الدرس الثالث

معالي الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان

إحصائية السلسلة

7851 10
الدرس الثالث

آداب المشي إلى الصلاة (1)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسلام على قائد الغرِّ المحجَّلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أيُّها الإخوة والأخوات في درسٍ جديد مِن دروس آداب المشي إلى الصَّلاة.
هذا الكتاب للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- ويشرح هذه الدروس سماحة الشَّيخ صالح بن فوزان الفوزان، أهلًا ومرحبًا سماحة الشَّيخ صالح}.
حيَّاكم الله وبارك فيكم.
{قال المؤلف -رحمه الله تعالى: (وَيُسَنُّ جَهْرُ الإِمَامِ بِالتَّكْبِيرِ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كَبَّرَ الإِمَامُ فَكَبِّرُو»)}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله والصَّلاة والسلام على رسول الله.
قال الشَّيخ -رحمه الله: (وَيُسَنُّ جَهْرُ الإِمَامِ بِالتَّكْبِيرِ)، سواء تكبيرة الإحرام أو تكبيرات الانتقال ليسمعه المأمومون حتى يُكبِّروا بعده.
(لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كَبَّرَ الإِمَامُ فَكَبِّرُو»)، أي: يُكبِّرون بعده، ولا يُكبِّرون قَبْله ولا مَعه.
{(وَبِالتَّسْمِيعِ؛ لِقَوْلِهِ: «وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ»)}.
وكذلك في حالة التَّسميع، وهو إذا رَفع مِن الركوع فقال: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» فإنَّ المأمومين لا يقولون: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" وإنَّما يقولون: «ربنا ولك الحمد» أو «ربنا لك الحمد» أو «اللهم ربنا ولك الحمد» أو «اللهم ربنا لك الحمد». أربع صيغٍ في هذا، كلها جائزة ومشروعة، فأيُّها أَتَى به كفى.
{(وَيَسِرُّ مَأْمُومٌ وَمُنْفَرِدٌ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَمْدُودَتَيِ الأَصَابِعِ مَضْمُومَةً، وَيَسْتَقْبِلُ بِبُطُونِهِمَا الْقِبْلَةَ)}.
وأمَّا المأموم والمنفرد فلا يجهرا بالتكبير -سواء تكبيرة الإحرام أو الانتقال- وإنَّما يقولاها سرًّا.
{(وَيَسْتَقْبِلُ بِبُطُونِهِمَا الْقِبْلَةَ إِلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ)}.
في حالة تكبيرة الإحرام يَرفع يديه مَضمومتي الأصابع ويجعل بُطونها إلى القبلة إلى حذو منكبيه.
{(ورفعهما إشارة إلى كشف الحجاب بينه وبين ربه)}.
الحكمة في رفع اليدين مع تكبيرة الإحرام: هي إشارة إلى رفع الحجاب بينه وبين ربه -سبحانه وتعالى- فهذا يدل شرف هذه التَّكبيرة ومكانتها عند الله -عز وجل.
{( كَمَا أَنَّ السَّبَّابَةَ إِشَارَةٌ إِلَى الْوَحْدَانِيَّةِ)}.
كما أنَّه يرفع أصبعه السبَّابة -أو السبَّاحة- في حالة التَّشهد إشارة إلى وحدانيَّة الله -سبحانه وتعالى.
{(ثُمَّ يَقْبِضُ كُوعَهُ الأَيْسَرَ بِكَفِّهِ الأَيْمَنِ)}.
(يَقْبِضُ كُوعَهُ الأَيْسَرَ) والكوع هو: مفصل الكفِّ من الذِّراع، وأمَّا ما يسميه الناس بالكوع الذي يجمع بين العضد والذِّارع فهذا لا يُسمى بالكوع، وإنَّما يُسمى بالمرفق، كما قال تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:6].
{(وَيَجْعَلُهُمَا تَحْتَ سُرَّتِهِ)}.
يقبضُ كفَّه الأيسر بكفِّه الأيمن، ويجعلهما تحت سرَّته أو تحت صدره، كلاهما وَرَدَ به الدَّليل، ولا يضعهما على صدره، فإنَّ هذا غير مشروع.
{(وَمَعْنَاهُ ذُلٌّ بَيْنَ يَدَي رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ)}.
ومعنى أن يقبض إحدى يديه بالأخرى ويجعلهما تحت سرَّته أو تحت صدره: أنَّه ذلُّ العبدِ بين يدي ربه -عز وجل.
{( وَيُسْتَحَبُّ نَظَرُهُ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ فِي كُلِّ حَالاتِ الصَّلاة )}.
المصلِّي لا ينظر يمينًا ولا شمالًا، ولا يُسرِّح طرفه، ولا يرفع بصره إلى السماء في الصَّلاة، وإنَّما ينظر إلى موضع سجوده، ففي كلِّ صلاته يكون نظره إلى موضع سجوده.
{(إِلاَّ فِي التَّشَهُّدِ فَيَنْظُرُ إِلَى سَبَّابَتِهِ)}.
إِلَّا إِذا جلس للتَّشهدِ فإنَّه ينظر إلى سبَّابته -التي هي الخِنصر- كما سبق أنَّه يرفعها إشارة إلى التَّوحيد وينظر إليها.
{(ثُمَّ يَسْتَفْتِحُ سِرًّا فَيَقُولُ: (سُبْحَانك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك)}.
ثمَّ بعد تكبيرة الإحرام يستفتح سرًّا ولا يجهر بذلك: يعني يقول: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرَكَ، أعوذ بالله من الشيطان الرَّجيم، بسم الله الرحمن الرحيم... ». هذا دعاء الاستفتاح، وهو مُستحب.
وهناك أدعية استفتاحٍ أخرى وردت، إذا أتى بواحدٍ منها كفى ذلك وقد أتى بالسُّنَّة، ولكن الأفضل والذي عليه العمل وما قال به أكثر العلماء هو: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ... ».
{(ومعنى (سُبْحَانك اللَّهُمَّ) أَيْ: أُنَزِّهُكَ التَّنْزِيهَ اللاَّئِقَ بِجَلالِكَ يَا اللهُ)}.
التَّسبيح: هو التَّنزيه، أي: أُنزِّهُكَ التَّنزيه اللائق بجلالك عَمَّا لا يَليق بك مِن النَّقائص والعيوب.
وقوله: (اللَّهُمَّ) أصله "يا الله" ثُمَّ حُذفت ياء النِّداء وعُوِّضَ عنها بالميم فصارت "اللهُمَّ".
{(وقوله: (وَبِحَمْدِك). قِيلَ: مَعْنَاه أَجْمَع لَكَ بَينَ الْتَّسْبِيحِ وَالْحَمْد)}.
وهذا من الثناء على الله -سبحانه وتعالى.
{(وَتَبَارَكَ اسمُك) أَي: الْبَرَكَة تُنَال بِذِكْرِك )
}.
فاسم الله -جلَّ وعلا- يُتبَرَّكُ به، وتُنال به البركة. والبركة: هي ثبوت الخير ودوامه.
ولفظة "تبارك" لا تُقال إِلَّا في حقِّ الله -سبحانه وتعالى- {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} [آل عمران:4]، {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الملك:1] {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:14].
لفظة "تبارك" لا تُقال إلا في حقِّ الله -سبحانه وتعالى- وما يقوله بعض العوام: "تبارك علينا يا فلان". فهذا لا يجوز؛ لأنَّ هذه اللفظة لا تُطلق إلا في حقِّ الله -سبحانه وتعالى.
{وقولهم يا شيخ هذه العبارة "تباركت علينا" أو ما شابهها. ما حكمه؟}.
لا يجوز أن يُقال للمخلوق: "تبارك علينا"، أو: "تباركتَ علينا". هذه خاصَّة لله -سبحانه وتعالى- أمَّا أن يُقال: "أنتَ مُبارك". فلا بأس بذلك.
{بعض العوام يُسمُّون أولادهم "تبارك" فما حكمه؟}.
لا يجوز أيضًا، ولكن يجوز أن يُسمي "مبارك".
{(وتَعَالى جَدُّكَ) أَيْ: جَلَّتْ عَظَمَتُك)}.
الجدُّ: هو العظمة. "تعالى جدُّك" أي: جلَّت عظمتك سبحانك.
{(ولا إِلهَ غيْرُكَ) أَيْ: لَا مَعْبُود فِيْ الأَرْضِ وَلَا فِيْ الْسَّمَاءِ بِحَقٍّ سُوَاكَ يَا الله)}.
هذا تفسير كلمة "لا إله غيرك" أي: لا معبود بحقٍّ سواك، وإلا فإنَّ المعبودات كثيرة، ولكن كلها باطلة، والله -جل وعلا- هو المعبود بحقٍّ.
و كلمة "لا إله غيرك" أو "لا إله إلا الله" كلمة عظيمة، فيها نفيٌّ وإثباتٌ، نفي الألوهيَّة عمَّا سوى الله، وإثباتها لله -سبحانه وتعالى.
واعلم أنَّه لا يجوز لك أن تقول "لا معبود إلا الله" أو "لا معبود إلا أنت"، هذا لا يصلح؛ لأنَّ المعبودات كثيرة وهي باطلة، إلا عبادة الله وحده لا شريك له، كما قال -جَلَّ وَعَلا: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الحج:62].
{( وَيَجُوز الاسْتِفْتَاح بِكُلِ مَا وَرَدَ)}.
هناك استفتاحات وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد جمعها شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة مستقلَّة، ولكن المشهور والأفضل هو: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ،...» إلى آخره. هذا في الفرائض، وأمَّا في قيام الليل فيأتي بالاستفتاحات الأخرى.
{(ثُمَّ يَتَعَوَّذُ سِرًّا فَيَقُولُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَكَيْفَمَا تَعَوَّذَ مِنَ الْوَارِدِ فَحَسَنٌ)}.
ثمَّ بعد الاستفتاح يقول: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. أي: ألتجئ إلى الله -جَلَّ وعلا- من الشيطان -الذي هو إبليس وأعوانه- أن يقيني من شرِّه ويكفيني أمره، ويُبعده عني؛ لأنَّ الشيطان يَحضر عندما يُريد العبدُ الصَّلاة ليُلبِّسَ عليه صلاته، فإذا قال: "أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ" أبعده الله عنه.
والشيطان: مَأخوذ من الشَّطنِ وهو البُعد، فالشيطان بَعيد عن رحمة الله -عز وجل.
والرَّجيم: بمعنى المرجوم، فالشيطان يُرجَم بذكر الله، ويُرجَم ويُبعَد بتوحيد الله -عز وجل.
{( ثم يبسمل سرً)}.
ثمَّ بعد الاستفتاح والاستعاذة يُبسمل: أي يقول: "بسم الله الرحمن الرحيم" قبل الفاتحة. وهذه البسملة آية مستقلَّة من القرآن، ليست من الفاتحة ولا مِن غيرها، وإنَّما هي آية مستقلَّة تُبدَأُ بها السُّور ما عدا براءة.
{(وَلَيْسَتْ مِنَ الْفَاتِحَةِ وَلا غَيْرِهَا، بَلْ آيَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ قَبْلَهَا وَبَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ سِوَى بَرَاءَةَ)}.
نعم "بسم الله الرحمن الرحيم" آية من القرآن مستقلَّة يُؤتى بها قبل السورة من القرآن، وهي ليست من سورة معيَّنة، وإنَّما هي آية مستقلَّة، إلا الفاتحة فقد اختلفوا فيها، هل هي آية من الفاتحة أو ليست آية من الفاتحة؟
الرَّاجح أنَّها آية مستقلَّة قبل الفاتحة أو غيرها من السُّوَر.
{(وَيُسَنُّ كِتَابَتُهَا أَوَائِلِ الْكُتُبِ)}.
يُسنُّ كتابة البسملة أوائل الكتب، سواء الكتب المؤَلَّفة أو الرسائل التي يتراسل النَّاس بها، كما كتبها سليمان -عليه السلام- في رسالته إلى بلقيس {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ* أَلاَّ تَعْلُواْ عَليَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل 30، 31]، فـ "بسم الله الرحمن الرحيم" بعض من هذه الآية، وأمَّا في غيرها من السور فهي آية مستقلة يُؤتى بها قبل السورة، إلا براءة -سورة التوبة- فهذه لا تُذكَر قبلها البسملة؛ لأنَّها لم تنزل قبلها.
{( كَمَا كَتَبَهَا سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَكَمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ، وَتُذْكَرُ فِي ابْتِدَاءِ جَمِيعِ الأَفْعَالِ)}.
لقوله صلى الله عليه وسلم: «كل أمرٍ لا يُبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر» وفي رواية «لا يُبدَأ فيه بالحمد لله»، والبداءة تكون حقيقيَّة وتكون إضافيَّة، وكلاهما مشروع.
{(وَهِيَ تَطْرُدُ الشَّيْطَانَ. قال أحمد: لا تكتب أمام الشعر ولا معه)}.
وهي تطرد الشيطان، يعني الحكمة من الإتيان بها أنَّها تطرد الشيطان عن القارئ، فلا يُلبِّسُ عليه قراءته، ولا يُلبِّسُ عليه صلاتَه.
{(قال أحمد: لا تكتب أمام الشعر ولا معه)}.
لا تُكتَب أمام الشِّعر؛ لأنَّ الشِّعر فيه الهجاء وفيه الكذب، وفيه ما فيه {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} [الشعراء224، 225]، لكنَّ الشِّعر الطَّيب لا بأس أن تُكتَب أمامه، كالمنظومات في العلوم الشَّرعيَّة.
والمراد بقول الإمام أحمد هو: الشِّعر الذي يجري بين الشُّعراء مِن الهجاء ومِن المدح الكاذب والأمور التي لا تَليقُ بأن تُذكَر معها البسملة.
شَكَرَ الله لكم فضيلة الشَّيخ، سوف نستكمل هذا الدَّرس في اللقاء القادم مِن كتاب: آداب المشي إلى الصَّلاة، وشكر الله لكم سماحة الشَّيخ صالح، وبارك الله فيكم وفي علمكم ونفع بكم المسلمين.
أشكر الإخوة والأخوات الذين يُتابعوننا، والذين رحَّبوا ببداية هذه الدروس لسماحة الشَّيخ صالح الفوزان، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك