الدرس التاسع
فضيلة الشيخ د. هيثم بن محمد جميل سرحان
إحصائية السلسلة
{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبا بكم طلاب وطالبات برنامج (جادة المتعلم) التابع لجمعية هداة، وبطلاب العلم جميعا في كل مكان.
هذه هي الحلقة الأخيرة في شرح الفرائض، وباسمي وباسمكم جميعا نرحب بفضيلة شيخنا/ هيثم بن محمد سرحان وفقه الله تعالى.
حياكم الله شيخنا}.
الله يبارك فيك، وجزاك الله كل خير.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ما في شيء اسمه الأخير يا شيخ، فطلب العلم من المهد إلى اللحد، ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ أي: إلى الموت. هل سمعت يومًا من الأيام أن طالب علم أو عالم قال: سأستقيل وأعتزل! هذا ما يمكن؛ لأن هذا علم، والعلم أمره لا ينتهي أبدا، فما يأتينا طالب ويقول: لقد انتهيت من علم! فهذا غير وارد.
ونقول: نعم هذا آخر درس، ولكنه هو بداية العلم وبداية التعلم، لذا لا تقل: الحلقة الأخيرة، ولكن لك أن تقول: هي الأخيرة في الترتيب، ولكنها هي البداية.
وهذا مهم لأن بعض الطلاب قد يقول: قد انتهيت من الدراسة وتراه يتوقف عن الدراسة، ومن فعل ذلك فقد ذهب العلم وانتهى من رأسه.
ولذا لابد من تزكية العلم ومراجعته وكتابته خاصة علم؛ لأن العلوم كلها ستفقد، بل إن القرآن سيفقد إذا ترك الناس العمل به، ولذا لزم العمل بالقرآن. ولذا ما ينبغي لطالب أن يقول انتهيت من دورة، بل نقول: اليوم بدأت الدورة الجديد، حيث بدأ العمل وبدأ التطبيق، وبدأت المراجعة والضبط.
وانظر إلى كبار العلماء -أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منهم- كالشيخ ابن باز -رحمه الله- في آخر درس في كتاب التوحيد، قال له الطلاب: لقد أتممنا ولله الحمد كتاب التوحيد فبماذا نبدأ؟ وهذا كقولك: "الحلقة الأخيرة"، فقال الشيخ: نبدأ بكتاب التوحيد! قالوا: لقد انتهينا منه، فقال: هذا الكتاب يحتاج أن يكرر عشرات المرات، وهذا هو العلم، ولهذا نقول لمن يختم القرآن: عليك أن لا تتوقف بل قم بالقراءة والمراجعة وتثبيت الحفظ وهكذا لا يتوقف أبداً، لأن العلم من المهد إلى اللحد، مع المحبرة إلى المقبرة، خير ونعمة من الله -سبحانه وتعالى-، ولذا نسأل الله أن يُثبتنا وأن يميتنا على التوحيد.
الآن وصلنا تقريباً إلى نصف الرحبية، وقد ذكر -رحمه الله- بعض المسائل المرجوحة، وكما قلنا: سنتركها حتى لا تشكل على الطلاب، ولربما في مستوى ثان ندرسها، كالجد مع الإخوة، وذلك حتى نعرف هذا المذهب، ونعرف كيفية الرد عليه. وسبق أن قلنا: إن الجد أب، وهذا بنص القرآن، وهذا ما أفتى به كبار العلماء، مثل الشيخ ابن باز والعثيمين، وهذا هو المعمول به.
ولا يمنع أن ندرس هذا في مستوى ثان، فنترك الآن كلامه عن المشركة، وقلنا إنها: مرجوحة، والجد والإخوة والأكدرية، الأكدرية يقول عنها الشيخ العثيمين -رحمه الله- إنها باطلة عقلا ونقلا، وكَدَّرت على زيد المذهب.
هل تعرف ما هو الكدر؟ أحيانًا بعض الناس يقول: أنا اليوم متكدر، مزاجي متغير، وكما جاء في الحديث «كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئًا» يعني: شيء متغير لا هو دم ولا هو طهر. كيف يقول: تعطها السدس، وبعدين النصف، ثم تعول، ثم تقاسم. قال الشيخ: لا عقلا ولا نقلا، اتركها ولا تكدر علينا، هداك الله.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَإِنْ تُرِدْ مَعْرِفَةَ الْحِسَابِ ... لِتَهْتَدِي فِيهِ إِلَى الصَّوَابِ)}.
الحساب لا يراد به الرياضيات أو الجبر أو الهندسة وكذا، والمراد أنه سيبين الحساب عند الفرضيين، كيف تحسب المسائل؟ كيف تصحح المسائل؟ أي أبين لك كيف تحسب، وتعطي كل وارث سهمه بدون كسر.
(وَإِنْ تُرِدْ مَعْرِفَةَ الْحِسَابِ ... لِتَهْتَدِي فِيهِ إِلَى الصَّوَابِ)
أي: الصواب في قسمة التركات.
{(وَتَعْرِفَ الْقِسْمَةَ وَالتَّفْصِيلَا ... وَتَعْلَمَ التَّصْحِيحَ وَالتَّأْصِيلَا
فَاسْتَخْرِجِ الْأُصُولَ فِي الْمَسَائِلِ ... وَلاَ تَكُنْ عَنْ حِفْظِهَا بِذَاهِلِ)}.
كما ترى هو يؤكد على حفظ الطالب.
{(فَإِنَّهُنَّ سَبْعَةٌ أُصُولُ ... ثَلَاثَةٌ مِنْهُنَّ قَدْ تَعُولُ)}
يبين أن أصول سبعة متفق عليها، وأصلان مختلف فيهما، الثمانية عشر، والستة والثلاثين اتركها، ما نريد أن نتكلم فيها، وهي في الجد والإخوة فاتركها.
عندنا سبعة أصول وهي: اثنان، ثلاثة، أربعة، ستة، ثمانية، اثنا عشر، أربع وعشرون" هذه تحفظ كما تحفظ اسمك.
{(فَإِنَّهُنَّ سَبْعَةٌ أُصُولُ ... ثَلَاثَةٌ مِنْهُنَّ قَدْ تَعُولُ)}
ستة، واثنا عشر، وأربع وعشرون.
{(وَبَعْدَهَا أَرْبَعَةٌ تَمَامُ ... لَا عَوْلَ يَعْرُوهَا وَلَا انْثِلَامُ)}
أي: ليس فيها عول.
{(فَالسُّدْسُ مِنْ سِتَةِ أَسْهُمٍ يُرَى ... وَالثُّلْثُ وَالرُّبْعُ مِنْ اثْنَيْ عَشَـرَا)}
يقول: مسألة فيها سدس من ستة.
وقوله: (وَالثُّلْثُ وَالرُّبْعُ مِنْ اثْنَيْ عَشَـرَا) أي: الثلث والربع من اثني عشر.
{(والثُّمْنُ إِنْ ضُمَّ إِلَيْهِ السُّدْسُ ... فَأَصْلُهُ الصَّادِقُ فِيهِ الْحَدْسُ)}
مسألة فيها ثمن وسدس من أربع وعشرين، قال: هذه ستة، واثنا عشر، وأربع وعشرون، هذه إن كثرت فروضها تعول، أي: تُفَرِّخ.
(فَأَصْلُهُ الصَّادِقُ فِيهِ الْحَدْسُ) الحدس يعني: الظن، أربعة يتبعها عشرون، يعرفها الحساب أجمعون، وأربعة وعشرون تعول إلى سبعة وعشرين، والستة تعول أربع مرات إلى: "السبعة، والثمانية، والتسعة عشر على التوالي، والاثني عشر ثلاث مرات على الإفراد، ثلاثة عشر، وخمسة عشر، وسبعة عشر.
{(أَرْبَعَةٌ يَتْبَعُهَا عِشْـرُونَا ... يَعْرِفُهَا الْحُسَّابُ أَجْمَعُونَا
فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْأُصُولُ ... إِنْ كَثُرَتْ فُرُوضُهَا تَعُولُ
فَتَبْلُغُ السِّتَّةُ عِقْدَ الْعَشَـرَهْ ... فِي صُورَةٍ مَعْروفَةٍ مُشْتَهِرَهْ)}.
قوله: (فَتَبْلُغُ السِّتَّةُ عِقْدَ الْعَشَـرَهْ) أي: تعول إلى السبعة، والثمانية، والتسعة، والعشرة.
قوله: (فِي صُورَةٍ مَعْروفَةٍ مُشْتَهِرَهْ) ما هي الصورة؟ الصورة هي: أم الفروخ، إذا وصلت لعشرة فرخت فرخت، إذا وصلت لعشرة.
{(وَتَلْحَقُ الَّتِي تَلِيهَا فِي الْأَثَرْ ... فِي الْعَوْلِ أَفْرَادًا إِلَى سَبْعَ عَشَـرْ)}.
من التي تليها؟ الاثنا عشر بالعول إفرادًا إلى سبع عشر، "ثلاثة عشر، وخمسة عشر، وسبعة عشر".
{(وَالْعَدَدُ الثَّالِثُ قَدْ يَعُولُ ... بِثُمْنِهِ فَاعْمَلْ بِمَا أَقُولُ)}.
أي: يعول بالثمن، فـ "أربع وعشرون" ثمنها يساوي "ثلاثة". ثلاثة + أربع وعشرين = سبعة وعشرين، هذا معنى قوله، أنَّ العدد الثالث يعول بثمنه، يعني يصير إلى سبعة وعشرين، وتسمى البخيلة. لماذا؟ لأنها وافقت الكرام وعالت مرة واحدة، فهي وافقت الكرام وعالت مرة واحدة، وهذا مصطلح عندهم.
{(وَالنِّصْفُ وَالْبَاقِي أَوِ النِّصْفَانِ ... أَصْلُهُمَا فِي حُكْمِهِمُ إِثْنَانِ)}.
(وَالنِّصْفُ وَالْبَاقِي أَوِ النِّصْفَانِ) من كم تكون المسألة؟ تكون من اثنين. أو نصف ونصف، زوج وأخت شقيقة؟ تكون من اثنين.
{(وَالثُّلْثُ مِنْ ثَلَاثَةٍ يَكُونُ ... وَالرُّبْعُ مِنْ أَرْبَعَةٍ مَسْنُونُ)}
مسألة فيها ثلث "أم، واب" فالأم تأخذ الثلث، والاب يأخذ الباقي.
"ثلاث إخوة لأم وعم شقيق" يأخذ الثلث، من ثلاثة.
(وَالرُّبْعُ مِنْ أَرْبَعَةٍ مَسْنُونُ) مثل: "زوجة وعم شقيق" من أربعة، وزوج وابن" من أربعة، واحد والباقي ثلاثة. يقول: المسألة من أربعة.
{(وَالثُّمْنُ إِنْ كَانَ فَمِنْ ثَمَانِيَهْ ... فَهَذِهِ هِيَ الْأُصُولُ الثَّانِيَهْ)}.
أي أصول؟ يقصد التي لا تعول، مثل: اثنين، وثلاثة، وأربعة، وثمانية، ما تعول.
{(لَا يَدْخُلُ الْعَوْلُ عَلَيْهَا فَاعْلَمِ ... ثُمَّ اسْلُكِ التَّصْحِيحَ فِيهَا وَاقْسِمِ)}
أي بعد أن تضع أصل المسألة والفروض وتحل، الآن صحح.
{(وَإِنْ تَكُنْ مِنْ أَصْلِهَا تَصِحُّ ... فَتَرْكُ تَطْوِيلِ الْحِسَابِ رِبْحُ)}
كأنه يقول لا تجعل المسألة تطول، فلو مسألة فيها نصف والباقي أو نصف ونصف لا، فلا تجعلها من ستة أو من ثمانية أو من اثني عشر أو من أربع عشرين، فترك تطويل الحساب ربح، وعليك بالاختصار.
{(فَأَعْطِ كُلًّا سَهْمَهُ مِنْ أَصْلِهَا ... مُكَمَّلًا أَوْ عَائِلًا مِنْ عَوْلِهَا)}.
إذا فيها عول.
{(وَإِنْ تَرَ السِّهَامَ لَيْسَتْ تَنْقِسِمْ ... عَلَى ذَوِي الْمِيرَاثِ فَاتْبَعْ مَا رُسِمْ)}
الآن بدأ في التصحيح، (وَإِنْ تَرَ السِّهَامَ لَيْسَتْ تَنْقِسِمْ) أي لا تنقسم على الرؤوس ماذا نصنع؟
{(وَإِنْ تَرَ السِّهَامَ لَيْسَتْ تَنْقِسِمْ ... عَلَى ذَوِي الْمِيرَاثِ فَاتْبَعْ مَا رُسِمْ)}.
أي: ارسم واضبط وانظر بين الرؤوس والسهام.
{(وَاطْلُبْ طَرِيقَ الِاخْتِصَارِ في الْعَمَلْ ... بِالْوَفْقِ وَالضَّـرْبِ يُجَانِبْكَ الزَّلَلْ)}.
أي أنك إذا فعلت ذلك لن تخطئ إن شاء الله.
{(وَارْدُدْ إِلَى الْوَفْقِ الَّذِي يُوَافِقُ ... وَاضْرِبْهُ فِي الْأَصْلِ فَأَنْتَ الْحَاذِقُ)}.
يقول: كنت حاذقا إذا ضربت وعرفت القاسم المشترك.
{(إِنْ كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَا ... فَاتْبَعْ سَبِيلَ الْحَقِّ وَاطْرَحِ الْمِرَا)}.
عندنا جنس واحد أو أجناس، محفوظ واحد أو أكثر.
(فَاتْبَعْ سَبِيلَ الْحَقِّ وَاطْرَحِ الْمِرَا) أي: لا تجادل ولا تناقش ولا تناقش وكن واضحًا، واترك الجدال البيزنطي، وكن مع الكتاب والسنة، والتمس رضا الله وإن سخط الناس. وهو يعطيك الآن أشياء مفيدة حتى وإن كانت فرائض لكن هذه مفيدة لك.
{(وَإِنْ تَرَ الْكَسْـرَ عَلَى أَجْنَاسِ ... فَإِنَّهَا فِي الْحُكْمِ عِنْدَ النَّاسِ)}.
(عند الناس) يعني: عند علماء الفرائض.
{(تُحْصَـرُ فِي أَرْبَعَةٍ أَقْسَامِ ... يَعْرِفُهَا الْمَاهِرُ فِي الْأَحْكَامِ)}.
من هو الماهر في الأحكام؟ هو الرحبي، يريد نفسه، ويصح أحيانا يصف المؤلف أشياء في كتابه، فيقول مثلا: أما بعد فهذا الكتاب انتقيت ووضعت فيه ما صَحَّ عن النبي ﷺ، وهذا ليس من المدح، بل لابد أن يبين ذلك، ولذا قال: (يَعْرِفُهَا الْمَاهِرُ فِي الْأَحْكَامِ) يعني: هو ومن كان على شاكلته.
{(مُمَاثِلٌ مِنْ بَعْدِهِ مُنَاسِبُ ... وَبَعْدَهُ الْمُوافِقُ الْمُصَاحِبُ)}.
(مماثل) يعني: ثلاثة وثلاثة، (ومناسب) ثلاثة وستة، (وموافق) ستة وتسعة بينهما قاسم مشترك، اقسم على أحدهما واضرب في كامل الآخر = ثمانية عشر.
(أو مباين) اثنان وثلاثة بينهما لا شيء، اضربهم = ستة.
{(وَالرَّابعُ الْمُبَايِنُ الْمُخَالِفُ ... يُنْبِيكَ عْنْ تَفْصِيلِهِنَّ الْعَارِفُ)}.
من هو العارف؟ يريد: نفسه، ومن ينبيك؟ يريد نفسه رحمه الله.
{(فَخُذْ مِنَ الْمُمَاثِلَيْنِ وَاحِدَا ... وَخُذْ مِنَ الْمُنَاسِبَيْنِ الزَّائِدَا)}.
(فَخُذْ مِنَ الْمُمَاثِلَيْنِ وَاحِدَا) أي: ثلاثة وثلاثة خذ واحدًا منهما واضربه في أصل المسألة.
(وَخُذْ مِنَ الْمُنَاسِبَيْنِ الزَّائِدَا) أي: ستة واثني عشر وأربع وعشرين، خذ الأربع والعشرين؛ لأنها أكبر شيء.
{(وَاضْرِبْ جَمِيعَ الْوَفْقِ فِي الْمُوَافِقِ ... وَاسْلُكْ بِذَاكَ أَنْهَجَ الطَّرَائِقِ
وَخُذْ جَمِيعَ الْعَدَدِ الْمُبَايِنِ ... وَاضْرِبْهُ فِي الثَّانِي وَلَا تُدَاهِنِ)}.
لا تداهن لأن هذا دين الله سبحانه وتعالى، بل اعمل ما يرضي الله تعالى.
{(فَذَاكَ جُزْءُ السَّهْمِ فَاحْفَظَنْهُ ... وَاحْذَرْ هُدِيتَ أَنْ تَضِلَّ عَنْهُ
وَاضْرِبْهُ فِي الْأَصْلِ الَّذِي تَأَصَّلَا ... وَأَحْصِ مَا انْضَمَّ وَمَا تَحَصَّلَا
وَاقْسِمْهُ فَالْقَسْمُ إِذًا صَحِيحُ ... يَعْرِفُهُ الْأَعْجَمُ والْفَصِيحُ)}.
يعني الناتج تقسمه على الرؤوس، فإذا انقسم فالحل صحيح.
{(وَاقْسِمْهُ فَالْقَسْمُ إِذًا صَحِيحُ ... يَعْرِفُهُ الْأَعْجَمُ والْفَصِيحُ)}.
أي: ليس عندنا عربي وغير عربي، ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.
{(فَهَذِهِ مِنَ الْحِسَابِ جُمَلُ ... يَأْتِي عَلَى مِثَالِهِنَّ الْعَمَلُ
مِنْ غَيْرِ تَطْوِيلٍ وَلَا اعْتِسَافِ ... فَاقْنَعْ بَمَا بُيِّنَ فَهْوَ كَافِ)}.
وكأنه يقول: عليك أن تقتنع بما بين هنا في الحساب واكتف به، ولا تطول على نفسك.
{(وَإِنْ يَمُتْ آخَرُ قَبْلَ الْقِسْمَهْ ... فَصَحِّحِ الْحِسَاب وَاعْرِفْ سَهْمَهْ)}.
أي: إذا مات آخر قبل قسمة تركة الأول (فَصَحِّحِ الْحِسَاب وَاعْرِفْ سَهْمَهْ)، قلنا: تضع (ت) كم سهم وكم المسألة، وتنظر بين سهام الميت هذا ومسألته، فإذا كان بينهما قاسم مشترك فتقسم على هذا وتضع على هذا.
وإذا لم يكن بينهما شيء تضع هذا هنا وهذا هنا، وتضرب اليمين وكل شيء في الذي فوقه.
{(وَاجْعَلْ لَهُ مَسْأَلَةً أُخْرَى كَمَا ... قَدْ بُيِّنَ التَّفْصِيلُ فِيمَا قُدِّمَا)}.
تجعله مسألة ثانية ولكنها متصلة مع المسألة الأولى.
{(وَإِنْ تَكُنْ لَيْسَتْ عَلَيْهَا تَنْقَسِمْ ... فَارْجِعْ إِلَى الْوَفْقِ بِهذَا قَدْ حُكِمْ)}.
إذا لم يكن بينهما قاسم مشترك فتضع هذا هنا وهذا هنا وتضرب.
{(وَانْظُرْ فَإِنْ وَافَقَتِ السِّهَامَا ... فَخُذْ هُدِيتَ وَفْقَهَا تَمَامَا
وَاضْرِبْهُ أَوْ جَمِيعَهَا فِي السَّابِقَهْ ... إِنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَهْ)}.
(في السابقة) التي على اليمين.
{(وَكُلُّ سِهْمٍ فِي جَمِيعِ الثَّانِيَهْ ... يُضْـرَبُ أَوْ فِي وَفْقَهَا عَلَانِيَهْ)}.
(وَكُلُّ سِهْمٍ فِي جَمِيعِ الثَّانِيَهْ) أي: اضرب كل سهم في الذي فوقه.
{(وَأَسْهُمُ الْأُخْرَى فَفِي السِّهَامِ ... تُضْـرَبُ أَوْ فِي وَفْقِهَا تَمَامِ
فَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُنَاسَخَهْ ... فَارْقَ بِهَا رُتْبَةَ فَضْلٍ شَامِخَهْ)}.
كأنه يقول: لقد ارتقيت ودخلت المناسخات، والآن يمكنك كتابة صكوك وتركات، وعشرين ميت أو أربعين ميت، وتقسم تركات، وكأنه يقول: وعليك أن تشكر الله ولا تتكبر.
{(فَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُنَاسَخَهْ ... فَارْقَ بِهَا رُتْبَةَ فَضْلٍ شَامِخَهْ)}.
نسأل الله من فضله.
والآن سيبدأ في المسائل النادرة الوقوع، ماذا نصنع فيها.
{(وَإِنْ يَكُنْ فِي مُسْتَحِقِّ الْمَالِ ... خُنْثَى صِحِيحٌ بَيِّنُ الْإِشْكَالِ)}.
(خُنْثَى صِحِيحٌ بَيِّنُ الْإِشْكَالِ) أي واضح الإشكال وما استطعنا، وقلنا: الشيخ العثيمين -رحمه الله- يقول: في هذا الزمن الأطباء يحددون.
{(فَاقْسِمْ عَلَى الْأَقَلِّ وَالْيَقِينِ ... تَحْظَ بِحَقِّ الْقِسْمَةِ الْمُبِينِ)}.
طب متى؟ يمكن أن يكون عمره ستين سنة، ما يتضح حاله، وهو يتضح أذكر هو أم أنثى، فنعطه نصف ذكر ونصف أنثى. إلى متى ننتظر؟
{(وَاحْكُمْ عَلَى الْمَفْقُودِ حُكْمَ الْخُنْثَى ... إِنْ ذَكَرًا يَكُونُ أَوْ هُو أُنْثَى)}.
(وَاحْكُمْ عَلَى الْمَفْقُودِ حُكْمَ الْخُنْثَى) قلنا: نحن لا نحكم على المفقود، بل يحكم على ذلك القاضي، ويحدد لنا أحيٌّ هو أو ميت؟ فإذا حكم بموته نقسم التركة، وإلا نوقف حتى يتضح الحال، وإذا أصر الورثة نقسم على الأقل، على الأضر.
{(وَهكَذَا حُكْمُ ذَوَاتِ الْحَمْلِ ... فَابْنِ عَلَى الْيَقِينِ وَالْأَقَلِّ)}.
قلنا: نحن سنبني على الأقل.
ثم سيبدأ الآن في الغرقى والهدمى والمحروقين، وهي عكس المناسخات، ما علمنا المتقدم من المتأخر، قال: لا تورث هذا من هذا وعدهم كأنهم أجانب.
{(وَإِنْ يَمْتْ قَوْمٌ بِهَدْمٍ أَوْ غَرَقْ ... أَوْ حَادِثٍ عَمَّ الْجَمِيعَ كَالْحَرَقْ)}.
الهدم -نسأل الله السلامة والعافية- كأن يأتي زلزال، ولا ندري من مات قبل الآخر.
(أو غرق) تغرق السفينة مثلا -نسأل الله السلامة والعافية.
(أَوْ حَادِثٍ عَمَّ الْجَمِيعَ كَالْحَرَقْ) إما حادث مروري أو حريق حصل في المنزل -نسأل الله العفو والعافية- وماتوا جميعًا، وما علمنا المتقدم من التأخر. فإذا علمنا إذا لابد من المناسخات.
{(وَلَمْ يَكُنْ يُعْلَمُ حَالُ السَّابِقِ ... فَلَا تُوَرِّثْ زَاهِقًا مِنْ زَاهِقِ)}.
يعني: لا تورِّث هذا الميت من هذا الميت؛ لأننا ما علمنا حياة هذا بعد هذا.
{(وَعُدَّهُمْ كَأَنَّهُمْ أَجَانِبُ ... فَهَكَذَا الْقَوْلُ السَّدِيدُ الْصَّائِبُ)}.
هذا هو القول السديد الصائب عنده، وعندنا مشينا على هذا.
{(وَقَدْ أَتَى الْقَوْلُ عَلَى مَا شِئْنَا ... مِنْ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ إِذْ بَيَّنَّا)}.
يعني: على ما أردنا أن نبين الميراث، والتركات، والتقسيم، والفروض، وأصول المسائل، والعصبات، والحجب، والجد والإخوة، والمسائل النادرة، والمسائل كذا.
قال: (وَقَدْ أَتَى الْقَوْلُ عَلَى مَا شِئْنَا) هذا يقوله الرحبي مع أن الرحبية ينافسها نظم يسمى البرهانية، الرحبية والبرهانية على مذهب الإمام الشافعي -رحمه الله-، ولكن البرهانية كما يقول الشيخ العثيمين -رحمه الله- فاقة الرحبية في الاختصار، وذكر البرهاني أشياء لم يذكرها الرحبي، مع أن أبياتها أقل لكنها أكثر فوائد، ولكن -سبحان الله- لقد وضع لهذه الرحبية القبول أكثر من البرهانية، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
في بعض الكتب يا شيخ أُلفت ووضع الله -سبحانه وتعالى- لها القبول في الأرض، كما نجد الآن مثلا أنَّ أكثر كتاب طبع بعد كتاب الله، هو كتاب "رياض الصالحين".
الإمام الذهبي -رحمه الله- له مؤلفات كثيرة ومعروفة، يقول: ليتني أعرف السر الذي بين النووي وبين الله، هذا من يقوله؟ الذهبي، والذهبي عنده مؤلفات عظيمة.
والشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في أول شرحه لرياض الصالحين، قال: أتمنى أن يكون عندي كتاب مثل هذا الكتاب، هذا يقوله بن عثيمين -رحمه الله-.
هناك كتب وضع الله -سبحانه وتعالى- لها القبول في الأرض، والشيخ ابن عثيمين صنع مقارنة بين الرحبية والبرهانية، والشيخ كان يحب البرهانية؛ لأنها أقل في أبياتها وأكثر في فوائدها، فأكثر فيها ذكر أشياء لم تذكر في الرحبية، ولكن الله -سبحانه وتعالى- وضع القبول لهذه.
وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن ييسر في المستوى الثاني أو كذا أن نقرأ البرهانية -بإذن الله تعالى-، ولا إشكال أن يأتي مثلاً واحد من الحنابلة ويحفظ الرحبية، لا يوجد إشكال؛ لأنه لا يوجد خلاف كثير. ولو رجعنا للحقيقة الإمام أحمد -رحمه الله- كان الشافعي من مشايخه، فلا إشكال ولا تعصب ولا تقليد أعمى، ولا يعني مثلاً أننا رجحنا بعض المسائل، لا يعني أن يأتي بعض العلماء ويقول: هذه المسألة مرجوحة، هذا حديث ضعيف، هذا حديث صحيح، ما في إشكال في هذه المسائل، يعني: بعض الدول مثلاً يعملوا بالجد والإخوة، فما عندنا إشكال في هذا إذا كانوا يعتقدون أن هذا هو الراجح والصواب.
{(وَقَدْ أَتَى الْقَوْلُ عَلَى مَا شِئْنَا ... مِنْ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ إِذْ بَيَّنَّا)}.
أي يقول: لقد بينت لك الآن، ومررت بك على بعض المسائل التي أراها مهمة لك، وتركت بعض المسائل عمدًا؛ لأنني أرى أن هذا المستوى الأول لا تذكر لك.
{(عَلَى طَرِيقِ الرَّمْزِ وَالْإِشَارَهْ ... مُلَخَّصًا بأَوْجَزِ الْعِبَارَهْ)}.
يقول: الآن اختصرنا، وأحياناً بعض الرموز وبعض الإشارات، لكن عبارة موجزة واضحة بينة.
{(فَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى التَّمَامِ ... حَمْدًا كَثِيرًا تَمَّ فِي الدَّوَامِ)}.
حمد الله في الأول؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- قد وضعه في هذا الموضع، ووضعه في منزلة ورثة الأنبياء، وحمد الله -سبحانه وتعالى- في الآخر على إتمام هذا.
البخاري -رحمه الله- ختم الصحيح بأي حديث؟ حديث «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ علَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ في المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إلى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ»، فقد ختم بالحمد، ولم يستطع أن يدخل شيئًا من كلامه، فجاء بحديث في الحمد، وكأنه يحمد الله -سبحانه وتعالى- على الإتمام، وهذا من فقه البخاري -رحمه الله- أنه حمد الله على إتمام هذا الكتاب.
وهنا قال: (فَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى التَّمَامِ) على أنَّ الله أتمَّ علينا النعمة، على الرحبي وعلينا أن أتممنا المستوى الأول.
(حَمْدًا كَثِيرًا تَمَّ فِي الدَّوَامِ)، فدائمًا نحمد الله أولا وآخرا.
{(أَسْأَلُهُ الْعَفْوَ عَنِ التَّقْصِيرِ ... وَخَيْرَ مَا نَأْمُلُ فِي الْمَصِيرِ)}.
يقول: نسأل الله أن يعفو عن تقصيرنا، هذا يقوله: الرحبي -رحمه الله-، وكذلك نحن سواء كانت تقصيرنا في الدرس، أو في توضيح وبيان شيء، فيرجع الطلاب مثلا إلى هذا المسجل الذي سجلناه، أو الكتاب، يرجع مرة أو اثنتين أو ثلاثة، وإن شاء الله تتضح المسائل.
ولذا فعلى الطالب أن يرجع للأمثلة المحلولة ويقوم بحلها مرة ثانية وثالثة، ويرجع إلى التمارين فيقوم بحلها مرة ومرتين وثلاثة، وممكن أن يجد التصحيح الآن في المواقع، يجد تصحيح هذه المسائل، ولا يعتمد على تصحيح أي أحد؛ لأنه ممكن هو يعتقد أن المسألة صحيحة أو يصحح لها أحد الطلاب وتكون خطأ، ولذا لابد أن يرجع إلى التصحيح المعتمد، ولا يرجع إلى أي تصحيح، فهذه مشكلة، ممكن يرى هو أن المسألة صحيحة وقد تكون خطأ، ولذا لابد أن يرجع إلى إنسان يصحح معتمد أو يرجع إلى الموقع.
{(أَسْأَلُهُ الْعَفْوَ عَنِ التَّقْصِيرِ ... وَخَيْرَ مَا نَأْمُلُ فِي الْمَصِيرِ
وَغَفْرَ مَا كَانَ مِنَ الذُّنُوب ... وَسَتْرَ مَا شَانَ مِنَ الْعُيُوب)}.
يقول: إنه ما من أحج إلا وله خطأ وتقصير، وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يستر عيوبنا وأن يغفر لنا وله.
{(وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ ... عَلَى النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى الْكَرِيمِ)}.
كما صلى في الأول على النبي ﷺ، صلى في آخر الكتاب؛ لأن النبي ﷺ قد جعله الله -سبحانه وتعالى- سببًا لكل خير يلحق بهذه الأمة.
{(مُحَمَّدٍ خَيْرِ الْأَنَامِ الْعَاقِبِ ... وَآلِهِ الْغُرِّ ذَوِي الْمَنَاقِبِ)}.
آل النبي ﷺ إذا أطلقت فيكون المراد بهم: أتباع النبي ﷺ على دينه.
{(وَصَحْبِهِ الْأَمَاجِدِ الْأَبْرَارِ ... الصَّفْوَةِ الْأَكَابِرِ الْأَخْيَارِ)}.
أصحاب النبي ﷺ رضوان الله عليهم.
{هناك يا شيخ تكملة للشيخ/ عبد الله بن صالحٍ الخُليفيِّ النَّجديِّ الحنبليِّ -رحمه الله تعالى- للرحبية}.
قلنا: إن الكتب والمنظومات أحيانا تجد فيها نقص أو خلل أو عيب، ومن فقه علماء السنة عندما يأتي يشرح كتابا ما يقول هذا خطأ، أو هذا النظم لا يصح، أو هذا فيه حديث ضعيف كما ذكر عندنا في الأول.
بل من الأدب أن ترد ردًا لطيفًا، فيأتي مثلا هذا الشيخ ويكمل الرحبية، وهذا يجعل البركة في العلم.
أولا: الأدب أنه ما يتكلم، عندما يشرح كتابا ما يتكلم عن مؤلفه، يقول: كذا قال، هذه المسألة فيها نظر، هذه المسألة ليست مسلمة للمصنف، ولا يقول: هذا خالف الكتاب والسنة، وجاء بأحاديث ضعيفة، وهذا لا يخلو منه كتاب.
فأنت عندما تشرح قد نرى ضعف الحديث، وبعد فترة تطبع بعض المخطوطات ويخرج الحديث أنه صحيح، ولذا عليك أن تتأدب وأن تتلطف في الرد.
الثاني هذا الذي قلته الآن، فهؤلاء علماء سبقونا بالعلم، وألفوا وصنفوا، فإذا أتيت أنت لتكتب وتصنف فما تلغي علم من تقدم.
الآن أذكر لك مثالا: مثال هذا الآن الرحبية أو البرهانية، هؤلاء علماء تقدموا وألفوا قبلك، فإذا أتيت فلا تقم بإلغاء هذه المنظومات، تشرحها يضع الله في علمك البركة.
الآن ابن عثيمين -رحمه الله- كان يستطيع أن يصنع أحسن من الأصول الثلاثة، صح أو لا؟ أي نعم؛ لأنه اطلع عليها وشرحها وكذا، ولكنه ما استطاع أن يلغيها، فدرسها ووضع الله في علمه البركة.
كان يستطيع أن يؤلف أحسن من الواسطية مثلاً، ولكنه رأى أن هؤلاء سبقوا بالعلم، فسار على هذه الطريقة، وهذه طريقة العلماء الربانين، أنهم اعترفوا لهؤلاء بالفضل والعلم، وشرحوا هذه المنظومات، وردوا على المواضع بأدب، ووضع الله في علمهم البركة.
لكن أنك تلغي علم الأولين فهذه مشكلة، بل اعترف لهم بالفضل.
يقال والله أعلم: تعرف الشناقطة هؤلاء لهم أحياناً بعض الأشياء الجميلة، يقال والله أعلم: أن ابن مالك صاحب الألفية كتب في أول الألفية فائقة ألفية ابن معطي، فابن معطي الزواوي ألف ألفية قبل ابن مالك ومات، وجاء ابن مالك -رحمه الله- ألف الألفية، فكتب في أول الألفية: فائقة ألفية ابن معطي ومات، مات ابن معطي، ابن مالك كتب فائقة ألفية ابن معطي إلى هنا فقط.
وجاء لابن مالك في المنام ابن معطي وقال: يا ابن مالك
فائقة ألفية ابن معطي ... والحي خير من ألف ميت
قال تتحداني وأنا ميت، أنت حي وأنا ميت، تقول: فائقة ألفية ابن معطي، يعني: ما يصح هذا، فاستيقظ ابن مالك وكتب وقال:
...................... ... فائقةً ألفيةَ ابن معـــــــــــــــط
وهو بسبقٍ حائزٌ تفضيلا ... مستوجبٌ ثنائيَ الجميلا
والله يقضي بهبات وافره ... لي وله في درجات الآخره
فهؤلاء العلماء -علماء السلف- على هذه الطريقة، يضع الله في علمهم البركة.
{أحسن الله إليكم.
هذه تكملة الشيخ/ عبد الله بن صالحٍ الخُليفيِّ النَّجديِّ الحنبليِّ -رحمه الله تعالى- قال:
{(إِنْ أَبْقَتِ الْفُرُوضُ بَعْضَ التَّرِكَهْ ... وَلَيْسَ ثَمَّ عَاصِبٌ قَدْ مَلَكَهْ)}.
كأنه يقول: سأكمل ما تركه الرحبي، وما تكلم عليه بكلمة، فقال: (إِنْ أَبْقَتِ الْفُرُوضُ بَعْضَ التَّرِكَهْ ... وَلَيْسَ ثَمَّ عَاصِبٌ قَدْ مَلَكَه) أي: ليس عندنا عاصب وبقي شيء في التركة – لم تستغرق الفروض، ولا يوجد عاصب ولا يرد على أحد الزوجين، هذه شروط الرد.
{(فَرَدُّهُ لِمَنْ سِوَى الزَّوْجَيْنِ ... مِنْ كُلِّ ذِي فَرْضٍ بِغَيْرِ مَيْنِ)}.
ذكر الشروط الثلاثة الآن، ما استغرقت الفروض أصل المسألة، ولا يوجد عاصب، ولا يرد على أحد الزوجين، فهذه ثلاثة شروط.
(مِنْ كُلِّ ذِي فَرْضٍ بِغَيْرِ مَيْنِ) يعني ما تزيد واحدا هن الآخر، بل اجمع وضع خطًا كما كنا نصنع في العول.
{(وَأَعْطِهِمْ مِنْ عَدَدِ السِّهَامِ ... مِنْ أَصْلِ سِتَّةٍ عَلَى الدَّوَامِ)}.
يقول: دائما تكون من ستة، فمسائل الرد -هذا إذا كان فيها أكثر من صاحب فرض-، ولكن إذا كانوا صنفًا واحدًا من عدد الرؤوس، مثل: خمسة أخوات لأم: من خمسة، وهذا إذا دون الزوجين، وإذا مع أحد الزوجين صنف واحد من مخرج الزوجية، وإذا كانوا أكثر من صنف مسألتين، مسألة للزوجية ومسألة ثانية، ثم تجمع بينهما كما صنعنا في المناسخات.
{(إِنْ تَخْتَلِفْ أَجْنَاسُهُمْ وَإِلَّا ... فَأَصْلُهُمْ مِنْ رُوسِهِمْ تَجَلَّى)}.
(من رؤوسهم) هذا إذا كانوا أكثر من صنف من ستة، وإذا كانوا من صنف واحد من رؤوسهم تَجَلَّى من عدد الرؤوس.
{(وَاجْعَلْ لَهُمْ مَعْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ ... عَلَى انْفَرَادٍ ذَا وَذَا أَصْلَيْنِ)}.
(أصلين) مسألتين وتجمع بينهما كالمناسخة.
{(وَاسْتَعْمِلَنَّ الضَّـرْبَ وَالتَّصْحِيحَ إِنْ ... تَحْتَاجُهُ كَمَا عَهِدْتَ مِنْ سَنَنْ)}.
تقدم هذا.
{(إِنْ لَمْ يَكُنْ ذُو فَرْضٍ اوْ مُعَصِّبُ ... فَاخْصُصْ ذَوِي الْأَرْحَامِ حُكْمًا أَوْجَبُوا)}.
الآن دخل في موضوع جديد، وهو ميراث ذوي الأرحام، والسؤال؟ متى يرث ذوي الأرحام؟ يرث ذوي الأرحام إذا لم نجد أحدًا من الوارثين أو الوارثات عدى الزوجين، فماذا نصنع؟
قال: نورثهم.
{(نَزِّلْهُمُ مَكَانَ مَنْ أَدْلَوْا بِهِ ... إِرْثًا وَحَجْبًا هَكَذَا قَالُوا بِهِ)}.
على مذهب التنزيل، كيف ننزل؟ تضع أصبعك، فمثلا لو كانت "بنت بنت" تضع أصبعك على الأولى فتصير بنت.
وإذا كانت "بنت بنت ابن" صارت "بنت ابن"، إذا كان "ابن ابن بنت" صار "ابن بنت" ثم تنزل مرة ثانية فتكون "بنت".
الأخوال والخالات "أم"، والعمات مطلقًا سواء كانت شقيقة أو لأب أو لأم، والعم لأم ينزل منزلة الأب، وتصير المسألة سهلة، واصنع جدول التنزيل.
{(نَزِّلْهُمُ مَكَانَ مَنْ أَدْلَوْا بِهِ ... إِرْثًا وَحَجْبًا هَكَذَا قَالُوا بِهِ)}.
(إرثاً وحجباً) مثلا "بنت أخ شقيق، وبنت أخ لأب" صارت المسألة "أخ شقيق، وأخ لأب" من يرث؟ بنت أخ شقيق هي التي ترث كل المال، بينما بنت أخ لأب ليس لها شيء.
(إرثاً) بنت أخت شقيقة، وبنت أخت لأب، النصف والسدس، والمسألة كانت من ستة، ورجعناها إلى أربعة.
{(كَبِنْتِ بِنْتٍ حَجَبَتْ بِنْتَ ابْنِ أُمْ ... وَعَمَّةٍ قَدْ حَجَبَتْ بِنْتًا لِعَمْ)}.
يقول: (بنت بنت) نزلت (بنت) (حجبت بنت ابن أم) بنت ابن أم، فابن الأم أخ لأم، بنت أخ لأم، وبنت بنت، هذه بنت وأخ لأم، فالبنت ترث، وأخ لأم لا يرث.
(وَعَمَّةٍ قَدْ حَجَبَتْ بِنْتًا لِعَمْ) عمة نزلت لأب، والثاني: "بنت عم شقيق" صار عندنا "أب وعم شقيق"، فمن يرث؟ يرث الأب.
{(لَكِنَّمَا الذُّكُورُ فِي الْمِيرَاثِ ... عِنْدَ اسْتِوَاءِ الْجِنْسِ كَالْإِنَاثِ)}.
هذا قول أن الذكر كالأنثى؛ لأنهم ذوي الأرحام، وعلى الصحيح نعطي الذكر مثل حظ الأنثيين، مثاله: "بنت أخت شقيقة"، "وبنت أخ شقيق" نزل إلى "أخ شقيق"، "أخت شقيقة"، فنعطي الذكر مثل حظ الأنثيين.
بينما هو يقول: يستويان؛ لأنه جاء عن طريق أنثى، مثل: الإخوة لأم.
{(فَاقْبَلْ هُدِيتَ مِنِّي هَذَا النَّظْمَا ... وَاحْفَظْ وَقُلْ: يَا رَبِّ زِدْنِي عِلْمَا)}.
(وَقُلْ: يَا رَبِّ زِدْنِي عِلْمَا) لأن الله -سبحانه وتعالى- لم يأمر النبي ﷺ بأن يستزيد من شيء إلا من العلم، إذن العلم لابد دائما أن يزكى، وائما يراجع، ودائمًا تكتب، ودائمًا تحفظ، فالعلم يمكنك تحصيله في أسبوع أو أسبوعين، ولكن لابد من الممارسة، لابد من المذاكرة، لابد من كتابة التمارين.
طيب يا شيخ، ماذا نصنع الآن؟
أول شيء أن تتبع ما اتفقنا عليه، فتعود من البداية، وتقرأ الأمور الواجبة عند الوفاة، أسباب الإرث، موانع الإرث، والفروض المقدرة تحفظها مثل اسمك، وكل ما تأتي عند مسألة ما في إشكال، الآن في حالة التعلم تأتي للمسألة وتنظر: زوج، فترجع للجدول الذي جمعنا فيه كل الوارثين وما لهم.
تقول: الزوج يأخذ النصف عند عدم الفرع الوارث، هل في المسألة فرع وارث؟ الفرع الوارث: "ابن"، ما في ابن، هل في بنت؟ لا ما في بنت، هل في ابن ابن؟ هل توجد "بنت ابن"، لا. ما في.
إذن تعطيه النصف، تسير على هذا ولا تتعجل، ولا تستعمل العاطفة، ولا تقل: والله هذا كذا وكذا. لا تداهن.
ولو تحفظ متن الرحبية فهذا مفيد جدا، تحفظ متن الرحبية، أصحاب الفروض تضبطهم ضبطًا مع التعصيب، قلنا: الحجب هذا كالمراجعة لما تقدم، هذا مهم جدا، وأهم شيء عندنا هذا الأول -أصحاب الفروض، ومتى يأخذوا، والتعصيب-، إذا ضبطت هذا المسائل تبدأ بحل التمارين، وعندك بعض الأشياء يسيرة ليست بصعبة كبيرة.
يا شيخ الآن أنت تطلب من الله -سبحانه وتعالى- أن يعلمك ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾، فلو اتفقنا على هذا، وسرنا على هذا، بإذن الله نضبط الفرائض هذه المرحلة الأولى.
بعدين ممكن تنتقل إلى المرحلة الثانية، تبحث عن الوصية، جدول الإخوة، هذه المسائل اتركها الآن، بل نريد أولا أن نثبت هذه المعلومات التي أخذناها.
في مسائل محلولة عندنا نبدأ بها أولا، يعني: أنت ترجع الآن للمسائل المحلولة -أمثلة محلولة جاهزة موجودة عندك في الكتاب- حاول أن تحلها مرة ثانية بدون أن ترى الإجابة، تكتبها من جديد وتحلها وتطابق حلك، فإن انطبق فالحمد لله، وإذا كان ثم خطأ فلا تنظر إلى الحل، بل قم بحلها مرة ثانية وثالثة ورابعة.
وقلنا: نستفيد من الخطأ أكثر مما نستفيد من الصواب.
وأنت الآن -بفضل الله- لا تنسى بعض المسائل التي ذكرتها لك مثل: غرفة الزوجية، ابن أخ شقيق، عم لأم، والجدة الساقطة التي لا ترث، وأم أبو الأم.
فهناك مسائل الآن أخطأت فيها، والفائدة في هذا الخطأ أكثر من الفائدة التي كانت في الصواب، فتستفيد من هذه الأشياء، وتبدأ تحل التمارين.
في أحد مشايخي التقى بالشيخ ابن باز -رحمه الله- وسأله الشيخ فقال له: ماذا تدرس؟ قال: أدرس الفرائض والنحو، فقال له الشيخ ابن باز -رحمه الله- على الفور: مسألة فيها -انتبه فالسؤال لك- فيها "بنت، وبنت ابن، وأخت شقيقة"، فضحك الشيخ! فقال له الشيخ ابن باز -رحمه الله-: أجب.
قال الشيخ: المسألة سهلة، فقال الشيخ ابن باز: أجب.
قال: البنت لها النصف، وبنت الابن: السدس تكملة الثلثين، والأخت الشقيقة: ما ترث فرضًا، ولكنها ترث تعصيباً، لأن الأخوات مع البنات عصبات.
قال: "الأخت الشقيقة" لها الباقي وهو: اثنان.
قال: ضرب الشيخ على صدري وقال: "بارك الله فيك يا فلان".
فهذه المسائل تنشط الذهن، ولذا إذا وجدت طالبا مثلك فتذاكر معه، يعني: تستغل وقتك مع الغير، لأن الأوقات قد تمر أحيانا ولم نصنع فيها شيئا، ولذا اجعل معك ورقة وقلما لاستغلال أوقاتك في الفرائض، وتمرن وتدرب إلى أن تجد نفسك تستطيع أن تحل الفرائض حتى بدون ورقة.
وكثرة الممارسة والتدريس لهذا العلم تساعد في تثبيته، فإذا وجدت طلبة فرائض فخذهم ودرس لهم وعلمهم وهكذا.
الأب متى يأخذ السدس؟ الأم متى تأخذ الثلث؟ تقول لهم مثلاً: متى يأخذ الأخ لأم النصف؟ تسأل وتقول: بنت البنت ماذا ترث؟
نفعل ذلك للاستفادة من أوقاتنا وللاستفادة من هذه العلوم، ونبث هذا العلم، لأن الكثير من الناس اليوم يتسحب من الفرائض يزعم أنها صعبة!
يمكنك يا شيخ عبد الله أن تأخذ شروحات الشيخ ابن عثيمين في الفرائض، وتسمع كيف يتناقش الشيخ مع الطلاب، كيف كان يحل المسائل!
فكل هذه الأمور تنشطك للعلم وتحببك فيه، ولابد لنا اليوم أن نرغب الطلاب في طلب العلم، خاصة علم الفرائض؛ لأن علم الفرائض يساعد في تنشيط الذهن، وإذا نشط ذهنك يساعدك في حفظ القرآن.
وإذا كان لديك بعض الأوقات الضائعة -مثلاً بعد الظهر، كما هو في الغالب عند بعض الناس- الآن في السيارة خذ مسائل وخصص لها وقتا أو اشغل بها نفسك وقت فراغك.
واعلم أنك الآن بدأت في هذا العلم فلا تتركه حتى تتمه؛ لأن بعض الطلاب يبدأ في قليل من النحو، وقليل في الأصول، وقليل في الفرائض!
نقول: لا، إذا بدأت في علم فأكمله، ولا تقل: سآخذ اليوم الفروض المقدرة، وبعد سنة إن شاء الله أدخل إلى المناسخات، لا. إذا بدأت في علم فأتمه كاملا، واضبطه ضبطًا؛ لأن من الخطأ الآن في الدورة، يأخذ الطالب دورة فرائض ويتمها دراسة، ولكن يبقى معنا المراجعة والمذاكرة، فيأتي بعض الطلاب ويقول: متى تكون الدورة الثانية في الفرائض؟
يا أخي أكبر خطأ أن نعيد كل مرة الأصول الثلاثة، هذا خطأ، لأنك إذا درستها مرة فاضبطها.
إذن من الخطأ الآن أن كل ما يأتي شيخ من المشايخ يدرس نفس الكتاب.
هذا الآن كتاب الفرائض وهذه الأصول ضبطناها، والمفروض أن نرتقي وننتقل إلى مرحلة جديدة، ولا نعيد ما درسنه مرة ثانية، بل مذاكرة وحفظًا وفهمًا وحلا للمسائل، فإذا رسب الطالب نعيده من جديد، وبهذا تتحقق الفائدة.
أما أن تقول: حضرت دورة الفرائض ولكن ما استفدت شيئًا، ما شاء الله كانت جميلة وكانت كذا، والعلم والحفظ. طيب ماذا حصلت؟ قال: ما حصلت شيئًا.
إذن ضاعت الأوقات، ولذا كان من المهم جدا أن لا تضيع هذه الدورة علينا هكذا، ومن اليوم نبدأ التمارين على العلم.
الله يوفقنا وإياكم، وسامحني يا شيخ عبد الله، وليسامحني الإخوان.
{جزاك الله خيرا شيخنا، وبار ك فيك، وجزاكم الله عنا خير الجزاء.
وبهذا نكون قد وصلنا إلى تمام هذه الدورة، وإلى مستويات أخرى بإذن الله تعالى، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
نشكر شيخنا على صبره، وعلى ما بذل في هذا البرنامج، وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يتقبل منه، وأن يَشكر له هذا المجهود.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
سلاسل أخرى للشيخ
-
8237 9