قوله: (ثُمّ طالَ عَلِيْهِمُ الأَمَدُ فَعَبَدوهُمْ) محتمل أنَّ الجيل الأول أيضًا عبدها أو أن الذرية والجيل الثاني، على كل حال الواحد يحذر من جميع الشركيات والبدع والمعاصي، ولا يتساهل فيها لأن بلائها شديد وخطير.
وكما قال بعض السلف: من شؤم المعصية أن تأخذك إلى معصية أخرى، وكل معصية تنادي على أختها، فيقع ويتوسَّع ثم يقع فيما لا تحمد عقباه، نسأل الله العافية والسلامة.
قال: (وَعَنْ عُمَرَ أَنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قالَ: «لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرتِ النَّصارى ابنَ مَرْيَمَ، إِنَّما أَنا عَبْدٌ، فَقُولوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ» أخرجاه).
النبي ﷺ ينهى نهيًا صريحًا، فكل مَن آمن بالله ورسوله، ويشهد أنَّ محمدًا رسول الله؛ يجب عليه أن يمتثل، ويجب عليه أن يقول: سمعًا وطاعة لِمَا قاله الرسول ﷺ.
الإطراء ما هو؟
الإطراء: هو المجاوزة في المدح.
الغلو: المجاوزة في الدين، أمَّا هنا الإطراء فهو المجاورة في المدح، يمدح ويمدح لكن يزيد، فإذا جاوز الحد والأوصاف وأعطاه أوصافًا أعلى لا تليق إلا بالله -عَزَّ وَجَلَّ-كما قالت المرأة: "وفينا نبيٌّ يعلَمُ ما في غدِ"؛ فقال النبي ﷺ: «لا تَقُولِي هَكَذا» ، والنبي ﷺ نهى عن ألفاظ للصحابة ما قصدوها، مثل قول الرجل: "ما شاء الله وشئت يا محمد" قال: «أَجَعَلْتَني لله عدلًا قل ما شاء اللهُ وحدَه» ، إذًا النبي ﷺ كان يحذر، وهنا ينهى نهيًا صريحًا.
{هل الأصل شيخنا في المدح الذم أو الإباحة}.
المدح جائز ومشروع، ولكن يُمدَح من يستحق المدح، ويمدح بما ورد، يمدح فيقال: إنَّه سيد ولد آدم وإنه أفضل البشرية، وإنه ﷺ أعطاه الله الوسيلة والمقام المحمود، ويمدح بما ورد في كتاب الله وفي سنة رسوله ﷺ، أمَّا ما لم يرد فلا يجوز لنا أن نتكلم في الله وفي دينه وفي رسوله بما لا نعلم، فهذا هو المدح الزائد، مثل أن يقول: إنَّه يعلم الغيب، أو يقول: إنَّه يتصرف في الكون، أو يقول: إنَّ النبي ﷺ يُستغاث به من دون الله ويُعبد من دون الله، ويُسجَد له، أو يقال: إنَّه يعني يدبر أمر الخلائق أو أنَّه يحيي الموتى، أو أنَّه هو الذي يحيي ويميت، أو أن النبي هو الذي يغفر الذنوب، أو أنَّ النبي ﷺ هو الذي يجير المكروب ويفرج الهموم ويغيث المستغيثين؛ لا، هذا كله من الغلو والخروج عن هدي النبي ﷺ.
أمَّا أن تقول: إنَّه أفضل الخلق، إنَّه أدى الأمانة، إنَّه بلغ الرسالة، إنَّه جاهد في الله حق جهاده، وإنه بالمؤمنين رؤوف رحيم، عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم، وأشبه ذلك، فأوصافه كثيرة ﷺ، لكن الغلو في المدح يسمى إطراءً، والنبي ﷺ قال: «لَا تَطْرُونِي».
قوله: «كَمَ» هذا مثال وليس حصرًا.
قوله: «كَمَا أَطْرتِ النَّصارى»، يعني: بالغت في مدح عيسى ابن مريم.
قال: «كَمَا أَطْرتِ النَّصارى ابنَ مَرْيَمَ»، ماذا قالوا فيه؟ قالوا: إنَّه ابن الله، وهذا أحد أوجه النهي، أو أمثلة النهي، فلا يجوز أن نقول: محمد هو ابن الله، ﷺ، فهذا من الكفر، ولكن نقول: إنَّه ﷺ رسول الله، كما نقول: إن المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وإن أفضل الرسل هو محمد ﷺ.
جاء بعض الجاهلين وقال: لا نقول إن محمد ابن الله، أمَّا البقية فنقول كل شيء، يقول:
دَعْ ما ادَّعَتْهُ النَّصارَى في نَبيِّهِمِ ... وَاحكُمْ بما شِئْتَ مَدْحًا فيهِ واحْتَكِمِ
يقول: قلْ كل شيء لا أحد يردك، ولكن لا تقل: إنه ابن الله! هذا من الجهل والضلال العظيم.
ولهذا قال في نفس القصيدة:
يَا اكْرمَ الْخلْـقِ مَا لِيْ مَــنْ ألُوْذ بهِ ... سِوَاكَ عِنْد حلُوْلِ الْحادث الْعَمِمِ
إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَعَادي آخذا بيَدي ... فَضْــــلا وَإلا فَقُــــــــلْ يَا زلَّةَ الْقَـدمِ
فَانَّ مِـــنْ جـوْدكَ الدنْيَـــا وَضَرتهَــا ... وَمِنْ عُلُوْمِكَ عِلْــــمَ اللّـوْح وَالْقَلَمِ
يخاطب الرسول ﷺ، يعلم الغيب، ويعلم ما في اللوح المحفوظ، ويعلم القلم الذي كتب به مقادير الخلائق.
وقال: "مِنْ جوْدكَ الدنْيَا وَضَرتهَا"، الدنيا كلها والآخرة كلها! ماذا بقي من الغلو! تعدى الحد المحدود وغلا وخرج عن الشَّرع المطهر إلى الغلو المُخرج عن ملة الإسلام -نسأل الله العافية والسلامة.
ولهذا نحذر الناس ونحذر جميع إخواننا محبة لهم ونصحًا لهم من غلط هذا الشاعر وأمثاله كثير، ونعوذ بالله من هذا الضلال.
ولهذا نقول مثل ما قال الرسول ﷺ: «إِنَّما أَنا عَبْدٌ، فَقُولوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ»، انظر للقرآن العظيم ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ﴾ [الكهف: 110].
وقوله ﷺ: «إِنَّما أَنا عَبْدٌ» هذا شرف عظيم، يعني هذا الشرف العظيم وصفه الله -عَزَّ وَجَلَّ- به في خمس مقامات عظمى في القرآن العظيم:
- مقام الوحي.
- مقام الدعوة.
- مقام التحدي للكفار.
- الإسراء والمعراج.
- مقام تنزيل الفرقان.
اُنظر للتحدي ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا﴾ [البقرة: 23]، ما قال رسولنا ولا نبينا، وهو رسوله نبيه، لكن وصفه بهذا الوصف مدحًا له وكمالًا لأنه بلغ أعلى المقامات في العبودية، أشرف مَن عبد الله هو محمد ﷺ، وأعظم مَن قام بهذا الحق، صلوات الله وسلامه عليه.
وفي مقام الدعوة قال تعالى: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدً﴾ [الجن: 19]، هذه الدعوة أشرف مقام.
وفي مقام الإسراء والمعراج قال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ [الإسراء: 1].
وفي مقام التنزيل قال: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ﴾ [الفرقان: 1].
فإذا نظرت إلى هذا عرفت أن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وصفه بهذا الوصف لكماله، ولكن مع هذا نستفيد من هذا الوصف أنَّه عبد فلا يُعبد مع الله، وهو رسول فلا يُكذب؛ بل يُطاع ويُتَّبع، فحق الله أن يُعبد، أمَّا حق الرسول لا يُعبد، الذي يُعبد هو الله، ولهذا الشيخ محمد عبد الوهاب في شروط الصلاة، قال: (وأشهد أن محمدا عبد ورسوله؛ قال: هو عبد فلا يعبد ورسول فلا يكذب بل يطاع) ويتبع ﷺ.
قال ﷺ في هذا الحديث: «إِنَّما أَنا عَبْدٌ، فَقُولوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ»، إذًا هو مربوبٌ مخلوقٌ، هو عابد لله -عَزَّ وَجَلَّ-، لا يجوز أن يُعبد مع الله ولا يُطرى حتى يُجعل فوق منزلته -صلوات الله وسلامه عليه- مع أنَّه أفضل الخلق وسيد ولد آدم -صلوات الله وسلامه عليه- لكن لا يجوز أن يوصف بأوصاف الله، ولا يقال: إنَّه يتصرف في الكون أو إنَّه يعلم الغيب أو إنَّه يجيب الدعوات ويغيث اللهفات، هذا كله باطل، قال تعالى: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [النمل: 65]، ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ﴾ [الأعراف: 188]، فهذا هو الواجب على أهل الإيمان، أن يطيعوا الرسول ﷺ وينتهوا عما نهانا.
قال: «لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرتِ النَّصارى ابنَ مَرْيَمَ، إِنَّما أَنا عَبْدٌ، فَقُولوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ»، اللهم صلِّ وسلم عليه.
نأخذ الحديث الذي بعده.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وعن ابن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قالَ: قالَ رسولُ الله ﷺ: «إِيّاكُمْ والغُلوّ، فَإِنَّما أَهْلَكَ مَنْ كَان قَبْلَكُمْ الغلُوُّ».
ولِمُسْلِمٍ عَن ابنِ مَسْعُودٍ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «هَلَكَ المتَنَطِّعونَ» قالها ثلاثً)}.
هذا الحديث حديث ابن عباس وهذا الحديث حديث ابن مسعود إذا ضممته إلى حديث عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم أجمعين- علمت أن الصحابة رووا عن رسول الله ﷺ بما يقطع كل مسلم أنَّه حذَّر من هذا السبب العظيم من أسباب الكفر، وهو الغلو في الصالحين وأصلح الصالحين الأنبياء، وأفضل الأنبياء والمرسلين محمد ﷺ، فإذا نهى النبي ﷺ عن الغلو في مدحه -وهو الإطراء- فلا نغلو في مدحه ولا في مدح غيره أيضًا من باب أولى، والفتنة بالصالحين أعظم من الفتنة بالتجار والملوك المعظمين، مع أنَّه لا يجوز الغلو في مدح الملوك ولا الأمراء ولا التجار ولا الوزراء، لا يجوز الغلو في أي شيء أبدًا، المدح إذا كان صادقًا فلا بأس به عند الحاجة، ويُخشى أيضًا على الإنسان الممدوح من الفتنة، ولهذا جاء في الحديث: «احثُوا في وجوه المدَّاحينَ التُّرابَ» أو كما جاء، فالمدح يعني إذا كان المراد منه خيرًا مثل تشجيعه على عمل صالح أو تشجيع الناس على الاقتداء به في الخير ونحو ذلك فهذا لا بأس به، أمَّا مدح الرسول ﷺ فهو حق، فيُمدح بما وصفه الله به وبما جاء في الأحاديث أيضًا الصحيحة، فهذا المدح فيه يثمر محبة النبي ﷺ، والاقتداء بسننه، والتمسك بشريعته، والدفاع عن دينه، ونصرة ما جاء به ﷺ، والدعوة إلى ما دعا إليه ﷺ، هذا من أعظم أسباب التشجيع أن تذكر خصائص الرسول ﷺ وفضائله ومناقبه ﷺ، أمَّا من بعده فالصالحون أيضًا يُذكر مدحهم في التراجم أو بعد وفاتهم يذكر أنهم كانوا على خير لأجل أن يشجع على عمل الخير، والله -عَزَّ وَجَلَّ- قال: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة: 24]، وقال: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان: 74]، أي: يُقتدى بنا، فإذا جاء بعض الناس وقال: والله العالم الفلاني كانت طريقته في حفظ القرآن كذا، وكانت طريقته في حفظ الحديث كذا، وكان يصبر على أذى الناس، وكان يحسن إلى الناس، وكان يدرس الناس؛ فالسامع يتشجَّع، ويحث نفسه على الخير، هذا لا بأس به، وهذا شيء طيب ولكن من غير غلو، ولا تمدحه بشيء باطل، قد يكون هذا العالم على باطل، على غير سنة مثلا، كما يقول بعض الخرافيين: كان الولي الفلاني من بعد العشاء إلى الفجر يرقص يذكر الله -عَزَّ وَجَلَّ-، فهذا صار محل مدح، وهذا باطل، ويذكرون أشياء منكرة عظيمة، فهؤلاء يجب على المسلم أن يحذر منهم ويحذرهم.
قالَ رسولُ الله ﷺ: «إِيّاكُمْ والغُلوّ»، الخطاب للأمة كلها، وتقدم معنى الغلو.
قال: «فَإِنَّما أَهْلَكَ مَنْ كَان قَبْلَكُمْ الغلُوُّ»، ليست مسألة معصية أو ذنب صغير وقد يتوب منه، لا، إنما هو هلاك، ومعنى الهلاك: الزوال والاضمحلال، فيضمحل ويزول كل ما عندك من أعمال صالحة، كلها تزول بسبب الغلو، لأنه يوقعك في البدعة، أو يوقعك فيما هو أعظم وهو الشرك، فلو أوقعك الغلو في البدعة ماذا يحدث؟
صلاتك كلها التي ابتدعت فيها ليست مقبولة؛ لقوله ﷺ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلِيْهِ أَمْرُنَا فَهوَ رَدٌّ» ، جاء يدعو إلى الله لكن يدعو إلى بدعة، ماذا يستفاد؟! وهذا يعني شيء يتكرر، بعض الناس يقول: والله أريد الدعوة إلى الله على هواي، يقول: هذا جيد هذا شيء جميل، وبعض الناس يستحسنون له طريقة مبتدعة في الدعوة إلى الله أو طريقة مبتدعة في العبادة، فهذا هلاك عظيم، قال ﷺ: «فَإِنَّما أَهْلَكَ مَنْ كَان قَبْلَكُمْ الغلُوُّ»، فإذا أهلك من كان قبلنا فماذا نفعل نحن؟ نحذر منه؛ لأننا إذا وقعنا فيه هلكنا، قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينً﴾ [المائدة: 3]، فبعض الناس يستحل الكذب باب الدعوة إلى الله، يقول: يجوز أن أكذب لأجل مصلحة الدعوة، فيأتي عند المدعوين ويقول: حصل كذا وحصل كذا وحصلت القصة الفلانية -وهو يفتريها- هذا الآن يبتدع في الدين، هذا ضرره أعظم من نفعه، لا يوجد له نفع، حتى لو اغتر غِر بكلامه أو تأثر بكلامه فسرعان ما يبغضه إذا انكشف أمره، وهذه طريقة ضلال اليهود والنصارى سابقًا، كانوا يصنعون هذا ويحتالون على أقوامهم بالحيل، ووقع بعض الخرافيين وبعض المبتدعة في هذه الأمة مثل ما وقع في كفرة اليهود والنصارى، فالمسلم يحذر من هذا ويتقيَّد بالشرع ولا يبتدع في الدين.
الحديث الأخير في هذا الباب قال: (ولِمُسْلِمٍ عَن ابنِ مَسْعُودٍ)، يعني الإمام مسلم بن حجاج في صحيحه عن ابن مسعود، أي: عبد الله بن مسعود -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
قال: («هَلَكَ المتَنَطِّعونَ» قالها ثلاثً)، يعني: النبي ﷺ قال هذه كلمة أمام الصحابة «هلَكَ المتَنَطِّعونَ، هلَكَ المتَنَطِّعونَ، هَلَكَ المتَنَطِّعونَ»، أنت كأنك الآن تسمع الرسول ﷺ يقول هذا الكلام، يقول عن أناس: إنهم هلكوا وانتهى أمرهم، فهو لم يقل: ربما يهلك أو قد يهلك أو قد لا يهلك، لا، إنما هلك وانتهى الأمر، كما أن الله -عَزَّ وَجَلَّ- قال: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [المؤمنون: 1]، أي: أفلح المؤمنون ودخلوا الجنة، هنا قال النبي ﷺ: «هَلَكَ المتَنَطِّعونَ»، وكررها ثلاث مرات، يعني هذا يبين لك خطورة التنطع.
وهل التنطع ناتج عن جفاء وترك للدين؟
لا، هو تمسك؛ لأن التنطع هو التكلُّف والتَّشدُّد، وأصل الكلمة مأخوذة من النطع -وهو نطع الحلق- أي: آخر الحلق، وهو الذي يخرج الكلام بتقعر، ويخرج الكلمة من قعر حلقه كأنه يتقعر في الكلام، فيجعل الكلام يعني له صوت وشدة؛ كل هذا تكلُّف، يتكلم بأقصى حلقه حتى يخرج صوته مختلف، لماذا تفعل هذا؟ تكلم بالسماحة، فهذا أصلًا من جهة اللغة.
لكن المتنطع في الدين: هو المشدِّد على نفسه أو على غيره بما لم يأمر الله -عَزَّ وَجَلَّ- به، أو المتكلف، مثل الذي يسأل عمَّا لا يعنيه، بعض الناس يسأل أسئلة تشكيك أو أسئلة لا تعنيه، ويجلب على نفسه الوساوس، ويجلب على نفسه الأفكار؛ كل هذا هلاك، فالمسلم يقتصر على ما ورد به الشرع ولا يتنطع.
مثال: يقول أنا سأقوم الليل وإذا أتاني نوم سأربط نفسي بحبل حتى ما يأتيني النوم، هذا تنطع وتشدد، أنت كلَّفت نفسك ما لا تطيق.
قال ﷺ: «مَهْ علَيْكُم ما تُطِيقُونَ مِنَ الأعْمَالِ، فإنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ حتَّى تَمَلُّو» ، فهذا منهي عنه.
واحد قال: أنا أصلي من بعد العشاء حتى أذان الفجر، كل هذا الوقت أصلي، ما حكم هذا؟
بعض الناس يكتبه في تراجم أو يمدح بعض الناس ويقول: كان يصلي بعد العشاء إلى الفجر! هذا تنطع! إذا نظرت إلى هدي النبي -ﷺ- يقول: «لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ» .
ويذكرون في تراجم بعض العبَّاد مثلًا أنه يقول: "أنا لا آكل لحم لأني لو أكلت اللحم لقسى قلبي"، هذا تنطع، وهذا تشدد باطل، وهذا هلاك، فالنبي ﷺ أكل اللحم وهو قدوة المسلمين، وقِسْ على هذا أمثلة كثيرة جدًّا، ما حكم هؤلاء؟
إذا لم يتوبوا هلكوا، فالمسلم يتقيَّد بالشرع ويحذر من البدع ويحذر من الزيادة، لأن هذه الأمور مبادئها وأولها استحسانات عقليَّة وارتياحات نفسيَّة وقبول، يجد ناسًا يصفقون له ويثنون عليه ويمدحونه؛ ولكن خاتمتها مرَّة وهلاك.
{ما المراد بالهلاك في الحديث في قوله: «هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ»؟}
يعني الأعمال حبطت، والإثم تحقق عليه، والعقوبة استحقها، هو الآن يصوم الأيام كلها ما يفطر ولا يوم، النبي ﷺ قال: «فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مِنِّي»، تبرأ منه الرسول، قال: لست مني أنت، أنت تتخيل الآن! يأتي الرسول ﷺ يقول له: أنت لست مني، بهذا الفعل لست مني، قال -ﷺ: «أَمَا واللَّهِ إنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وأَتْقَاكُمْ له، لَكِنِّي أصُومُ وأُفْطِرُ، وأُصَلِّي وأَرْقُدُ، وأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مِنِّي» ، تستحسن شيئًا حذر رسول ﷺ فأنت لست من الرسول! قال: «هَلَكَ المتَنَطِّعونَ».
الآن الناس كلهم يعني يعرفون مسائل، مثلًا لو قال: الفجر ثلاث ركعات زيادة خير؛ لقال المسلمون كلهم له: صلاتك باطلة، لكن لو جاء عند الجنائز أو جاء في بعض البدع في الأذان أو في الأذكار وزاد أشياء واقترح أشياء؛ قال بعض الجهلة: هذا يجوز، لا؛ الذكر عبادة والأذان عبادة وأحكام الجنائز؛ كلها عبادات يجب أن نتقيد بما ورد ولا نتنطع في الدين، قال الله -عَزَّ وَجَلَّ- في آخر سورة ص ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ﴾ [ص: 86]، لا تتكلف، امش على ما قاله الله وقاله رسوله ﷺ من غير زيادة ولا نقصان، إذا ثبتَّ على هذا ولقيتَ الله على هذا؛ فأنت على خير عظيم، وإذا تركته كنت جافيًا، وأمَّا إذا زدتَّ عليه فأنت من الغلاة، وكلا الطريقين ضلال مبين، وهلاك عظيم.
{شيخنا في المسألة الثالثة عشرة التي ذكرها قال: (مَعْرِفَةُ عِظَمِ شَأْنِ هذهِ القصّة وشدةُ الحاجَةِ إليها مَعَ الغَفْلَةِ عَنه)}.
هذه مسائل مهمة وتعين الطالب على فهم الدرس، قصة ود وسواع ويغوث يقول: هذه مهمة جدًّا أنك تفهم سبب القصة.
والمسألة الرابعة عشرة قال: (وَهِيَ -أعجبُ وأعجبُ- قراءَتُهُم إياها في كُتُبِ التفسيرِ والحديثِ ومعرِفَتُهُم بِمَعنى الكلامِ، وكوْنُ اللهَ حالَ بَيْنَهُمْ وبَيْنَ قُلوبِهِم حَتى اعْتقدوا أنَّ فِعْلَ قَوْمِ نوحٍ هُو أفضلُ العباداتِ)، هو يتكلم عن علماء ضلال في زمنه، وحتى الآن يوجد علماء ينتسبون للإسلام ويرون أن فعل قوم نوح وهو العكوف عند القبور أو وضع التماثيل وصور لهم؛ يعتقدون أن هذا من أفضل العبادات، سبحان الله! كيف شيء في الشرع ورد النهي عنه ثم انقلبت بهم الأمور حتى استحسنه بعض الناس -نسأل الله العافية والسلامة- وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
{نشكركم شيخنا، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يفتح لكم وأن ينفعكم ويزيدكم من فضله، والشكر موصول لكم مشاهدينا الكرام على طيب المتابعة، نستودعكم الله ونلتقي بكم في حلقات أخرى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
سلاسل أخرى للشيخ
-
12801 18
-
16743 9
-
34803 6
-
3049 13
-
3131 12
-
4154 11
-
5556 12