بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله ربِّ العَالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على قائدِ الغُرِّ المحجَّلين،
نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أيُّها الإخوة والأخوات في درس من كتاب "آداب المشي إلى الصلاة"، ضيف
هذا اللقاء هو سماحة العلَّامة الشَّيخ/ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار
العلماء، وعضو اللجنة الدَّائمة للإفتاء.
باسمكم جميعًا -أيُّها السَّادة- نرحب بسماحته، ونشكر له تفضله بشرح هذه المتون
المباركة، فأهلا ومرحبًا سماحة الشيخ}.
حياكم الله وبارك فيكم.
{مِن الأسئلة التي وردت في الباب السَّابق، يقول السَّائل: بعض النَّاس يأتي
مُسرعًا لإدراك الرُّكوع، ويُصدِرُ أصواتًا ويُردِّد "إنَّ الله مع الصَّابرين،
إنَّ الله مع الصَّابرين".
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه
أجمعين.
قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا سَمِعْتُمُ الإِقَامَةَ، فَامْشُوا
إِلَى الصَّلاَةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالوَقَارِ، وَلاَ تُسْرِعُوا،
فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فاتَكم فأتِمُّو» ، وفي رواية: «فَاقْضُو» .
فالمشروع أنَّ الإنسان يأتي إلى الصَّلاة بسكينةٍ ووقارٍ، كما أمر النَّبيُّ
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا يأتيها بعجلةٍ ويدخل فيها وهو ثائرَ
النَّفسِ من السُّرعةِ أو العدْوِ، فيؤثِّر ذلك على خُشوعِهِ في الصَّلاةِ.
{بعضُ النَّاس عندما يُشاهد الإمام راكعًا؛ يركع في طرفِ الصَّف ثُم يمشي وهو
مُنحنٍ. فما حكم ذلك؟}.
نهى النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك لَمَّا دخل حذيفة بن اليمان
فرأى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- راكعًا فركع ودبَّ حتى دخل في الصف،
فقال له -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا سَلَّمَ من صلاته: «زَادَكَ
اللَّهُ حِرْصًا، وَلاَ تَعُدْ» . وفي رواية: «ولا تعْدُ»، فأمره النبي -صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالسَّكينة والوقار، حتى يصل إلى الصَّف في هُدوء، فلا
يُشوِّش على نفسه، ولا يُشوِّش على المصلِّين، ولا يُذهب الخشوع.
{قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مَعَ الإِمَامِ
فَقَدْ أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ)}.
هذا هو القول الصحيح؛ أنَّ الجماعة لا تُدرك إِلَّا بإدارك ركعة، كالجمعة، وعلى
رواية في المذهب أنها تُدرك بتكبيره قبل سلام الإمام، ولكن هذا مرجوح في المذهب،
ولهذ قال في متن الزاد: (ومن كبر قبل سلامه فقد أدرك الجماعة) بناءً على هذه
الرواية المرجوحة.
{قال: (وَتُدْرَكُ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ مَعَ الإِمَامِ)}.
هذا هو القول الصَّحيح كما ذكرنا.
{(وَتُجْزِئُ تَكْبِيرَةُ الإِحْرَامِ عَنْ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ)}.
إذا جاء والإمام راكعًا فإنه يأتي بتكبيرة الإحرام وهو قائم معتدل، ثم ينحني
للركوع، ولا يجب في إنحنائه تكبير لأنَّه تُجزئ عنها تكبيرة الإحرام، فإن كبَّر
تكبيرة ثانية للإنحناء فلا بأس بذلك.
{قال: (لِفِعْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ)}.
ورد عن الصحابيين أنهما كانا يكتفيان بتكبيرة الإحرام،ولا يأتيان بتكبيرة ثانية
للانتقال.
{(وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ)}.
لا يُعرف لهما في هذه المسألة مخالف من الصَّحابة، فدلَّ على أنَّها هي الصَّحيحة.
{(وَإِتْيَانُهُ بِهِمَا أَفْضَلُ خُرُوجًا مِنْ خِلاَفِ مَنْ أَوْجَبَهُ)}.
إتيانه بالتَّكبيرتين -تكبيرة الإحرام وهو واقف، وتكبيرة الرُّكوع وهو ينحني- هذا
أفضل للخروج من الخلاف.
{(فَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ)}.
إن أدرك الإمام بعدما اعتدل من الركوع لم يكن مدركًا للركعة، ولكن يُكبِّرُ معهُ
للمتابعةِ، ويأتي بركعة بدلًا من هذه التي فاتت.
{(وَعَلَيْهِ مُتَابَعَتُهُ)}.
كما ذكرنا.
{(وَيُسَنُّ دُخُولُهُ مَعَهُ لِلْخَبَرِ)}.
يُسنُّ دخوله معه ولو كان قائمًا بعد الركوع، ولا يؤجل حتى يقوم الإمام للثانية كما
يفعله بعض الناس؛ بل يُدرك المتابعة مع الإمام؛ لقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «من أتى والإمام على حالٍ فليكن معه على تلك الحال».
{(وَلاَ يَقُومُ الْمَسْبُوقُ إِلاَّ بَعْدَ سَلاَمِ الإِمَامِ التَّسْلِيمَةَ
الثَّانِيَةَ)}.
المسبوق بشيءٍ من الصَّلاة لا يقوم للإتيان بما فاته حتى يُسلِّم إمامه التَّسليمة
الثَّانية، ولا يُسلِّم معه؛ بل يقوم بعد التَّسليمة الثَّانية ويأتي بما فاته من
الصَّلاة.
{(فَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلاَمِ لَمْ يَدْخُلْ
مَعَهُ)}.
إذا جاء والإمام يسجد للسَّهو بعد السَّلام فلا يدخل معه، لأنَّ هذا السُّجود ليس
من الصَّلاة، وإنما هو سجودٌ لجبران ما نقصَ من الصَّلاة.
{(وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُصَلَّى مَعَهُ)}.
ولو كان قد صلَّى مع الإمام يُستحب له أن يصلِّي مع هذا الدَّاخل ليَجبرَ الجماعة،
ليكون هذا الدَّاخل قد صلَّى جماعةً بانضمام أخيه إليه، ولو كان أخوه قد صلَّى
الفريضة، فإنَّه يدخل معه ويصلَّي معه وتكون له نافلة.
{(لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا
فَيُصَلِّيَ مَعَهُ»)}.
هذا هو الدَّليل على مسألتنا، فقد دخلَ رجل بعدما سلَّمَ الرَّسول -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاة العصر، فقال: «مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ
مَعَهُ»، فدلَّ على استحباب ذلك، ولو كان قد صلى مع الإمام فيصلي معه ليتم الجماعة
مع هذا المسبوق وتكون له نافلة.
{(وَلا تَجِبُ الْقِرَاءَةُ عَلَى مَأْمُومٍ)}.
قراءة الفاتحة في الجهرية لا تجب على مأمومٍ، لقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «وَإِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فَأَنْصِتُو»، والله -جل وعلا- يقول:
﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ
تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: 204] قال الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: "نزلت هذه
الآية في الصَّلاة"، يعني: إذا قرأ الإمام في الصلاة فإنَّ المأمومون إذا سمعوه
ينصتون ويسكتون.
{(قال الإمام أحمد: "أجمعَ النَّاسُ على أنَّ هذه الآية في الصَّلاة، وَتُسَنُّ
قِرَاءَتُهُ فِيمَا لاَ يَجْهَرُ فِيهِ)}.
قال الإمام أحمد: (أجمع الناس) يعني: أجمع العلماء على أنَّ هذه الآية نزلت في
الصَّلاة.
فقوله تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ﴾ يعني إذا قرأ الإمام وجهر فإن المأمومين
ينصتون ويستمعون لقراءته، ولا يقرؤون والإمام يقرأ.
{(وَتُسَنُّ قِرَاءَتُهُ فِيمَا لاَ يَجْهَرُ فِيهِ الإِمَامُ)}.
أي تُسنُّ قراءة الفاتحة والسُّورة في الصَّلاةِ السِّريَّة كالظُّهرِ والعصرِ،
وسمِّيت سريَّة؛ لأنَّ الإمام والمأمومين يُسرِّون القراءة فيهما.
{(وأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ)}.
أي أنَّ هذا مرويٌّ عن أكثرِ الصَّحابة والتَّابعين، أنَّ المأموم لا يقرأ وإمامه
يقرأ.
{شكر الله لكم سماحة الشَّيخ صالح على تفضُّلكم بشرح هذه المتون المباركة من كتاب
"آداب المشي إلى الصلاة".
نقف عند هذا الحدِّ، ونستكمل -إن شاء الله- ما تبقَّى من الأسئلة وبقيَّة المتن في
الدَّرس القادم -بإذن الله تعالى.
حتى ذلكم الحين نستودعكم الله، وأنقل لكم تحيَّات فريق العمل، والسَّلام عليكم
ورحمة الله وبركاته}.