الدرس الخامس

معالي الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان

إحصائية السلسلة

1466 12
الدرس الخامس

آداب المشي إلى الصلاة (5)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رَبِّ العَالمين والصَّلاة والسَّلاة على قائدِ الغُرِّ المْحجلين نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.
مرحبا بكم أيُّها الإخوة والأخوات في درسٍ جديدٍ من دروسِ كتابِ آداب المشي إلى الصلاة، ضيف هذا الدَّرس هو سماحة العلامة/ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، والذي يشرح هذا المتن من هذا الكتاب المبارك، والذي انتفع به جمعٌ من المسلمين. أهلا ومرحبًا بالشَّيخ صالح في هذا اللقاء}.
حيَّاكم الله وبارك فيكم.
{من الأسئلة التي وردت في الباب السَّابق، يقول السائل: نذهب إلى القصيم أنا وأولادي، ونصلِّي أنا وأولادي الصِّغار وبناتي خلفي؛ فهل في هذا شيء؟}.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلهِ وأصحابه أجمعين.
ما ذكره السَّائل هو السُّنَّة؛ أن تكون النِّساء خلف الرِّجال في الصَّلاة، ويكون الرِّجال الذكور ممَّا يلي الإمام.
{يقول السَّائل: نصِل إلى القصيم، ولكننا نسكن في مسكن، ونقصر ونجمع خلال الأربعة أيام، فما الضَّابط في ذلك؟}.
الضَّابط في ذلك: إذا كانوا قد أقاموا أثناء السَّفر في غير بلدهم إقامةً لا تزيد عن أربعة أيام، فينون إقامة أربعة أيام فأكثر فإنهم لا يقصرون الصلاة ولا يجمعون، وإنما يصلُّونَ صلاةَ مُقيمٍ، كلَّ صلاةٍ في وقتها تمامًا من غير قصر.
{هل ورد حديث أنَّ الرَّسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جمعَ من غير عُذرٍ ولا سفرٍ}.
نعم ورد هذا، وهو حديث مجمَل يُحال إلى الأحاديث التي تفصِّلَه، وهو أنَّه (جمعَ من غير خوفٍ ولا مرضٍ)، وفي رواية: (ولا سفرٍ)؛ فيُحمَل هذا على الجمع من أجل المطرِ بينَ المغرب والعشاء.
{قال المؤلف -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَإِنْ أَمَّ رَجُلاً وَامْرَأَةً، وَقَفَ الرَّجُلُ عَنْ يَمِينِهِ وَالمَرْأَةُ خَلْفَهُ)}.
هذه هي السُّنَّة وهذا هو الهدي النَّبوي؛ وهو أن يكون الرِّجال ممَّا يلي الإمام، والنِّساء تقوم خلفهم، كما قال أنس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (صلَّى بنَا رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقُمتُ أنا ويتيمٌ خلفَه، وأم سليمٍ خلفن)، وهي أمُّ أنسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْها.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (لِحَدِيثِ أَنَسٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ)}.
وهو الحديث الذي ذكرته.
{قال: (وَقُرْبُ الصَّفِّ مِنْهُ أَفْضَلُ)}.
أي: الأفضل أن يقُربُ الصَّفُّ من الإمامِ من أن يكون الصَّفُّ بعيدًا.
{(وَكَذَا قُرْبُ الصُّفُوفِ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ)}.
هذا من السُّنَّة، وهو ألا يكون بينَ الصُّفوفِ مسافات؛ بل يكون الصفَّ يلي الصَّفَّ.
{قال: (وَكَذَا تَوَسُّطُ الصَّفِّ)}.
كذا توسُّط الإمام الصَّف، بأن يوازي بينَ عن مَن يمينه وعن مَن شماله، فلا يكون أحد الجانبين أطول من الآخر، لقوله في الحديث: «وَسِّطُوا الإِمَامَ»، أي: اجعلوه في الوسَط.
{قال: (لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَسِّطُوا الإِمَامَ وَسُدُّوا الْخَلَلَ»)}.
عرفنا معنى: «وَسِّطُوا الإِمَامَ».
وقوله: «وَسُدُّوا الْخَلَلَ»، أي: الفُرَج، فلا يكون في الصَّفِّ فُرَج يتخلل منها الشَّيطان، ويشوِّش على المصلِّين؛ بل يتراصُّونَ في الصُّفوف، فهذا أدعى للخشوعِ، وأبعد للشيطان على المصلين.
{قال: (وَتَصِحُّ مُصَافَّةُ صَبِيٍّ)}.
يعني: الصَّبي المميِّز تصح صلاته، فيصحُّ أن يكونَ وارء الإمام رجلٌ كبيرٌ وصبيٌّ صغير مميِّز.
{نبغي توجيهًا لأولئك الذين يعجزون عن الذَّهابِ إلى المسجد، ويصلون مع أولادهم في البيت)}.
هذا خلاف السُّنَّة، فإنَّه قد جاء في الحديث أنه لا يصلِّي في البيت إلا العَجَزَة والمرضى من الرِّجال، وأمَّا الصِّحاح القادرون عل الذِّهاب إلى المسجد؛ فإنَّه يجبُ عليهم ذلك؛ لقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ فَلاَ صَلاَةَ لَهُ إِلاَّ مِنْ عُذْرٍ»، قيل: وما العذر؟ قال: «خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ» .
فلا يجوز أن تُقام صلاة الجماعة في البيوت وتُترَك المساجد.
{قال: (لِقَوْلِ أَنَسٍ: صَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ خَلْفَنَ)}.
قوله: (وَالْيَتِيمُ)، يدلُّ على أنَّه غير بالغٍ؛ لأنَّه «لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ» كما جاء في الحديث، فلا يُطلق "اليتيم" إلا على مَن هو دون البلوغ لمَن ليس له أب.
{قال: (وَإِنْ صَلَّى فَذًّا لَمْ تَصِحَّ)}.
إن صلَّى خلف الإمام فذًا لم تصح صلاته؛ لأنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى رجلًا يُصلي فذًّا خلف الصَّفِّ؛ فأمرَه أن يُعيدَ الصلاة.
{قال: (وَإِنْ كَانَ المَأْمُومُ يَرَى الإِمَامَ أَوْ مَنْ وَرَاءَهُ صَحَّ)}.
إذا كانت الصُّفوف متعدِّدَةٌ ويرونَ الإمامَ وليس بينه وبينهم حائل فإنَّه يصح الاقتداء بالإمام، وإن كان خارج المسجد فلابدَّ أن يرى الإمام أو يرى مَن وراء الإمام. {قال: (وَلَوْ لَمْ تَتَّصِلِ الصُّفُوفُ)}.
ولو لم تتصل الصفوف؛ ولكن تكون قريبة بعضها من بعض، فإذا رأى الإمام أو رأى مَن خلفَه صحَّ له أن يقتدي بالإمام ويُصلي معه.
{قال: (وَكَذَا لَوْ لَمْ يَرَى أَحَدَهُمَا إِنْ سَمِعَ التَّكْبِيرَ)}.
إذا لم يرَ الإمام ولا مَن خلفَه ولكن يسمع تكبير الإمام فإنه يُتابعه إذا سمع التَّكبير.
{قال: (وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الإِمَامُ أَعْلَى مِنَ المَأْمُومِينَ)}.
يُكرَه أن يكون الإمام أعلى من المأمومين كراهةَ تنزيهٍ، فتصحُّ الصَّلاة ولكن مع الكراهة، فلا يكون الإمام فوقهم وهذا إذا كان الإمام وحده، ولكن إذا كان الإمام مع مَن يُصلِّي خلفَه فلا بأسَ بذلك.
{قال: (قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لِحُذَيْفَةَ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُنَهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ؟)}.
ابن مسعود -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يقول لحذيفة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُنَهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ؟)، أي: الاقتداء بالإمام ولا يراهُ المأموم ولا يرَى مَن خلفه.
{قال: (وَلاَ بَأْسَ بِعُلُوِ مَأْمُومٍ؛ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ صَلَّى عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ بِصَلاَةِ الإِمَامِ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ)}.
لا بأسَ إذا ارتفع المأموم في الصلاة ورأى الإمام، كأن يقتدي به وهو على ظهر سطحٍ أو على مُرتفعٍ إذا كان معه مَن يُصلي معه ويَصفُّ معه.
{قال: (وَيُكْرَهُ تَطَوُّعُ الإِمَامِ فِي مَوْضِعِ المَكْتُوبَةِ)}.
يُكرَه تطوع الإمام لصلاة نافلة بعدَ السَّلام إذا كان في مكانه، لِئَلا يظن أحدٌ أنَّ الصلاة لم تكمُل، فيتنحَّى الإمام عن مكانه ويُصلِّيَ النَّافلة التي بعدَ الفريضة.
{ماذا لو صلَّى في مكانه؟}.
تصح الصلاة، ولكن يُكرَه فعله؛ لأنَّه يُخشَى أنَّ مَن يراه يظن أنَّ الصَّلاة لم تنتهِ.
{ يقول بعض الناس: عندما تُصلي السُّنن الرَّواتب أو تصلي ركعات في المسجد فالموضع يشهد للمصلي يوم القيامة. فهل هذا صحيح؟}.
لا شكَّ أنَّ المواضع تشهد بما فُعل عليها من خيرٍ أو شرٍّ؛ فالأرضُ تشهد لمَن عمل على ظهرها الخير، وتشهد عليه إذا عمل الشَّرَّ.
{شكر الله لكم يا شيخ صالح على تفضُّلكم بشرح هذا المتن من كتاب "آداب المشي إلى الصلاة".
وبقي جملة من الأسئلة سنُرجئها -إن شاء الله- إلى الدرس القادم في هذا البرنامج.
حتى ذلكم الحين أنقل لكم تحيَّات الزُّملاء الذين سجَّلوا هذا اللِّقاء من دروس آداب المشي إلى الصلاة. والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك