الدرس الخامس

معالي الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان

إحصائية السلسلة

5157 7
الدرس الخامس

كتاب التوحيد (3)

{بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغُرِّ المحجَّلين، نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أيها الإخوة والأخوات، في درسٍ مباركٍ من دروس التوحيد، للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-.
ضيف هذا الدرس هو فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء.
أهلًا ومرحبًا بالشيخ صالح في هذا الدرس}.
حياكم الله وبارك فيكم.
{كنا قد قرأنا جزءًا من أحاديث في باب ما جاء في كثرة الحلف، بقي هذا الحديث: عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قومٌ تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته»، قال إبراهيم: كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغارٌ.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وهذا الحديث كالأحاديث التي قبله، في أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أن خير الناس قرنه، والمراد بالقرن الجيل، قرنه الذي بُعث فيهم، وهم الصحابة -رضي الله عنهم-، فالصحابة هم خير القرون، وليس بعد الأنبياء خيرٌ من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، الصحابي هو: من لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمنًا به، ومات على ذلك، هؤلاء هم الصحابة -رضي الله عنهم-، ولهم فضلٌ عظيمٌ، وهم أفضل قرون هذه الأمة المحمدية.

«خيركم قرني، ثم الذين يلونهم»، القرن الثاني، وهم التابعون، الذين يأتون بعد صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
قال الراوي: "لا أدري، ذكر بعد قرنه قرنيْن أو ثلاثةً"، هذه تسمى القرون المفضلة، الأربعة قرون، التي تأتي بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيها الفضل، وهم صدْر هذه الأمة، وقدوتها، ثم بعد ذلك تُفتح عليهم الدنيا، تكثر الفتن والشرور، ويكثر النفاق، فحينئذٍ يحصل الخليط في الأمة، فيحصل الخليط الكثير في الأمة، من أجناسٍ هابطةٍ، أو قليلةِ الفضل، وكل ما يتأخر الزمان، يحصل هذا الوصف للناس، كل ما تأخر الناس زمانهم، زمانهم تأخر عن الزمان القرون المفضلة، يحصل في الناس النقص، إلا من رحم الله، ولكن يبقى الخير في هذه الأمة، إلى أن تقوم الساعة، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله -تبارك وتعالى-»، فيبقى هؤلاء الصنف من الناس، مستقيمين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، ولم يساعدهم، أو استهان بهم، ولا من خالفهم في دينهم، «لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله -تبارك وتعالى-»، فالفضل في هذه الأمة باقٍ ولله الحمد، إلى أن تقوم الساعة، ولكن تكثر الشرور والفتن، ولكن هذا النمط من الناس هؤلاء لا يزالون على الحق ظاهرين، في مكانتهم، وفي قدرهم عند الناس، وعند الله -سبحانه وتعالى-، ظاهرين ومنصورين على عدوهم، لا يضرهم من خذلهم، ولا يضرهم من خالفهم، في أمور الدين، وأمور الاستقامة، حتى يأتي أمر الله -تبارك وتعالى-، فهذا فيه البشارة من الرسول -صلى الله عليه وسلم-، أن الخير باقٍ في هذه الأمة، وأن هذه الأمة لا تضل كلها، وإنما يبقى فيها بقيةٌ صالحةٌ، يكونون قدوةً لمن يريد الخير، ويريد الاستقامة، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله -تبارك وتعالى-، في نهاية هذه الدنيا، وقيام الساعة، فهذا فيه فضل هذه الأمة، مهما تكالب الأعداء عليها، ومهما كثر مخالفوها، ومهما كثر الذين يريدون التغلب عليها، فإن الله يظهرهم ويحميهم ويمدهم بنصره وإعانته؛ من أجل أن يبقى هذا الدين العظيم حيًّا مصونًا، إلى أن يأتي أمر الله -جلَّ وعلَا- عند نهاية هذه الدنيا.
{قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في هذا الباب رسائل عدَّةٌ: الأولى: الوصية بحفظ الأيمان}.
نعم، المسألة الأولى: الوصية بحفظ الأيمان، قوله تعالى: ﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾ [المائدة: 89]، قيل معناه: لا تحلفوا، وقيل معناه: لا تحلفوا على الكذب، ولا تستهينوا بالكذب، ولا تكثروا من الأيمان إلا عند الحاجة، مع الصدق في اليمين.
{الثانية: الإخبار بأن الحلف منفقةٌ للسلعة، ممحقةٌ للبركة}.
الإخبار من الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأن الحلف يحصل به نفاق السلعة، ورواج السلعة؛ لأن الناس يصدقون صاحبها إذا حلف أنها من الصنف الفلاني، ومن الجيد، أو أنه اشتراها بكذا، أو أنها سِيمت منه بكذا وكذا، يريد ترويجها، ويريد نفاقها، فهذا يدل على استهانته باليمين، ويدل على ضعف توحيده.
{الثالث: الوعيد الشديد في من لا يبيع إلا بيمينه، ولا يشتري إلا بيمينه}.
الوعيد الشديد: ﴿لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 77]، هذه أنواعٌ من الوعيد على من استهان بالحلف بالله -عزَّ وجلَّ-، واستخدمها لأجل أمور الدنيا، وآثر الدنيا على الآخرة.
{الرابعة: التنبيه على أن الذنب يعظم مع قلة الداعي}.
أن الذنب يعظم مع قلة الداعي، الأُشيْمط ليس عنده داعٍ للزنا، ولكنه يحب الزنا، وهو في هذه السن، فهذا دليلٌ على قلة ورعه، وقلة دينه.

{الخامسة: ذم الذين يحلفون ولا يستحلفون}.
ذم الذين يحلفون ولا يستحلفون، يعني: لا تطلب منهم اليمين، بل يبادرون بها، من غير طلبٍ، وهذا دليلٌ على استهانتهم بها، وعلى نقصان توحيدهم.
{السادسة: ثناؤهم -صلى الله عليه وسلم- على القرون الثلاثة، أو الأربعة}.
ثناؤه -صلى الله عليه وسلم- على القرون، أي الأجيال الثلاثة، وهم الصحابة، والتابعون، وأتباع التابعين، والقرون المفضلة في أنها أقرب إلى وقت الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وإلى أهل الفضل والإيمان، والصدر الأول، هذه هي القرون المفضلة، التي يكثر الفضل فيها، والاستقامة فيها، والتوحيد، ثم بعدهم يتغير الأمر، ويختلط الأمر، ولكن لا تزال طائفةٌ من أهل الحق ومن أهل الدين، لا تزال إلى أن تقوم الساعة، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-.
{السابعة: ذم الذين يشهدون ولا يستشهدون}.
نعم، ذم الذين يشهدون، يؤدون الشهادة قبل أن تُطلب منهم، فهذا دليلٌ على تهاونهم في أمر الشهادة. ولكن إذا كان خشي أن يضيع الحق، ولا يُعلم أن عنده شهادةً، فإنه يتقدم بها؛ لأجل أن يحفظ الحق لصاحبه، ويؤدي الأمانة التي ائتمنه الله عليها، وهي الشهادة بالحق.

{المسألة الأخيرة: كون السلف يضربون الصغار على الشهادة والعهد}.
نعم، قال إبراهيم، يعني إبراهيم النخعي -رحمه الله-، وهو من كبار التابعين، قال: "كانوا" أي: السلف الصالح "يضربوننا" أي: يضربون الصغار على الشهادة والعهد؛ لأجل أن يربوهم على تعظيم التوحيد، وتعظيم الشهادة، وتعظيم أمور الدين، فهذا فيه التربية، أو إنها حسن تربيةٍ، أنها مطلوبةٌ.
وأما من ضيعوا ذريتهم، وضيعوا أولادهم، ولم يربوهم على الخير، تركوهم للأشرار، فهؤلاء خانوا الأمانة، التي ائتمنهم الله عليها؛ لأن الأولاد أمانةٌ في أعناق والديهم، أن يحفظوهم، وأن يؤدبوهم، وأن يربوهم على الخير، وأن يكفوهم عن الشر، ومن ذلك ألا يُدخلوا وسائل الشر إلى بيوتهم، بين أولادهم، ينظرون إليها، فيتأثرون بها، أو تكون بيوتهم مصونةً من هذه الوسائل الشريرة، والشبكات الفاسدة، التي تفسد الأولاد، تفسد الذريعة، وتفسد النساء، تفسد من في البيوت، وهم أمانةٌ في صاحب البيت؛ لأن صاحب البيت مؤتمنٌ على من فيه، قال -جلَّ وعلَا-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [التحريم: 6].
قو أنفسكم أولًا، ثم أهليكم، بأن تجنبوهم الشر، ووسائل الشر، خصوصًا في هذا الزمان، الذي كثرت وسائل الشر، وانتشار الشر، بواسطة هذه القنوات الهابطة، وهذه الشبكات الفاسدة، التي تجلب الشرور، والتي يُقذف فيها كل خبيثٍ، وكل بلاءٍ، فتدخل في بيوت هؤلاء، ويتأثر بها أولادهم، ونساؤهم، فهم المسئولون عن ذلك أمام الله -سبحانه وتعالى-، فعلى المسلمين أن يتنبهوا لهذا الأمر.
{جزاكم الله عنا، وعن أمة الإسلام خير الجزاء، استفدنا من هذا الشرح الممتع، وهذه الأحكام، وهذه الفوائد القيمة، في كتاب التوحيد.
شكرًا لكم يا شيخ صالح الفوزان على تفضلكم بشرح هذه الدروس، وشكرًا لفريق العمل في هذا البرنامج، يتجدد اللقاء -إن شاء الله-، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك