{بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاةالسَّلام على قائدِ الغُرِّ والمحجَّلين، نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أيُّها الإخوة والأخوات في درس في آداب المشي إلى الصَّلاة للإمام
المجدِّد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- شرح سماحة العلَّامة الشَّيخ صالح بن
فوزان الفوزان.
باسمكم جميعًا-أيَّها السَّادة- نُرحب بسماحة الشَّيخ صالح، ونشكر له تفضله بتلبيةِ
الدَّعوة في شرح هذا الكتاب، أهلًا ومرحبًا يا شيخ صالح}.
حيَّاكم الله، وبارك فيكم.
{شيخ صالح أستأذنكم في هذه الأسئلة التي تتعلَّق بالدَّرسِ السَّابقِ:
أولًا: ما المُراد بالتَّطهر؟}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
المرادُ بالتَّطهرِ: رفعُ الحدثِ وزوالُ النَّجسِ، فَيُتَطهر مِن الحدث الأصغر
بالوضوء، ويتطهَّرُ مِن الحدثِ الأكبرِ بالاغتسال، ويتطهَّرُ مِن النَّجاسة في
الثياب أو في البدن بغسلها.
{نسأل كثيرًا يا شيخ صالح عن معنى "إسباغ الوضوء"؟}.
إسباغُ الوضوء: إتمامُه على الأعضاءِ، إذ لا يبقى مِن العضو شيءٌ لم يصل الماءُ
إليه ويجري عليه، و"الإسباغ" من الدِّرعِ السَّابغِ وهو التَّامُّ الضَّافي على
البدن.
{شيخ صالح: إذا خرج الإنسانُ متوضئًا وله حاجة يريد قضاءها قبل الصَّلاة، فهل يحصل
له الثَّواب؟}.
إذا خرج لعذر بنية الرُّجوع، فهو في حكمِ الجالسِ في المسجد.
{الحقيقة أنَّ الخروج إلى المسجد عظيم لكنَّه يغيب عن البعض، لعل لكم توجيه}.
يَتعلم ويَعرف فضلَ المسجدِ والجلوسَ فيه، فلابد من القراءة إذا لم يتيسر له
التعلم، فيقرأ في كتب آداب المساجد وغيرها.
{مَن كان بيتُه بعيدًا عن المسجد وذهب بالسَّيَّارة، هل يحصل له الثَّواب المطلوب
كالماشي؟}.
المشي أفضل والركوب جائز، لاسيما لكبير السِّنِّ والمريض العاجز عن المشي، إذا
رَكِبَ مِن حاجة فيُكتَب له أجر الماشي، أمَّا إذا ركب مِن غَير حَاجة فهذا جائز
ومباح ولكنه ليس كالماشي على قدميه.
{بعضُ المصلِّين يخرجُ من بيته وهو على غير وضوء لأنَّه سيتوضأ من دورات المياه،
فهل بهذا يحرمُ نفسَه الخير؟}.
نعم، جائزٌ أن يخرج ويتوضأ من دورات المياه مِن المغاسل ومحالِّ الوضوء ولا بأس
بذلك، ولكن كونه يتوضأ في بيته ويخرج وهو متطهِّر فهذا أفضل.
{ما الفرق بين السَّكينة والوقار؟}
السكينة: في المشي، فلا يكون فيه جلبة ولا ضوضاء.
والوقار: يكون في الهيئة، أن يكون خاشعًا متخشِّعًا متذلِّلًا، ولا يُكثِر من
الالتفات.
{ما العلَّة في النَّهي عن التَّشبيك بين الأصابع؟}
هكذا ورد عن النَّبي صلى الله عليه وسلم «فلا يُشبِّكَنَّ بَيْنَ أَصَابِعِهِ
فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ»[7]، ولعلَّ هذا لأجلِ أنَّ التَّشبيك بين الأصابع يحصل به
اشتباكَ أمورِه وعدم توسُّعها.
{بعض الناس يقول: إنَّ الإقامة عبر مكبرات الصَّوت تُعوِّد الناسَ على الكسلِ فلا
يأتون المسجد. فما تعليقكم؟}
لا بأس بذلك، فالإقامة هي الأذان الثاني، كما أنَّ الأذانَ يكون في مكبر الصوت،
فكذلك الإقامة.
{قال المؤلف -رحمه الله تعالى: (بَابُ صِفَةِالصَّلَاةِ)}.
"صفة الصَّلاة"، أي: كيفيَّةُ الصَّلاة، يعني: كيف تصلي، لابدَّ أن تتعلم كيف تصلي
كما جاء في الكتاب والسُّنة، وتؤدِّي الصَّلاة على هذه الكيفيَّة وهذه الصِّفة، حتى
تصلي صلاة شرعيَّة تامَّة.
{(يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُومَ إِلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِ المُؤَذِّنِ: «قَدْ قَامَتِ
الصَّلاة» إِنْ كَانَ الإِمَامُ فِي المَسْجِدِ)}.
يُستحبُّ إذا كان جالسًا في المسجد أن يقوم للصَّلاة عند قول المؤذن «قَدْ قَامَتِ
الصَّلاة»، وذلك إن كان الإمام في المسجد ويراه، أمَّا إذا كان الإمام ليس في
المسجد وأُقيمت الصَّلاة فإنَّه يقوم إذا جاء الإمام كما كان الصحابة يفعلون مع
الرسول صلى الله عليه وسلم.
{(قِيلَ لِلإِمَامِ أَحْمَدَ: قَبْلَ التَّكْبِيرِ تَقُولُ شَيْئًا؟ قَالَ: لا؛
إِذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم وَلا عَنْ أَحَدٍ مِنْ
أَصْحَابِهِ)}.
يعني بعد الإقامة وقبل تكبيرة الإحرام هل يُقال دعاء معيَّن؟
سُئل الإمام أحمد عن هذا فقال: لا. يعني لم يُنقَل عن النَّبي صلى الله عليه وسلم
دعاء معيَّن، أمَّا أن يدعو بما تيسَّر له فلا مانع من ذلك.
{( ثُمَّ يُسَوِّي الإِمَامُ الصُّفُوفَ بِمُحَاذَاةِ المَنَاكِبِ وَالأَكْعُبِ)}.
نعم هذا واجب على الإمام، أنَّه لا يدخل في الصَّلاة حتى يُسوي الصُّفوف -يعني
تعتدل- وكيف تعتدل؟
بمحاذاة المناكب والأكعب -هذا هو الضابط- فإذا تحاذت مناكب المصلين وتحاذت أكعبهم
فقد استقامت الصُّفوف، والإمامُ معنيٌّ بهذا، فلا يُكبِّر حتى يتأكَّد مِن استقامةِ
الصُّفوفِ خلفَه، وكان النَّبي صلى الله عليه وسلم يهتمُّ بإكمال الصُّفوفِ
وإتمامِها واعتدالِها، ولا يُكبِّر حتى يتأكَّد من استقامة الصُّفوف واعتدالها
وسَدِّ الفُرَج.
{(وَيُسَنُّ تَكْمِيلُ الصَّفِّ الأَوَّلِ فَالأَوَّلُ)}.
لا ينبغي أن يُبدَأ صفٌ حتى يَكمُل الصَّفَّ الذي قبله، ما دام في الصفِّ الأولِ
فُرجَةٌ أو فيه نقصٌ فإنَّه يُكمَل ولا يُبدَأُ صفٌّ جديد. هذه هي السنَّة.
{(وَتَرَاصُّ المَأْمُومِينَ)}.
يعني يُستَحبُّ تراصُّ المأمومين بأن لا يكون بينهم فُرَجٌ يتخلل منها الشَّيطانُ
ليُفسدَ عليهم صلاتِهم، فيلتصقُ هذا بهذا ولا يدعون مجالًا لمرور الشَّيطانِ بينهم.
{(وَسَدُّ خَلَلِ الصُّفُوفِ)}.
كان صلى الله عليه وسلم يقول: «سُدُّوا الخَلَلَ»، أي سدوا الفُرج «حَاذُوا بَيْنَ
المَنَاكِبِ»[8] والأكعب، كان يهتمُّ صلى الله عليه وسلم بالصفوف اهتمامًا عظيمًا.
كذلك يجب على الأئمَّة -وفقهم الله- أن يعملوا بهذه السنة.
{(وَسَدُّ خَلَلِ الصُّفُوفِ)}، لئلا يكون فيها فُرَجٌ بين المصلِّين لأجل أن
يمنعوا تخلُّلِ الشيطان من بينهم ليشوش عليهم.
{(وَيَمْنَةُ كُلِّ صَفٍّ أَفْضَلُ)}.
يمنة كلُّ صفٍّ أفضل من ميسرته، إذا كان عن يمين الإمام فهذا أفضل من أن يكون على
يساره، إلا إذا كان اليمين يبعد عن الإمام ولا يسمع صوته ولا يقتدي به، فإنَّ هذا
لا يجوز؛ بل يكون على يساره، فقربه إلى الإمام عن اليسار أفضل من بُعده عن الإمام
من اليمين.
{( وَقُرْبُ الأَفْضَلِ مِنَ الإِمَامِ)}.
يُستحبُّ فيمَن يقرب من الإمام أن يكون من أهل الفضل من أهل العلم وكبار السنِّ،
فهؤلاء هم الذين يقفون خلف الإمام لأجل فضلهم، ولأجل لو احتاج الإمام إلى مَن يفتح
عليه إذا انغلقت عليه القراءة، أو إلى مَن يستخلفه لو عرض له عارضٌ كأن يريد أن
يخرج من الصَّلاة بهذا العارض ويستخلف ممن خلفه، فيكون من أهل الفضل.
{(لقوله صلى الله عليه وسلم: «لِيَلِيَنِي مِنْكُمْ أُولُوا الأَحْلاَمِ
وَالنُّهَى»)}.
قال صلى الله عليه وسلم: «لِيَلِيَنِي» أي: ليَقرَب مني في الصَّفِّ.
«أُولُوا الأَحْلاَمِ»: يعني أولوا العقول.
«وَالنُّهَى»: أي الفضل.
فهؤلاء أولى بِوَسَطِ الصَّفِّ وما يقرب مِن الإمام ممن هو دونهم، هذا إذا جاؤوا
جميعًا، أما إذا تأخَّر أهل الفضل، وجاء مَن هو دونهم؛ فهم الذين قصَّروا، فلا
يطردون مَن كان سبقهم إلى المكان.
{(«وَخَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَ»)}.
خيرُ صفوفِ الرِّجال أوَّلُها، لأنَّهم يقتدون بالإمام ويرونه، وشرُّها آخرها
لأنَّهم لا يرون الإمام، وإنَّما يقتدون بالصُّفوفِ التي أمامهم، فهم حُرموا
الاقتداء بالإمام ورؤيته، «وَشَرُّهَ»يعني أنقصها أجرًا.
{(«وخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَ»)}.
أما النِّساءُ فلكونهنَّ عورةٌ وفاتناتٌ، فإنَّ الأفضل أن يَكُنَّ في آخر
الصُّفوفِ، يَبعدنَ عن الرِّجال ويَنسَتِرْنَ عنهم، وهذا في الصَّلاة، فكيف بمخالطة
النساء للرجال في الأسواق أو في المجالس أو في مكان العمل؛ فهذه المخالطة بينهم
وتقاربهم فيه إثم.
{(«وَشَرُّهَا أَوَّلُهَ»)}.
لِقُربِهنَّ من الرِّجال، و«وَشَرُّهَا أَوَّلُهَ» يعني: أقلُّها أجرًا؛ لأنَّ
المرأة تتعرَّضُ للفتنة منها أو بها.
{(ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ مَعَ الْقُدْرَةِ: "اللهُ أَكْبَرُ ")}.
(يَقُولُ)، أي: الإمام أو المُصلِّي.
(وَهُوَ قَائِمٌ مَعَ الْقُدْرَةِ)، لقوله صلى الله عليه وسلم للمريض: «صَلِّ
قائمًا، فإن لم تستَطِع فقاعدًا، فإن لم تستَطِعْ فعلى جَنبٍ»[9]، فالقيام ركنٌ من
أركان الصَّلاة في الفريضة، فلا يجوز أن يُصلي وهو جالس مِن غير عذر، لابد من
القيام ما دام قادرًا على ذلك، قال الله -جل وعلا:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ
وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238].
{(لا يُجْزِئْهُ غَيْرُهَ)}.
لا يجزؤه غير قول "الله أكبر" تكبيرة الإحرام بهذا اللفظ، فلا يقل "الله الأكبر"،
أو "الله الأعظم"، أو "الله الأجل"، فلا يقل غير هذه اللفظة؛ لأنَّها توقيفيَّة لا
يجوز تغييرها أو الإتيان بلفظ بمعناها.
{(وَالْحِكْمَةُ فِي افْتِتَاحِهَا بِذَلِكَ لِيَسْتَحْضِرَ عَظَمَةَ مَنْ يَقُومُ
بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَخْشَعَ)}.
أي: الحكمة في افتتاح الصَّلاة بالتَّكبير هو أن يستحضِرَ عظمة ربه إذا قال: "الله
أكبر"، يعني الله أكبر من كلِّ شيء، من الملوك، ومن السَّلاطين، ومن التُّجار، ومن
الأغنياء، الله أكبر من العلماء، الله أكبر من كلِّ شيءٍ سبحانه وتعالى
فإذا قال "الله أكبر" يستحضر عظمة الله أنَّه أكبر من كل شيء؛ فيخشع في صلاته.
{(فَإِنْ مَدَّ هَمْزَةَ "اللهُ" أَوْ "أَكْبَرُ" أَوْ قَالَ: "إِكْبَارُ" لَمْ
تَنْعَقِدْ)}.
لابدَّ أن يؤديها بهذا اللفظ "الله أكبر"، فإن مدَّها مدًّا غيَّر معناها كأن يقول:
"الله أكبار" أو "الله أجل" أو "الله أعظم"؛ فإنَّ هذا لا يجوز ولا تنعقد الصَّلاة،
لابدَّ أن يأتي بلفظ تكبيرة الإحرام "الله أكبر".
{(وَالأَخْرَسُ يُحْرِمُ بِقَلْبِهِ)}.
الأخرس: الذي لا يستطيع النطق.
(يُحْرِمُ بِقَلْبِهِ): يعني يستحضر التكبير بقلبه.
{(وَلا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ)}.
الأخرس لا يُحرك لسانه لأنَّه لا يُجدي شيئًا، وإنَّما يقول بقلبه: "الله أكبر".
{(وَكَذَا حُكْمُ الْقِرَاءَةِ وَالتَّسْبِيحِ وَغَيْرِهِمَ)}.
كذا لا يتكلم الأخرس بقراءة القرآن ولا بالتكبير ولا غير ذلك، وإنَّما يستحضر ذلك
بقلبه.
{شكر الله لكم سماحة الشَّيخ صالح الفوزان على تفضُّلكم بشرح هذه الدُّروس المفيدة
للمسلمين من كتاب "آداب المشي إلى الصَّلاة"، جزاكم الله عنَّا وعن أمَّة الإسلام
خير الجزاء.
يتجدد هذا الدرس في الأسبوع القادم -بإذن الله- والسَّلام عليكم ورحمة الله
وبركاته.
---------------------
[7]سنن الترمذي (386) وصححه الألباني
[8]صحيح الجامع للألباني (1187).
[9]صحيح البخاري (1117).