{بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغُرِّ
المحجَّلين، نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أيها الإخوة والأخوات، في درسٍ من دروس التَّوحيد، للإمام المجدد محمد
بن عبد الوهاب -رحمه الله-.
ضيفنا في هذا الدرس، هو فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء،
وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء.
أهلًا ومرحبًا بالشيخ صالح في هذا الدرس}.
حياكم الله وبارك فيكم.
{قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب لا يُستشفع بالله على خلقه}.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ،
وعلى آله وأصحابه أجمعين.
لا يُستشفع بالله على خلقه؛ لأن المشفوع عنده أعظم من المشفوع فيه، فإذا استشفع
بالله على أحدٍ من خلقه، فقد تنقَّص الله -سبحانه وتعالى-، وهذا مُخِلٌّ بعقيدة
التَّوحيد، ومُنقِّصٌ لها.
{عن جُبير بن مطعِم -رضي الله عنه- قال: جاء أعرابيٌّ إلى النبي -صلى الله عليه
وسلم- فقال: يا رسول، نُهِكَتِ الأنفس، وجاع العيال، وهلكت الأموال، فاستسقِ لنا
ربك، فإنا نستشفع بالله عليك، وبك على الله.
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «سبحان الله، سبحان الله»، فمازال يسبِّح حتى
عُرِفَ ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ويحك، أتدري ما
الله؟ إن شأن الله أعظم من ذلك، إنه لا يُستشفع بالله على أحدٍ من خلقه» وذكر
الحديث، رواه أبو داود}.
في هذا الحديث شاهدٌ للترجمة، لا يُستشفع بالله على أحدٍ من خلقه؛ لأن هذا
تَنَقُّصٌ لله -عزَّ وجلَّ-؛ لأن المشفوع عنده أعظم من الشافع، فإذا استشفع بالله
على أحدٍ من خلقه، فقد تنقَّص الله، وجعل المخلوق أعظم من الخالق، تعالى الله عن
ذلك، ولهذا لما قال هذا الرجل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "نستشفع بالله عليك"،
النبي -صلى الله عليه وسلم- تأثر عند ذلك؛ إجلالًا لله وتعظيمًا لله، فقال: «ويحك»،
هذه كلمة توبيخٍ «أتدري ما الله؟ إنه لا يُستشفع بالله على أحدٍ من خلقه»، وإنما
العكس، أن يُستشفع بالمخلوق عند الخالق، هذا شيءٌ طيبٌ، الله يأذن بالشفاعة لمن
يشاء؛ إكرامًا للشافع، ورحمةً بالمشفوع.
{فضيلة الشيخ، في هذا الباب مسائلُ عديدةٌ:
الأول: إنكاره على من قال: "نستشفع بالله عليك"}.
النبي -صلى الله عليه وسلم- تأثر، وأنكر هذه الكلمة "نستشفع بالله عليك"، حتى
عُرِفَ ذلك في وجوه أصحابه، تأثروا بتأثر الرسول -صلى الله عليه وسلم- من هذه
الكلمة، التي فيها إساءةٌ في حقِّ الله -سبحانه وتعالى-، حيث جعل اللهَ شفيعًا عند
أحدٍ من خلقه.
{المسألة الثانية: تغيُّره تغيُّرًا عُرِفَ في وجوه أصحابه من هذه الكلمة}.
تغيُّر النبي -صلى الله عليه وسلم- من هذه الكلمة، التي فيها إساءة أدبٍ مع الله
-سبحانه وتعالى-، وفيها تنقُّصٌ لله سبحانه، فتأثر النبي -صلى الله عليه وسلم-
خوفًا من الله -عزَّ وجلَّ-، وإجلالًا له من كلمة هذا الرجل، وتأثر الصحابة بتأثر
رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنهم يشق عليهم ما يشق على الرسول -صلى الله عليه
وسلم-، كما أن الرسول يشق عليه ما يشق على أمته؛ لأنه بالمؤمنين رءوفٌ رحيمٌ.
{المسألة الثالثة: أنه لم يُنكر عليه قوله: "نستشفع بك على الله"}.
هذا جائزٌ، "نستشفع بك على الله" يجوز الاستشفاع على الله بأحدٍ من خلقه، ولكن هذا
له شرطان:
الشرط الأول: أن يأذن الله بالشفاعة عنده.
الشرط الثاني: أن يكون المشفوع فيه ممن رضي الله قوله وعمله، بأن يكون من المؤمنين،
من المسلمين.
{المسألة الرابعة: التنبيه على تفسير "سبحان الله"}.
سبحان الله: التسبيح معناه التنزيه، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- نزَّه اللهَ عن
قول هذا الرجل، الذي أساء في حق الله، فقال: "نستشفع بالله عليك".
{المسألة الخامسة: أن المسلمين يسألونه الاستسقاء}.
أن المسلمين يسألونه الاستسقاء، يعني: أن يدعو لهم بالسقيا من الله -سبحانه
وتعالى-، وهذا شيءٌ طيبٌ، فقد استسقى سيدنا عمر بالعباس، بعد وفاة النبي -صلى الله
عليه وسلم-، فقال -رضي الله عنه-: "اللهم إنَّا كنا إذا أجدبنا نستسقي بنبيك، وإننا
الآن نستسقي بعمِّ نبيِّك فاسقنا، ادعُ يا عباس، فدعا العباس، واستسقى لهم، فأنزل
الله عليهم الغيث: فالاستسقاء معناه: طلب السقيا من الله -سبحانه وتعالى-.
{من المسائل العامة التي نسأل عنها يا شيخ:
في هذا الحديث نرى حرص الرسول -صلى الله عليه وسلم- على تعليم الصحابة أمور دينهم}.
بلاشكٍّ أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حريصٌ كما وصفه الله بذلك ﴿حَرِيصٌ
عَلَيْكُم﴾ [التوبة: 128] فهو حريصٌ على أمته في أن يعلِّمها ما ينفعها، ويحذِّرها
مما يضرها، ومن أعظم ذلك ما بينهم وبين الله -سبحانه وتعالى-، فإنه علمهم أن
يتأدَّبوا مع الله، وأن يستحيوا من الله -عزَّ وجلَّ-، وأن يخافوا من الله، وينهاهم
أن يتطاولوا بشيءٍ فيه إساءةُ أدبٍ مع الله -سبحانه وتعالى-، بسبب الجهل، وبسبب
الجفاء، كما في قول الأعرابي.
{نختم هذا اللقاء بسؤال فضيلة الشيخ، وهو: واجب الأمة تجاه رسولهم -صلى الله عليه
وسلم-}.
واجب الأمة تجاه رسولهم واجبٌ عظيمٌ، أولًا: عليهم أن يتبعوه، ويقتدوا به -صلى الله
عليه وسلم-، ويطيعوه في ما أمرهم به، ويجتنبوا ما نهاهم عنه، وأن يحبوه محبةً أكثر
من محبتهم لأنفسهم، ومن أولادهم، ووالديهم، ومن الناس أجمعين، كما قال النبي -صلى
الله عليه وسلم- في الحديث: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من نفسه وولده
ووالده والناس أجمعين»، هذا في حق الرسول، وحق الله -جلَّ وعلَا- أعظم، أن يحبَّه
أكثر من كلِّ شيءٍ، والمحبة هي أعظم أنواع العبادة، المؤمنون يحبون الله حبًّا
شديدًا، كما قال -جلَّ وعلَا-: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ﴾
[البقرة: 165]، فالله -جلَّ وعلَا- أحب إلينا من كلِّ شيءٍ؛ لأنه ربُّنا وخالقُنا،
ورازقُنا، وبيده الملك، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، يُعطينا، ويرزقنا، ويُحيينا،
ويُميتنا، ويُسعدنا، ويُشقينا، يجب من حقه تعالى ما لا يجب لحق غيره من الإجلال
والتعظيم، وحسن الرجاء به -سبحانه وتعالى-، والإكثار من سؤاله.
{شَكَرَ الله لكم سماحة الشيخ صالح، على تَفَضُّلِكُم بشرحِ هذه الأحاديث المباركة
في كتاب التَّوحيد للإمام المجدد، محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، كان معكم فضيلة
الشيخ صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله-، نلتقي به -إن شاء الله- في الدروس
القادمة، والمتبقية في هذا الكتاب -بإذن الله تعالى-، حتى ذلكم الحين، تقبلوا تحيات
الزملاء، فريق العمل في هذا البرنامج، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.