الدرس الثاني
فضيلة الشيخ د. عبدالحكيم بن محمد العجلان
إحصائية السلسلة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، صلى الله وسلم
وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، أما بعد..
فحياكم الله أيها الطلاب، وأيها الطالبات، حياكم الله وجعلكم الله جل وعلا مباركين،
حياكم الله وجعلكم الله جل وعلا في خير وهدى آمنين، حياكم الله وأتم علينا وعليكم
النعمة، وعصمنا وإياكم من الفتنة، وجعلنا في خير ووالدينا وأزواجنا وذرياتنا
وأحبابنا والمسلمين.
في مجلس من هذه المجالس الطيبة، وفي لبنة من هذه اللبنات نتواصى وإياكم ونتواصل،
كنا في المجلس الماضي أسهبنا في أول الحديث عن مسألة مهمة، فيما يتحتم على الطالب
من تعظيم العلم، وعدم الجرأة عليه، ومن قدره حق قدره، حتى يتسنى بإذن الله جل وعلا
للطالب أن يحفظ العلم، وأن يُحفظ من الزيغ، وأن يسلك من العلم مسلكا بإذن الله جل
وعلا يكون رضيا في الدنيا والآخرة.
وتحدثنا عن مثل هذه المسائل وأهميتها، ومنطلقنا فيها من جهة التفقه، وربط المسائل
بما ذكره الفقهاء، والرجوع إلى أساسها، وردها إلى ما يشابهها، وهذا هو المقصود
الأعلى والمقصود الأسنى في مثل هذه المجالس، ومثل هذه المدارسة.
من المسائل التي مرت معنا، مسألة مياه الصرف الصحي وأشرنا إليها باقتضاب، وأيضًا
المسألة الثانية وهي مسألة العطور المشتملة على الكحول، وهي من المسائل المشكلة
لكثرة ما يتلبس الناس بها، ولعظم ما يترتب عليها، ابتداء من القول بنجاستها، مفض
إلى أن من رش هذه العطور وأفاض بها على جسده أو ثيابه ثم صلى فيوشك أن تكون صلاته
–إذا قيل بالنجاسة- صلاته في ثوب نجس، ودخل المسجد بثياب نجسة، إلى ما يتبع ذلك من
مسائل كثيرة، تُلحق بالإنسان التبعة، وعند ذلك يتبين الإنسان عِظم هذا الأمر، وعِظم
هذا الدين، وما ينبغي له من التحري والتوقي وطلب الإعانة من الله جل وعلا كي لا يزل
أو يضل أو يواقع أمرا فيه حُرمة وضلال، أو فيه أمر كبير.
قال الله جل وعلا: ﴿وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾
[الزمر: 47]، كم من الأشياء نظنها خيرا وبانت شرا، وكم من الأمور التي يتقرب بها
الإنسان يظن أنه يؤجر عليها، وقد يكون في ذلك مأزورًا، إما لفساد نيته ومراءته لخلق
الله جل وعلا، وإعراضه عن ربه، وإما لعدم متابعة على وجه صحيح، وإما لحصول مفسد من
المفسدات، أو نقض شرط من الشروط أو شيء من الواجبات.
فلما كان الأمر بهذه المثابة، كان المرء لا ينفك من طلب الله الإعانة، وطلب الله
الهداية، وسؤال الله جل وعلا التوفيق، ثم الاجتهاد قدر الاستطاعة، والله جل وعلا
يقول في كتابه: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَ﴾
[العنكبوت: 69]، فيوشك المجتهد الذي بذل وسعه، واستنفذ جهده، أن يوفق للحق، وأن
يكون من أهل الإحسان، والإحسان أتم التمام، وخير العمل والكمال بإذن الله جل وعلا.
ثم ينظر في قول الله جل وعلا: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَ﴾
[البقرة: 286]، فرفع الله جل وعلا الكلفة على الإنسان فيما لا يطيق، ورفع الله جل
وعلا على العبد العنت والمشقة التي لا يستطيع، لكن بين هذا وذا، يضيع الناس، بعض
الناس يقول: الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، ثم يهمل ولا يبذل طاقته، وبعض الناس
يقول: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَ﴾ فيكتفي بأقل
الأمور، ولا يستنفذ وسعه، فيقع في المحظور، وتلحقه التبعة.
ولَمَّا كان الأمر غايته وأصله هو التوفيق، كان ولابد أن يكون دأب الإنسان وأيام
حياته يسأل الله جل وعلا الإعانة والتوفيق، ويسأل الله جل وعلا ألا يكله إلى نفسه،
وألا يخذله في أمره فيقع في الخلل، أو يواقع أمر الضلال، أو تلحقه التبعة في الدنيا
والآخرة.
من المسائل التي لا نزال فيها فيما يتعلق في باب الطهارة، أثر صبغات الشعر على
الطهارة، وهذه تحصل للرجال وللنساء، وكونها متصلة بباب الطهارة من جهة أن مما يؤمر
به في الوضوء والغسل مسح الرأس أو غسله في الطهارة الكبرى.
هذه الصبغات، هل هي مانعة من وصول الماء، أو لا تكون مانعة؟ فبناء على ذلك يتحدد
الحكم في مثل هذه المسائل، ويترتب الكلام عليها.
أولا: الصبغات ليست من الأمور الحادثة فهي موجودة قديما، بالعصفر وبالزعفران، وبما
يضيفونه إلى مثل هذه الألوان، فتثبت والحناء والكتم، وما قارب مما اعتاده الأولون،
هذه الصبغ لم تزل موجودة على الوجه التقليدي المتقدم الأول، ووجدت أيضًا طرائق
كيميائية وصنائع حديثة أيضًا يوجد فيها هذه الصبغات التي تغير ألوان الشعر، وتتدخل
فيه.
الكلام على مثل هذه الصبغات ينبغي أن يكون متوجها إلى أحوال:
فالحال الأولى: هي الحال التي يكون الصبغ فيها لونا لا جرم له، وهذه مثل الحناء وما
شابه، وهي التي كانت معروفة من عهد الصحابة إلى من بعدهم، ولم يختلف أهل العلم أن
ذلك ليس بمانع من الطهارة، ولا حائل بين غسل هذه الأعضاء واستعمال المياه، فهي لا
تزيد أن تكون لونا ليس لها جرم، ولا تمنع من وصول الماء إلى البشرة، فبناء على ذلك
لا غضاضة فيها ولا إشكال، سواء كانت هذه المسماة آنفا من الحناء أو الكتم، أو ما
شابهها، مثل الحبر وما يشابهه.
تأتي عندنا بعض الصبغات الحديثة، يسمونها الميج الكراتين، يمكن أن توجد أشياء أخرى،
فنقول نرجع إلى الأصل، هل هذا الميج هو جرم يستر الشعر ويحول بين وصول الماء إلى
هذه الشعرات التي يجب مسحها في الطهارة الصغرى، ويجب غسلها في الطهارة الكبرى أو
لا؟ بالنظر إلى أهل الاختصاص وسؤالهم ومراجعة كثير من هذه الأشياء نجد أنها إنما هي
ألوان، سواء مما يشقر به الحاجبان، أو يصبغ به الشعر من الأصباغ الكثيرة، أكثرها
ألوان، فإذا كانت على هذا النحو فتكون لاحقة للقسم الأول من الحناء والكتم، الذي هو
لون فلا يكون فيه إشكال في استعمالها، ولا تكون مانعة من الطهارة حال التلبس بها.
الحال الثانية: إذا كانت أجزاء تمنع أو أجرام تغطي الشعر، كثير ممن عرفوا الكراتين،
وأنا لا أجزم بذلك، لكنه يحتاج إلى أهل الاختصاص أكثر، أنه نوع من الأجرام التي
تثبت على الشعر، وتلتصق به حتى تغطي أصله، ولأجل ذلك ممن يستعملون هذه الأشياء،
الغالب أنهم يحتاجون أوقات طويلة يعني ساعة ونصف أو ساعتين، ويستعمل مع ذلك أيضًا
أداة حارة لتثبيته على الشعر ونحوه، فإذا كان على هذا النحو التي يُمنع فيها من
الوصول إلى الشعر، إذا كان على هذا النحو، وهذا العلم به هو فرع الحكم عليه، وأنا
أقيدها ب(إذ).
إذا كان كذلك حسب ما وصف لنا وذكره أهل الاختصاص، فإنه يكون مانع من موانع الوصول
الماء إلى هذه الشعرات التي يجب مسحها في الوضوء وغسلها في الغسل من الحدث الأكبر،
فبناء على ذلك تكون حائلة بين الشخص وبين الطهارة.
فبناء على ذلك إما ألا يتعاطاها وإذا تعاطاها فإنه يزيلها عند أقرب وضوء له حتى
يتمكن من إيصال الماء إلى محله.
طبعا الحال الثانية صعب إزالتها، وأنها تمكث أوقاتا طويلة، ويحتاج إزالتها إلى
أسباب متنوعة، فبناء على ذلك إذا تعذر هذا، فيبقى أن نقول ما دام أنها تحول بين
الإنسان وبين طهارته، وهو ممن تجب عليه الطهارة فلا يجوز له الاستعمال، أما إذا لم
يكن تجب عليه الطهارة كما لو كان صغيرا، أو كان مثلا امرأة مجنونة، أو امرأة
كتابية، أو نحو ذلك، فهنا لا يتعلق بذلك منع لكونه لا يترتب على ذلك حيلولة بين
كمال الطهارة وإتيان الوضوء والغسل.
إن قال واحد الحاجة والضرورة، نقول ما يحتاج إليه، هو كمال وهو زيادة في التجمل
وتحسين الشعر، ومنع تكسره ونحو ذلك، هذه ليست من الأشياء التي تتحتم الحاجة إليها.
هذا كما قلت لكم، إذا كانت هذه الكراتين، على الوصف التي ذكرت من أنها أشياء جافة
غلظة تتلبد على الموضع، ويزول مماسة الشعر للمياه، فبناء على ذلك يكون هذا حكمها.
هذا بالنسبة إذن لما يتعلق بهذه المواد مثل: الكراتين ونحوها.
هنا الأصباغ الأخرى أحيانا دهن كريم، نقول في الغالب: إن الكريمات ونحوها وإن كان
في الأصل يكون بداية أجرام لها على الجسد، لكنها مما يتشربه الجلد، فإذا كان الأمر
كذلك وتشربه الجلد، فلا يحول بين الإنسان وبين طهارته، أما إذا بقي متلبدا وصار
اللامس لمثل هذا الموضع يلمس هذا الدهن المتجمع ونحوه، ولا يصل إلى البشرة، فلا
ينفك من الحاجة إلى إزالته، حتى يصل الماء إلى البشرة، وتتم الطهارة على وجهها.
ولأجل ذلك ينسحب الكلام على المساحيق والأصباغ، أو ما يسمى عند الناس اليوم
بالمكياج، ويسميه الأولون الاسفيزاج، الاسفيزاج والمكياج هي كلمات فارسية، وهي تعني
تجميل الوجه وتحميره، وكانت لهم آلات وأدوات بعض النباتات ونحوها، والأخلاط التي
يخلطونها حتى يصلون إلى تجميل الوجه، تحميره، تبييضه، وما شابه ذلك من الوسائل التي
اعتادوها.
في هذا الوقت تطورت هذه الأصباغ، وأخذت طابع الصناعة، كما هي طبيعة الحياة الحديثة
في كثير من مناحيها، لكن ليس الأمر واقف عند هذا الحد، الحقيقة الأمر أنه تنوع
كثيرًا، فلأجل ذلك أيضًا ليس من السهولة هذه الأشياء كلها، لابد الحقيقة من بعض
الأشياء، أن تعرف بعينها، فإذا كان الكلام الذي نحن بصدده الآن فيما يتعلق مثلا
بحمرة الوجه، حمرة الوجه يستعملون لها ما يسمونه بكريم أساس، وكريمات أخرى، ومضادة
لمثلا لبعض النتوءات، ونحوها، حتى النساء اللاتي يعالجن هذا ويستعملنه لا يعرفنها،
وإنما يعرف ذلك أهل الاختصاص الذين يلون ذلك عادة حتى تمرنوا عليه وعرفوه.
فإذن نحن سنعطي كلاما عاما، إذا كان الأمر يتعلق بهذه المساحيق مثل ما قلنا في
الشعر إنما هي ألوان، أو بمثابة الأدهان التي لا تمنع وصول الماء إلى البشرة، وهذا
هو الأكثر أو الأغلب فبناء على ذلك لا يقال إنها محل منع أو حُرمة أو غيرها.
أو أن من استعملها -هذا هو الأصح- أن يقال أنها إذا لم تكن حائلة بين البشرة فلا
تحول بين الطهارة فبناء على ذلك من تعاطاها واستعملها جاز له أن يتوضأ، فيصب الماء
على هذا الموضع الذي فيه شيء من هذه الأصباغ باعتبار أنها لا تحول بين الماء ووصوله
إلى البشرة.
وأما إذا قلنا من أن هذه بمثابة الأجرام التي تكون كالطبقة التي تغطي الطبقة البشرة
وجلد الإنسان الذي يجب مباشرة الماء إليه، فبناء على ذلك إذا احتاج الإنسان إلى
الطهارة، ودخل وقت الصلاة فإنه حتى يتطهر لا بد أن يزيل هذه الأصباغ ويباشر بالماء
جلده وبشرته حتى تصح طهارته ووضوؤه، وغسله إذا كان غسل من حدث أكبر.
كما قلت لكم: الآن لو رجعنا فقط إلى ما يجعله النساء على شفاههن، فهناك أنواع
كثيرة، والمشكلة أن هذه الأنواع تختلف باختلاف حتى الشركات، فمنهم من عندهم من
الحذق والمهنية ليكون اللون كافيًا في تغيير الشفاة، ولا يحتاج إلى إزالة، ومنها ما
هي بدائية ونحوها فتكون كالطبقة التي تمر على الشفة وتثبت عليها، فإذا كان الأمر
الثاني فيجب للمتوضئ أن يزيلها حتى يباشر الماء وتباشر المرأة بشرتها بالماء.
إذا انتقلت إلى الرموش التي يجعلونها صناعية ونحو ذلك، فهذه الرموش إن كانت تغطي
الشعر وأيضًا تحول بين وصول الماء فلا بد من إزالته حتى يصل الماء إلى الشعر الذي
على العينين في الأجفان، باعتبار أنهما داخلة في اسم الوجه ويجب غسلها، فخلاف داخل
العين ووسطها.
فكل ذلك راجع إلى وجوب وصول الماء إلى البشرة وأنه إذا حال بينه وبين البشرة فيجب
إزالته، وإذا لم تكن إزالته ممكنة فمعنى أن هذه الأصباغ حائلة بين الإنسان وبين
صلاته فتكون ممنوعة، أما إذا كان يمكن إزالتها فالحمد لله، بناء على ذلك لمجرد أن
يدخل وقت الصلاة يزيلها ويتوضأ ويصلي.
ولذلك بعض الأصباغ التي الحقيقة تكثر استعمال النساء لها، وهي مما يتيقن الجميع
أنها طبقة حائلة بين الماء وبين البشرة، مثل ما يضعونه على الأظافر من أصباغ،
وتختلف تسميات الناس لهذا النوع الذي يجعل على الأظافر، لكنها هي طبقة، فهذه بلا
شك، أن المرأة إذا استعملتها وحضرها وقت الصلاة واحتاجت إلى الوضوء بأن لم تكن على
وضوء حين وضعها، أو كانت على وضوء لكن انتقض وضوؤها، فنقول بناء على ذلك: يجب أن
تزيلها، وأن تغسل أظافرها وتباشرها بالماء.
ولا يجوز كما يظنه بعض النساء من أنها إذا كانت على طهارة ووضعت هذه الأصباغ على
أظافرها، تكتفي بالمسح، فإن المسح إنما هو مختص بموضعه الذي هو المسح على الخفاف،
ويشبه ذلك المسح على الجوارب، والمسح على العمامة، ويلحق به المسح على الخمار.
وأما ما سوى ذلك، فلا يصح فيه إلا غسله، ومن ذلك الأظافر التي تجعل عليها هذه
الأصباغ، فيجب إزالتها، ويلزم مباشرة الماء.
أما لو كانت هذه الأصباغ بنحو حناء ونحوه مما هي ألوان مجردة لا تكون طبقة حائلة
بين الماء والبشرة، أو الأظافر، فبناء على ذلك لا تمنع حصول الطهارة، فلأجل ذلك من
استعملتها وهي أصباغ ألوان لا أجرام لها، كالحناء ونحوه، فتكتفي بغسلها ويصح مع ذلك
وضوؤها وطهارتها من الحدثين الأصغر والأكبر.
إذن هذه مسألة المساحيق والأصباغ، وذكرنا ما يتعلق بصبغات الشعر، ثم على الوجه
ونحوه، وأيضًا ما يكون الأظافر وما يشبهها.
المسألة التي بعدها، الأسنان التي يركبها الناس، ويحتاجون إليها، هل يحتاج إلى
نزعها عند الحاجة إلى الطهارة أو لا؟ سواء كان في ذلك الطهارة الصغرى أو كانت
الطهارة الكبرى من الحدث الأكبر؟
طبعا الأسنان والتركيب فيها أيضًا هذه كالمعتاد من الأشياء التي جدت، وتكاثرت
الأنواع فيها، منها ما هو مثبت تثبيتا لا يمكن زعزعته ولا ينتقل، فيكون كالعضو
الأصيل، ولذلك يسمونه عند أهل الطب زراعة الأسنان، باعتبار أنها تكون كالشيء
المزروع من أصله، والثابت من خلقة الإنسان وابتدائه، ومنها ما يكون مركبا تنزع ثم
تعاد بحسب الحال التي يحتاج إليها الإنسان.
فأما بالنسبة للتي تنزع وتزال ونحو ذلك فإذا كان في الحدث الأصغر الأمر يسير، ولو
لم تزل فلا غضاضة، لماذا؟ لأن المضمضة إنما هي واجبة عند الحنابلة، والحنابلة لم
يقولوا بوجوب بلوغ الماء كل الفم، وإنما إدخال الماء إلى الفم، سواء بلغ جميعه أو
بلغ جملته، فحصل بذلك المضمضة المقصودة شرعا. فدخول الماء إلى الفم يحصل بهذا، لكن
من أراد الكمال بأن يصل الماء إلى جميع الفم ونحوه فأزالها فلا شك أن هذا أتم
وأكمل.
وأما في الطهارة من الحدث الأكبر، فإذا قلنا إن الواجب فيها التعميم، ومن قال
بالتعميم في الغسل، فإنه يقول بوجوب المضمضة ولم يقل بوجوب استيعاب جميع الأجزاء
وهي مما يحتاج فيه إلى المراجعة وزيادة إعمال النظر لاستكمال المسألة.
أمَّا إذا كانت الأسنان ثابتة ثبوتا لا يمكن نزعه، ويتأذى الإنسان بإزالته، أو
يتضرر بذلك، كما هو حال أكثر من يتعاطون هذه الأسنان، فإنه تثبت تثبيتا نهائيا، إما
بغرز مسمار تحت السن، وإما أن يكون ذلك أيضًا بما يسمى بالجسر ونحوه الذي يجعل على
سن آخر، أيا كان كلها تثبت ثبوتا لا يمكن إزالته، فهذه لا شيء في ذلك، ولا يتعلق
لزوم إزالتها بكمال الطهارة وصحتها، فبناء على تصح حتى مع وجودها مركبة في فم
الإنسان، هذا ما يتعلق بالأسنان المركبة.
عندنا مسألة من المسائل التي في باب الطهارة عندنا مسألة دفع الحيض، أو تأخير
الدورة، أو استعمال ما يرفعها، أو ما يمنع نزولها.
أولا: الحيض ونزوله على المرأة، مما كتبه الله على بنات آدم، وعائشة رضي الله تعالى
عنها وأرضاها في قصتها المشهورة لما كانت في الحج فنزلت بها الدورة، فبكت وكأنها
يعني خافت أن يحول بينها وبين أداء نسكها، فطيب النبي صلى الله عليه وسلم خاطرها،
وطيب خواطر نساء المسلمين بعامة، ما دامت الأرض، بقوله: «إن هذا شيء كتبه الله على
بنات حواء، فإذا طهرت فاغتسلي» وأمرها أن تفعل ما يفعل الحاج، غير ألا تطوفي
بالبيت، فبناء على ذلك هذا أمر مكتوب، ومن جبلة المرأة، ومما كتبه عليها.
فينبغي للمرأة ألا تعبث بذلك، أيضًا لكثير من الضرر الذي يتعاطاه، رفع العادة أو
منع نزولها، هو موجود فيما مضى، أو فيما سلف بتعاطي بعض الأدوية أو بعض النباتات،
ولأجل ذلك كانت بعض النساء يعني يفعلن هذا إذا احتجن إليه، لكنه الآن أكثر وجودا،
وآكد أثرا مما صُنع من هذه العقاقير التي تتعاطاها النساء، فتحبس دورتها، أو إذا
كانت قد نزلت دورتها فإنها ترفع.
هل يجوز استعمال مثل هذه العقاقير أو لا؟
نقول هذا راجع إلى مسألة، وهو من جهة من حيث الأصل، هل هذا الدم مطلوب شرعا أو لا،
هو ليس مطلوب شرعا، وإنما رتب الشارع عند حصوله للمرأة إذا نزل أحكام، من الامتناع
عن الصلاة، ومن التوقف عن الصيام، والأحكام التي يختلف فيها أهل العلم بالنسبة لمس
المصحف، أيضًا الكلام في قراءة القرآن، وهذه مسألة أقل من المسألة التي قبلها، ثم
أيضًا ما يترتب من امتناع زوجها ونحوه.
فإذن هذا حكم وضعي، بمعنى أنه إذا وجد هذا الدم وجدت هذه الأحكام لكن الشارع لم
يتشوف إلى أن المرأة تنزل دورتها أو أن يعتادها ذلك، ولذلك المرأة التي لا تحيض، لم
يطلب أن تعالج حتى تأتيها الدورة، فإذا تقرر ذلك فبناء على هذا من حيث الأصل لا
يوجد ما يمنع المرأة من تعاطي مثل هذه العقاقير، خاصة إذا ترتب على ذلك مصلحة، كأنك
تدرك مثلا فريضة الحج، أو أن تدرك فضائل بعض الأيام، كآخر عشر رمضان الأخيرة، أو
أول عشر ذي الحجة، وما شابه ذلك.
لكن أهل العلم اشترطوا في ذلك شرطا، وهو ألا يكون ذلك مؤثرا على المرأة في صحتها،
أو ألا يكون مضرا بها، فإذا تعلق بذلك ضرر فإنه يكون في مثل هذا مخالفة لما أمر
الله من حفظ النفس والمحافظة عليها والقيام على ما يصلحها.
ولأن النفس أمانة على الإنسان فلا يجوز له أن يؤذيها، ولا يجوز أن يقتلها، فإذا لم
يجز قتلها، وهي الأذية الكبرى، لم يجز أيضًا كل ما تفرع عن ذلك من إنقاصها وما يلحق
الضرر بها.
فإذا وجد ضرر بأن يكون يقينا أو غالبا على الظن، كيف يكون هذا الضرر؟ يكون هذا
الضرر أولا بنوع العلاج بعض الأدوية والعقاقير يقول أهل الطب أن هذه مضرة، فإذا ثبت
ذلك كان استعمالها محرما لما يترتب عليها من الضرر.
الثاني: أن العقاقير وتأثيرها على الأبدان مختلف، فبعض النساء إذا تعاطت العقاقير
التي ترفع الدورة أو تمنعها، لا يأتي عليها ضرر، ويعرف ذلك أهل الطب وأهل الاختصاص،
أو يُعرف ذلك بالتجربة بالاستعمال، فإذا عرف بتجربة أو بقول طبيب أنَّ ذلك لا يضرها
فتكون المرأة في سعة من أمرها.
أمَّا العكس إن قال لها الطبيب بعد دراسة فحصواتها وبعض تحليلاتها واختبارات ذلك في
المختبرات ونحوه أنه يضر بها، لم يجز لها أن تستعمله، بأن تيقنت حصول الضرر أو غلب
على ظنها، أو أنها استعملت شيئا من ذلك فحصل لها شيء من هذا الضرر.
فبناء على ذلك يكون لهذه المرأة في حقها ما لا يكون لغيرها من أنها تمنع من الإضرار
بنفسها، الإضرار على نفسها فلا تتعاطى مثل ذلك ولا تأخذه لما ذكرناه، فإذن مرد
الحكم ليس لأن استعمال هذه العقاقير ورفع هذه الدماء أو منعها ممنوع شرعا، لكن من
جهة ما لحق بهذه المرأة في خاصتها من حصول الضرر بمثل هذه التعاطيات، وبمثل هذه
العقاقير.
استجلاب الدورة، استجلاب العادة، طبعا استجلاب الدورة بأن يطلب نزول الدم، فهذا
طبعا هو أقل من المسألة الأولى، المسألة الأكثر والتي يسأل عنها النساء كثيرا، هو
تأخير الدورة أو رفعها لما ذكرنا من الحاجة إلى تعاطيات بعض الأمور.
استجلاب الدورة، نقول أيضًا: إن كان طبعا ليس تحايلا على الشرع، ولا أيضًا أن تأتي
على وقت رمضان وتقول ما جاء على بالي أصوم، فتريد أن تقطع وقتها بتعاطي أن تكون في
حال حيض، حتى لا تصوم، فهذه احتالت على إسقاط ما أوجبه الله جل وعلا عليها،
باستجلاب دورتها، فيكون ذلك ممنوعا، أو كان فيه ضرر مثل ما قلنا في المسألة الأولى،
فيكون في ذلك إضرار، أو كانت مثلا أرادت الإساءة إلى حق زوجها، كما لو كان يفد في
وقت ما، لكون عمله خارج بلده، ويبقى خمسة أيام، وأرادت أن تظهر إيذاءه، فتنزل
الدورة حتى لا يتأتى له قضاء حقه ووطره منها، فإذا كان لمثل هذا فيكون ممنوعا.
أما من حيث الأصل بأن تنزل دورتها على سبيل التطبيب، وهذا هو الأكثر، أن من يستعمل
ذلك نساء علقت الدماء في أرحامهن، أو حصل لهن تعثر في استمرار دورتها، وهو أصل في
حصول حملها ونحوها، فيوصيها أهل الطب، أو يصرف لها الأطباء بعض هذه العقاقير التي
تستجلب الدورة، ثم ترتب لها حتى تستقيم دورتها كما جبلت عليه النساء في كل شهر،
فيحصل بذلك تشافي لها وحصول سلامتها، فإذا كان على هذا النحو فلا شك أنه جائز، وقد
يكون يطلب من المرأة لما فيه من المصلحة لها.
ومثل ذلك أيضًا لو كانت المرأة دورتها لا يعني تتفاوت، مما يحدث عندها حيرة، ويقع
عندها شكوك، هذه دورة لا، هذا دم فساد، هذا كذا، فعرضت نفسها على طبيب مختص،
فأوصاها مثلا باستجلاب الدورة في هذا الوقت كل شهر، حتى تعتاد ذلك ويذهب ما فيها إن
كان من سدد أو كان من أثر أو غير ذلك مما يعرفه أهل الطب ويتعاطوه، فيكون ذلك
مناسبا.
أو لغير ذلك من الأسباب التي لها وجه صحيح، فإذا تعاطته بما لا يؤثر على دينها،
وليس فيه تحايل على حق ربها، وليس فيه إضرار بها، فقد يكون في استجلاب ذلك فرجة
وسعة، إذا تعاطتها على ذلك الوجه.
هذه مسائل من المسائل التي تتعلق بباب الطهارة، قبل أن ننتقل إلى مسائل أخرى في باب
الصلاة وما يلحق بها، مسألة هي ليست نازلة، لكنني أنبه عنها لكثرة وقوعها، وهي ما
يتعلق بالأواني خاصة في الفنادق ونحوها، التي تكون مصبوغة بالفضة، ومطلية بها، فمن
المعلوم أن أبواب الأواني تبحث في كتاب الطهارة، ويتكلم الفقهاء رحمهم الله تعالى
على آنية الذهب والفضة، وحرمتها ظاهرة، والمنع منها متأكد، وعدها أهل العلم من
كبائر الذنوب، لِمَا جاء فيه من الوعيد، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: «الذي يأكل
في إناء الذهب والفضة كأنما يجرر في بطنه نار جهنم».
فعدها بعضهم من أجل ذلك من الكبائر، إذا كان الأمر كذلك فهذه الأواني التي تكون على
هذا النحو ما حكم تعاطيها، واستعمالها، خاصة مع انتشارها في أماكن الفنادق وصالات
الحفلات ونحوها التي تكون فارهة، أو متوسطة حتى الآن لكثرة وقوعها.
فنقول: إن الفقهاء نصوا على أن ما كان فيه ذهب وفضة أو شيء من ذلك فهو داخل في
الحكم، فبناء على ذلك إن كانت أطرافها فضة أو ذهبا أو مطعمة بشيء من ذلك في بعض
أجزائها، فهو ممنوع من تعاطيها.
إذا كانت مصبوغة، فنرجع إلى المسألة السابقة، إذا كان هذا الصبغ لونا لا جرم له،
فنقول لا أثر لوجود ذهب وفضة، وإنما هو لون لها، كما أن الإنسان لو مسك من الفاكهة
الحمراء الكرز أو نحوها فأصابه شيء من بللها، فغيرت لون أصبعه، هل نقول من أن هذا
كرز، لا، هو لون، فحقيقة الكرز لم تبق، فبناء على ذلك هذه الألوان التي تكسب بعض
الأواني بدون أن يكون للفضة والذهب جرم فيها، لا يدخل في حكم ما فيه شيء منهما.
وأما إذا كانت طبقة ولو رقيقة، في مثل هذه الأواني فإنها تمنع، والمعيار عند أهل
العلم، وهذا نصوا عليه كتبهم، يقولون: أنها لو عرضت على النار، لأن النار إذا عرضت
عليها هي الموطن الذي تتحلل فيه المعادن، هل يمكن أن يكون جزء ولو يسير من الفضة
منفصلا عن ذلك، فإذا أمكن حصول هذا بعرضها على النار، فهنا يصدق على هذه الأواني أن
فيها شيء من الذهب والفضة، فبناء على ذلك يصدق على أنها من الأواني التي جاء فيها
التحذير، فبناء على ذلك تدخل فيما ذكره الفقهاء من الحنابلة وغيرهم من أنه لا يجوز
تعاطي آنية الذهب والفضة، أو ما فيه شيء منهما، فتدخل هذه الأواني مما شيء من آنية
الذهب والفضة.
والحقيقة أنا أؤكد على أن هذا كثير، ولذلك يجب التنبيه منه والحذر، خاصة أواني
الفضة، الذهب ربما تكون أقل وإن كانت موجودة، لكن أواني الفضة كثيرة جدا، وهي يكون
في لونها بياض مشوب بشيء من عدم النقاء في استان ستيل أو نحوه من المعادن يكون فيه
صفاء وسطوع، أما الفضة الغالب أنك تعرفه أنه يكون مطفيا، وفيه أحيانا اسوداد فهذا
يدل على أن هذه آنية فضة، وأن فيه أجزاء من الفضة، فلذلك يلحقه الاسوداد، لأن
الاسوداد مما يلحق كثيرا بمعادن الفضة، خاصة إذا لم تكن أو لم ترق إلى درجة من
المعالجة معينة.
هذا ما يتعلق بهذه المسألة..
ننتقل بعد ذلك مثل ما قلنا إلى ما مسائل الصلاة، أول ما يذكر الفقهاء في باب
الصلاة، هو باب الأذان، والمسألة التي نعنى بها في مثل هذا الحديث، هو ما يُنقل
أحيانا في المحال الحكومية، أو الرسمية، أو المؤسسات أو الصروح عموما الداخلية، أن
إذا دخل وقت الصلاة بثَّ الأذان، فهل هذا الأذان مما تتعلق به الأحكام الشرعية، من
جهة أولا أن هذا أذان يسقط به فرض الكفاية، وأيضًا ما يترتب على سماعه والترديد معه
وترتيب الأجر على ذلك.
فنقول: هذا (بث الأذان) لا يخلو من حالين، إمَّا أن يكون بثا مباشرا، يعني واحد
يؤذن في هذا المكان، أو في مكان بعيد وبث عبر هذه السماعات، هذا إشكال في أنه أذان،
يسقط به فرض الكفاية، ويحصل به الأجر، وتتعلق الأحكام بمتابعته، ويترتب على ذلك
فضله.
أما إذا كان هذا الأذان الذي بُثَّ، هو مباشر، لكنه ليس في الموضع، كالذي يبث عبر
قنوات التلفزيون، أذان الحرم، هذا صحيح أنه مما تتعلق به المتابعة، لكنه لا يسقط به
فرض الكفاية، لأن فرض الكفاية يجب أن يكون في ذلك المكان نفسه، فلا بد أن يؤذن مؤذن
في المكان نفسه، فإذا كان في هذه القرية ينقلون أذان الحرم ولا يؤذنون، نقول: لا
أخطأتم، لا بد أن تؤذنوا في هذا؛ لأن هذا هو الذي تسقط به فرض الكفاية، فإذن البث
المباشر له حكمان:
أولا: من حيث سقوط فرض الكفاية، فلا بد أن يكون في المكان، ولا يكتفى بأن يكون
منقولا من مكان بعيد، ولو كان مباشرا.
أمَّا من جهة ما يتعلق متابعته وقول الدعاء عقبه، أو نحو ذلك، فهذا ما دام أنه
مباشر فهو أذان، والأذان قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: قولوا مثلما يقول
المؤذن، فتتعلق به سائر هذه الأحكام.
أمَّا إذا كان الأذان مُسجلا، كما هو كثير في المواطن، فهذا راجع إلى مسألة: وهو هل
هو أذان حقيقي أو لا؟ فإذا قلنا إنه ليس أذانا حقيقيا فما يكون؟ هو كما يقول
الفقهاء أو أهل العلم أنه حكاية صوت وليس بصوت، إذن هو حكاية للأذان وليس بأذان،
فإذا كان الأمر كذلك فبناء على هذا لا يصدق أنه قول للمؤذن، فنقول: قولوا مثلما
يقول المؤذن، فعند أهل التحقيق أن هذا بناء عليه صحيح هو منبه على أنه دخل وقت
الصلاة، هو يحصل به أيضًا التذكير بذكر الله وتكبير الله وتهليل الله والدعوة إلى
الخير، لكنه ليس بالأذان الشرعي التي تترتب عليه الأحكام.
وهذا من المسائل الحادثة أو النازلة لأن حفظ الأصوات وإعادة بثها ونحو ذلك لم تكن
في سالف الأوقات، وإنما هو مما حدث في آلة هذا الزمان، وأنعم الله بها على الإنسان.
مع كون هذه المسألة من المسائل أيضًا التي يتجاذب فيها الكلام، ولذلك مع هذا
التقرير الذي هو واضح وجلي، إلا أن بعض المعاصرين قد يخالف في ذلك، وأضرب لكم في
هذه المسألة مثالا، وهو أن الشيخ بن عثيمين رحمه الله تعالى كان يذكر نحوا مما
ذكرناه، أن هذا حكاية صوت وليس بصوت، فبناء على ذلك ليس بأذان، فلا يترتب عليه ما
يترتب على الأذان، لكن شيخنا الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى قال يتابع، وكأن مما
فهمته مما سمعته حين سئل عن هذا المسألة، أنه زيادة في الحث على الخير، لكن من حيث
النظر، ليس الحقيقة بأذان، والأحكام المرتبة المتابعة إنما هي على أذان المؤذن.
فبناء على ذلك، يعني مما يبين ما ذكرناه، أنه لو أن أستاذا يعلم طلابه الأذان، فأمر
طالبا أن يؤذن، فهذا الأذان هو تعليم، وليس هو أذان المؤذن الذي هو إشعار بدخول
الصلاة، فبناء على ذلك، هل نقول من أن هذا الطالب لما أذن تعلما أنه يتابع، يقال
الدعاء بعده، لا، لأنه ليس الأذان الشرعي الذي يطلق عليه أنه مؤذن، الذي يؤذن بدخول
الصلاة وما يترتب على ذلك، فكما أنه لا يتابع مع هذا الطالب الذي يتعلم الأذان،
فكذلك ما كان حكاية صوت المؤذن مما يحفظ في هذه التسجيلات ويبث للإعلان بدخول وقت
الصلاة، فلا يكون بذلك أذانا.
هذه المسألة التي سمح بها الوقت، يعني فيه مسألة بسيطة يمكن بقي دقيقتين عندنا
نأخذها، وهي أيضًا في مسألة الأذان، هل يلتفت في مكبرات الصوت، المؤذن إذا وصل حي
على الصلاة حي على الفلاح يلتفت يمينا وشمالا، وهذه جاءت به السنة الصحيحة، كما في
حديث أبي جحيفة عند البخاري في صحيحه، أو في الصحيح، فبناء على ذلك هي من مستحبات
الأذان ومسنوناته، لكن إذا كان المؤذن يؤذن في مكبر الصوت في الآلة الحديثة الآن،
هل يحتاج إلى الالتفات؟
ما سبب الإشكال في هذه المسألة، سبب الإشكال في هذه المسألة أنهم يقولون أن الحكمة
من مشروعية الالتفات هو أن يبلغ أهل هذه الجهة إذا التفت، وهو حي على الصلاة سمع
أهلها، فإذا التفت إلى هذه الجهة حي على الفلاح سمعه أهل هذه الجهة، لكن إذا كان
أمامه مكبر هم يسمعون بالمكبر، وإذا التفت يمينا وشمالا ضعف الصوت، فالمقصود الحاصل
من الالتفات يكون خلاف المقصود الشرعي، فهل يكون هذا مانعا أو لا؟
الحقيقة أن هذه مسألة يعني فيها شيء من النظر، لكن نقول أن هذه سنة ثابتة، وما دامت
سنة ثابتة فيحصل الإعلام بالجمل الأولى، فلا نقول لا يلتفت لأجل ألا ذهب بعض صوته،
هذه من جهة، ولذلك يوجد أحكام كثيرة انتفت حكمتها، ومع ذلك بقيت مشروعيتها، على
سبيل المثال الرمل في الطواف، هذا إنما كان لإظهار.. لما اعتمر الصحابة في عمرة
القضاء، وكان المشركون ينظرون إليهم ويشمتون بهم، يقولون: يأتيكم أناس قد وهنتهم
حمى يثرب، فلما جاءوا ويفهم الجلد وفيهم الرمل والإسراع والقوة، حصل ذلك إغاظة
للمشركين، فلما فتحت مكة انتهت الحكمة من هذا الأمر، ومع ذلك بقي الرمل سنة ثابتة
إلى قيام الساعة، هذا من جهة.
من جهة ثانية أن متابع المؤذن قد يكون أيضًا أعمى، عفوا قد يكون من به صمم، ومن به
صمم يعرف الأذان بنحو الالتفات، فإذا رأى شخصًا واضعًا يديه أو أصبعيه في أذنيه،
هذا مؤشر إلى أنه يؤذن، لكن إذا التفت مع ذلك حصل التأكيد، فإذن نقول: إن الالتفات
باق من جهات:
أولا: أنها سنة ثابتة باقية دلت عليها السنة ولَمَّا يأت ما يمنعها.
ثانيا: أنه وإن قيل بذهاب الصوت بالالتفاتة مع وجود المكبرات إلا أن ثم حِكَمٌ
أخرى، كنحو إشعار وإفهام من به صمم، ونحو ذلك.
وكذلك أيضًا يمكن تحصيل الأمرين جميعا، بالالتفات مع محاولة عدم البعد عن لاقط
الصوت ومكبره، فيحصل بذلك خيرين.
لعلنا بإذن الله أن نجعل هذه المقدمة كإشارة في ابتداء الدرس القادم، لانتهاء
الوقت، اسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد وحسن الفهم، وتمام النظر، وأن يجعلنا من
الموفقين، مما قويت ملكتهم الفقهية، وعظم نظرهم على أصل صحيح، وحفظوا على الحق
والهدى، واستمسكوا بالسنة والتقى، وأن يجعلنا على ذلك ما بقينا أبدا، وأن يغفر لنا
ولوالدينا ولجميع المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم
وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سلاسل أخرى للشيخ
-
13390 33
-
17103 27
-
23740 18
-
78620 18
-
5033 6
-
2908 22
-
2728 24
-
2682 12
-
5748 12
-
8844 12
-
10684 24
-
11541 13