الدرس الأول
فضيلة الشيخ أ.د. سعد بن تركي الخثلان
إحصائية السلسلة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بكم أيها المشاهدون الكرام في حلقة جديدة
من برنامجكم البناء العلمي، نحن وإياكم على مائدة كتاب الله في تفسير آيات الأحكام
مع ضيفنا فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور سعد بن ترك الخثلان، رئيس مجلس إدارة الجمعية
الفقهية السعودية، فمرحبًا بكم يا فضيلة الشيخ.
أهلًا حياكم الله وبارك فيكم، وحيا الله الإخوة المشاهدين.
كنا يا شيخنا الفاضل وصلنا عند قول الله -تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: 228]، نستأذنكم في سماع تلاوة لهذه
الآيات، ثم نعود -بإذن الله- للشرح والتعليق.
﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلاَ يَحِلُّ
لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ
إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ
وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: 228].
تفضل يا شيخنا بالتعليق على الآية.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى
بهديه إلى يوم الدين، أما بعد، أسأل الله تعالى أن يرزقنا العلم النافع والفقه في
الدين والتوفيق لما يحب ويرضى.
وصلنا في آيات الأحكام إلى قول الله -عز وجل-: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾، وهذه الآيات تتكلم عن أحكام الأسرة، وذلك لأن
الأسرة لها شأن عظيم في دين الإسلام، فالأسرة بصلاحها يصلح المجتمع وبفسادها يفسد
المجتمع، ولذلك نجد أن الشريعة الإسلامية عنيت بشئون الأسرة وبأحكام الأسرة.
عندما نتأمل في القرآن العظيم نجد أن الله -عز وجل- ذكر أحكامًا دقيقة لأحكام
الأسرة، ذكر أحكامًا دقيقة لأمور الأسرة، فذكر أحكامًا دقيقة للنكاح وأيضًا للمهر،
كذلك أيضًا للشقاق بين الزوجين، فإذا وصل الشقاق بين الزوجين إلى مرحلة لا يمكن
معها العلاج، بأن سلك الزوج جميع الطرق، وكذلك الزوجة إذا كانت المشكلة من الزوج،
سلك الزوجان جميع الطرق للمعالجة، ومن ذلك ما ذكره الله -تعالى- في قوله:
﴿وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي
المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ [النساء: 34]، ثم في الآية التي بعدها: ﴿فَابْعَثُوا
حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَ﴾ [النساء: 35].
ذكر الله -تعالى- أربع مراحل للعلاج، فكذلك أيضًا الزوجة، الزوجة أحيانًا تكون
المشكلة من الزوج وليس منها، فعندما يصبح استمرار الحياة الزوجية عنتًا ومشقة ولا
يؤدي إلى تحقيق مقاصد النكاح، من السكن ومن الاستقرار ومن الراحة ومن السعادة،
فحينئذٍ الفراق يكون خيرًا من النكاح؛ لأن بالفراق ربما أن كلًا منهما يرتبط بآخر
يسعد معه، كما قال -سبحانه-: ﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِّن
سَعَتِهِ﴾[النساء: 130]، ربما أن هذا الرجل لا يناسب هذه المرأة ويناسبها رجلٌ آخر،
ربما أن هذا الزوج لا تناسبه هذه المرأة لكن تناسبه امرأة أخرى، فالنفوس قد تأتلف
وقد تختلف، قد يحصل بينها اتفاق وقد يحصل تنافر، فبعض الناس لا يرتاح لطبيعة إنسان
معين ويرتاح لطبيعة آخر، هذه المعاني راعتها الشريعة الإسلامية.
وإذا استنفذت جميع الحلول، وأصبح استمرار هذا العقد -عقد النكاح- عنتًا ومشقة،
فحينئذٍ يُصار إلى الطلاق، فالطلاق عندما يصار إليه لابد فيه من اتباع الشرع، أن
يطلق الرجل امرأته طلقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه، ويكون له حق المراجعة طيلة
العدة.
ما هي العدة؟
العدة هي ثلاثة قروء المذكورة في الآية الكريمة، إذا كانت المرأة ممن تحيض، أما إذا
كانت المرأة ممن لا تحيض، كالآيسة الكبيرة في السن أو الصغيرة أو التي كانت في
حكمهما، فهذه عدتها ثلاثة أشهر، كما قال الله -تعالى-: ﴿وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ
المَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ
وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ﴾[الطلاق: 4]، لكن إذا كانت المرأة ممن تحيض فالله -عز
وجل- بيَّن عدتها في هذه الآية، فقال سبحانه: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾.
﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ﴾ يعني: اللاتي قد طلقن، اللاتي قد طلقهن أزواجهن.
﴿يَتَرَبَّصْنَ﴾ يعني: ينتظرن في العدة، والتربص يعني حبس النفس، كأنها تحبس نفسها
في العدة عن الأمور التي لا تفعلها في غير العدة، ومن غير ذلك أنها تحبس نفسها عن
أن تتزوج برجل آخر مادامت في العدة.
ما هي عدة المرأة التي تحيض؟
هنا قال الله تعالى: ﴿ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾، وقروء جمع قرء، والقرء يُطلق في اللغة
العربية على الحيض ويطلق على الطهر، كما قال ابن عبد البر، قال: لا يختلف أهل العلم
بلسان العرب والفقهاء في أن القرء يراد به الحيض ويراد به الطهر، يعني هذا
بالإجماع، أن القرء يراد به الحيض ويراد به الطهر، فهو من الأضداد في اللغة
العربية، هناك بعض المصطلحات من الأضداد، معنى من الأضداد أنها تطلق على الشيء وعلى
ضده، القرء يطلق على الحيض ويطلق على الطهر، هذا في اللغة العربية له نظائر.
لكن اختلف العلماء في المراد بالقرء في هذه الآية، هل المراد به الطهر أو المراد به
الحيض؟ وإن كانت اللغة العربية تعطي المعنيين جميعًا، تعطي معنى الطهر وتعطي معنى
الحيض.
قولان للفقهاء ولأهل العلم، والقول الراجح أن المراد به الحيض بدلالة السنة، فإن
النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لإحدى النساء: «دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ
أَقْرَائِكِ»، فالسنة دلت على أن المقصود بالقرء هو الحيض، هذا هو القول الراجح، أن
القرء المراد به الحيض، ثم إنَّ دلالة السياق تدل على هذا، وهو أن المقصود به
الحيض، فعلى هذا يكون معنى الآية ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ﴾ يعني: يحبسن
أنفسهن وينتظرن ثلاث حيضات، بأن يمضي على المرأة المطلقة ثلاث حيضات.
ثم قال سبحانه: ﴿ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي
أَرْحَامِهِنَّ﴾، الأرحام جمع رحم وهو موضع تكوين الجنين، ﴿إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾، وهذا يدل على أن قول المرأة معتبر؛ لأنها لا يعلن
هذا الأمر إلا من جهتها، لا يعلم أنها حامل أو غير حامل إلا من جهتها، فلا يجوز لها
أن تكتم أمر حملها؛ لأن أمر الحمل مؤثر على العدة، فإن المرأة إذا كانت حاملًا
فعدتها إنما تكون بوضع الحمل، لذلك قال الله تعالى: ﴿وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ﴾ يعني
لهؤلاء المطلقات ﴿أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ﴾، فإذا
كانت المرأة حامل لابد أن تبين ذلك، حتى يتبين أن العدة إنما تكون بوضع الحمل.
ثم قال: ﴿إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾، وهذا فيه إغراء
للالتزام بذلك، يعني إن كن صادقات في الإيمان بالله وباليوم الآخر، فيجب عليها أن
تبين وأن لا تكتم حملها ولا تكتم ما خلق الله في رحمها، هذا هو معنى الآية.
ثم قال سبحانه: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا
إِصْلاح﴾، بعولتهن، البعولة جمع بعل، والبعل هو الزوج كما قال الله تعالى في قصة
إبراهيم عن امرأة إبراهيم: ﴿قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ
وَهَذَا بَعْلِي﴾ يعني: زوجي ﴿شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ﴾[هود: 72]،
فبعولتهن يعني أزواجهن، ﴿أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾ يعني: بإرجاعهن ما دمنا في العدة،
فالأزواج أحق بذلك، وذلك أن المطلقة طلاقًا رجعيًّا للزوج أن يردها بغير إذنها
وبغير رضاها؛ لأنها لا زالت في العدة، وحكمها حكم الزوجة.
فهذا رجل طلق زوجته طلقة واحدة، ثم لم تمض ثلاث حيضات له أن يراجعها، يرجعها بأن
يقول راجعتك ويشهد شاهدين، وبذلك ترجع، أو بالفعل بالوطء مثلًا مع نية الإرجاع،
فترجع.
فالزوج إذن أحق بالإرجاع وليس للمرأة إذنٌ أو رضًا في ذلك ما دامت في العدة، لكن
إذا خرجت من العدة، فلا تحل له إلا بعقدٍ ومهرٍ جديد.
﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاح﴾،
يعني أن هذا الرد إنما يكون الأزواج إن أرادوا بذلك إصلاحًا وائتلافًا والتئامًا
بينهما، ولا يريدوا بذلك المضارة، ولا يريدوا بذلك الشقاق، إنما يريدوا بذلك
الإصلاح، أن تكون نيته حسنة لهذا الإرجاع.
ثم قال سبحانه: ﴿وَلَهُنَّ﴾ يعني: للزوجات سواءً كن مطلقات أو غير مطلقات، ﴿مِثْلُ
الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾، يعني: لهن حقوق وعليهن واجبات، لهن حقوق
بالمعروف وعليهن واجبات بالمعروف، فكل من الزوج والزوجة له حقوق وعليه واجبات، فيجب
عليه أن يؤدي الواجبات التي عليه بالمعروف، وله الحقوق على الطرف الآخر بالمعروف.
﴿وَلَهُنَّ﴾، يعني: للزوجات ﴿مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ﴾، يعني: مثل الواجبات
﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾، يعني: هذه الجملة جملة قصيرة لكنها فيها من البلاغة والبيان شيء
عظيم، اقتصرت حقوق الزوجين وواجبات الزوجين في هذه الجملة، ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ
الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾، فهذه المرأة نقول لها: عليكِ واجبات ولك
حقوق، قومي بالواجبات التي عليكِ، ولك حقوق على زوجك، ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي
عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾.
ولما قال الله تعالى ذلك وذكر هذه المماثلة بين الزوجين في الحقوق والواجبات، ربما
يتوهم متوهم المساواة بين الرجل والمرأة في هذا، فالله تعالى بين عدم التسوية، قال:
﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾، يعني جعل الله تعالى للرجال درجة على
النساء، أي فضلٌ في الخلق وفي الخُلق وفي المنزلة، وكذلك أيضًا في الإنفاق وفي
الطاعة، كما قال الله سبحانه: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا
فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾[النساء: 34]، وهذا ليس فيه تقليل من شأن
النساء كما يدعي بعض الناس، ولكن هذا حتى تستقر الحياة الزوجية؛ لأن الحياة الزوجية
شركة بين الطرفين، بين رجل وامرأة، فلابد أن يكون هناك مدير لهذه الشركة وإلا ما
تستقيم، إذا كان كل منهم مدير، كل منهم رأس، ما تستقيم الحياة الزوجية، لابد أن
يكون أحدهم مديرًا لهذه الشراكة الزوجية.
ولهذا فالله تعالى حسم هذه القضية، والله تعالى هو خالق البشر وهو أعلم بما تصلح به
أحوال البشر، وقال: ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾، لكن هذا لا يقتضي بخس
المرأة حقوقها ولا يقتضي أيضًا ظلمها، لكن هذا أمر قدره الله -عز وجل- وقضاه، بأن
جعل الرجال لهن فضل بدرجة على النساء حتى تستقيم أمور الحياة الزوجية، وهذا يعني
التفضيل تفضيل للجنس وليس للأفراد، فلا يأتي أحد يقول مثلًا، أي رجل أفضل من أي
امرأة، هذا غير صحيح، يعني لو يأتي إنسان مثلًا فاسق أو زنديق، هل نقول أنه أفضل من
عائشة ومن خديجة ومن هؤلاء النساء الفضليات؟ هذا غير وارد، لكن المقصود من حيث
الجنس، وهذا تقتضيه حكمة الله -عز وجل-.
فهذه القضية يفهمها بعض البشر فهمًا خاطئًا وتسبب مشاكل كبيرة في بعض المجتمعات،
قضية العلاقة بين الرجل والمرأة، فنقول الإسلام حفظ للمرأة حقوقها وأيضًا أوجب
عليها واجبات، لكن عندما تكون العلاقة بين الرجل والمرأة، جعل الله تعالى للرجل
درجة على المرأة في التفضيل في الخلق وفي الخُلق وفي المنزلة، يعني في الطاعة وفي
الإنفاق، في الخَلق فجعل الله تعالى الرجل أكمل في الخَلق من المرأة من جهة التحمل
والصبر، ولذلك يجب على الرجال واجبات لا تجب على النساء، فمثلًا القتال لا يجب على
النساء، يجب على الرجال، ولذلك لما قالت عائشة: "يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل
العمل أفلا نجاهد"، قال: «عليهنَّ جِهادٌ لا قِتالَ فيه؛ الحجُّ والعُمرةُ».
المرأة أيضًا عليها واجبات لا يقوم بها الرجل عادة لابد مراعاتها، هي تقوم بالحمل،
وتقوم بالولاة وبالإرضاع وتقوم بأمور لا يقوم بها الرجل، فلكل منهما طبيعته، ولكل
منهما خصائصه؛ ولذلك لما حصل مثل هذا الكلام في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-،
أن بعض النساء تمنينا أن يكون لهن مثل ما للرجال، أنزل الله -عز وجل- ﴿وَلاَ
تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ
نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ
وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ﴾[النساء: 32].
فينبغي أن لا تشغل المرأة نفسها بمثل هذه القضايا؛ لأن هذه القضايا تثار من بعض
الناس خاصة في وقتنا الحاضر، وهذه القضايا حسمت من رب العالمين، من خالق العباد
الذي هو أعلم بما تصلح به أحوال العباد، فهذه الدرجة جعلها الله للرجال ليس فيها
تقليل من شأن المرأة أو انتقاص من حقها أو بخس من حقها، أبدًا، لكن المقصود هو أن
تستقر أمور الحياة الزوجية.
أرأيت مثلًا لو أن مجموعة في سفر، لابد أن أحدكم كما قال -عليه الصلاة والسلام-:
«إِذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ»، هل تأمير أحدهم
يقتضي نقصان وتحقير الباقين؟ لا، وإنما حتى ينتظم أمر هؤلاء الجماعة، كذلك أيضًا
بالنسبة لولي الأمر في الإمامة العظمى، يعني أمرت الشريعة الإسلامية بطاعة ولي
الأمر، ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾
[النساء: 59]، هذا حتى يستقيم أمور الناس، هذه أمور لابد منها حتى تستقيم أمور
الحياة.
فهذه الدرجة إذًا جعلها الله تعالى للرجال على النساء في ذلك، قلنا في كمال الخلق
فالخلق، وفي الخُلق أيضًا لأن الله -عز وجل- لما خلق المرأة خلقها من ضلع أعوج من
الرجل، الرجل أبونا آدم خلق من تراب، ثم خلق الله تعالى أمنا حواء من الضلع الأيسر
لأبينا آدم وكان فيه عوج، فاستمر هذا العوج في المرأة، كما أخبر بذلك النبي -صلى
الله عليه وسلم-، قال: «إنَّ المرأةَ خُلِقَتْ من ضِلَعٍ أعْوجَ، وإنَّ أعْوجَ مَا
في الضِّلَعِ أعْلَاهُ»، يعني لسانها، «فإنْ ذهبْتَ تُقِيمُهُ كسرْتَهُ، إِنِ
اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ».
وهذا يدل على أن النقص والعوج ملازم للمرأة، لابد منه، فلابد من الصبر ولابد من
استحضار ذلك، وهذا من حكمة الله -عز وجل-، من حكمة الله سبحانه أن جعلها كذلك في
هذه الدنيا، حتى تشتاق النفوس للنعيم في الدار الآخرة، فإنه في الدار الآخرة تسلم
المرأة من هذا العوج، سواءً كانت المرأة التي في الدنيا تكون زوجة لها في الآخرة أو
حتى الحور العين، ولهذا قال سبحانه: ﴿وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ
مُّطَهَّرَةٌ﴾[البقرة: 25]، مطهرة من جميع النقائص ومنها هذا العوج.
﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾، الله تعالى عزيز،
من أسمائه العزيز وله العزة بجميع أنواعها، عزة القدر وعزة القهر وعزة الامتناع،
وهو -سبحانه وتعالى- حكيم ذو الحكمة البالغة، هو أحكم الحاكمين، هو أعلم بما تصلح
به أمور العباد، وأعلم بما تصلح به أحوال العباد، لا يأمر بشيء إلا لحكمة، ولا ينهى
عن شيء إلا لحكمة، ولا يخلق شيء إلا لحكمة، فهو الحكيم العليم، أحكم الحاكمين -جل
وعلا-.
هذه معاني هذه الآية، وننتقل بعد ذلك إلى أبرز الفوائد والأحكام.
من فوائد هذه الآية: أن المرأة المطلقة يجب عليها أن تعتد بثلاث حيضات، لقول الله
تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾، وإذا
جاء الأمر بصيغة الخبر كان ذلك تأكيدًا لهم، فهذا أتى على صيغة خبر لكنه يقتضي
الأمر، ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾، يعني
كأنه أمر واقع صح أن يخبر عنه، فهو أبلغ من أن يقول أنتن أيها المطلقات تربصنا
بأنفسكن، فجاء بصيغة الخبر وهذه من الأساليب البلاغية في القرآن، فقال:
﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾، يعني كأنه أمر
قد فرغ منه، وأمر واقع، فصح أن يخبر عنه، فهذا يقتضي تأكيد الأمر، تأكيد أمر المرأة
بأن تتربص فترة العدة، والعدة هي ثلاثة قروء، فيجب عليها أن تتربص ثلاث حيضات.
ولهذا نهي الزوج أن يُطلق المرأة في حال الحيض؛ لأنها تطول عدتها، إذا طلقها في حال
الحيض، فالحيضة التي طلقها فيها لا تحتسب، فتطول عليها العدة، بدلًا أن تكون ثلاث
حيضات، تكون ثلاث حيضات وزيادة.
فلهذا يحرم على الرجل أن يطلق امرأته وهي حائض، لكن هل يقع أو لا يقع؟ فيه خلاف بين
أهل العلم، أكثر أهل العلم وهو الذي عليه المذاهب الأربعة: الحنفية والمالكية
والشافعية والحنابلة، وحكي إجماعًا أن الطلاق يقع، أن طلاق الحائض يقع، والقول
الثاني: أن طلاق الحائض لا يقع، هذا قول بعض أهل العلم ممن تبناه وانتصر له ابن
تيمية وابن القيم -رحمهما الله تعالى-، واختار ذلك بعض العلماء المعاصرين، والأقرب
-والله أعلم- ما عليه أكثر أهل العلم، لما جاء في صحيح البخاري عن ابن عمر قال:
"حُسِبَتْ عَلَيَّ تَطْلِيقَةٍ"، وهذا في صحيح البخاري، أصح كتاب بعد كتاب الله -عز
وجل-.
وابن عمر هو الذي طلق امرأته وهو حائض وهو أعلم بنفسه وبما وجهه به النبي -عليه
الصلاة والسلام-، قال: "حُسِبَتْ عَلَيَّ تَطْلِيقَةٍ"، هذا نصٌ صريحٌ وصحيحٌ وهو
البخاري وصريح، فإن حسبت علي طلقة واحدة، ولذلك أكثر العلم على وقوع الطلاق، بل أن
ابن المنذر والنووي قالوا: لم يخالف في ذلك إلا أهل البدع في زمنهم، أهل البدع
والضلال في زمنهم، لكن الواقع ليس إجماعية فيها خلاف، فهناك قول آخر بعدم وقوع
الطلاق، والأقرب -والله اعلم- ما عليه أكثر أهل العلم، من أن طلاق المرأة في حال
الحيض أنه يقع، لكن لا تحتسب تلك الحيضة من العدة، إنما تنتظر المرأة ثلاث حيضات،
ويأثم الزوج بذلك، يأثم الزوج بكونه يطلق امرأته وهو حائض.
ولهذا الرجل إذا أراد أن يطلق امرأته، فيطلقها في طهر لم يجامعها فيه طلقة واحدة.
أيضًا من فوائد هذه الآية: أن المرأة المطلقة يجب عليها أن تعتد بثلاث طلقات سواءً
كان طلاقها بائن أو غير بائن، لعموم قول الله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾، والله تعالى قال:
﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ﴾، ولم يفرق بين مطلقة ومطلقة، فالمطلقة الرجعية أو البائن عدتها
ثلاثة قروء لعموم الآية.
سبق أن قلنا في مقدمة ذلك الدرس، قلنا: يستثنى من ذلك من لا تحيض لكبر أو صغر أو
نحو ذلك، فهذه عدتها كم؟ ثلاثة أشهر، ﴿وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ مِن
نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ
يَحِضْنَ﴾.
أيضًا هناك مطلقة لا تعتد، هناك مطلقة لا تجب عليها العدة، من هي يا شيخ محمد؟
{الحامل}.
الحامل لها عدة، عدتها بوضع الحمل، لكن فيه مطلقة امرأة تطلق وليس عليها عدة
إطلاقًا.
{من طلقت قبل الدخول}.
أحسنت، من طلقت قبل الدخول، من طلقت قبل الدخول هذه ليس عليها عدة، لقول الله -عز
وجل-: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ المُؤْمِنَاتِ ثُمَّ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِن
عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَ﴾ [الأحزاب: 49]، فمثلًا رجل عقد على امرأة، ثم طلقها، هذه
ليس عليها عدة، وهذا بالإجماع.
إذًا عندنا المطلقات أنواع:
المطلقة التي تحيض هذه عدتها ثلاث حيضات.
الثاني: المطلقة التي لا تحيض لكبر أو صغر ونحو ذلك، هذه عدتها ثلاث أشهر.
الثالث: المطلقة الحامل، هذه عدتها بوضع الحمل.
الرابع: المطلقة التي لم يدخل بها، فهذه لا عدة عليها.
فتكون النساء بالنسبة للعدة على أربعة أقسام، هذه الأقسام الأربعة إذا ضبطها طالب
العلم ضبط أمر العدة.
القسم الأول: المطلقة التي تحيض عدتها ثلاث حيض.
القسم الثاني: المطلقة التي لا تحيض؛ لصغر أو كبر ونحو ذلك، هذه عدتها ثلاثة أشهر.
القسم الثالث: المطلقة الحامل، عدتها بوضع الحمل.
القسم الرابع: المطلقة غير المدخولة، هذه لا عدة عليها.
أيضًا من فوائد هذه الآية: أنه لو طلقها في أثناء الحيض لم تحتبس الحيضة التي وقع
فيها الطلاق، هذه أشرنا لها، وذلك لأن الحيض لا يتبعض، فتلقى بقية الحيضة التي وقع
الطلاق فيها، ولا بدَّ لها من ثلاث حيضات جديدة، وإلا يلزم على ذلك أن تكون عدتها
ثلاثة قروء، وبعض القرء، وهذا خلاف النص، وعلى ذلك فالحيضة التي وقع فيها الطلاق
هذه تلغى، لا تعتبر، وتحسب ثلاث حيضات جديدة.
أيضًا من فوائد هذه الآية: أنه يُرجع إلى قول المرأة في عدتها، فالمرأة مؤتمنة على
ذلك، من أين أخذنا هذه الفائدة؟ من قول الله تعالى: ﴿ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن
يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ ﴾، المرأة يُرجع لها في حملها،
في عدتها، هل أتتها الدورة، أو لم تأتيها، هذه المرأة مؤتمنة على نفسها في ذلك،
وتصدَّق في هذا، وذلك لأن الله جعل قولها معتبرًا، لو لم يكن قولها معتبرًا، لم يكن
لكتمها ما خلق الله في رحمها أي تأثير، فقول الله تعالى: ﴿ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ
أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ ﴾ هذا يدل على أن قول المرأة
أنه معتبر، ومعتد به، ويُرجع إليه، فإذا ادعت أن عدتها انقضت في زمن يمكن أن تنقضي
فيه العدة فإنها تصدَّق، أما إذا ادعت أن عدتها لم تنقض فإنها تصدَّق.
امرأة مثلًا خلال شهرين قالت: أنا أتتني الدورة ثلاث مرات، نصدقها، ولا نقول: كيف
أتتك الدورة في شهرين؟ فهي مؤتمنة، وقولها معتبر، ولهذا فالله تعالى قال: ﴿وَلاَ
يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ﴾، لولا أن
قولها معتبرًا، ما قال الله ﴿وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ﴾؛ لأن قولها يكون لا فائدة منه،
ولا قيمة له، لكن لما كان قولها معتبرًا، وهو المرجع في ذلك، جعل الله تعالى الأمر
إليها، وحذرها وقال: إنه لا يحل لها أن تكتم ما خلق الله في رحمها.
فإذن، المرأة مؤتمنة على نفسها، يعتبر قولها بالإخبار عن الحيض كم أتاها من حيضة،
بالإخبار عن ما في بطنها إذا كان عندها حمل، في الإخبار عن أمورها الخاصة، هذه كلها
هي مؤتمنة على ذلك، ويُرجع إلى قولها في ذلك، ما لم تدع أمر غير ممكن أو غير معقول،
لكن إذا ادعت أمرًا ممكنًا فإنها يُقبل منها، وهي مصدَّقة في هذا.
أيضًا من فوائد هذه الآية: أنه ينبغي تحذير المؤتمن الذي لا يُعلم بأمانته، تحذيره
من عذاب الله -عز وجل-، هو لم يقم بواجب الأمانة، وواجب الإخبار، وإن الله تعالى
حذَّر المرأة من ذلك، وقال: ﴿وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ
اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾.
وأيضًا ينبغي عند التحذير أن يُضبط ذلك بالإيمان بالله واليوم الآخر؛ لأن الإنسان
قد أحيانًا يدفعه الهوى لارتكاب بعض المحرمات، أو الكذب، أو نحو ذلك، فينبغي أن
يذكَّر بالله واليوم الآخر، يذكَّر بالله -عز وجل- وعظمته، وأن الله تعالى مطلع
عليه، ويذكَّر أيضًا باليوم الآخر، الذي هو صائر إليه، وإن هذا هو أعظم رادع، وأعظم
كابح لجماح الهوى، ولذلك قال سبحانه: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى
النَّفْسَ عَنِ الهَوَى﴾ [النازعات: 40]، فذكر الله تعالى الخوف من مقام ربه، الخوف
من اليوم الآخر، هذا أعظم ما يُكبح به الهوى، ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ
وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى﴾، جمع الله تعالى بين نهي النفس مع مخافة اليوم
الآخر، فأكبر ما يكبح جماح الهوى هو التذكير بالله -عز وجل- وباليوم الآخر.
قال أنت ستلقى ربك -عز وجل-، كيف ستواجه ربك؟ هذه المرأة يقال لها: لا يجوز لك، لا
يحل لك أن تكتمي شيئًا من أمورك سواءً كانت من جهة الحيض أو من جهة الحمل، أن كنتِ
تؤمنين بالله واليوم الآخر، فلا يحل لك أن تكتمي ذلك، هذا أيضًا هدي يقال لأي إنسان
مؤتمن، أي إنسان مؤتمن يقال له هذا الكلام، إذا كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فلا
يحل لك أن تكتم شيئًا مما اؤتمنت عليه، بل يجب أن تؤدي الأمانة كما أُمرت.
أيضًا من فوائد هذه الآية: أن الرجعية في حكم الزوجات، ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ
بِرَدِّهِنَّ﴾، والمقصود بذلك المطلقة الرجعية، فالمطلقة الرجعية سمى الله تعالى
مطلقها بعلًا، لأنها لا زالت زوجة وعند الفقهاء أن الرجعية، المطلقة الرجعية زوجها،
ولذلك لو قُدر أن أحدهما توفي، أن هذا الرجل طلق امرأته طلقة واحدة وطلقتين، ثم مات
الزوج أو ماتت الزوجة، هل يقع بينهما توارث؟ نعم يقع توارث، لأنها لازالت زوجة وفي
حكم الزوجة، بل قال الفقهاء: أن المطلقة الرجعية ينبغي لها أن تتزين لمطلقها وأن
تستشرف له عسى أن يرجعها، تتزين له وتستشرف له لعله أن يرجعها، لأنها في حكم
الزوجة، وأيضًا المطلقة الرجعية يجب عليها وجوبًا أن تبقى في بيت زوجها حتى تنقضي
عدتها، ومع عليه عمل بعض الناس أن المطلقة إذا طلقت ذهبت إلى بيت أهلها، هذا لا
يجوز، ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ
لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا العِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ
تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ﴾[ الطلاق: 1]، هذا أمر للأزواج، لا يجوز لكم أن
تخرجوهن من بيوتكم، وأيضًا أمر للزوجات، ﴿لاَ يَخْرُجْنَ﴾ إلا في حالة واحدة،
﴿إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن
يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ
يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْر﴾.
يمكن أن هذا الرجل إذا رأى هذه المرأة عنده طيلة ثلاثة أشهر تقريبًا يعني يرق لها،
تتغير أمور قناعته، يذهب ما في نفسه فيرجعها، فإذن المطلقة الرجعية في حكم الزوجة،
ويجب عليها أن تبقى في بيت مطلقها حتى تنقضي عدتها، وهذا أمر واجب عليها، فلا تذهب
لبيت أهلها، إن فعلت ذلك فإنها تأثم، ﴿لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ
يَخْرُجْنَ﴾، إلا في واحدة ﴿إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ﴾,
والزوج أحق بإرجاعها من غير إذن وبغير رضائها ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ
بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ﴾، ولكن بشرط ﴿إِنْ أَرَادُوا إِصْلاح﴾ ولم يريدوا بذلك
إضرارا، إنما أرادوا بذلك الإصلاح.
أيضًا من فوائد هذه الآية: أنها لا حق للزوج في الرجع إذا لم يريد الإصلاح، لأن
الله تعالى قال: ﴿إِنْ أَرَادُوا إِصْلاح﴾، وبعض أهل العلم يقول: أن هذا ليس على
سبيل الشرط وإنما هو على سبيل الإرشاد، لكن هذا اختلاف ظاهر الآية، والواجب هو
إبقاء الآية على ظاهرها، فنقول: إذا أردت أن تراجع زوجتك، فلابد أن تريد بذلك
الإصلاح ولا تريد بذلك الإضرار بهذه المرأة.
أيضًا من فوائد هذه الآية: أنه لا رجعة للزوج بعد انقضاء العدة؛ لقول الله تعالى:
﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ﴾، يعني في العدة، وهذه يفهم
منها أنه بعد العدة ليس للزوج الحق في الإرجاع إلا أن يعقد عليها عقدًا جديدًا
ومهرًا جديدًا ويتزوجها من جديد، يعني هذا رجل طلق امرأته طلقة واحدة، ومضى على هذه
الطلقة ثلاث حيضات، فهنا تخرج من عصمته ويحل لها أن تتزوج بغيره، إذا أراد أن
يرجعها هو ليس له ذلك، لكن له أن يعقد عليها من جديد، يتزوجها بعقدٍ جديد ومهر جديد
وبرضاها وبولي وبشاهدين، يتزوجها من جديد وتحسب عليه الطلقة أو الطلقتان السابقتان،
تحسب عليه، لكن لو كان ذلك في أثناء العدة فله أن يرجعها من غير رضاها ومن غير
إذنها، لقول الله تعالى: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ﴾، يعني
في العدة، ﴿إِنْ أَرَادُوا إِصْلاح﴾.
لكن بعد العدة ليس له عليها سبيل، خرجت من عصمته، فلابد من إذنها، لابد من رضاها،
لابد من مهر جديد، لابد من عقد بولي وشاهدين، كأنه يتزوجها من جديد، لكن يحسب عليه
الطلاق السابق.
أيضًا من فوائد هذه الآية: إثبات الرجوع إلى العرف لقول الله تعالى: ﴿وَلَهُنَّ
مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾، يعني الحقوق والواجبات للزوجين هذه
المرجع فيها للعرف، قد يقول قائل: ما هي الحقوق التي للزوج؟ ما هي الحقوق التي
للزوجة؟ ما الواجبات التي على الزوج؟ ما الواجبات التي على الزوجة؟ المرجع في ذلك
إلى العرف، لأن كل ما ورد به الشرع ولم يكن له حد في الشرع ولا في اللغة، فالمرجع
فيه إلى العرف، هذه قاعدة عند أهل العلم.
فنقول العرف عند الناس، ما هي حقوق الزوج؟ معروفة عند الناس، كذلك ما هي حقوق
الزوجة؟ ما الواجبات على الزوجة؟ ما الواجبات على الزوج؟ المرجع في ذلك إلى العرف،
ولذلك قال سبحانه: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾.
أيضًا من فوائد هذه الآية: إثبات هذين الاسمين ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾، طبعًا
قبل هذا قال: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ
عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾، أيضًا من فوائد هذه الآية تفضيل جنس الرجال على جنس النساء
كما ذكرنا عندما تكلمنا عن المعاني، تفضيل جنس الرجال على جنس النساء وهذا في الجنس
بالجملة، ولا يعني هذا تفضيل جميع الرجال على جميع النساء، فقد تكون بعض النساء
أفضل من آلاف الرجال، لا يأتي مثلًا رجل زنديق أو فاسق ونقول له خيرٌ من الصالحين
القانتات، خيرٌ من أمهات المؤمنين، خيرٌ من..، هذا أبدًا، لأن هذا ذكر وهذه أنثى،
هذا أبدًا غير مراد ولا ترد الشريعة بهذا، لكن المقصود أن جنس الرجال أفضل من جنس
النساء، كما نقول جنس الإنسان مثلًا أفضل من جنس الحيوان، الحيوان مثلًا فيما بينه
يتفاضل، هذا الجنس من هذا الجنس وهكذا.
فجنس الرجال أفضل من جنس النساء هذا في الجملة، قد تكون بعض النساء أفضل من كثير من
الرجال، وذكرنا وجوه التفضيل، أن التفضيل في الخلق وفي الخُلق وفي كذلك الطاعة وفي
أيضًا الإنفاق، كما قال الله سبحانه: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ
بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾، فأثبت الله -عز وجل- التفضيل، ولا
قول لأحد مع قول الله سبحانه، يعني هذا ما يدندن به بعض الناس في مثل هذه القضايا،
نقول هذه القضايا محسومة، حسمها ربنا سبحانه، الله تعالى هو الذي اخبر بالتفضيل، هو
الذي قال: ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾، وهو الذي قال ﴿الرِّجَالُ
قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ
وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾، فذكر الله تعالى أن الرجال لهم القوامة على
النساء، وذكر السبب.
السبب الأول: هو التفضيل الذي أشرنا إليه، التفضيل في الخِلقة، التفضيل في الخُلق،
التفضيل أيضًا في الطاعة، أن الله تعالى أمر المرأة بطاعة زوجها؛ وذلك المرأة إذا
خرجت عن طاعة الزوج تسمى ناشزًا ويسقط حقها في النفقة والمبيت.
أيضًا هناك وجه للتفضيل ﴿وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾، الرجل يجب عليه أن
ينفق على المرأة، والمنفق عادة يكون أفضل من المنفق عليه، «الْيَدُ الْعُلْيَا
خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى» ؛ لأن البذل والإنفاق يعتبر قوة في حق الإنسان،
حتى بالنسبة لغير الزوجين، أنك تعطي إنسان آخر مالًا فأنت جانبك جنب قوي، فاليد
العليا خير من اليد السفلى، اليد العليا هي المعطية، السفلى هي الآخذة.
هذه أمور حسمتها الشريعة، ولذلك أنصح خاصة بعض الأخوات اللاتي يشتغلن بهذه القضية،
أنصحن بالكف عن هذا الموضوع، لأن هذا الموضوع حسمه ربنا سبحانه في القرآن، ولا قول
لأحد مع قول الله -عز وجل-، والمطلوب من المسلم رجلًا كان أو امرأة أن يكون عبدًا
لله سبحانه، مقتضى العبودية لله سبحانه الإسلام لأحكام الله -عز وجل- ولشرعه، وإلا
إذا كان الإنسان لا يأخذ بأحكام شرع الله إلا ما وافق عقله وهواه، هذا لم يكن عبدًا
لله وإنما هو عبدًا لهواه، ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾[الفرقان:
43]، بعض الناس هو عبدًا لهواه، لمن أراد أن يكون عبدًا لله لابد أن يستسلم لأمر
الله -عز وجل-، لشرع الله سبحانه، لحكمه، لأحكامه، لابد من الاستسلام والرضا التام
بها حتى تظهر مقتضى العبودية لله -عز وجل-.
فهذه القضية قضية حسمتها الشريعة، حسمها ربنا -عز وجل- في القرآن الكريم، فأقول لك:
يا أختي المسلمة لا تشتغلي بها، لأن هذه حسمها ربنا سبحانه ولا يقتضي ذلك -نؤكد على
هذا مرارًا- لا يقتضي ذلك تحقير المرأة ولا التقليل من شأن المرأة، لكن أمور الحياة
لا تستقيم إلا بهذا، لا تستقيم أمور الحياة إلا بأن يكون للشراكة والشركة بين
الزوجين أن يكون لها مدير، فإذا كان لها مدير انتظم أمر هذه الشراكة، لكن لم يكن
لها مدير سيحصل شقاق ويحصل نزاع بين الزوجين.
نختم الكلام عن الفوائد بآخر الآية، قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾،
فيستفاد من ذلك إثبات هذين الاسمين: العزيز والحكيم، فالله تعالى هو العزيز له
العزة بجميع أنواعه، عزة القدر، وعزة القهر وعزة الامتناع، وهو الحكيم -جل وعلا- لا
يشرع شيء إلا لحكمة، لا يخلق شيء إلا لحكمة، لا يأمر بشيء إلا لحكمة، ولا ينهى عن
شيء إلا لحكمة، هذه الحقيقة يجب أن تستقر لدى كل مسلم ومسلمة، أن الله تعالى هو
أحكم الحاكمين، سواءً عرفنا الحكمة من هذا الأمر أو لم نعرفها، وسواءً عرفنا الحكمة
من هذا النهي أو لم نعرفها، الله تعالى حكيم عليم.
ولذلك يكفي المسلم أن يعرف أن هذا هو حكم الله أو حكم رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-، ولهذا كان الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا إذا بلغهم أمر الشارع لم يسألوا عن
الحكمة، لَمَّا أتت امرأة لأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- وقالت: ما بال المرأة
الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، فقالت أم المؤمنين عائشة: "كان يصيبنا ذلك على
عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة"،
أجابت بالحكم، لم تجب بالحكمة، تقول: الحكم هو الحكمة، إذا عرفنا حكم الله وحكم
الله هو حكمة الحكم، عائشة لا يخفى عليها أن تقول لحكمة أن الصلاة تتكرر فيشق بعضها
والصوم سبع أيام أو بضعة أيام في السنة لا يشق قضائها، هذه ظاهرة لكن أرادت عائشة
أن توصل هذه اللفتة التربوية وهذا المعنى لهذه المرأة، تقول: إن هذا حكم الله
ورسوله، إذا كان هو حكم الله ورسوله فهذا حكم الله ورسوله، وحكمة الحكم وهو غاية
الحكم، وهذه أبرز الفوائد والأحكام المتعلقة بهذه الآية.
{أحسن الله إليكم.
شيخنا الكريم هل يستفاد من الوسائل الحديثة في مسألة براءة الرحم؟ هذا يقول مثلًا
لو استطعنا إثبات براءة الرحم قبل نهاية العدة، هل يستفاد منها؟ أو يثبت بها حكم
شرعي؟}.
هذا إنما يُقال لو كان الحكمة من العدة هي براءة الرحم فقط، الواقع أن الحكمة ليست
هي براءة الرحم فقط، هناك أمور أخرى أيضًا مقصودة للشارع، براءة الرحم أمر مقصود،
لكن أيضًا هناك أمور أخرى، لو كان المقصود فقط براءة الرحم، لجُعلت العدة حيضة
واحدة؛ لأنَّه بحيضة واحدة تتحقق براءة الرحم، المرأة الحامل لا تحيض، فلو كانت
الحكمة هي براءة الرحم، لأكتفي بحيضة واحدة، لكن هناك أمور أخرى، من هذه الأمور أن
يكون هناك حرم بين النكاح الأول والنكاح الثاني، يعني على الأقل هذه المرأة بدل ما
تتزوج بزوج آخر تنتظر ثلاث حيضات، يكون هناك حرم فاصل بين الزواج الأول والزواج
الثاني؛ لأنه في الجاهلية كان يطلقها في الصباح، وتتزوج في المساء.
وفي القصة المشهورة لَمَّا طلق الرجل امرأته في الصباح، فأتى رجل يقال له مطر
تزوجها في المساء، فأتى زوجها الأول يطلقها بسيفه، وقال: طرق عليه الباب، فلما فتح
الباب له، قال:
سلام الله يا مطرٌ عليها
وليس عليك يا مطرُ السلام
فطلقها فلستَ لها بأهلٍ
وإلاّ شق مفرقكَ الحُسام
يعني: أتى وأتى بالسيف لها، هي زوجته أول النهار ومطر يتزوجها آخر النهار، ما تقبل
هذا الرجل وأتى بالسيف، الشريعة الإسلامية عالجت هذا، جعل هناك حرم بين النكاح
الأول والنكاح الثاني.
فإذًا العدة لا تنحصر فقط في التحاكم ببراءة الرحم، هناك أمور أخرى مثل ما ذكر من
أن هناك يكون حرم بين النكاح الأول وبين النكاح الثاني، وهناك ربما حِكم أخرى لا
نعلمها، الله تعالى هو أحكم الحاكمين، فشرعه حكمة الحكم وغاية الحكم.
{أحسن الله إليكم، شيخنا الكريم لم تنص الشريعة على بعض الحقوق للزوج، ومثل ما
تفضلت أن العرف واضح فيه، مثال ذلك: مثلًا حقوق الخدمة ومثلًا تربية الأبناء، بعض
الناس يثير مسألة في هذا يقول مثلًا لا يجب على المرأة شيء في هذا؟}.
نعم، هل يجب على المرأة أن تخدم زوجها؟ أن تقوم بخدمة المنزل، تقوم بالطبخ وتقوم
بالغسل وبتنظيف البيت ونحو ذلك، هذه مسألة محل اختلاف بين الفقهاء، فالمرجع في ذلك
للعرف، القول الراجح أن المرجع في ذلك العرف، إذا كانت هذه المرأة تخدم في بيت
أهلها وليس أهلها ممن يُخدم، فيجب عليها كذلك أن تفعل هذا في بيت زوجها، أما إذا
كانت المرأة في بيت أهلها لا تفعل ذلك، لا تقوم بالطبخ ولا بالتنظيف وإنما تُخدم،
هنا قال الفقهاء يجب على الزوج أن يأتي لها بخادم، هذا هو مقتضى المعروف، فالمرجع
في ذلك إذًا هو العُرف، فإذا كان أهل البلد في عرفهم أن المرأة تقوم بهذه الأمور،
هي التي تقوم بالطبخ وهي التي تقوم بالتنظيف، وهي التي تقوم بترتيب المنزل، فيجب
عليها هذا، لأن هذا من المعاشرة بالمعروف، وليس من المعاشرة بالمعروف أن المرأة
تأتي بيت زوجها وتترك الطبخ وتترك التنظيف وهي في بيت أهلها تفعل ذلك، إلا إذا كانت
في بيت أهلها تُخدم، تكون من طبقة ومن أسرة يأتون بذي خدم، يعني لا تقوم بالطبخ ولا
تقوم بالتنظيف ولا تقوم بأي شيء، هنا نقول يقول الفقهاء: يجب على الزوج أن يحضر لها
خادم، إذًا أرجح الأقوال في هذه المسألة: أن نرجع في ذلك إلى العُرف.
{أحسن الله إليك، شيخنا ماذا توصي النساء بموضوع حقوق الزوج وما يتوهمه البعض، يعني
أن المرأة أن لا تعطي لزوجها حقًّا وأن تكون ناشزًا عليه، يعني ترى نفسها عليها
نظرًا لتأثرها بما يطرح أحيانًا في بعض الوسائل الإعلامية أو فيما يؤخذ من الغرب،
فأثر هذا على بعض النساء المسلمات}.
يجب على المرأة أن تطيع زوجها بالمعروف، هذا أمر حسمته الشريعة، لأن المرأة عندما
لا تطيع زوجها لن تستقر أمور الحياة الزوجية، ستبقى هي وزوجها في خصام وفي شقاق،
ولا تستقيم الحياة الزوجية؛ ولذلك نجد هذا حتى في غير الحياة الزوجية، النبي -صلى
الله عليه وسلم- يقول: «إِذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا
أَحَدَهُمْ»، إذا أمروا أحدهم يجب طاعته معروف، كذلك أيضًا في الولاية العظمى،
الإمام الأعظم السلطان يجب طاعته، ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾، لأن أمور الحياة لا تستقيم إلا بهذا، فلا جماعة إلا
بالطاعة، ولا طاعة إلا بالإمام.
كذلك أيضًا في الحياة المصغرة، الحياة بين الزوجين لابد فيها من طاعة، لابد فيها من
مدير، المدير هو الزوج، لابد من الطرف الآخر أن يطيع لهذا المدير، وهذا لا يقتضي
الغض من الحقوق أو التقليل من حقوق المرأة، لا، المرأة لها حقوقها كاملة وعليها
واجبات، لكن أيضًا من الواجبات التي عليها أنها تطيع زوجها بالمعروف، ولذلك يقول
النبي -صلى الله عليه وسلم- كما من الترمذي وغيره: «لَوْ كُنْتُ آمِرًا أحدًا أنْ
يَسْجُدَ لأَحَدٍ ؛ لأَمَرْتُ المرأةَ أنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِه»، ولهذا قال بعض أهل
العلم كالإمام ابن تيمية -رحمه الله- قال: "إن حق الزوجة على زوجها يتأكد من حق
أبويها عليها" إلى هذه الدرجة حتى تستقيم الحياة الزوجية، لابد من هذا الأمر، فعلى
المرأة أن تتعبد لله -عز وجل- بطاعة الزوج، لأنها عندما تطيع زوجها تتقرب إلى الله
-عز وجل- بذلك؛ لأن الشارع هو الذي أمرها بذلك.
{أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم، وجزاكم الله خير الجزاء.
في ختام هذه الحلقة نشكركم أيها المشاهدين الكرام على طيب المتابعة، ونلقاكم في
حلقة قادمة -بإذن الله-، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سلاسل أخرى للشيخ
-
3263 11
-
4875 6