الدرس التاسع

معالي الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان

إحصائية السلسلة

4838 10
الدرس التاسع

آداب المشي إلى الصلاة (1)

{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على قائدِ الغرِّ المحجَّلين، نبيِّنا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين.
مرحبًا بكم أيُّها الإخوة والأخوات إلى درسٍ من دروس آداب المشي إلى الصَّلاة، ضيفُ هذا اللقاء هو سماحة العلَّامة الشَّيخ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللَّجنة الدَّائمة للإفتاء، أهلًا ومرحبًا بالشَّيخ صالح مع الإخوة والأخوات}.
حيَّاكم الله وبارك فيكم.
{هناك أسئلة مهمَّة للإخوة والأخوات في الدروس السَّابقة، منها: بعضُ المأمومين يُكبِّر تكبيرة الإحرام قبل أن ينقطع صوت الإمام. هل يصح هذا الفعل؟}.
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمدُ لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
لابدَّ أن يكون تكبيرُ المأموم بعد تكبيرِ الإمام سواء في تكبيرة الإحرام وغيرها، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُو»[50]، فلابدَّ أن تكون تكبيرة المأموم بعد تكبيرة الإمام، فلا يوافقه ولا يسبقه.
 
{مَا تَوجيه الشَّيخ صالح الفوزان -حفظه الله- للذين يُبالغون في مَطِّ التَّكبير؟}.
تكبير الانتقال لا بأس أن يُملأ بِه مَا بَين الرُّكنين، فهذا أحسن.
 
{مِن المُلاحظ أنَّ بعضَ الأئمَّة يُكبِّر قبلَ الانتقالِ للرُّكنِ حتى لا يَضعُف الصَّوتُ عن التَّكبيرِ، وذلك قبل القيام. فهل هذا صحيح؟}.
كَمَا ذَكرنا فَتكبير الانتقال يَكون بَين الرُّكنين، والأَوْلى أن يَمدَّه لِيَملأ مَا بَين الرُّكنين.
 
{هَل يَجوز رَفعُ اليَدين أثناء التَّكبير؟}.
يُسنُّ ذلك في تكبيرة الإحرام، وهو إشارة إلى رفعِ الحِجاب بين العبد وبينَ ربِّه فَيَخشَع كَما قَال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم.
وإذا رفع المصلي يديه عند الرُّكوعِ، ورفَعَ يديه عند الرَّفعِ من الرُّكوعِ، وعند الانحطاطِ للسُّجود؛ فهذا سنَّة.
 
{السُّنة -كما ذكرتم- أن يكون رفعُ اليدين حَذو المَنكبين، لكن المُلاحظ على البعض أنَّه يُحرك يَديه تَحريكًا يَسيرًا}.
التَّحريكُ اليسيرُ لا يَضرُّ، ولكن الأَوْلى ألا يُحرك يديه، وإنَّما يَرفعهما مِن غير تحريكٍ.
 
{أيُّ الطريقتين أصح: وضع اليدين تحت السُّرةِ، أو وضع اليدين على الصَّدرِ؟}.
لا توضع اليدان على الصدر، لأنَّ هذا خلاف السُّنة؛ إنما توضع اليدان في القيام في الصَّلاة تحت الصدر أو تحت السُّرة. موضعين، أمَّا على الصَّدر فلا.
 
{البعض قد يضع اليدين على الجانب الأيسر. هل في ذلك حرج؟}.
لا بأس بذلك، بعضهم يقول: القلب في الجانب الأيسر فهو يضعهما على قبله.
 
{هل وَرَدَ حَديث بأنَّ الرَّسول  صلى الله عليه وسلم نهى أن يُصلي الرجل متخصِّرًا؟[51]}.
نعم؛ لأنَّ هذا فعل اليهود، فلا يَضع يَديه على خاصرتيه، فهذا من التَّخصُّر.
 
{من خلال قول العلماء: يُستحب أن ينظر إلى موضع سُجوده}
نعم، هذا هو المشروع للمُصلي، أن يَنظر إلى مَوضع سُجوده، ولا يُسرِّح نظره أمامه أو إلى فوق؛ وإنما ينظر إلى مَوضع سُجوده؛ لأنَّ ذَلك أَدعى للخُشوع.
 
{إذا كان في الحَرم. هل ينظر إلى الكعبة؟}.
لا، يَنظر إلى مَوضع سُجوده سواء كان في الحرم أو في غَيره.
 
{إذا لم يَخشع الإنسان وأغمض عَينيه، هَل يُجزئ عن الخشوع في الصلاة؟}.
يُكره غمْضُ العينين في الصَّلاة؛ لأنَّ هَذا فعل المجوس عند عبادتهم للنَّار.
 
{مِن جهة الاستفتاح؛ البعض يقول: الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا. فهل هذا وارد ؟}.
مَا وَرَدَ هذا إلا في صلاة العيدين، أن يقول: الله أكبر. ويكفي.
 
{ما الأفضل في استفتاحات الصلاة؟}.
الأفضل أن يقول: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرَكَ»[52] إلى آخره، هذا هو الأفضل وعليه العمل.
أمَّا قِيام الليل فكان النَّبي صلى الله عليه وسلم يستفتح بقوله: «اللهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ، فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»[53].
هذا كان يَستفتح به النبي صلى الله عليه وسلم في قيام الليل.
 
{بعض العوام يُردد: ولا معبود بحق سواك. فهل هذا صحيح؟}.
لا داعيَ لهذا، ولم يَرد -فِيما أَعلم- أن يقول: "لا معبود بحق سواك"، يكفي قول: سبحانك اللهم وبحمدك...
 
{هل الاستعاذة مشروعة في كل ركعة؟}.
نعم هي مشروعة عند قراءة القرآن لقوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [الأعراف: 200].
 
{إذا قرأ الإمام بعد الفاتحة مُباشرة؛ هل يَسكت المأموم؟}.
نعم، إذا شَرَعَ الإمام ولم يترك فُرصة للمأموم أن يَقرأ الفاتحة فإنَّ المأموم يَقرؤها في سكتات الإمام، لقوله سبحانه: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: 204]، فإن تمكَّن مِن قِراءتها في سَكتات الإمام؛ وإلا فإنَّ قِراءة الإمام تَكفي.
 
{مَا مقدار السكتة بعد الفاتحة؟}.
بقدر مَا يَرجع إليه نَفَسُه.
 
نعود للدرس سماحة الشيخ
{قال المؤلف -رحمه الله تعالى: (ثُمَّ يَتَشَهَّدُ سِرًّا، وَيُشِيرُ بِسَبَّابَتِهِ الْيُمْنَى فِي تَشَهُّدِهِ إِشَارَةً إِلَى التَّوْحِيدِ)}.
التشهد الأول والتشهد الأخير يقول: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله"، ويرفع أصبعه السَّبابة عِند قوله: "أشهد أن لا إله إلا الله" إشارة إلى التوحيد، ويُحلق الوسطى مع الإبهام، ويَقبض الخنصر والبنصر؛ هذا في حال الجلوس.
{(وَيُشِيرُ بِهَا أَيْضًا عِنْدَ دُعَائِهِ فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِهَ)}.
(يشير به)، أي: إشارة إلى التوحيد، إذا أتى بالشهادتين فإنه يشير بها.
{(لِقَوْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ إِذَا دَعَا وَلاَ يُحَرِّكُهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ)}.
وكذلك عند الدعاء يُشير بأصبعه السَّبَّاحة عند التشهد، وكذلك عند الدعاء؛ إشارة إلى التوحيد.
{(فَيَقُولُ: التَّحِيَّاتُ لِلهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ)}.
هذا التشهد الأول:
(التَّحِيَّاتُ) أي: جميع التَّعظيمات.
(لِلهِ): مِلكًا واستحقاقًا.
(وَالصَّلَوَاتُ)، أي: جميع الصلوات والدَّعوات لله -عز وجل.
(وَالطَّيِّبَاتُ)، أي: كل عملٍ طيب أو قولٍ طيب فإنَّه لله -عز وجل- {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} [فاطر:10].
{(وَأَيُّ تَشَهُّدٍ تَشَهَّدَهُ مِمَّا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَازَ)}.
قد وَرَدَت روايات في صفة التشهد، فأيّ رواية عمل بها مما صَحَّ عن الرسول صلى الله عليه وسلم جاز ذلك.
{(وَالأَوْلَى تَخْفِيفُهُ وَعَدَمُ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، وَهَذَا التَّشَهُّدُ الأَوَّلُ)}.
والأولى تخفيفه وعدم الزيادة على ما ورد، وإنما يأتي بما ورد، ولشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- رسالة في هذا يُرجع إليها.
 
{شكر الله لكم شيخ صالح على ما بيَّنتم وشرحتم في هذه الدروس المهمَّة من دروس آداب المشي إلى الصلاة. جزاكم الله عنَّا وعن أمَّة الإسلام خير الجزاء.
 
الإخوة والأخوات الذين بعثوا بأسئلتهم؛ قد عرضنا جزءًا منها على سماحة الشيخ صالح، وبقيَّة هذه الدروس سنعرضها في الدروس اللاحقة نظرًا لانتهاء حلقة هذا الأسبوع.
يتجدد اللقاء إن شاء الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
------------------------
[50] البخاري عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ" "إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا"
[51] متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا
[52] أبوداود (776)، والترمذي (243) عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ، قَالَ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرَكَ"، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الجامع.
[53] مسلم (770) عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها سئلت، بأي شيء كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل؟ قالت: "كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ: اللهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ، فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ".

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك