الدرس الأول

معالي الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان

إحصائية السلسلة

4841 10
الدرس الأول

آداب المشي إلى الصلاة (1)

{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على قَائد الغرِّ الحجَّالين، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيَّها الإخوة والأخوات، إنَّ الصَّلاة هي ثاني أركان الإسلام، وأعظم الأركان العمليَّة، وهي خير الأعمال، وأول ما يُحاسب عليه العبدُ يومَ القيامةِ مِن عَمله؛ ولذا فقد وجب الاهتمام بها وبكل مَا يَتَعلق بهذا الركن العظيم.
ولهذا فقد كان العلماء يَستفتحون كتب الفقه والحديث وغيرها بأبواب الطَّهارة وما يتعلق بالصَّلاة، وممن كتب في الأمور المتعلقة بالصَّلاة شيخُ الإسلام المجدد الشَّيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- فقد كَتَبَ كتابًا نافعًا سمَّاه "آداب المشي إلى الصَّلاة"، وهو مِنَ الكتب النافعة في هذا الباب.
ومن أحسن الشروح في هذا الكتاب -كتاب المشي إلى الصَّلاة: شرح سماحة العلامة الشَّيخ صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله- عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، وهو شرح نافع، رفع الله ذكر الشَّيخ ورفع منزلته في الدارين وأجزل له المثوبة.
وشرحُ الشَّيخ صالح هو شرحٌ نافع مفيد قد نفع الله به خلقًا كثيرًا من القُراء، ومن هذا المنطلق ولأهمية هذا الكتاب في موضوعه، ولشدة محبة المسلمين للشيخ الفاضل الشَّيخ صالح الفوزان -حفظه الله- وكثرة دعاء الناس له، ورغبة منَّا في نفع الناس رأينا أن نُخصِّص هذه الحلقات وهذه الدروس التي تبدأ بتناول هذا الكتاب بالشَّرح والتَّبسيط، وذلك من خلال هذه الدروس التي ستأتيكم تباعًا بشرح الشَّيخ صالح الفوزان -حفظه الله.
أيَّها الإخوة والأخوات، إنَّ طلاب العلم والعامة بحاجة إلى مثل هذه الشروح البسيطة من سماحته، وهذه الدروس ستكون أسبوعية للمشاهد والمستمع.
وبالمناسبة نشكر الشَّيخ خالد الرميح الذي أعاننا على شرح هذا الكتاب، وأذن بقراءة هذا الكتاب على سماحة الشَّيخ صالح الفوزان.
لعلَّ لكم كلمة قبل أن نبدأ سماحة الشَّيخ صالح}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فإنَّ الشَّيخ المجدد الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- حريصٌ على ما ينفع المسملين، ويُبيِّنُ لهم أمور دينهم خصوصًا في العقيدة، ثم بعد العقيدة أركان الإسلام، وهي: الصَّلاة والزَّكاة والصِّيام والحج.
وقد اختار لهذا كتابًا مفيدًا سمَّاه "آداب المشي إلى الصَّلاة"، وهو مطبوعٌ ومتداولٌ بأيدي طلبةِ العلم، وقد كان مقررًا علينا في وقت دراستنا الابتدائية، بتقرير من الشَّيخ محمد بن مانع –رحمه الله- وكان مديرًا عامًّا للمعارف، فقرَّر هذا الكتاب في الفقه، وقَرَّر "ثلاثة الأصول" في التوحيد.
هذان الكتابان كانا مقرَّرين على الطلاب ويُختبرون فيهما، وكثير منهم حفظهما، وللعلماء اهتمامهم بأركان الإسلام الخمسة -فجزاهم الله خير الجزاء.
{قال المؤلف -رحمه الله تعالى: (باب آداب المشي إلى الصَّلاة)}.
"باب آداب المشي إلى الصَّلاة": يعني: كيف يمشي الإنسان إلى الصَّلاة، ويُقارب بين خُطاه؛ لأن خطواته تُكتب إلى الصَّلاة، فلذلك اختار الشَّيخ هذا العنوان، كتاب "آداب المشي إلى الصَّلاة".
(يُسَنُّ الْخُرُوجُ إِلَيْهَا مُتَطَهِّرًا بِخُشُوعٍ).
يُسنُّ الخروج إلى صلاة الجماعة (مُتَطَهِّرً)؛ يعني: متوضأً في بيته، وهذا هو الأفضل، ثم يخرج مُتطهرًا متيمنًا إقامة الصلاة مع الجماعة، وهذا فضل عظيم، وتُكتب خطواتُه ذهابًا وإيابًا كما قال الله -سبحانه وتعالى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ} [غافر: 82]، فالله -جل وعلا- يكتب آثار المؤمنين في مشيهم إلى الصَّلاة {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ} [يس: 12]، يعني: مشيهم إلى عبادة الله وإلى طاعة الله -عز وجل.
كان قومٌ من الصَّحابة بعيدة منازلهم عن المسجد النَّبوي، فأرادوا أن يُقرِّبوا منازلهم مِن المسجد النَّبوي، فعلم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار عليهم أن يبقوا في منازلهم حتى وإن كانت بعيدة عن المسجد النَّبوي، وقال لهم: «دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ»[1]، أي: الزموا مكانكم ودياركم تُكتب آثاركم منها إلى المسجد النَّبوي لأداء صلاة الجماعة.
(لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يُشَبِّكَنَّ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ»).
إذن هذا مِن آداب المشي إلى الصَّلاة؛ وهو أن يتطَّهر الإنسان في بيته -هذا أول شئ- ثم يخرج إلى الصَّلاة مع الجماعة في المسجد، ويُقارب بين خُطاه لتكثر خُطواته إلى المسجد.
ولا يُشبِّك بين أصابعه، كأن يُدخل بعض أصابع يديه في بعض؛ لأنه في صلاة، فمشيه إلى المسجد يُعتبر صلاة وله أجر المصلي.
(فَلَا يُشَبِّكَنَّ): دلَّ على أنه لا يجوز التشبيك بين الأصابع لمن ينتظر الصَّلاة، ومن باب أولى لا يُشبكُ بين أصابعه وهو في الصَّلاة، أمَّا إذا فرِغَ مِن الصَّلاة فلا مانع من أن يُشبِّك بين أصابعه، وقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. فإنه بعد الصَّلاة تنحَّى إلى مكان وشبَّك بين أصابعه[2] صلى الله عليه وسلم.
(وَأَنْ يَقُولَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ -وَلَوْ لِغَيْرِ الصَّلاة: «بِسْمِ اللَّهِ، آمَنْتُ بِاللَّهِ، اعْتَصَمْتُ بِاللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّه»).
هذه الكلمات العظيمة يقولها المسلم إذا خرج من بيته، سواءً خرج إلى الصَّلاة أو إلى غيرها من أعماله وهي: «بِسْمِ اللَّهِ، آمَنْتُ بِاللَّهِ، اعْتَصَمْتُ بِاللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّه». هذه كلمات عظيمة، فإذا قالها حين يخرج من بيته إلى صلاته أو إلى عمله فإنَّ لها أثر طيب على المسلم، فينبغي أن يلازمها كل مسلم يخرج مِن بيته إلى الصَّلاة أو إلى العمل. فيقول: «بِسْمِ اللَّهِ، آمَنْتُ بِاللَّهِ، اعْتَصَمْتُ بِاللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّه».
 («اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ»).
كذلك يقول: «اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ» أي: ألتجئُ إليك وأعتصمُ بك أن أضلَّ عن الحق وأضيعَ عن الحق، أو أنَّ أحدًا يضلني من دعاة الضلال.
«أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ»، يعني: أخطئ.
«أَوْ أُزَلَّ»، يعني: أُخطَّأُ عن طريق الصواب.
«أو أَظلِمَ أوْ أُظْلَم»، يعني: أو أظلم أحدًا أو يظلمني أحد، والظلم ظلمات يوم القيامة، ودعوة المظلوم مُستجابة يرفعها الله فوق الغمام ويقول: «وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ»[3]، فالمظلوم مُستجاب الدعوة ولو كان كافرًا، فلا يجوز الظلم بين الناس، وفي الحديث القدسي أنَّ الله -جلَّ وعلا- يقول: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُو»[4].
(«أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ»)
الجهل: ضد الحلم، فعندما يغضب الإنسان وينتقم ممن أغضبه؛ فالجهل لا يجوز هنا، ومَن أُسيئَ إليه فإنَّه يتحمَّل، فلو جهل عليك أحدٌ فلا تجهل عليه؛ بل تحلمُ عليه، خلافَ أهل الجاهلية الذين يقول قائلهم:
أَلاَ لاَ يَجْهَلَـنَّ أَحَـدٌ عَلَيْنَـا ** فَنَجْهَـلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِيْنَـا
(وَأَنْ يَمْشِيَ إِلَيْهَا بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ)
"أن يمشي إلى الصَّلاة بسكينة"، يعني: بهدوء وبخشوع وأدبٍ مع الله -سبحانه وتعالى.
"ووقار"، يعني: جلال، فيكون عليه جلال ومهابة؛ لأنه ذاهب إلى عبادة عظيمة.
(لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ الْإِقَامَةَ فَامْشُوا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةَ... »).
أي: إذا سمعتم الإقامة للصلاة فلا تعجلوا، فبعض الناس إِذا سمع الإقامة يعجل؛ بل عليه أن يتأنى.
«فَامْشُوا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةَ»، يعني: الهدوء والرفق.
«فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّو»، يعني: ما أدركتم مع الإمام فصلُّوا.
«وَمَا فَاتَكُمْ فَأتمُّوا -وفي رواية: اقْضُوا- وَأَنْ يُقَارِبَ بَيْنَ خُطَاهُ».
يُستحب أن يُقارب الماشي إلى الصَّلاة بين خطاه لتكثر الخطى فيعظم أجره؛ لأنَّ بكل خطوة يخطوها يُرفع له بها درجة ويُوضع بها عنه خطئية.
(وَيَقُولَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ وَبِحَقِّ مَمْشَايَ هذا، فَإِنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشَرًا وَلَا بَطَرًا وَلَا رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً»)
قوله: «أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ»: هذا توسل إلى الله -جل وعلا- بحق السَّائلين، وحق السائلين هو الإجابة -أنَّ الله يُجيب السائلين- قال الله -جل وعلا: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]، وليس على الله حق يجب عليه -سبحانه- ولكنَّه أوجبه على نفسه تكرمًا منه وتفضُّلًا، وإلا فإنَّ الله لا يجب عليه حق لأحد.
«خَرَجْتُ اتِّقَاءَ سَخَطِكَ، وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ»، يعني: خرجتُ من بيتي لا لشئٍ إلا اتِّقاء سخطك؛ ولأجل أن تقيني من سخطك وغضبك.
«وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ»، يعني: طلبًا لمرضاتك بأداء هذه الصَّلاة العظيمة.
«أَسْأَلُكَ أَنْ تُنْقِذَنِي مِنَ النَّارِ»، يعني: أسألك يا الله أن تنقذني -أي تنجيني- وتخرجني من النار التي هي -والعياذ بالله- أعدت للكافرين، والنار قد يدخلها المؤمن بذنوبه، ولكن لا يُخلَّد فيها، فيعذَّب بقدر ذنوبه ويخرج منها ويدخل الجنة.
«وَأَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي جميع»: كما قال الله -جل وعلا: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [الزمر53-54]، يعني توبوا.
«وَأَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي جميعا، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ»: إنَّه لا يَغفر الذنوب إلا أنت يا الله، فالله -جلَّ وعلا- يغفر الذنوب وإن كثرت برحمته -سبحانه وتعالى- فلا أحد يتكاثر ذنبه ويتعاظمه في جنب عفو الله؛ بل عليه أن يتوب إلى الله ويُحسن الظنَّ به -سبحانه وتعالى- {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53]، والله -جلَّ وعلا- يقول في الحديث القدسي: « يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا -يعني ملؤها- ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً»[5]، فالله يغفر للموحدين الذنوبَ وإن كانت كثيرة، وإن كانت تملأ الأرض، وهذا فيه فضل التوحيد وما يُكفِّر من الذنوب.
(وَيَقُولَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِى قَلْبِى نُورًا، وَفِى لِسَانِى نُورً»).
يدعو الله أن يُنوِّر قلبه بالإيمان ومعرفة الله -سبحانه وتعالى- وكذلك يتمدَّد النور على سائر حواسِّه وجسده.
«وَاجْعَلْ فِى بَصَرِى نُورًا، وَفِى سَمْعِى نُورًا، وَأَمَامِي نُورًا، وَخَلْفِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ شِمَالِي نُورًا، ومن وَفَوْقِى نُورًا، وَتَحْتِى نُورًا، اللَّهُمَّ أَعْطِنِى نُورًا، وَزِدْنِي نُورً».
يقول هذا الدعاء المبارك، فيسأل الله أن يُنوِّر قلبه بالإيمان ويُنوِّر طريقه من جميع الجهات، يُحيطه بالنور منه -سبحانه وتعالى- وهذا ليس ببعيد على الله -سبحانه وتعالى- فإنه يمنح هذا الفضل العظيم لمن دعاه مخلصًا له الدين، وهذا ما يُقال في المشي إلى المسجد.
فإذا دخل المسجد فإنَّه يُستحب له أن يُقدم رجله اليمنى ويقول:«بسم الله أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ»، ولو اقتصر على قوله: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ» كفى هذا، ولكن إذا أتى بهذه الألفاظ فهو أفضل وأتم.
«اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ». وَعِنْدَ خُرُوجِهِ يُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى»: أما عند الخروج من المسجد على العكس؛ يُقدِّم رجله اليسرى.
(وَيَقُولُ: «وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ»).
ويقول هذا الدعاء ويختمه بقوله «وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ»؛ لأنَّ الأسواق محل الفضل وهو الرزق، والمسجد محل الرحمة، ولذلك يقول عند دخوله: «وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ»، ويقول عند خروجه من المسجد «وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ»؛ لأنَّ الأسواق محل الرزق والفضل من الله -سبحانه وتعالى.
(وَإِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ فَلا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ).
قال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ»[6]، وتسميان بتحية المسجد، فهي مستحبَّة ولا ينبغي للإنسان أن يُفرِّط فيها، وإن كان بعض العلماء ذهب إلى وجوبها، لكن الجمهور على أنَّها مُستحبة، وهي مِن ذوات الأسباب، أي: يفعلها متى دخل المسجد حتى ولو كانت في وقت النهي.
(ويَشْتَغِلُ بِذِكْرِ اللهِ أَوْ يَسْكُتُ).
إذا جلس في المسجد فإنَّه يشتغل بذكر الله كتلاوة القرآن -وهو أعظم الذكر- أو بالاستغفار والتسبيح والتهليل، ولا يسكت؛ وإنما يشتغل بذكر الله -فهذا أفضل- وإن تعِبَ فلا بأسَ أن يسكت، المهمُّ أنه لا يخوض في أمور الدنيا وهو في المسجد، لا في البيع ولا في الشراء ولا في التَّأجير، ولا في أي شئ من أمور الدنيا ما دام في المسجد.
(وَلا يَخُوضُ فِي حَدِيثِ الدُّنْيَا، فَمَا دَامَ كَذَلِكَ فَهُوَ فِي صَلاةٍ، وَالمَلائِكَةُ تَسْتَغْفِرُ لَهُ مَا لَمْ يُؤْذِ أَوْ يُحْدِثْ).
ما دام على هذه الحالة وعلى هذا الذكر في المسجد، فلا يخوض في حديث الدنيا، ولا يتلاحى مع أحد؛ وإنما يلزم ذكر الله أو الصمت، فإنه لا يزال عليه من الله فضل وإحسان، والملائكة تَستغفر له، فدعوتها مجابة، فتطلب له المغفرة ما دام أنه جالس في المسجد ينتظر الصَّلاة ولا يؤذِ أحدًا ولا يخوض في حديث الدنيا؛ فإن آذى أحدًا بالكلام أو بالفعل فإنَّ الملائكة تُمسك عن الاستغفار له.
(أَوْ يُحْدِثْ)، يعني: ينتقض وضوءه.
شَكَرَ اللهُ لكم سماحة الشَّيخ صالح الفوزان على تفضلكم بشرح هذا الدرس في آداب المشي إلى الصَّلاة للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- شرح سماحة الشَّيخ صالح بن فوزان، جزاكم الله عنَّا وعن أمَّة الإسلام خير الجزاء، وبارك في علمكم.
تتجدد هذه الدروس في الحلقات القادمة -بإذن الله- والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
--------------------
[1] صحيح مسلم (665).
[2] صحيح البخاري (482) ولفظه: "صلَّى بنا رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إحدى صلاتي العشي - قال ابن سيرين : سماها أبو هُرَيرَة، ولكن نسيت أنا - قال : فصلَّى بنا ركعتين ثم سلم، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد، فاتكأ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه".
[3] الترغيب والترهيب (2: 111).
[4] صحيح مسلم (2577).
[5] سنن الترمذي (3540) وحسنه الألباني.
[6] البخاري

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك