بسم الله الرحمن الرحيم.
{الحمدُ لله رَبِّ العَالمين، والصَّلاة والسَّلام على قائدِ الغُرِّ المحجَّلين،
نبينا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.
مرحبًا بكم أيُّها الإخوة والأخوات في درسٍ من دروسِ آدابِ المشي إلى الصَّلاة،
ضيفُ هذا اللِّقاء هو سماحة العلَّامة الشَّيخ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئةِ
كبارِ العلماءِ وعضو اللَّجنةِ الدَّائمةِ للإفتاء، أهلًا ومرحبًا بسماحة الشَّيخ
صالح}.
حيَّاكم الله وبارك فيكم.
{مِن الأسئلة التي وَرَدت في الدُّروسِ السَّابقة في آداب المشي إلى الصَّلاة: أحد
الإخوة تفاعل مع هذه الأسئلة ومع ما قرأنا على سماحتكم يقول: بالنَّسبة لتحيَّةِ
المسجدِ إذا كان الإنسانُ يُصليها وأُقيمت صلاةُ الفريضة، هل تُقطَع؟}
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
«إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَلا صَلاةَ إِلا الْمَكْتُوبَةُ»[41] كما في الحديث،
لكن إذا كانَ الإنسانُ دَخَلَ في نافلةٍ قبل أن تُقام الصَّلاة ثمَّ أُقيمَت؛ فإن
كان في أوَّلها فإنَّه يقطعها، أمَّا إن كان في آخرها ولا يُفوِّت وقتًا طويلًا
فإنَّه يُكملها.
{حفظكم الله، ما هي تحيَّة المسجد الحرام سواء للدَّاخل مِن المعتمرين أو الحُجَّاج
أو غيرهم مِن الزَّائرين؟}.
الزَّائرُ أوَّلُ ما يَصلُ إلى المسجدِ الحرامِ يبدأ بالطَّوافِ -تحيَّة الكعبة
المشرَّفة- فإن كان في عُمرةٍ فيعتبره طوافَ العمرةِ، وإن لم يكن في عُمرة فإنَّه
يعتبره طوافًا مُفردًا تحيَّةً للكعبةِ للقادم مِن السَّفر، ثم يُصلِّى بعد
الطَّوافِ ركعتين، ومَن أراد أن يجلس داخل المسجدِ الحرام لا يريد أن يطوف؛ فإنَّه
لا يجلس حتى يُصلِّى ركعتين، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ
الْمَسْجِدَ، فَلا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ»[42].
{ما هي الأمور المترتِّبة على حصول دعاء الملائكة لمنتظرِ الصَّلاة؟}.
مَن جلس ينتظر الصَّلاة فإنَّه في صلاةٍ، أي: في حكم المُصلِّي، «فلا يُشَبِّكَنَّ
بينَ أصابِعِه»[43] كما قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، وعليه أن يستغل الوقت في
ذكرِ الله، أو تلاوةِ القرآنِ، أو التَّسبيحِ والتَّهليلِ والتَّحميدِ حتى تُقام
الصَّلاة.
{هل تُتابع الإقامة مثل الأذان؟}.
نعم، يقول مثلما يقول المقيم؛ لأنَّ الإقامةَ أذانٌ، أي: إعلامٌ بحضورِ الصَّلاةِ،
فالذي يسمعه يقول مثلما يقول.
{بعض النَّاس عند إقامة الصَّلاة يقول أذكارًا مثل: أقامها الله وأدامها. فما
الحكم؟}.
هذا لم يرد، فهو على ألْسِنة النَّاس ولكنَّه ليس بواردٍ.
{قولهم: اللهم ارحم وقوفنا بين يديك. ما حكمه؟}.
كذلك التزام هذا غيرُ واردٍ، أمَّا إذا قاله بعضَ الأحيانِ بغيرِ التزامٍ له فلا
بأس.
{قوله: نويتُ أن أصلِّي الظُّهرَ أربعَ ركعاتٍ. ما حكمه؟}
هذا بدعة، فالنِّيَّةُ بالقلبِ والتَّلفُّظُ بها بدعة، فلا يجوز أن يتلفَّظ
بنيَّته؛ لأنَّ الله يعلم نيَّته، قال الله -جَلَّ وَعَلا: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ
اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحجرات/16].
{يتسائل بعضُ النَّاسِ الدَّاخلين للصَّلاة عن تسويةِ الصُّفوفِ، فهذا متقدِّمٌ
وهذا متأخِّرٌ؛ فما حكم ذلك؟}.
هذا من وظائف الإمام، فهو المسؤول عن تعديل الصُّفوفِ، والنَّبيُّ صلى الله عليه
وسلم كان لا يُكبِّر حتى يَرَى أنَّ الصُّفوفَ قد اعتدلت واستقامت، وسُدَّت
الفُرَج، فلا يُكبِّر في الصَّلاة حتى تتمَّ هذه الأمور، ممَّا يدلُّ على اهتمام
الإمام بذلك، وهي مسؤوليته.
{حديث: «إن الله لا ينظر إلى الصَّفِّ الأعوج»[44] هل هو صحيح؟}.
هذا لا أعلمه واردًا عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو على ألْسِنةِ بعضِ
النَّاسِ.
نعود إلى الدرس سماحة الشيخ.
{قال المؤلف -رحمه الله تعالى: (ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّانِيَةَ كَالأُولَى)}.
يسجد السَّجدة الثَّانية كالأولى فيما يُقال فيها وفي صِفة السَّجدة.
{(وَإِنْ شَاءَ دَعَا فِيهِ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«وَأَمَّا السُّجُودُ فَأَكْثِرُوا فِيهِ مِنَ الدُّعَاءِ؛ فَقَمِنٌ أَنْ
يُسْتَجَابَ لَكُمْ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ)}.
نعم، السُّجود يُعظَّم فيه الرَّبُّ، وكذلك يأتي بالدُّعاء في السُّجودِ؛ لأنَّه
أحرى أن يُستجاب له فيه، لقوله -صلى الله عليه وسلم: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ
الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ»[45].
{(وَلَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ:
دِقَّهُ وَجِلَّهُ، أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، سِرَّهُ وَعَلانِيَتَهُ»[46])}.
هذا مِن أنواعِ الأدعيةِ الواردة عن الرَّسول صلى الله عليه وسلم في السُّجود
«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ: دِقَّهُ وَجِلَّهُ، أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ،
سِرَّهُ وَعَلانِيَتَهُ»، وهو دعاءٌ عظيمٌ شاملٌ، يُستحبُّ للمسلم أن يأتي به في
سجوده اقتداءً بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وتحريًا للإجابة.
{(ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا، قَائِمًا عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ)}.
ثم يرفع رأسه مِنَ السُّجودِ إلى الرَّكعة الثَّانية مُعتمدًا على صُدورِ قدميه بأن
يجعل مواطئه على الأرض، ويستقبلُ بأصابِعها القبلةَ ويقوم عليها، ولا يعتمد على
يديه على الأرض إلا إذا كان عاجزًا، كأن يكون كبيرَ سنٍّ أو مريضٍ؛ فلا بأس أن يقوم
على يديه، أمَّا القوي فإنَّه يقومُ مُعتمدًا على صدور قدميه، ويُكبِّر أثناء
قيامه؛ لأنَّ هذا مِن تكبيراتِ الانتقال، وتكبيرة الانتقال تكون مِن ركنٍ إلى ركنٍ
حالَ الانتقالِ؛ لأنَّ بعض النَّاسِ لا يُكبِّرُ حتى يعتدلَ قائمًا؛ وهذا غلط!
فتكبيراتُ الانتقال تكون بين الرُّكنين، أي: إذا قام من ركنٍ إلى ركنٍ آخرٍ فإنَّه
يُكبِّر أثناء قيامه، ولا يؤخِّرُ التَّكبيرَ حتى يعتدلَ قائمًا.
{(ثُمَّ يُصَلِّي الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ كَالأُولَى، إِلاَّ فِي تَكْبِيرَةِ
الإِحْرَامِ وَالاسْتِفْتَاحِ)}.
ثم يُصلِّي المسلم الرَّكعة الثَّانية في الفريضة كالرَّكعة الأولى على ما وُصِفَ
فيما سبق، إلا في تكبيرةِ الإحرامِ فإنَّها خاصَّة بالرَّكعةِ الأولى، وإنَّما
تكبيرَتُها تكبيرةَ انتقالٍ.
{(ثُمَّ يَجْلِسُ لِلتَّشَهُّدِ مُفْتَرِشًا، جَاعِلاً يَدَيْهِ عَلَى
فَخِذَيْهِ)}.
(ثُمَّ يَجْلِسُ لِلتَّشَهُّدِ مُفْتَرِشً) يعني: يفرِشُ الرِّجلَ اليُسرى ويجلس
على بطنِها، وظهرها إلى الأرض، هذا معنى الافتراش.
{( جَاعِلاً يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ)}.
أي: يجعل يَديه مبسطوتين على فخذيه.
{(بَاسِطًا أَصَابِعَ يُسْرَاهُ مَضْمُومَةً)}.
باسطًا أصابعَ اليدِ اليُسرى مضمومة بعضها إلى بعض ولا يُفرقها، وتكون على فخذه.
{(مُسْتَقْبِلاً بِهَا الْقِبْلَةَ)}.
مستقبلًا برؤوس أصابعِ يديه القبلةَ.
{(قَابِضًا مِنْ يَمِينِهِ الْخِنْصِرَ وَالْبِنْصِرَ)}.
يقبضُ الخِنصر -وهو الأصبع الصَّغير- وما يليه -وهو البِنصر- فيقبضهما، ويُحلِّق
إبهامه مع الوسطى، أي: يجعلهما على شكلِ حلقةٍ.
{(ثُمَّ يَتَشَهَّدُ سِرًّ)}.
ثم يأتي بالتَّشهدِ الأوَّلِ سرًّا لا يرفع به صوتُه، فيقول: «التَّحِيَّاتُ لِلهِ،
وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ
وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ
الصَّالحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ»[47]. هذا هو التَّشهد الأوَّل.
{(كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ إِذَا
دَعَا وَلاَ يُحَرِّكُهَ)}.
هذا في حال الجلوس، فكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم (يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ إِذَا
دَعَا وَلاَ يُحَرِّكُهَ)؛ لأنَّه يرفع أصبعه السَّبَّابة -أو السَّبَّاحة- ولا
يُحركها، إشارة إلى التَّوحيد.
{(فَيَقُولُ: التَّحِيَّاتُ لِلهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ
عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ
عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ
اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ)}.
كما ذكرنا، ولكن معنى (التَّحِيَّاتُ لله): أي: جميع التَّعظيمات لله -عز وجل-
فالله -جل وعلا- يُحيَّا ولا يُسلَّم عليه، قال صلى الله عليه وسلم: «لَا
تَقُولُوا: السَّلامُ عَلَى اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلامُ، وَلَكِنْ
قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ»[48] إلى آخره.
(التَّحِيَّاتُ): التَّعظيمات.
(لله) أي: الذي يستحقها على الحقيقة هو الله -سبحانه وتعالى.
{(وَأَيُّ تَشَهُّدٍ تَشَهَّدَهُ مِمَّا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَازَ)}.
لفظُ التَّشهدِ هو: «التَّحِيَّاتُ لِلهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ،
السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ
إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ». وإن أتى
بتشهدٍ آخرٍ ممَّا ورد عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم جاز ذلك، فلا يأتي إلا بما
ورد عن الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم.
{(وَالأَوْلَى تَخْفِيفُهُ وَعَدَمُ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، وَهَذَا التَّشَهُّدُ
الأَوَّلُ)}.
والأولى تخفيفُ التَّشهدِ الأوَّلِ، يعني تخفيفُ الجلوسِ فيه، فقد وَرَدَ في وَصفِ
جُلوسِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم «كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضَفِ»[49]، ممَّا يدلُّ
على أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يخفِّفه ولا يتوانى فيه.
{شكر الله لكم فضيلة الشَّيخ صالح على تفضُّلِكم بشرحِ مَا تيسَّر مِن آداب المشي
إلى الصَّلاة، نستقبلُ -بإذن الله- منكم الأسئلة والاستفسارات عمَّا مضى من هذه
الآداب في كتاب آداب المشي إلى الصَّلاة.
شكرًا لفريق العمل في هذا البرنامج، والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
-----------------------
[41] صحيح مسلم (710).
[42] صحيح البخاري (1167).
[43] سنن الترمذي (386)، وصححه الألباني.
[44] قال ابن باز: لا أصل له. وكذلك قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في "الشرح
الممتع": هو حديث مشهور بين الناس، وليس له أصل.
[45] صحيح مسلم (482).
[46] صحيح مسلم (750)
[47] رواه البخاري (6265) ومسلم (402)
[48] صحيح البخاري (835).
[49] حسنه ابن حجر العسقلاني في مقدمة تخريج مشكاة المصابيح عن عبدالله بن مسعود،
وضعفه أحمد شاكر في مسند أحمد.