{بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغُرِّ
المحجَّلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أيها الإخوة والأخوات، مع درسٍ من دروس التوحيد، هذا الدرس، وهذا الكتاب
للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله.
وضيف هذا اللقاء هو فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء،
وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء.
أهلًا ومرحبًا بالشيخ في هذا الدرس}.
حياكم الله وبارك فيكم.
{قال المؤلف -رحمه الله تعالى- باب ما جاء في منكري القدر}.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى
آله وأصحابه أجمعين.
القدر والقضاء من الله -سبحانه وتعالى-، هو تقدير الأمور التي تقع في هذا الكون،
فما من شيءٍ يحدث ويقع إلا وقد قدَّره الله -جلَّ وعلَا-، وقضاه، وكتبه في اللوح
المحفوظ، والإيمان بالقضاء والقدر هو أحد أركان الإيمان الستة، قال صلى الله عليه
وسلم: «الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وتؤمن بالقدر خيره وشره»،
فجعله من أركان الإيمان.
الإيمان بالقدر خيره وشره، أنه مِن الله -سبحانه وتعالى-، فهو الذي يقدِّر الخير،
ويقدِّر الشر، وله الحكمة البالغة في ذلك، فلابد من الإيمان بذلك، وأنه لا يجري في
هذا الكون إلا ما قدَّره الله -سبحانه وتعالى-، وشاءه، فعدم الإيمان بالقضاء
والقدر، ينقص به ركنٌ من أركان الإيمان، وبالتالي من أنكر القضاء والقدر لا يكون
مؤمنًا بالله -سبحانه وتعالى-، وهذا نقصٌ في التوحيد، ولهذا أورده الشيخ -رحمه
الله- في هذا الكتاب.
{قال ابن عمر: والذي نفس ابن عمر بيده، لو كان لأحدهم مثل أحدٍ ذهبًا، ثم أنفقه في
سبيل الله، ما قبله الله منه، حتى يؤمن بالقدر}.
لما ذُكر لابن عمر -رضي الله عنه- أن قومًا يُنكرون القدر، ولا يؤمنون به، أنكر
عليهم، وقال: والذي نفس ابن عمر بيده، لو أنفق أحدهم مثل أحدٍ ذهبًا، -مثل أحدٍ-
يعني: جبل أُحد، الجبل العظيم حول المدينة، لو أنفق ما يعادل هذا الجبل العظيم
ذهبًا، في سبيل الله، ما تقبَّله الله منه، حتى يؤمن بالقضاء والقدر؛ لأن من جحد
شيئًا من أركان الإيمان ليس بمؤمنٍ، ومن ذلك القضاء والقدر.
والناس في القضاء والقدر على ثلاثة أقسامٍ: طرفان ووسطٌ.
طائفةٌ أنكرت القضاء والقدر، وهم المعتزلة.
وطائفةٌ غَلت في إثبات القضاء والقدر، وهم الجبرية، الذين يقولون: إنَّ العبد
مجبورٌ، وليس له اختيارٌ، وإنما هو مجبورٌ يُحرَّك بغير اختياره، كالريشة في الهواء
يُحرِّكها الهواء، وليس لها اختيارٌ في ذلك، وهذا كفرٌ بالله، وعبثٌ في الاعتقاد،
ولابد أن يؤمن بقضاء الله وقدره وأنَّ ما شاءه الله كان وحدث، وما لم يشأْهُ لم
يكنْ ولم يوجدْ، كل ذلك بقضاء الله وقدره، ومع هذا فالإنسان مأمورٌ بفعل الأسباب،
وبعمل الخير والطاعات، مع إيمانه بالقضاء والقدر، فلا يقتصر على الإيمان بالقضاء
والقدر، ويكون من الجبرية، ولا يعتمد على القضاء والقدر ولا يعمل شيئًا فيكون من
المعتزلة.
{ثم استدل بقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته،
وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره» رواه مسلم}.
نعم استدل ابن عمر على قوله: لو أنفق أحدهم مثل أحدٍ ذهبًا ما تقبله الله منه، حتى
يؤمن بالقضاء والقدر، استدل على ذلك بقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «الإيمان أن
تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وتؤمن بالقدر خيره وشره»، فجعله -صلى الله
عليه وسلم- ركنًا من أركان الإيمان الستة.
{وعن عبادة بن الصامت، أنه قال لابنه: يا بني، إنك لا تجد طعم الإيمان، حتى تعلم
أنَّ ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك}.
عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- الصحابي الجليل، لما حضره الموت، أوصى ابنه، ومن
جملة ما أوصاه به الإيمان بالقضاء والقدر، وقال: يا بني، إنك لا تجد طعم الإيمان،
حتى تؤمن بالقدر خيره وشره.
كثيرٌ يَدعي أنه مؤمنٌ، لكن لا يجدون طعم الإيمان، الإيمان له طعمٌ، وله ذوقٌ، وله
حلاوةٌ، لا يجدها إلا المؤمن حقًا، لن تجد طعم الإيمان، حتى تؤمن بالقضاء والقدر.
{سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن أول ما خلق الله القلم، فقال له:
اكتبْ، فقال: ربِّ، وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيءٍ، حتى تقوم الساعة»}.
سمع عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- من الرسول -صلى الله عليه وسلم- هذا الحديث،
قال: «إن أول ما خلق الله القلم»
هل القلم أول المخلوقات؟
هذا ظاهر الحديث، أو أنه مِنْ أول مَا خَلق.
لمَّا خلق الله القلم قال له: اكتب، فالحديث محتملٌ هذا وهذا، وكلا الأمرين لا
يتنافيان، فالحديث يدل على أنَّ كل ما يجري في هذا الكون قد كتبه هذا القلم بأمر
الله -سبحانه وتعالى-، ولهذا يقول الإمام ابن القيم في النونية:
والناس مختلفون في القلم الذي
كُتب القضاء به من الديانِ
هل كان قبل العرش أو هو بعده
قولان لأبي العلا الهمداني
فالحاصل أنَّ قوله: «أول ما خلق الله القلم» يحتمل أنَّ القلم هو أول المخلوقات،
ويحتمل أنه ليس أول المخلوقات، والعرش سابقٌ له، ولكن معنى الحديث أن الله عند خلقه
للقلم أمره بالكتابة مباشرةً.
{سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن أول ما خلق الله القلم، فقال له:
اكتب، فقال: ربِّ، وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيءٍ، حتى تقوم الساعة»، يا بني
سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من مات على غير هذا فليس مني»}.
يقول عبادة بن الصامت لابنه: يا بني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن
أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، فقال: ربِّ، وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير
كل شيءٍ، حتى تقوم الساعة»، ثم قال عبادة لابنه: يا بني لو متَّ على غير ذلك، يعني
على غير هذا الاعتقاد، وهو الإيمان بالقضاء والقدر، وأن كل شيءٍ يجري في هذا الكون،
فقد قدَّره الله، وكتبه القلم الذي خلقه الله -سبحانه وتعالى.
مَن مات وهو لا يعتقد -هذا الاعتقاد- أن الأمور كلها مُقدَّرة ومقضية، وأنَّ القلم
كتب كل شيءٍ بأمر الله -سبحانه وتعالى-، مَن مات على غير ذلك، فإنه لا يموت على
الإسلام؛ لأنه مُنكرٌ لركنٍ من أركان الإيمان، وهو القضاء والقدر.
{وفي روايةٍ لأحمد: «إنَّ أول ما خلق الله تعالى القلم، فقال له: اكتب، فجرى في تلك
الساعة بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة»}.
وهذه الرواية كالرواية التي قبلها، أنَّ القلم مخلوقٌ، وأن الله أمره، أول ما خلقه
أمره أن يكتب كل ما يجري في هذا الكون، مما هو كائنٌ، إلى يوم القيامة، وأن من لم
يؤمن بذلك فإنه لا يموت على الإيمان؛ لأنه أنكر ركنًا من أركان الإيمان الستة.
{وفي روايةٍ لابن وهب: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «فمن لم يؤمن بالقدر
خيره وشره، أحرقه الله بالنار»}.
نعم، «فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشره، أحرقه الله بالنار»، هذا إخبارٌ أن الله يُحرق
بالنار من لم يؤمن بالقضاء والقدر، فدل على أنه لابد من الإيمان بالقضاء والقدر،
ومن لم يؤمن بذلك، فإنه يُعذَّب بالنار مع الكفار والعياذ بالله.
{سوف نستكمل ما تبقى من بقية هذه الأحاديث في الدرس القادم -بإذن الله تعالى.
حتى ذلكم الحين، شكرًا لفضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء،
وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، والذي شرح هذه الدروس من كتاب التوحيد، للإمام المجدد
محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.