الدرس الثاني

فضيلة الشيخ د. سعد بن تركي الخثلان

إحصائية السلسلة

3723 6
الدرس الثاني

تفسير آيات الأحكام

{السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مرحبًا بكم -أيُّها المشاهدون الكرام- في حلقةٍ جديدةٍ من برنامجكم الأسبوعي "البناء العلمي".
نستكمل في هذه الحلقة ما بدأناه من درسِ تفسير آيات الأحكام، لصاحبنا فيه فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ سعد بن تركي الخثلان، رئيس مجلس إدارة الجمعيَّة الفقهيَّة السعوديَّة، وأستاذ الفقه بكلية الشَّريعة بجامعة الإمام.
باسمي وباسمكم جميعًا -أيُّها المشاهدون- نرحبُ بفضيلة الشَّيخ، فأهلًا وسهلًا بكم}.
حيَّاكم الله وبارك فيكم، وحيَّا الله الإخوة المشاهدين.
{موضوعنا -أيُّها المشاهدون- في هذه الحلقة هو: آيـات الصيام في سورة البقرة.
قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 183- 185].
هذه الآيات الكريمات تحدَّثت عن الصيام في سورة البقرة، فتفضل فضيلة الشيخ بالتعليق على هذا الموضوع}.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه، ومَن اهتدى بهديه، واتَّبعَ سنَّته إلى يوم الدين.
أمَّا بعد؛ فهذه الآيات هي آيات الصيام التي ابتدأها ربُّنا -سبحانه- بقوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾، ففيها فرضيَّة الصيام، وفرضيَّة الصيام مرَّت بمراحل:
المرحلة الأولى: إيجاب صيام عاشوراء، وكان هذا بعدَ الهجرة، ثم بعد ذلك نزلت هذه الآيات فنُسِخَ وجوب صيام يوم عاشوراء، وبقيَ الحُكمُ على الاستحباب.
المرحلة الثانية: فرضيَّة صيام رمضان، ولما فرضَ الله صيام رمضان كان ذلك على مرحلتين:
الأولى: كان المطيق للصيام -القادر- مخيَّرًا بين أن يصوم وبين أن يُطعِم، فإن شاء صامَ، وإن شاء أطعم عن كل يومٍ مسكينًا، ولكن الصيام خيرٌ من الإطعام، لقوله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُم﴾ [البقرة: 184]، يعني: الصيام خيرٌ من الإطعام.
الثانية: فرض صيام رمضان عينًا، وأن مَن شهد رمضان وكان قادرًا حاضرًا يجبُ عليه أن يصوم رمضان، وليس له أن يعدل إلى الإطعام ما دام قادرًا على الصيام، فنُسِخَ التَّخيير بإيجاب الصيام عينًا، لقول الله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: 185].
والحكمة من هذا التَّدرُّج: أنَّ الصيام لَمَّا كان شاقًّا على النفوس، وغير مألوفٍ للناس في ذلك الحين، فكان مِن حِكمة الله -عَزَّ وَجَلَّ- أن يكون إيجاب هذا الأمر الشَّاق مُتدرِّجًا، وهذه هي حكمة الشَّريعة، وهي التدرج في إيجاب بعض الأمور الشَّاقَّة، وأيضًا في تحريم بعض الأمور التي ألفتها النفوس وأدامت عليها كالخمر، فلما أراد الله -عَزَّ وَجَلَّ- تحريم الخمر كان ذلك بالتَّدرُّج:
أولًا: أشار إشارة لذلك في قوله: ﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ [النحل: 67]، فوصف الرزق بالحسن، وسكت عن السَّكر.
ثانيًا: نزل قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ [البقرة: 219].
ثالثًا: نزل قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾ [النساء: 43].
رابعًا: حرَّم الخمر، كما قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾ [المائدة: 90].
لماذا هذا التَّدرُّج؟
 الجواب: لأن لقرآن نزل على قومٍ كان كثير منهم مدمن لشرب الخمر، والمدمن لا يُمكن قطعه عن الإدمان مباشرة، فكانت الحكمة تقتضي التَّدرُّج معهم في ذلك.
إذًا؛ حكمة الشريعة الإسلامية هي التَّدرُّج في إيجاب الأمور الشَّاقَّة، أو في تحريم الأمور التي قد أدمنوها وألفوها، والصيام مرَّ بهذا التَّدرُّج:
- إيجاب صيام عاشوراء.
- نُسِخَ الوجوب.
- التَّخيير بين صيام رمضان والإطعام.
- نسخ التخيير بإيجاب صيام رمضان عينًا.
فنزلت هذه الآيات، وابتدأ ربنا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بقول: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾، كُتِبَ: أي فُرِضَ عليكم.
قوله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾، فالصيام من العبادات التي كُتِبَت على جميع الأمم، من نوحٍ ومَن بعده، وهذا يدل على عظيم شأن هذه العبادة، وأنَّ الله تعالى فرضها على جميع الأمم في جميع الشرائع، فهذا يدل على شرف هذه العبادة وعلى عظيم شأنها.
مثل الصلاة، فالصلاة في جميع الشَّرائع، وكذلك عبادة الصيام، وكذلك الزكاة، قال تعالى: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ﴾ [مريم: 55]؛ فهذه العبادات في جميع الشَّرائع.
فإذا علمنا أن الصيام قد فُرِضَ على مَن قبلنا من الأمم السابقة، فهذا ممَّا يُهوِّن على النُّفوس تقبُّل هذا الأمر؛ لأن الإنسان إذا اشتركَ معه غيره في الأمر يهونُ عليه، فيقول: أنا مثلي مثل الناس.
وقوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾، فهذا من باب تخفيف الأمر عليهم.
وهناك اختلاف بين صيام المسلمين وصيام الأمم السابقة في بعض الأمور، كما أن الصلاة تختلف أيضًا، فالصلاة عندنا خمس صلوات، وكان في بعض الأمم السابقة صلاتان، فقد تختلف في بعض الجزئيات، ولكن من حيث الأصل فالصيام مفروضٌ علينا وعلى الأمم السابقة.
قوله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾، وهي أيام شهر رمضان، ووصفها الله تعالى بالأيام المعدودات من باب تخفيف الأمر، فكأنه يقول: فُرضَ عليكم الصيام، ولكن ليس صيام السنة كلها، وإنما هي أيام معدودات، شهر واحد ثلاثون -أو تسعة وعشرون- يومًا.
وانظر إلى عظيم رحمة الله تعالى بعباده، وكيف أنه لَمَّا أراد أن يوجب عليه الصيام أتى بهذا الأسلوب الذي فيه التَّخفيف والمراعاة لأحوالهم ولمشاعرهم، فبيَّن أولًا أنكم لستم الوحيدون في هذا الأمر، وإنما كُتبَ على جميع الأمم السابقة، ثم قال: إنَّ مدته ليست طويلة، وإنَّما هي أيام معدودات من السنة، شهر واحد من اثني عشر شهرًا.
قال تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾، فمن عنده عذرٌ يجوز له الفطر، ومن أبرز هذه الأعذار: المرض، أو السفر، فيقضي الصيام في وقت آخر.
قال: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾، معنى ﴿يُطِيقُونَهُ﴾ عند الجمهور: أن القادرين على الصيام يُخيَّرون بينَ الصيام وبين أن يدفعوا فدية طعام مسكين عن كلِّ يومٍ، وكان هذا في المرحلة الثانية التي سبقت مرحلة إيجاب صيام رمضان عينًا على الجميع، فكان القادرون على الصيام يُخيَّرون.
قال -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ﴾، إن أراد أن يجمع بينَ الصيام والإطعام فهذا خير ومزيد تطوُّع، وإن أراد أن يزيد في الإطعام على إطعام مسكينٍ واحد فجعل الإطعام لمسكينين أو أكثر، فهذا خير أيضًا.
قال -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، فيجوز الصيام ويجوز الإطعام، ولكن الصيام خير من الإطعام، وهذا فيه تدرُّج معهم، حتى تألف النفوس وتُقبل على الصيام.
ثم قال -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾، اختصَّ الله تعالى شهر رمضان بأن القرآن أُنزِلَ فيه.
كيف أُنزِلَ القرآن في رمضان، ونحن نعلم أن القرآن نزل على نبينا محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متدرِّجًا في ثلاث وعشرين سنة؟ فما معنى نزول القرآن في رمضان؟ ثم قال في آية أخرى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ [القدر: 1]، ومعلوم من الواقع أن القرآن لم ينزل جملة واحدة، لقوله تعالى: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا﴾ [الإسراء: 106]. فما توجيه ذلك؟
للعلماء في ذلك رأيان:
الرأي الأول: معنى أن القرآن أُنزِلَ في ليلة القدر في رمضان أنَّه أُنزِلَ جملةً من اللوح المحفوظ، وهذا قد رُويَ عن ابن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
ويُشكل على هذا أنَّ بعض الآيات نزلت لأسباب مُعيَّنة، مثل قوله تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ [المجادلة: 1]، فهذه الآية نزلت لَما جاءت هذه المرأة إلى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجادلته في زوجها لَمَّا ظاهرَ منها، فكيف يكون قد نزل جملةً واحدةً؟
فهذا القول في إشكالات، حتى أنه ما ورد في أحاديثٍ صحيحة، وإنَّما رُويَ عن ابن عباس، وهذه الرواية عنه في سندها مقال.
الرأي الثاني: وهو الرأي المعتمَد عند كثيرٍ من المحققين من أهل العلم، وهو أنَّ معنى نزول القرآن في رمضان، أي: ابتداء نزوله، وكان في ليلة القدر في رمضان، وهذا هو القول الراجح في معنى نزول القرآن.
ويكون هذا الخير العظيم -وهو القرآن- رحمة للناس، يقرؤون كلام ربهم -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ويخاطبهم الله تعالى به، فهذا الخير العظيم الذي نزل على البشرية والذي رحم الله تعالى به البشريَّة كان ابتداء نزوله في ليلة القدر في رمضان.
إذًا؛ اكتسبت ليلة القدر شرفها بابتداء نزول القرآن فيها، فتكون أول آية نزلت في القرآن هي ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: 1]، نزلت في ليلة القدر.
قوله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾، هذا وصفٌ لهذا القرآن العظيم.
قال -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾، الشهود بمعنى الحضور، والمعنى: مَن حضرَ شهر رمضان ولم يكن مسافرًا فيجب عليه أن يصوم.
وهذه الآية نسخت الآية السابقة، فالآية السابقة كان الإنسان مخيرًا بين الصيام والإطعام، أمَّا في هذه الآية فقد أوجب الله تعالى الصيام على الناس عينًا.
قال -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾، هنا كرَّر الله تعالى الرُّخصَة، فلا شيء يوجد في القرآن إلَّا وله أسرار، فهذا هو كلام الله -عَزَّ وَجَلَّ- المعجِز، وكل حرف له دلالة وله معنًى وله بلاغة وأسرار، وهذا كتاب ربنا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فوق مستوى البشر في بلاغته وفي معانيه وفي كل شيء، وهذا القرآن العظيم لا يعرف قدره إلَّا مَن فهم اللغة العربية وتعمَّقَ في معانيه وفي أسراره، ويكفي أن الله تعالى تكلَّم به، وأنَّ الله تعالى جعله مُعجِزًا، فلا يُمكن أن يكون التَّكرار هنا لغير فائدة.
قال المفسرون: إن الله تعالى كرَّرَ الرُّخصَة حتَّى لا يتوهَّم متوهِّم أنَّ الرُّخصة قد نُسِخَت؛ لأنَّ الآية السابقة وهي : ﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ [البقرة: 184] منسوخة، فربما يتوهَّم مُتوهِّم أن الرخصة للمريض والمسافر قد نُسِخَت مع الآية السابقة، فكرَّر الله تعالى الرخصة ليُبيِّن أنَّ الرُّخصَة لم تُنسَخ، وأنَّها باقية في حق المريض والمسافر، وإلَّا لو لم يُكرِّر الله تعالى الرخصَة سيأتي مَن يقول: إن الرخصة للمريض والمسافر نُسِخَت مع الآية! فهذا التَّكرار أعطى هذه الفائدة العظيمة.
قال -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾، هذا من رحمة الله بعبادة، فمن رحمته تعالى التيسير على هذه الأمَّة، فجعل الله أمور هذه الأمَّة مبناها على اليسر، وأُزيل عنها كثير من الآصار والأغلال التي كانت على الأمم السابقة، وجعل الله تعالى هذه الأمة خير أمَّةٍ أُخرِجَت للناس، والله تعالى يُريد بعباده اليسر، وهو تعالى رحيم بعباده، يحب التيسير واليسر على عباده، ويحب من عباده أن يُقبلوا على الطاعة، والله تعالى لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصينَ، لكن هذه العبادة لمصحة العباد، حتى إن الله تعالى يفرح بتوبة التائب فرحًا عجيبًا عظيمًا، يصف النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا الفرح بقوله: «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِن أَحَدِكُمْ كانَ علَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فلاةٍ»، يعني: صحراء. قال: «فَانْفَلَتَتْ منه وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ»، يعني هذه الناقة ضلَّت عنه وذهبت، فما طنك بإنسان في البريَّة فقدَ راحلته وعليها طعامه وشرابه! فهو لا شك ينتظر الموت، ما عنده أكل ولا عنده شرب ولا شيء، وهو في البرية ما عنده أحد يساعده أو يسعفه.
قال: «فأيِسَ منها، فأتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ في ظِلِّهَا، قدْ أَيِسَ مِن رَاحِلَتِهِ»، أي: بينما هو على هذه الحال أخذه التَّعب ونام.
قال: «فَبيْنَا هو كَذلكَ إِذَا هو بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فأخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قالَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ»، فما ظنُّك بمستوى فرح هذا الرجل؟ فهذا فرح إنسانٍ رأى الموت ثم رأى الحياة، فالنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا»، فهذا الرَّبُّ العظيم الذي إذا أراد شيئًا فإنَّما يقول له: كن؛ فيكون، ومع ذلك يفرح بتوبة عبده هذا الفرح العظيم الشَّديد، والله تعالى ليس بحاجة إلى هذا العبد، والله تعالى لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين، وكما قال في الحديث القدسي: «يا عِبَادِي لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا علَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ، ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا علَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، ما نَقَصَ ذلكَ مِن مُلْكِي شيئًا» [صحيح مسلم: 2577]، فهذا الفرح من باب أن الله تعالى يُحبُّ الإحسان لعباده، ويُحب أن ينتفع عباده بهذه التوبة وبهذه الاستقامة، فهو يُحب التَّوابين لأجل مصلحة العباد، فانظر إلى عظيم إحسان الله -عَزَّ وَجَلَّ- لعباده، وعظيم رحمة الله تعالى بهم.
ففي هذه الآية يقول سبحانه: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾، وأكَّدَ هذا المعنى مرةً أُخرَى فقال: ﴿وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾، ولهذا جعل الله تعالى مبنى هذه الشريعة على اليسر وعلى السَّماحة والسهولة، قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78]، وقال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]، وقال تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [الأحزاب: 5]، فهذه الشريعة مبناها على السَّماحة واليسر والسهولة، وعلى رفع الحرج عن المكلَّفين.
قال -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ﴾، يعني: تكملوا عدة شهر رمضان، وهي ثلاثون يومًا، أو تسعة وعشرون يومًا، وذلك برؤية هلال شوال.
قال -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾، وهذا هو التكبير الذي يكون في آخر رمضان من ليلة العيد، إمَّا برؤية هلال شوال، أو باستكمال عدَّة رمضان ثلاثون يومًا، فهنا يبدأ وقت التكبير إلى حين صلاة الفطر، فهذا تكبيرٌ مطلَقٌ.
قال بعض أهل العلم وهو اختيار أبي العباس ابن تيمية: إنَّ التَّكبير ليلة عيد الفطر آكد من التَّكبير أيام العشر من ذي الحجَّة؛ لأن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ذكر التَّكبير ليلة عيد الفطر في القرآن في قوله ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ﴾، بينما لم يرد ذكر التكبير في العشر من ذي الحجة وعيد الأضحى وأيام التَّشريق. وهذه الآية تدل على تأكُّد سنَّة التَّكبير ليلة عيد الفطر على وجه الخصوص.
فهذا كلام عن المعنى الإجمالي عن هذه الآيات.
{ذكرتم -حفظكم الله- أنَّ الشَّريعة راعت التَّدرُّج في الأحكام، مثل تشريع الصيام وتحريم الخمر. فهل يُقال للإنسان الذي عنده عادات سيئة أو منكرات أن يتدرَّج مع نفسه في تركها؟ فإذا كان مبتلًة بالدُّخان -مثلًا- أو بأي معصيةٍ، فهل يُقال له: تدرَّج في تركها، حتى لا يستصعب الأمر}.
هذا لابدَّ منه، وإلَّا فإنَّ هذا لا يتمكَّن من الإقلاع عن تلك المعصية التي يصحبها الإدمان، فالمعاصي على قسمين:
- معاصي لا يصحبها إدمان، وهذه يستطيع الإنسان أن يتركها من غير أن يلحقه كلَفَة أو مشقَّة.
- معاصي يصحبها إدمان، وهذه لا يستطيع الإنسان أن يتركها مباشرة -في الغالب- مثل: إدمان الخمر، فانظر كيف أن الشَّريعة أتت بتحريم الخمر متدرِّجًا، فكان الإدمان شائعًا في ذاك الوقت.
كذلك شرب الدخان، فشرب الدخان معصية، ولكن عندما يُراد من الشخص أن يُقلع عن التَّدخين فما يستطيع أن يُقلع مباشرة، ولهذا فإن عيادات مكافحة التَّدخين لهم طرق وبرامج في هذا، بتخفيف التَّدخين شيئًا فشيئًا، ويُعطونهم لاصقات النيكوتين لأجل أن يُخفَّف عنه التَّدخين بالتَّدريج حتى يقلع عن التَّدخين.
فمن كان في معصيةٍ وكان مدمنًا عليها متعلِّقًا بها؛ فمن الحكمة أن يكون إقلاعه عنها بالتَّدريج حتى يكون ذلك توافقًا ومتوائمًا مع أحوال النَّفس البشريَّة، وهكذا النَّفس البشريَّة إذا تعلَّقت بشيءٍ وأدمنته، فإنَّ تخلصها منه يكون بالتَّدريج.
{يقول الله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ﴾، هذه الآية تدل على أن الشَّريعة مبناها على اليُسر، فهل يصح أن يستدل بهذه الآية أقوام في مناقضة الأحكام الشَّرعيَّة، كأن يثبت لدينا حكم شرعي بنصٍّ واضح، ثم يأتي هذا ويقول: الله تعالى يقول: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ﴾، وهذا ليس من اليسر، فيُعمِل هذه الآية إعمالًا خاطئًا ويضرب بها نصوصًا أخرى. فهل يصح هذا الاستدلال؟}.
هذا لا يصح، وهذا من باب تتبُّع الرُّخَص والتَّوسُّع فيها، وعند العلماء مقولة مشهورة وهي: "مَن تتبَّع الرُّخَص فقد تزندق"، وهناك ثلاثة مناهج:
المنهج الأول: منهج تمييع الأحكام الشَّرعيَّة، ويستدلون بمثل هذه الأدلَّة باسم التيسير، وباسم أنَّ الله يُريد بكم اليُسر، وأن الشريعة مبناها على السهولة ورفع الحرج، فيقومون بتمييع الأحكام الشَّرعيَّة، وتجد هذا موجودًا عند بعض الناس، كأن يتصدَّر الفتيا، ولا تكاد تسمع منه كلمة "حرام"!
والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: «حُفَّتِ الجَنَّةُ بالمَكارِهِ، وحُفَّتِ النَّارُ بالشَّهَواتِ»، فمعنى قوله «حُفَّتِ الجَنَّةُ بالمَكارِهِ»، أي: لابد أن يكون هناك تكاليف، ويكون فهيا مشقَّة ومكاره، وإمساك عن الأمور المحرَّمة، وقد تكون بعض النُّفوس تألف بعض الأشياء المحرَّمة؛ لهذا فإنَّ الجنة حُفَّت بالمكاره، ويقول الله تعالى في آيات الحج في سورة البقرة لما ذكر الرُّخصة: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [البقرة: 196]، فختم الآية بقوله: ﴿أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾، مع أن الآية مبناها في التَّرخيص والتَّسهيل، وهذا يعني أن تتقيَّدوا بالرُّخَصِ ولا تتوسَّعوا فيها. ومنهج التمييع هذا منهج خاطئ.
المنهج الثاني: منهج التَّشديد، وهو يُقابل منهج التَّمييع، فكل شيءٍ عنده حرام، ولا تكاد تسمع منه "حلال"، فيحب أن يشدد على الناس ويُحرم عليهم، وهذا التَّشديد أيضًا مخالف لما أراد الله -عَزَّ وَجَلَّ- من التَّيسير على عباده، ومن سماحة الشريعة ورفع الحرج.
المنهج الثالث: هو منهج الاعتدال، وليس معنى الاعتدال دائمًا: الوسط؛ وإنما الاعتدال هو: الوقوف مع النُّصوص، فإذا شدَّدت النُّصوص في مسألةٍ يُشدَّدُ فيها، وأمَّا لو جعلت فيها سَعة فنتسامح فيها ولا نشدد على الناس.
مثال: النُّصوص شدَّدت في شأن الربا، فنشدِّد فيه، وأمَّا بقيَّة المعاملات فجعلت الشريعة الأصل فيها هو الحل والإباحة، فنقول: الأصل هو الحل والإباحة ولا نحرم هذه المعاملة إلَّا بدليل واضح.
وهذا هو المنهج الحق، وهو منهج الاعتدال المبني على اتِّباع النُّصوص، فلا يكون هناك تمييع للأحكام، ولا يكون هناك تشديد على النَّاس.
ننتقل بعد ذلك إلى أبرز الأحكام المستنبطة من هذه الآيات:
أولًا: دلَّت هذه الآية على أن فرضَ الصيام مرَّ بمراحل:
المرحلة الأول: فرضيَّة صيام عاشوراء، ثم نسخ ذلك.
المرحلة الثانية: إيجاب صيام رمضان، ولكن مع التَّخيير بين الصيام والإطعام.
المرحلة الثالثة: إيجاب صيام رمضان عينًا.
وكما ذكرنا أن هذا من باب التَّدرُّج في إيجاب هذا الشيء الشَّاق على النُّفوس، فكمة الله -عَزَّ وَجَلَّ- أن جاءت فرضيَّة الصيام بهذا التَّدرُّج.
ثانيًا: بيان شرف وفضيلة عبادة الصيام، وذلك أن الله تعالى فرضها على جميع الأمم، فالصيام موجود في جميع الشَّرائع، وهذا يدل على عظيم شأن هذه العبادة.
والصيام عبادة اختصَّ الله تعالى نفسه بالأجر والثواب عليها، يقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كلُّ عملِ ابنِ آدمَ لَه؛ الحسنةُ بعشرِ أمثالِها، إلى سَبْعِمائةِ ضِعفٍ، إِلَّا الصَّوْمَ؛ فإنَّه لِي، وَأَنَا أَجزِيِ بِهِ» [البخاري (1904)، ومسلم (1151)]، وكما يُقال: العطيَّة بقدرِ مُعطيها، والله تعالى هو أكرم الأكرمين، وأجود الأجودين، فما ظنُّك بالفضل والأجر على الصيام.
أوضِّح هذه المسألة بمثال: لو أنَّ معلِّمًا عنده طلاب متفوقون، فقال: يا فلان لك جائزة كذا، وأنت يا فلان لك جائزة كذا، وأمَّا أنت يا فلان فلك جائزة خاصَّة عندي.
فما ظنُّك بهذه الجائزة؟ هل هي أفضل من جوائز زملائه أم أقل؟ لا شك أنها أفضل، فكلمة "جائزة خاصَّة: تشعر بأنها جائزة قيِّمة ليست كجوائز زملائه.
هكذا عبادة الصيام، فالله تعالى اختصَّ بأن يأجر على الصيام أجرًا خاصًّا من عنده، ليس من باب الحسنة بعشر أمثالها؛ بل أجر خاص، وهذا يشمل صيام الفريضة وصيام النَّافلة.
وأقول للإخوة الذين يحرصون على صيام النَّوافل: ما أعظم أجر هؤلاء، فبعض الناس يُوفَّق لعبادة الصيام، بعض الناس يصوم يومًا يُفطر يومًا، وبعضهم يصوم الاثنين والخميس، وبعضهم يصوم ثلاثة أيامٍ من الشَّهر، فصيام النوافل فيه أجر عظيم وثواب جزيل، وقول الله: «إِلَّا الصَّوْمَ؛ فإنَّه لِي، وَأَنَا أَجزِيِ بِهِ»، يشمل صيام الفريضة وصيام النفل.
لماذا هذا التَّشريف والاختصاص للصوم مع أن الصلاة هي أفضل العبادات؟
{ربما أن الصيام راجع إلى عبادة الصبر، والله -عَزَّ وَجَلَّ- يقول: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: 10]}.
هذا الجواب قد قيل به، وقد يُقال أيضًا: إنَّ الصلاة تحتاج إلى صبر، والحج يحتاج إلى صبر، وكل العبادات تحتاج إلى صبرٍ، ولكن الجواب الأحسن في هذا: أن الصوم سرٌّ بين العبد وبين ربِّه؛ لأنَّ الإنسان قد يكون في المكان الخالي لا يراه أحد، ويُمكنه أن يأكل ويشرب، فليس هناك مراقبَة لصيقة على الصائم طيلة النَّهار، فهذا لا يُمكن، فعلى الأقل فهو يدخل دورة المياه، فيستطيع أن يأكل ويشرب، فلن تجد أحدًا يراقب أحدًا طيلة نهاره، فكون هذا الإنسان صام طيلة النَّهار ولم يأكل ولم يشرب مخافة الله وابتغاء الأجر والثواب من الله -عَزَّ وَجَلَّ- فهذا يدل على عظيم إخلاصه ومخافته لربِّه، فكان الجزاء عظيمًا لأن الله تعالى يجزي عليه جزاءً خاصًّا من عنده، فالصيام يظهر فيه أثر الإخلاص والصدق مع الله -عَزَّ وَجَلَّ- فالصيام سرٌّ بين العبد وبين ربِّه، فقد يصلي الإنسان رياءً وقد يدفع الزَّكاة رياءً، ومثل ذلك الحج وجميع العبادات، ولكن الصوم لا يُمكن أن يُراقب الإنسان طيلة النهار من البشر، فكونه يُمسك ولا يأكل ولا يشرب طيلة نهاره خوفًا من الله وابتغاء الأجر والثواب من الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فهذا يدلُّ على إخلاصهِ وعلى عظيمِ صدقهِ مع ربِّه سبحانه، فكان الجزاء عظيمًا، وكان الثَّواب جزيلًا. إذًا؛ هذه من أعظم وأجل وأشرف العبادات.
ثالثًا: أن الله تعالى لما فرض الصيام على المؤمنين، ذكر أنه فرضه على الأمم التي قبلنا، وأنَّه أيام معدودات؛ لأجلِ التَّيسير على الناس، وحتى لا يستثقلوا هذا الأمر، ونستفيد من هذا: أنَّ مَن أراد أن يأمر الناس بشيءٍ ثقيل فعليه أن يتلطَّف معهم، ويذكر بعض الأمور التي تسهل وترغب الناس في هذا الأمر، فإن النفوس قد تأنف ولا تقبل بعض الأشياء الشَّاقَّة، فمن أراد أن يذكر أمرًا فيه مشقَّة أو عسر، فينبغي أن يُلطِّفه، وأن يذكر ما فيه من محاسن وما فيه من إيجابيَّات، فهذه من الأمور التي ينبغي أن يراعيها المتحدِّث؛ بل حتَّى إذا أراد الإنسان أن ينتقد غيره، فينبغي أن يقرِن ذلك بإبراز المحاسن أولًا، لأنَّ النقد أو النَّصيحة مهما كان ثقيلة على النفس، فينبغي أن تقدِّم ذلك بإبراز بعض المحاسن، وستجد بعض الإيجابيَّات في هذا الإنسان الذي تريد أن تنصحه، فتقول له مثلًا: رأيتُ منك الحرص، ولاحظتُ عليك شيئًا لعله يسير، وهو كذا...؛ فلو أتيت له بهذا الأسلوب ستجد أنَّه يتقبل النَّصيحة، خلاف ما لو انتقدته انتقادًا مباشرًا، فالأشياء الثقيلة على النُّفوس تحتاج إلى تمهيدٍ، وتحتاج أن تذكر معها بعض المحسِّنات وبعض المرغِّبات، ولهذا انظر كيف أنَّ الله -عَزَّ وَجَلَّ- لما فرض الصيام أتى بهذا الأسلوب:
 أولًا: قال: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة: 183]، فلستم فقط مَن أوجب عليه الصيام، فالأمم السابقة أوجب عليهم الصيام كذلك.
ثانيًا: ذكر الحكمة من الصوم، فقال: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، فأنتم المستفيدون من فرضيَّة الصيام.
ثالثًا: قال: ﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾، فهي ليست فترة طويلة، وإنَّما هي أيامًا معدودات، شهر من اثني عشر شهرًا، ثلاثون يومًا من ثلاثمائة وأربعة وخمسين يومًا.
فهذا هو أسلوب القرآن الكريم، وكان يُمكن أن يقول الله تعالى: "كتب عليكم الصيام"، ونقول: سمعنا وأطعنا؛ ولكن انظر إلى حكمة الله -عَزَّ وَجَلَّ- كيف تلطَّف مع عباده لما أراد أن يفرض الصيام، فأتى بهذا الأسلوب.
وهذا الأسلوب ينبغي أن نستفيد منه في مجال الدعوة إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- عندما نخاطب الناس، وحتى في الأمور الدنيويَّة أيضًا، فإذا أردتَّ أن تخاطب الناس في أمرٍ ثقيلٍ فينبغي أن تقرن ذلك بشيءٍ يحبه الناس ويألفونه، ولهذا كان عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- يقول: "إذا أردتَّ أن آمر الناس بأمرٍ ثقيل أخلطُ معه المُرة بالحُلوة"، فيأتي معه بشيءٍ حسنٍ حتى يخلط هذا بهذا، ويسهل على الناس.
رابعًا: بيان الحكمة من مشروعيَّة الصيام، فإن الله تعالى لما فرض الصيام بقوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾؛ بيَّن الله لنا الحكمة من ذلك، وهي قوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، فالحكمة هي: تحقيق التَّقوى لله -عَزَّ وَجَلَّ-، فلابدَّ أن ينتج الصيامُ هذه الثمرة، فإن لم يُنتج الصيام هذه الثَّمرة فليس لله حاجة في هذا الصايم، ولهذا قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَن لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به، فليسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ» [البخاري]، فمعنى هذا: أن الصائم ليس فقط يُمسك عن الأكل والشرب والجماع والمفطِّرات الحسيَّة فحسب؛ بل يُمسك أيضًا عن اقتراف المعاصي أثناء الصيام، هذا مطلوب منه في جميع الوقت ولكن يتأكَّد أثناء الصيام، وكل معصيةٍ تقع من الصائم تُنقِص من أجر الصيام، ولهذا إذا كثُرَت هذه المعاصي فقد لا يؤجر الإنسان على هذا الصيام، وإن كان يقع الصيام مبرئًا للذِّمَّة، ولكن قد لا يُؤجَر عليه، لقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الحديث السابق: «مَن لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ»، يعني: المعاصي الفعلية؛ يعني: مَن لم يدع المعاصي عمومًا فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه، فما الفائدة من هذا الصوم؟! إذا صمتَ وتقترف المعاصي من غيبةٍ ونميمةٍ وسبٍّ وشتمٍ ومن نظرٍ محرَّمٍ؛ فما قيمة هذا الصيام؟! وما أثر هذا الصيام عليك؟!
إذًا؛ إذا كثُرَت المعاصي من الإنسان، فإنَّ كل معصيةٍ تُنقِص من أجر الصيام، وقد يصل إلى هذه المرحلة، وهي أنه لا يؤجَر على هذا الصيام، ولكن فقط يقع مبرئًا للذِّمَّة، ولا يكون حاله كحال مَن لم يصُمْ.
ونظيرُ هذا: الصَّلاة التي يكون فيها الوساوس والهواجس من تكبيرة الإحرام إلى التسليم! فهذه لا يؤجر عليها الإنسان، فليس لك من أجر صلاتك إلَّا مقدار ما عقلتَ منها، لكن هذه الصلاة تقع مبرئة للذِّمَّة، وليست كحال مَن لم يُصلِّ.
وهذا الصيام الذي كثُرَت فيه المعاصي يقع مبرئًا للذِّمَّة، ولكن لا يؤجر عليه الإنسان، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه، وهذا يدل على أن الصيام ليس فقط إمساك على المفطرات الحسيَّة فحسب، بل أيضًا إمساك عن الذنوب والمعاصي، ولهذا كان كثيرٌ من السلف إذا صاموا جلسوا في المساجد وقالوا: "نحفظُ صومنا ولا نغتاب ُأحدًا"، فينبغي أن يكون هذا المعنى حاضرًا لدى كل مسلمٍ ومسلمة، وأنَّه إذا أراد أن يفعل معصية قوليَّة أو فعليَّة تذكَّر أنَّه صائم فيُمسك عنها؛ بل حتَّى على سبيل المدافعة، فإنَّ المدافعة جائزة، كما قال تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: 194]، فلو سبَّكَ أحدٌ فيجوز لك أن تسبَّه كما سبَّكَ، إلَّا إذا كنتَ صائمًا، لقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالَا فَعَلَى الْبَادِئِ مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ» [صحيح مسلم: 2587]، فمَن سبَّك يجوز لكَ أن تسبَّه، لكن لا تزيد، إلَّا إذا كنت صائمًا، والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: «فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ»، فلا تقابل السِّباب بمثله احترامًا لشعيرة الصيام.
ولابدَّ أن الصيام يُثمر هذه الثَّمرة، وهي تحقيق التقوى لله -عَزَّ وَجَلَّ-، وذلك بأمور:
أولًا: بالإمساك عن المعاصي.
ثانيًا: بفعل الطاعات.
وينبغي لمن صامَ أن يُكثر من الطاعات والعبادات، فيُحافظ على الصلوات، ويُكثر من تلاوة القرآن ومن الذكر، فتكون حاله وهو صائم ليست كحاله وليس صائمًا، ويكون الصيام قد أثمرَ هذه الثَّمرة العظيمة، وهي تحقيق التَّقوى لله -عَزَّ وَجَلَّ.
وهذه الثمرة نجدها عند كثيرٍ من المؤمنين الموفَّقين، فنجد أنَّ حالهم بعد دخول رمضان أنها تتغيَّر إلى الأحسن، فيُقبلون على المساجد، ويُقبلون على الطاعات والعبادة، فهذه علامة خير، لأن أبرز ثمرات الصيام هي تحقيق التقوى لله سبحانه؛ بل إن الصيام شُرِعَ لأجل تحقيق التقوى لله -عَزَّ وَجَلَّ- قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183].
خامسًا: يرى ابن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- أن هذه الآية محكمَة وليست منسوخة، ويرى أن المعنى: وعلى الذين يُكلَّفونه بصعوبةٍ ومشقَّة، ووردت قراءة عن ابن عباس ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطوَّقُونَهُ﴾، والقراءة المشهور ﴿يُطِيقُونَهُ﴾، وهذا في مثل الشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة في السن، والحامل، وأمثالهم، فهؤلاء يجوز لهم الفطر والإطعام.
والمعنى الذي ذكره ابن عباس هو معنى صحيح، لكن هل يُقال إن الآية لم تُنسَخ؟
الجواب: الآية نُسِخَت، والمعنى الذي ذكره ابن عباس هو معنى صحيح. وربما يُقال: إن الآية باقية في حق مَن لم يستطع الصيام إمَّا لكبرٍ، أو لمرضٍ لا يُرجَى بُرؤه؛ فهؤلاء يُفطرون ويكون عليهم فدية، وتكون الآية باقيةً لم تُنسَخ في حق هؤلاء، فكبير السِّن الذي يشق عليه الصيام مشقَّة غير معتادة يُفطر ويُطعم عن كل يومٍ مسكينًا.
سادسًا: أن الله تعالى ذكر الرُّخصَة في الفطر للمسافر والمريض، قال تعالى: ﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر﴾ [البقرة: 184]، فيجوز للمريض الفطر في نهار رمضان، ولكن لابدَّ أن نعرف ضابط المرض، فليس كلُّ مريضٍ يفطر، كمثل إنسان مصاب بزكام فليس له الفطر في رمضان، وضابط المرض المبيح للفطر هو ثلاثة أمور:
أولًا: المرض الذي يتضرَّر المريض معه بالصيام ويلحقه ضرر.
ثانيًا: يتسبب الصيام في تأخير برئه.
ثالثًا: يشق عليه الصيام مشقَّة غير معتادة.
والذي يُحدِّد ذلك هو الطبيب المختص، لأنَّ بعض العامة يفتي نفسه بنفسه، كأن يكون مريضًا بزكام أو بعض أنواع الكسور، أو مرض السكر الذي يُمكن للإنسان أن يتعايش معه ويصوم؛ فليس كل مريض يُباح له الفطر، فالطبيب المختص هو الذي يُحدد ما لو كان هذا المريض يتضرر من الصوم، أو أن الصوم يتسبب في تأخر البرؤ، أو أن هذا الصيام يشق على الإنسان مشقة غير معتادة بسبب المرض، فهنا يجوز له الفطر.
إذا كان الإنسانُ ليس مريضًا وشقَّ عليه الصيام بسبب شدَّة الحر؛ فهل له الفطر في نهار رمضان؟
الجواب: لا، كأن يكون إنسان يزاول أعمالًا في شدَّة الحر، وشقَّ عليه الصيام، فليس له الفطر، وعليه الصبر، فالنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يشق عليه الصوم، وكان يصب القربة على رأسه من شدَّة الحر، وكان الصحابة أيضًا يفعلون ذلك، وكان الناس عندنا هنا في المملكة غلى وقتٍ ليس ببعيدٍ -قبل ستين أو سبعين سنة أو أكثر- لم تكن حالهم ميسورة كما هي عليه الآن، ولم يكن فيه مكيفات، فكان إذا وافق الصيام شدَّة الحر يشق على الناس مشقَّة شديدة، فكانوا يذهبون وينغمسون في البِرَك، ويستحمون بالماء ويصبون على رؤوسهم الماء، فليس للإنسان أن يفطر لأجل شدَّة العطش أو الجوع وهو ليس مريضًا؛ لأن الإنسان إذا لم يكن مريضًا ولم يكن كبيرًا في السِّنِّ بإمكانه التَّحمُّل، فيتحمَّل العطش ثلاثة أيام، وبإمكانه يتحمل الجوع أكثر من ذلك، ورأينا بعض الزلازل التي حصل معها هدمٌ للمنازل، وعثر على بعض المفقودين تحت الأنقاض حيًّا بعد أسبوعين، وكان لا يأكل ولا يشرب لمدة أسبوعين!
إذًا؛ لو كان مريضًا فيُعذَر، أمَّا لو لم يكن مريضًا فلا، ولكن بعض الناس الصبر عنده قليل وضعيف فيجزع، فنقول له: ارفع مستوى الصبر، فإذا أحسست بالعطش أو بالجوع فبإمكانك أن تفعل ما يُخفف، كأن تصب على رأسك الماء، أو تجلس تحت مكيف وتنام، ونحو ذلك، لكن أن تفطر بدون عذرٍ فهذا لا يجوز لأنه من الكبائر.
من حكَم مشروعية الصيام: تدريب النفس على الصبر، فبعض الناس الصبر عنده قليل وضعيف.
سابعًا: دلَّت الآية على أنَّ المسافر يُباح له الفطر في نهار رمضان، والسفر الذي يُبيح الفطر إذا كانت مسافة السفر ثمانين كيلو مترًا فأكثر، فهذا السفر يُبيح التَّرخُّص بجميع رُخص السَّفر، ومنها الفطر في نهار رمضان، وتُحسب الثامنين كيلو من آخر عمران البلد وليس من البيت، فيُباح له الفطر والقصر والجمع، والمسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن.
هل يشترط للمسافر إذا أراد الفطر أن يشق عليه الصيام؟
لا يشترط بالإجماع، فيجوز للمسافر أن يفطر في نهار رمضان ولو لم يجد مشقَّة.
أيُّهما أفضل: أن يصوم أو يُفطر؟
الجواب: إذا وجد مشقَّة في الصيام فالأفضل له أن يفطر، لقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن ترتى عزائمه»، وأمَّا إذا لم يجد مشقَّة فالأفضل في حقه الصيام، لأنه أسرع في إبراء الذِّمَّة، ولأنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج مع أصحابه في سفرٍ، فأفطروا كلهم، وما صام فيهم إلا رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعبد الله بن رواحة، ويظهر أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يشق عليه الصيام، لأن الصحابة كانوا يعتنون بخدمته ويظللونه.
وهذا يحصل كثيرًا، كأن تكون السيارة مكيفة أو الطائرة مكيَّفة، فلا يجد مشقَّة غير معتادة، فحاله وهو مسافر كحاله وهو غير مسافر، فالأفضل في حقه الصيام، ولكن إذا وجد مشقة فالأفضل في حقه الفطر.
أيضًا في حكم المسافر والمريض: الكبير الذي يشق عليه الصيام مشقة غير معتادة، فهذا يُباح له الفطر، ويُطعم عن كل يوم مسكينًا.
ثامنًا: أن المسافر والمريض يجب عليهما القضاء، لقوله تعالى: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَ﴾، إلَّا إذا كان مريضًا لا يُرجَى برؤه، فهنا يُطعم عن كل يومٍ مسكينًا، لأن مرضه مستمر معه.
تاسعًا: محبة الله تعالى للتيسير لعباده لقوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾، وأن هذه الشَّريعة مبناها على اليسر والسهولة والسَّماحة ورفع الحرج عن المكلَّفين.
عاشرًا: ينبغي الحرض على التَّكبير في آخر رمضان، وهو تكبيرٌ مطلقٌ يبتدئ بغروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد، فينبغي للمسلم أن يحرص على هذه السنة، وتكبير ليلة عيد الفطر آكد وأفضل من التكبير أيام التشريق وفي عشر ذي الحجة ويوم الأضحى، لأن الله تعالى قد نصَّ عليه في القرآن، فنبيغي للمسلم أن يحرص على أن يختم شهر رمضان بالتَّكبير، لقوله تعالى: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 185].
{في ختام هذا اللقاء نشكر فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ سعد بن تركي الخثلان على هذا البيان وهذا التوضيح، نسأل الله أن يجعله من العلم النافع والعمل الصالح.
شكرًا لكم فضيلة الشيخ على هذا الحضور وهذا العلم}.
وشكرًا لكم أيُّها الإخوة المشاهدين.
{نلقاكم بإذن الله في حلقةٍ قادمة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك