{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله رَبِّ العَالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على قائدِ الغرِّ المحجَّلينَ،
نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أيها السَّادة مع دروسٍ جديدةٍ من دروس كتاب آداب المشي إلى الصَّلاة.
صيف هذا اللقاء هو سماحة العلَّامة الشَّيخ/ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار
العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، أهلًا ومرحبًا بكم يا شيخ صالح}.
حيَّاكم الله وبارك فيكم.
{في الدُّروس السَّابقة أرسلَ بعض الإخوة أسئلة تتعلَّق بما قرأناه في المتن، يقول:
ما حُكم التساهل في وقتنا الحاضر في أداء السُّننِ الرَّواتب، مع الاكتفاء
بالفرائض؟}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى الله وسلَّمَ على نبينا محمدٍ، وعلى آله
وأصحابه أجمعين.
لا يُتسَاهل في السُّنَن الرَّواتب مع الفرائض، ركعتان قبل الظُّهرِ، وركعتان
بعدها، وركعتان بعدَ المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، وراتبة الفجرِ
هي آكد الرَّواتب، فلم يكن النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتركها حضرًا
ولا سَفرًا، وهذه السُّنَن والمستحبَّات تُكمَّل بها الفَرائض يوم القيامة إذا حصل
فيها نقص؛ لذا فهي لها فائد عظيمة في عمل المسلم، فلا يُتهَاوَنُ بها.
{أحد الإخوة يقول: لماذا نُهي عن الصَّلاة في أوقات النَّهي، وهل هذا على مدارِ وقت
المسلم؟}.
أوقات النَّهي لا يُصلَّى فيها؛ لأنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أخبرَ أنَّ الشَّمس تطلع بينَ قرني شيطان، فلا يُصلَّى في هذا الوقت، كذلك تغرب
الشَّمس بينَ قرني شيطان، وأمَّا صلاة العصر فلا راتبة قبلها ولا بعدها.
{يقول السَّائل: ما معنى حديث «الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ» }
«الْإِمَامُ ضَامِنٌ»، أي: لا يُعجِّلهم.
وقوله: «وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ»، يعني: مُؤتمنٌ على دخول الوقت، فالنَّاسُ
يصلُّونَ بأذانه، فهذه أمانة حمَّله الله إيَّاها، فيجب عليه أن يتقيَّد بدخولِ
الوقت، ولا يؤذِّن قبله، إلا في الفجر فيؤذِّن الأذان الأوَّل؛ لأجلِ أن يستيقظَ
النَّاس ويستعدِّونَ لصلاةِ الفجرِ، ولكن لابدَّ أن يؤذِّن الأذان الثَّاني على
طلوع الفجر، فلا يؤذِّن الأذان الأوَّل ويقتصر عليه، لئلَّا يغرَّ النَّاس
فيصلُّونَ قبلَ الوقت، فإذا أذَّن الأذان الأوَّل أو أذَّنَ غيره؛ فلابدَّ من
الأذان الثَّاني على طلوعِ الفجر، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ
بِلالاً يُؤَذِّن بِلَيلٍ، فَكُلُوا واشرَبُوا حتَّى تَسمَعُوا أَذَان ابنِ أُمِّ
مَكتُوم» ، وكان ابن أم مكتوم -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- رجلًا أعمى، لا يُؤذِّن حتى
يُقال له: أصبحتَ أصبحتَ.
{يقول السَّائل: أيُّهما أفضل في الأجر، المؤذِّن أو الإمام؟}.
الإمامُ ضامنٌ، والمؤذِّنُ مُؤتمِنٌ، وقالوا: إنَّ المؤذِّن أكثرُ أجرًا، ولهذا قال
عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "لَوْلَا الْخِلَافَةُ لَأَذَّنْت".
{قال المؤلف -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى- في المتن: (بَابُ صَلاةِ أَهْلِ
الأَعْذَارِ)}.
أهلُ الأعذار من المسلمين كالمرضَى والمسافرينَ، ومَن به عذرٌ لا تسقطُ عنه
الصَّلاة، وإنَّما يُصلِّيها على حسبِ حالِه، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ
تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» ، فيصلي المسلم على حسبِ استطاعته ولا يتركُ الصَّلاة.
{قال المؤلف -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (يَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ المَرِيضُ قَائِمًا
فِي فَرْضٍ)}.
يكون ذلك إذا كان مُستطيعًا القيام، لحديث عمران: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ
تَسْتَطِعْ فَقَاعِدً»، ولقوله تعالى: ﴿وقوموا لله قانتين﴾ [البقرة: 238].
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (لِحَدِيثِ عِمْرَانَ «صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ
تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ. زَادَ النَّسَائِيُّ «فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَمُسْتَلْقِيً»)}.
زاد النَّسائي في رواية «فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَمُسْتَلْقِيً»، أي: يستلقي
ورجلاه للقبلة -كما في الحديث.
{قال: (وَيُومِئُ لِرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ بِرَأْسِهِ)}.
إذا صلَّى مُستلقيًا فإنَّه يُومِئُ برأسِه لركوعِهِ ولسُجودِهِ.
{قال: (مَا أَمْكَنَهُ)}.
يُومئ ما أمكنه ذلك، فإن لم يستطع فيُصلِّي على حسبِ حاله.
{قال: (لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ
بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»)}.
هذا الحديث الشَّريف قاعدة، وهو قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا
أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» ، فالله لا يُكلِّفُ
نفسًا إلا وُسعهَا، كما في قوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا
وُسْعَهَ﴾ [البقرة: 286]، فأهل الأعذار يُصلُّونَ على حسبِ ما يُمكنهم في ذلك.
{قال: (وَتَصِحُّ صَلاةُ فَرْضٍ عَلَى رَاحِلَةٍ)}.
تصحُّ صلاة الفرض على الرَّاحلة إذا احتيج إلى ذلك، كما فعل النَّبي -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنَّهم كانوا يَسيرون معه في السَّفرِ، فانتهوا إلى مضيقٍ
فتقدَّمَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على راحلته وصلَّى بهم على راحلته وهم
على رواحلهم، وهذا يدخل في قوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾
[التغابن: 16].
{قال: (وَتَصِحُّ صَلاةُ فَرْضٍ عَلَى رَاحِلَةٍ وَاقِفَةٍ أَوْ سَائِرَةٍ)}.
سواء كانت الرَّاحلة واقفة أو سائرة، وإذا كان يُمكنه أن يتوجَّه إلى القبلة
فيتوجَّه بها؛ وإلا فإنَّه يُصلِّي أينما توجَّهت به راحلته كما فعلَ النَّبي
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{قال: (خَشْيَةَ تَأَذٍّ بِوَحْلٍ وَمَطَرٍ)}.
يعني: يصلِّي على الرَّاحلة إذا خشيَ التَّأذِّي بوحلٍ -أي طين- أو مطر يمشي على
وجه الأرض؛ فإنَّهُ يُصلِّي حينئذٍ على الرَّاحلة.
{قال: (لِحَدِيثِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ:
الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ)}.
حديث يعلى بن أميَّة: (أنَّهم كانوا على رواحلهم مع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فانتهى بهم إلى مضيقٍ، فتقدَّم على راحلته وصلَّى بهم وهم على رواحلهم)
، وهذا إذا احتاجوا إلى ذلك.
{من الأسئلة التي وردت في هذا: أنَّ بعضَ النَّاس من كبار السِّنِّ يذهب بهم
أبناؤهم على عربةٍ للصَّلاةِ؛ فهل لهم الأجر في ذلك؟ وكيف يُصلِّي هذا الذي في
العربة؟}.
نعم لهم الأجر في ذلك؛ لأنَّهم أعانوهم على الطَّاعةِ وبرُّوا بهم، فلهم الأجر في
ذلك.
أمَّا المُسنُّ إذا احتاج إلى البقاء على العربةِ، فإنَّه يُصلِّي عليها ويُومئ
برأسِه بالرُّكوعِ والسُّجودِ.
{حدِّثونا فضيلة الشيخ عن هدي الرَّسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحرصه
على فريضة الصَّلاة، وأهمِّيتها}.
لا شكَّ أنَّ صلاة الفريضة لا تسقط عن أحدٍ معه عقله، ما دامَ أنَّ الإنسان معه
عقله وتصوُّرَه فإنَّه لا تسقط عنه الفريضة مهما كانت حاله، ولكن يُصلِّي على حسبِ
حالهِ، فيصلِّي قائمًا، فإن لم يستطع فقاعدًا، فإن لم يستطع فعلى جَنبٍ، فإن لم
يستطع فمستلقيًا ورِجلاه إلى القِبلة.
{ما حكم مَن يتركون الصَّلاة حال المرض، بدعوى أنَّه مريض ولا حرج في تركه للصلاة}.
نعوذ بالله! هذا من الجهل، وهذا لا يجوز، لا تسقط صلاة الفريضة عن أحدٍ ومعه عقله
وتصوُّره، وإنَّما يُصلِّيها على حسبِ حاله، قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ
نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَ﴾ [البقرة: 286].
{سوف نستكمل -إن شاء الله- ما تبقى من هذا البرنامج ومن هذا المتن في الحلقة
القادمة في كتاب آداب المشي إلى الصَّلاة.
شكر الله لسماحة العلَّامة الشَّيخ/ صالح الفوزان، وشكرًا لفريقِ العمل في هذا
البرنامج، والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.