{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله ربِّ العالمينَ، والصَّلاة والسَّلام على قائدِ الغرِّ المحجَّلينَ،
محمَّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم -أيُّها الإخوة والأخوات- في لقاءٍ مباركٍ مِن دُروسِ كتاب "آداب المشي
إلى الصَّلاة"، ضيف هذا اللقاء هو سماحة العلَّامة الشَّيخ/ صالح بن فوزان الفوزان،
عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدَّائمة للإفتاء، أهلًا ومرحبًا بالشَّيخ في
هذا اللقاء}.
حيَّاكم الله وباركَ فيكم.
{وردتنا أسئلة فيما قرأناه في المتنِ في بابِ صلاةِ أهلِ الأعذَارِ، أحد الإخوة
يسأل: ما ضابط المرض الذي يُبيح الصَّلاة جالسًا؟}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلم على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وأصحابِهِ
أجمعينَ.
ضابط المرض الذي يُصلِّي الإنسان من أجله جالسًا هو الذي لا يستطيع القيام معه، قال
رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ
تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» ورجلاه إلى القبلة.
{إذا كانَ المريضُ يستطيعُ القيامَ لكن بمعاناة؛ فهل يسوغُ له الجلوس؟}.
نعم، إذا كان عليه مُعاناة فإنَّه يجلس، ولا يشقُّ على نفسه.
{ما حُكمُ الاعتماد على الجدارِ لغيرِ حَاجةٍ؟}.
لا يجوز للمصلِّي أن يعتمَّدَ على جدارٍ، وإنَّما يقفُ على قدميهِ، ولا يستند إلى
جدارٍ، فإذا كانَ لا يستطيع إلا بالاستِنَادِ إلى جدارٍ فلْيجلِسْ ولْيُصلِّ
قاعدًا.
{ما صِفة صلاة الجالسِ، وما صِفة صلاة المضطجع؟}.
كَصِفةِ صلاة القائم، يأتي بالأذكارِ، ويأتي بنيَّة الرُّكوع والسُّجود، ونيَّةِ
الجلوس.
{مَن هو المريض الذي تسقط عنه الصَّلاة فلا يُصلِّي؟}.
الذي زالَ شعوره؛ فإنَّه تسقط عنه الصَّلاة مدَّة زوالِ شعورهِ، وأمَّا إذا كان معه
شعوره فلا تَسقط عنه الصَّلاة، وإنَّما يُصلِّي على حسبِ حاله -كما سبق.
{هل هناك حالات تُبيح لغيرِ المريض أن يُصلِّي كصلاةِ المريض؟}.
هذا في النَّافلة، فيُخيَّر بين الصَّلاة قائمًا وبين الصَّلاة قاعدًا؛ وأجر
القَاعِد على نصف أجر القائم، وأمَّا في الفريضة فلابدَّ من القيام؛ لقوله تعالى:
﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: 238].
{قال المؤلف -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَالْمُسَافِرُ يَقْصُرُ الرُّبَاعِيَّةَ
خَاصَّةً، وَلَهُ الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ)}.
مِن رُخَص السَّفر: قصر الصَّلاة الرُّباعيَّة إلى ركعتين، كالظُّهرِ والعصر
والعشاء، فتُقصَر إلى ركعتين، وهذا تخفيفٌ من الله -جلَّ وعَلا- على عبادة، قال
تعالى: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ
تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ﴾ [النساء: 101].
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَإِنِ ائْتَمَّ بِمَنْ يَلْزَمُهُ الاِتمَامُ
أَتَمَّ)}.
إذا ائتمَّ المصلِّي بمَن يلزمه الإتمام فإنَّه يُتابعه.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَلَوْ أَقَامَ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ بِلاَ نِيَّةِ
إِقَامَةٍ وَلاَ يَعْلَم مَتَى تَنْقَضِي أَوْ حَبَسَهُ مَطَرٌ أَوْ مَرَضٌ قَصَرَ
أَبَدً)}.
إذا حبسَ المسافرَ عذرٌ عن مُواصلةِ السَّفرِ كالمرضِ أو العَدُوِّ ونحو ذلك؛
فإنَّه لا يزال مُسافرًا، ويستعمل رُخَص السَّفر؛ لأنَّه لا يدري مَتى يزول العُذر
فيواصل سَفره، وقد أقامَ بعضُ الصَّحابة مدَّةَ ستَّةَ أشهرٍ يقصروا الصَّلاة
لأنَّه حبسَه العذر.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَالأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالسَّفَرِ
أَرْبَعَةٌ: الْقَصْرُ، وَالْجَمْعُ، وَالْمَسْحُ، وَالْفِطْرُ)}.
أربعة أحكام تتعلَّق بالسَّفرِ:
- قصرُ الصَّلاة الرُّباعيَّة إلى ركعتين، لقوله تعالى: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي
الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ﴾ [النساء:
101].
- والجمع بينَ الصَّلاتين: بينَ الظُّهرِ والعَصرِ، وبين المغربِ والعِشاءِ؛ فيجمع
بينهما في وقتِ إحداهما لجمع تقديمٍ أو جمعِ تأخيرٍ؛ حَسَب الأرفق به.
- والمسح على الخفَّين ثلاثةَ أيامٍ بلياليهن.
- والفِطر في رمضان.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ
وَبَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ فِي وَقْتِ أَحَدِهِمَا لِلْمُسَافِرِ)}.
يجوزُ الجمع بين العِشَائين -المغرب والعشاء الآخر- في وقتِ إحداهما تقديمًا أو
تأخيرًا، والجمعُ بينَ الظُّهرِ والعصرِ في وقتِ إحداهما تقديمًا أو تأخيرًا، وذلك
حسب الأرفق به.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ فِي حَالِ الإِقَامَةِ)}.
أي ترك الجمع أفضل للذي نوى الإقامة في أثناء السَّفر لعارضٍ حصلَ له فأقامَ من
أجله، فكونه يترك القصر أفضل له ويُتمُّ الصَّلاة.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (غَيْرَ جَمْعَيْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ)}.
الجمعُ في عرفة بينَ الظُّهر والعصر لأجلِ تواصل الوقوف بعرفة، والجمعُ في مُزدلفة
إذا وصلَ إليها بينَ المغربِ والعشاءِ؛ فهذان لا يتركهما؛ لأنَّهما مُؤكَّدان، ولم
يَرد أنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتمَّ في عرفة ولا في
مُزدلفة، وبعض العلماء يرى أنَّ هذا من النُّسُك.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَلِمَرِيضٍ تَلْحَقُهُ بِتَرْكِهِ مَشَقَّةٌ)}.
يُباح الجمع بينَ صلاتين لمريضٍ يلحقه بتركِ الجمعِ مَشقَّة إذا صلَّى كلَّ صلاةٍ
في وقتها، فيتلافى هذه المشقَّة بأن يجمع بينَ الصَّلاتين.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (لأَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
جَمَعَ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ سَفَرٍ)}.
جمع -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من غيرِ خوفٍ ولا سفر؛ وبقيَ المرض، وهو من
الأعذار التي تُبيحُ الجمع.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَثَبَتَ الْجَمْعُ لِلْمُسْتَحَاضَةِ وَهُوَ
نَوْعُ مَرَضٍ)}.
ثبت الجمع للمستحاضَةِ؛ لأنَّ الاستحاضة نوعُ مرضٍ، فيشقُّ عليها أن تتوضَّأ لكلِّ
صلاةٍ؛ فتجمع بينَ الصَّلاتين.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ الْمَرَضَ أَشَدُّ
مِنَ السَّفَرِ)}.
احتجَّ الإمامُ أحمد على مشروعيَّة الجمع لأجلِ المرض بأنَّ المرضَ أشد من السَّفر؛
فهو أولى بالرُّخصَة.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَقَالَ: الْجَمعُ فِي الْحَضَرِ إِذَا كَانَ مِنْ
ضَرُورُةٍ أَوْ شُغْلٍ)}.
إذا كانت ثَمَّ ضرورة اقتضت أن يجمع بينَّ الصَّلاتين، أو شغل يشغله عن كلِّ صلاةٍ
في وقتها؛ جاز له الجمع.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَقَالَ: صَحَّتْ صَلاَةُ الْخَوْفِ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ سِتَّةِ أَوْجُهٍ أَوْ
سَبْعَةٍ كُلُّهَا جَائِزَةٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلٍ فَأَنَا أَخْتَارُهُ)}.
يعني أنَّ الإمامَ أحمد -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى- يُرجِّح حديثَ سهل بن أبي حثمة،
وهو في صِفَة صلاة الخوف.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَهِيَ صَلاَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ)}.
أي غزوة ذات الرِّقَاع؛ سُمِّيَت بذلك لأنَّ الصَّحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-
حفيَت أقدامهم فيها، فجعلوا عليها الرِّقاع لتقيها من مشقَّة الوطء على الأرض.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (طَائِفَةٌ صَفَّتْ مَعَهُ وَطَائِفَةٌ وِجَاهَ
الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِالَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا
وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ،
وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ
مِنْ صَلاَتِهِ، ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ سَلَّمَ
بِهِمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)}.
هذا حديث سهل الذي اختاره الإمام أحمد -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى- في صفة صلاة
الخوف، أنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلَّى ركعةً واحدةً بطائفةٍ
من أصحابه، فلمَّا قام إلى الثَّانية ثبَتَ واقفًا؛ وأتمُّوا لأنفسهم وسلَّموا،
وذهبوا وِجَاه العدو، ثم جاءت الطَّائفة التي كانت وِجَاه العدو في الرَّكعة
الأولى؛ فصلَّت معه الرَّكعة البَاقية، وثبتَ جالسًا حتى أتمُّوا لأنفسِهم وسلَّم
بهم.
فالأولى: شَهدت معه تكبيرة الإحرام، وأدَّت معه ركعة وأتمُّوا لأنفسهم.
والثَّانية: أتوا بالرَّكعة البَاقية معه، وثبتَ جالسًا، وأتمُّوا لأنفسهم، وسلَّمَ
بهم.
{نريد من سماحتكم أن تقفوا عند قول المؤلف -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (جَمَعَ مِنْ
غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ سَفَرٍ)؛ لأنَّه يُشكل على كثيرٍ من النَّاس هذا الحديث}.
قوله: (جَمَعَ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ سَفَرٍ)، يعني: المطر، فيُجمَع بينَ المغرب
والعشاء من أجل المطر، وكذلك بينَ الظهر والعصر في رأي بعض العلماء.
{فضيلة الشيخ/ بالنِّسبة لمن يقصر الصَّلاة دائمًا وأبدًا في سفره، لأنَّه يكثرُ
سفره ويتردَّد كثيرًا على الخارج للعلاج؛ فهل عليه شيء؟}.
نعم، المسافر يقصر ولو تكرَّرَ سفرُه، لأنَّه أولى بالرُّخصَة، فمَن تكرَّرَ سفره،
أو يتردَّد في السَّفر ذهابًا وإيابًا أولى بالرُّخصَة من غيره.
{شكر الله لكم يا شيخ صالح، وباركَ الله فيكم، وسوفَ نستكمل -إن شاءَ الله- ما
تبقَّى من هذا المتن في الدَّرس القادم من دورس كتاب "آداب المشي إلى الصَّلاة".
وشكرً لحضراتكم أنتم أيُّها السَّادة على تواصلكم في هذا البرنامج، أشكرُ الزُّملاء
الذين سجَّلوا هذا اللقاء، والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.