الدرس السادس

فضيلة الشيخ د. فهد بن سليمان الفهيد

إحصائية السلسلة

23200 6
الدرس السادس

كتاب التوحيد

{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على قائد الغر المحجلين، اللهم صلِّ عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
مرحبًا بكم أيُّها الإخوة والأخوات من المشاهدين والمشاهدات، في هذا الدرس الجديد، من دروس برنامج (جادة المتعلم) والذي تقدمه لكم جمعية هُداة الخيرية، لتعليم العلوم الشرعية، ودرسنا هذا اليوم في شرح (كتاب التوحيد) للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- يشرحه لنا فضيلة الشيخ/ الدكتور فهد بن سليمان الفهيد، فمرحبًا بكم فضيلة الشيخ}.
حيَّاكُم الله، وحيَّا الله الإخوة جميعًا، نسأل الله لنا ولكم العلم النافع والعمل الصالح}
{اللهم آمين. نستأذنكم في القراءة فضيلة الشيخ}.
على بركة الله تفضل.
{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله ﷺ، قال -رحمه الله تعالى: (بَابُ مِنَ الشِّرْكِ الْاسْتِعَاذَةُ بِغَيْر اللَّهِ، وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقً﴾ .
وَعَن خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ -رضي الله عنها- قالتْ: سَمَعَتُ رَسُول اللَّه ﷺ يَقُول: «مَنْ نَزَلَ مَنْزِلاً فَقال: أَعوذُ بِكُلِّمَاتِ اللَّهِ التَّامَاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ؛ لَمْ يَضُرُّهُ شَيْءٌ حَتّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنَزِلِهِ ذَلِكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ)
}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أمَّا بعد، فيقول الشيخ/ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- في كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد: (بَابٌ مِنَ الشِّرْكِ الْاسْتِعَاذَةُ بِغَيْر اللَّهِ) وأورد في هذا الباب آية وحديثًا عن النبي ﷺ، وموضوع الاستعاذة هو مُشابه أيضًا للاستعانة وكذلك الاستغاثة، وهذه الأمور مُعلقة عند كل موحد بالله -سبحانه وتعالى- يتعلق قلبه بالله، ويلجأ إلى الله، ويطلب الخير من الله -سبحانه وتعالى- ويطلب من الله أن يحميه، وأن يُعيذه وأن يُحصنه من أعداءٍ يحيطون به، وهناك شرور تُحيط بالإنسان، شياطين إنس، وشياطين جن، وأمراض، وأشياء غامضة، وأشياء ظاهرة، وأعداء محاربين، وحساد، وأهل شر، وأهل سحر، وأهل فتن، وأهل ضلال، وأهل أفكار سيئة، أشياء كثيرة من الشرور لا يمكن للإنسان أن يُدركها كلها.
فمن الذي يحميه ويحرسه ويدفع عنه؟
من الذي يلجأ إليه ويتحصن به؟
من الذي يستعيذُ به؟ هذا معنى الاستعاذة، الاستعانة طلب العون، والاستعاذة طلب العوز والملجأ والملاذ، حتى قال أحد الشعراء:

يــا مَـــنْ ألُـــوذُ بِــهِ فيمَــا أُؤمّلُـــهُ ... وَمَـنْ أعُــوذُ بهِ مِمّـا أُحـــــاذِرُهُ
لا يَجْبُرُ النّاسُ عَظْماً أنْتَ كاسِرُهُ ... وَلا يَهيضُونَ عَظْماً أنتَ جابِرُهُ

هذه مع الأسف قالها في مدح أحد الخلفاء أو كذا، يقول أهل العلم: هذا كلام لا يليق إلا بالله -سبحانه وتعالى- ولا يُقال: "ألوذ أو أعوذ" إلا لمن يُعيذ العباد كلهم، والمقصود أنَّ الاستعاذة عبادة قلبية، ويكون لها آثار بالكلام، ومن ينظر في كلمات النبي ﷺ ودعواته يجد أنَّ تعوذات النبي ﷺ كانت كثيرة عَلَّمَهَا أمته، وكان يتعوذ بها صلوات الله وسلامه عليه، بل بعض أهل العلم أفرد كتابًا باسم: التعوذات أو التعوذ، وذكر فيه ما كان يقوله الرسول ﷺ من التعوذات.
والله -عز وجل- أمر العباد أن يستعيذوا به، فقال: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ [الفلق:1]، ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ [الناس:1]، ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [النحل:98]، فأهل التوحيد وأهل الايمان وأهل الإسلام يستجيبون لأمر الله، وقلوبهم مُعلقة به، يعلمون أنه هو الذي يُغيث وهو الذي يحفظ، وهو الذي يحصن العبد ويكفيه كل ما أهمه ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال:64]، والله -عز وجل- مدح أنبياءه وأولياءه بأنهم يلجؤون إليه في الشدائد، ويستعيذون به، وهذا من أجل العبادات وأعظم القربات التي تصرف لله -سبحانه وتعالى.
فإذا أحاطت الشرور أو المخاطر بك؛ فَلُذْ بالله وَعُذ بالله؛ فإنه الملجأ والمعاذ -سبحانه وتعالى، في هذا المقام يُقابل أهل التوحيد أهل الشرك، أهل الشرك ماذا كانوا يفعلون؟
الشيخ -رحمه الله- أورد آية يُبين لك فيها حال أهل الشرك، في سورة الجن، يذكر الله -عز وجل- ما قاله الجن المسلمون عن أحوالهم من قبل، وأحوال أهل الجاهلية الكفار، ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبً﴾ إلى أن قال: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقً﴾ ، إنس يعوذون يعني: يطلبون العوذ بالجن، بدلاً من أن يستعيذوا بالله خالق الخلق كلهم يستعيذوا بالجن، وجاء في تفاسير السلف من الصحابة أنَّ الرجل في الجاهلية كان إذا نزل واديًا وخاف، قال: " أعُوذُ بِعَزِيزِ هَذا الوادِي مِن شَرِّ سُفَهاءِ قَوْمِهِ".
إذًا هذا يبين لنا معنى: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ﴾ وفي هذه الآية الكريمة تسمية الرجال من الإنس، وتسمية الرجال من الجن، وأنَّ الجن قد يتشكلون، ومنهم السعالي، ومنهم الغيلان[1]، وهذه الأشياء لا تُخيف المؤمن، ولا يأبه بهم، بل يتوكل على الله -سبحانه وتعالى، وعليه أن يذكر الله -سبحانه وتعالى- ومن قرأ اية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح، إذًا كيف تتجه إلى غير الله؟
الجن لا يملكون لأنفسهم -فضلا عن غيرهم- نفعًا ولا ضرًّا، فكيف لك أن تجعلهم الملجأ والمعاذ!
هكذا كان أهل الجاهلية، ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ﴾ فزادهم ماذا؟ ﴿فَزَادُوهُمْ رَهَقً﴾ ، قال بعض أهل العلم: أي فخرًا وعلوًا وكبرًا، يعني: الجن قالوا: سُدنا الجن وسُدنا الإنس، صرنا سادة في الجن، وصرنا سادة في الإنس، انظروا إليهم كيف يعوذون بنا؟ فزاد فخرهم وطغيانهم وكبرهم.
وقال بعض أهل العلم: الرهق هو الخوف والذعر، أي: الإنس لَمَّا عاذوا بالجن ازداد فيهم الرعب، وازداد في قلوبهم الهلع، وكلا المعنيين صحيح.
وهذا كما يُقال: مَن عاند الله -عز وجل- وعاند شرعه عوقب بنقيض قصده، ومرَّ معنا قوله: «انْزِعْها؛ فَأَنَّهُا لَا تَزيدُكَ إِلَّا وَهَن»[2]، فالذين يتجهون إلى الأموات من دون الله -عز وجل- ويستغيثون بهم، هل تتحقق لهم أمورهم؟
الجواب: لا، بل تنعكس عليهم ويبوؤن بخسارة الدنيا والآخرة، نسأل الله العافية والسلامة، هذا ما يتعلق بقوله: ﴿يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقً﴾ .
طيب هنا نستفيد فائدة مُهمة، وهي: مسألة الطلب من الجن! بعض الجهلة من القراء: أنا أطلب من الجن المسلمين الصالحين ويساعدونني، فأنا أطلب منهم أن يعلمونني ماذا في هذا الرجل المريض، وماذا حصل من السحر، وأين مكان السحر؟ فأنا أطلب منهم فيساعدونني!
فيقال لهذا وأمثاله: هذه الأمور كانت تُطلب في الجاهلية من بعض الإنس، يطلبونها من الجن، والشرع المطهر لم يُرَخِّص في شيء من هذا، بل جعلها من أوصاف أهل الجاهلية، ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ﴾ ، فإذا عُذت بهم أو طلبت منهم المعونة؛ فهذا هو الشرك الذي كان عليه أهل الجاهلية، وقد يخدع بعض الجن جهلة القُراء، قد يخدعونهم ويقولون لهم: هذا سحره في المكان الفلاني ويجدونه بالفعل، ثم الثاني ثم الثالث ثم يقولون له: اصبر نادنا ونجيبك، فيبدأ يناديهم وهو يدعي أنه يرقي الناس بالقرآن، صار يُنادي الجن يا فلان يا فلان يا فلان حتى يأتيه، وهذا هو الاستمتاع الذي قال الله عز وجل: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الْإِنسِ ۖ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِّنَ الْإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا ۚ قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنعام:128]، فحذاري من هؤلاء، وإذا رأيت قارئًا يرقي بمثل هذه الأمور ويدعي هذه الأمور؛ فعليك بنصحه وزجره، وبيان أنه ليس بقارئ، بل هو دجال، أو وقع في سبل الدجاجلة واتبع خطوات الشيطان، نسأل الله العافية والسلامة.
الحديث الذي أورده الشيخ، حديث (خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ، قالتْ: سَمَعَتُ رَسُول اللَّه ﷺ يَقُول: «مَنْ نَزَلَ مَنْزِل») وهنا فائدة سمعتها من شيخنا عبد العزيز بن باز، وهي أنَّ المنزل عام، يعني: يشمل أنك تنزل بيتًا جديدًا أو تستأجر بيتًا أو شقة أو غرفة تسكنها في فندق، حتى السيارة إذا ركبتها فهذا منزل لك نزلته الآن، أو لو ركبت الطائرة أو نزلت في مكان في البر، فأيُّ مكان تدخله يعد منزلا، أي: مكانًا لنزولك، وكذلك كل من يبيت في الطرقات -يعني في السفر- يأخذ جانبًا من الطريق إمَّا يمينًا وإمَّا يسارًا ويبيت، فهذا يُعد مَنزلا، فهذا شامل.
«مَنْ نَزَلَ مَنْزِلاً فَقال: أَعوذُ بِكُلِّمَاتِ اللَّهِ التَّامَاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ» هنا فائدة: وهي أنَّ الله -عز وجل- أبدل أهل التوحيد والإسلام عمَّا كان عليه أهل الجاهلية والشرك، فهم كانوا يستسقون بالأزلام؛ فأبدلهم بصلاة الاستخارة، وكانوا يتجهون إلى أصحاب القبور والموتى؛ فأبدلهم بالاتجاه إليه والصلاة له، كانوا يتوبون إلى المخلوقين؛ فأبدلهم بالتوبة إليه -سبحانه وتعالى، وكانوا يستعيذون بالجن؛ فأبدلهم بالاستعاذة به؛ ولهذا كانت الاستعاذة بغير الله تعالى -فيما لا يقدر عليه إلا الله- شرك أكبر.
بقي معنا صورة، وهي الاستعاذة بغير الله لكنه حي وفيما يقدر عليه، فهذا لا بأس به.
مثال ذلك: أن تأتي مثلاً إلى مدير الشرطة، وتقول له: هناك من يريد أن يعتدي عليَّ أو يسرق أو كذا فأعيذوني منه، أي: أطلب منكم الحماية.
نقول: الطلب هنا من حيٍّ أو ميت؟ من حي. هل هو حاضرٌ أم غائب؟ حاضر. هل الشي يقدر عليه أو شيء لا يملكه إلا الله؟ شيء يقدر عليه؛ ولذا كان هذا لا بأس به، وهذا مثل الاستغاثة، وكذلك الاستعانة، فهذا باب واحد، لكن الذي نتكلم عنه هو الغائبين أو الموتى، أو ما لا يقدر عليه إلا الله -عز وجل.
«مَنْ نَزَلَ مَنْزِلاً فَقال: أَعوذُ بِكُلِّمَاتِ اللَّهِ التَّامَاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ؛ لَمْ يَضُرُّهُ شَيْءٌ حَتّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنَزِلِهِ ذَلِكَ» هذا وعد وخبر صادق لا يتخلف، ولكن الشأن أحيانًا في عدم اليقين والتوكل على الله -عز وجل- أو نسيان هذا الذكر المبارك، هذا الذكر المبارك يقال: عند نزول المنازل، دخلت استراحة أو دخلت بيتًا أو ركبت طيارة، قل هذا الذكر، «أَعوذُ بِكُلِّمَاتِ اللَّهِ التَّامَاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ».
الاستعاذة تكون بالله أو بأسمائه أو بصفاته، فبعزتك، أعوذ بعزة الله وقدرته، هذا مشروع، فالاستعاذة تكون بالله أو بأسمائه أو بصفة من صفاته، ومن صفات الله كلامه، وهذا استدل به أهل العلم على أنَّ القرآن كلام الله غير مخلوق، وأنَّ من قال: مخلوق فهو كافر.
من أين استدل بذلك أهل العلم؟
قالوا: لأن الاستعاذة لا تجوز بالجبال، ولا تجوز بالأشجار، ولا تجوز بالمخلوقين، ولا تجوز الاستعاذة إلا بالله أو باسم من أسمائه أو بصفة من صفاته، فلمَّا استعاذ النبي ﷺ وعلَّم أمته هذه الاستعاذة -بكلمات الله- علمنا أنَّ كلمات الله صفة من صفاته، وليست خلقًا من مخلوقاته.
«أَعوذُ بِكُلِّمَاتِ اللَّهِ التَّامَاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ» كلمات الله التامات يدخل في ذلك الكلمات الشرعية الدينية، وهي كلامه -جل وعلا- الذي هو القرآن الكريم، وكذلك كلامه الذي أوحاه إلى نبيه ﷺ مثل: الأحاديث القدسية «إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُو»[3]، ونحو ذلك.
والكلمات الكونية التي هي معنى قوله جل وعلا: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ [يس:82]، فالله -عز وجل- هو الذي يدبر أمر هذا الكون، وكلماته هي التي تنفذ في العباد، وإذا أمَرَ وقدَّر وقضى الشيء؛ فإنه يقع لا محالة ولا يتخلف، فهذا هو صفة من صفاته سبحانه وتعالى.
قوله: «مِنْ شَرِّ مَا خَلَق» هذا مثل قوله: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾ والمراد هنا: المخلوقات التي فيها شرور، مثل: إبليس وذريته وجنده وحزبه وأولياءه، شياطين الإنس الجن، هؤلاء شر، نعوذ بالله منهم، وكذلك الأمراض والفيروسات والأشياء التي لا ترى بالعين، شرور خفية، كذلك أصدقاء السوء، الذين يمكرون بك ويبيتون السوء، كذلك الأخطار التي تحيط بك؛ فتستعيذ بالله من جميع هذه الشرور، تستعيذ بكلمات الله التامات.
قال: «لَمْ يَضُرُّهُ شَيْءٌ حَتّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنَزِلِهِ ذَلِكَ» وهذا يدل على فضل عظيم، وهو من أسباب العافية، ومن أسباب السلامة من الشرور، ومن أسباب الوقاية من المخاطر، فحري بنا أن نحرص على هذا الذكر، وأن نستعيذ بربنا -سبحانه وتعالى- وأن نلجأ إليه، وهذا يُبين لنا أنَّ الاستعاذة بغير الله -عز وجل- أمر ممنوع في الشريعة الإسلامية، ولا يجوز، وهو من الشرك بالله، نسأل الله العافية والسلامة.
ذكر الشيخ في المسائل فائدة، أحب أن أشير إليها، قال في المسائل: (الخَامِسَةُ: أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ يَحْصُلُ بِهِ مَنْفَعَةٌ دُنْيَوِيَةٌ -مِنْ كَفِّ شَرٍّ أَوْ جَلْبِ نَفْعٍ-؛ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الشِّرْكِ) هذه الفائدة مُهمة حقيقة، وهي تحكي واقع المشركين، أنهم قد يُحَصِّلون بعض المنافع، يعني: من دعاء الجن لَمَّا كانوا يقولون هذا الكلام، قد يحصل منفعة، ولكن يغيب عن بالهم مضرة الشرك، وهي أعظم مضرة، وتضمحل كل المنافع عنده، وبعض الناس مثلا يبيع الخمر ويحصل منفعة تجارية، ولكنه من أعظم المضار، وهكذا دعاة الشرك قد يسمعون من المخاطب من الجن، قد يعينهم الجن على بعض الأشياء، ويحصلون بعض المنافع، ومع هذا ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ﴾ فهؤلاء أهل شرك كلهم، ولم يجعل حصول هذه المنفعة الواحدة أو الثانية أو الثالثة لم يجعل مسوغا لماذا؟ للشرك، وبهذا نرد على من يقول: أنا ذهبت عند القبر الفلاني أو تمسحت بعتبته، وحصل لي الشفاء من المرض، بعضهم يقول هذا، وبعضهم يقول: أنا فعلت كذا وذبحت لهذا، وحصل لي الفائدة الفلانية، لا، ما يدل هذا على جوازه.
وإن حصلت الفائدة، وإن استفادوا؛ لأنَّ العبرة ليست بحصول منفعة، وإنما العبرة بموافقة الشرع والبعد عمَّا حرمه الله -عز وجل.
{أحسن الله إليكم.
(كُلِّمَاتُ اللَّهِ التَّامَاتِ) هل من معانيها أسماء الله -عز وجل- وصفاته؟}.
لا شك؛ لأنَّه هو تكلم بها، والله سمى نفسه بها، فهي من كلماته.
{قال المؤلف -رحمه الله: (بَابُ مِنَ الشِّرْكِ أَنْ يَسْتغيثَ بِغَيْر اللَّهِ أَوْ يَدْعُوَ غَيْرهُ، وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلَتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ* وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ﴾ )}.
قال -رحمه الله تعالى-: (بَابُ مِنَ الشِّرْكِ أَنْ يَسْتغيثَ بِغَيْر اللَّهِ أَوْ يَدْعُوَ غَيْرهُ) إذًا هنا في هذا الباب ذكر الشيخ محمد عبد الوهاب -رحمه الله- مسألتين، وهما من الشرك الأكبر، وبينهما تداخل أو عموم وخصوص.
الأولى: الاستغاثة بغير الله.
الثانية: دعاء غير الله.
والمراد بهذين مثل ما تقدم في الباب الذي قبله، وهو (بَابُ مِنَ الشِّرْكِ الْاسْتِعَاذَةُ بِغَيْر اللَّهِ) فهذا نقول فيه مثل ما تقدم، الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، هذا من الشرك الأكبر، فالاستغاثة بغير الله من ميت؛ هذا شرك أكبر، الاستغاثة بغير الله من غائب؛ هذا شرك أكبر، كذلك الدعاء، دعاء غير الله -عز وجل- من غائب أو ميت أو فيما لا يقدر عليه إلا الله؛ هذا شرك أكبر.
طيب هذه أحكام عظيمة جدًا، لا بد أن نعرف دليلها، والحجة فيها، والشيخ -رحمه الله- لم يقصد أن يستوعب جميع الأدلة في هذا الأمر، وإنما ذكر خمس مواضع من القرآن وذكر حديثًا.
الموضع الأول في سورة يونس: ﴿وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلَتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (105) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ (106) وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ۚ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [105-107] هنا نهى الله -عز وجل- النبي ﷺ، وهنا الخطاب للنبي ﷺ وجميع الأمة تبع له، فهو خطاب للعموم.
﴿وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ وهذا يشمل كل من سوى الله -عز وجل- من الملائكة والأنبياء والرسل والصالحين والأولياء فضلا عن غيرهم.
﴿مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ﴾ هذا يُسمى عند العلماء وصف كاشف، يعني: هذه حقيقة كل من دُعي من دون الله، كل من هو دون الله -عز وجل-؛ فإنه لا يملك النفع ولا الضر، لأنه لا يملك النفع ولا الضر إلا الله -سبحانه وتعالى-، فصار هذا فيه بيان الحجة على بُطلان الشرك، كيف هذا؟
قال: ﴿هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ﴾ [الشعراء:72] ماذا قالوا؟ ﴿قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ [الشعراء:73]، لم يقولوا: إنهم ينفعون أو يضرون، فهذا من الحجة على المشركين أن ما تدعونه من دون الله لا يملك النفع ولا الضر.
﴿فَإِنْ فَعَلَتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِين﴾ أي: من المشركين، والظلم هنا هو: الشرك بالله -سبحانه وتعالى-، ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان:13]، وهذا أيضًا يُبين لنا أنَّ من دعا غير الله -عز وجل- من المخلوقين أيًا ما كانوا فقد وقع في الشرك، وصار ظالِمًا لنفسه، ﴿فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ هذا معنى قوله: ﴿فَإِنْ فَعَلَتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ .
{قال -رحمه الله: (وَقَوْلُهُ: ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ ۖ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾ )
}.
قوله تعالى: ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ ۖ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ هذا يُبين وجوب طلب الرزق من الله -سبحانه وتعالى- ولا يجوز أن يأتي عند صاحب القبر ويقول: يا سيدي فلان أريد مالاً أو أريد ولدًا أو أريد زوجةً أو أريد النجاح أو أريد كذا وكذا، هذا من الشرك؛ لأنَّ الله -عز وجل- قال: ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ﴾ والعلماء في اللغة العربية وفي البلاغة قالوا: تقديم ما حقه التأخير يدل على الحصر، ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ﴾ ، وبهذا نعرف أنَّ ابتغاء الرزق عند غيره مخالف ومضاد لشرع الله -عز وجل-، فالله -عز وجل- أَمَرَ عباده أن يبتغوا عنده الرزق، فقال: ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ ۖ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ ، فلا يجوز عبادة غير الله، كذلك لا يجوز طلب الرزق من غير الله -عز وجل- فالذين يتقربون إلى الأموات والغائبين والملائكة والجن ويقول لهم: نحن نتقرب بهذه الذبيحة وبهذا المال، أعطونا كذا، أعطونا كذا، هؤلاء أشركوا بالله -عز وجل، وكفروا بالله، وصرفوا خالص حق الله لغيره، ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ ۖ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ .
وتقدم معنا في الدرس الماضي، قول الله -عز وجل-: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام:162-163].
والآية التي بعدها قال في سورة الأحقاف: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾ هذه أيها الإخوة الكرام فيها براهين للتوحيد عظيمة جدًا، الله -عز وجل- يقول: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ﴾ أي: لا أحد أضل من هؤلاء، انظر لضلالات الناس على اختلافها؛ أشدهم ضلالاً هذا النوع من الناس، وهذا يُبين أنَّ أقبح الذنوب وأخطرها وأعظمها هو الشرك بالله، وهذا يُبين أنَّ دعاء غير الله -عز وجل- وطلب الحوائج من الأموات والغائبين هو من الشرك بالله؛ لأنه سماه هنا وصرح به، قال: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ﴾ ، ودائمًا يعني نفتح هذه المسألة نُذَكِّرَ إخواننا الكرام أنَّ الدُّعاء يُطلق على الطلب والسؤال، ويطلق على العبادة، فيقال: دعاء مسألة ودعاء عبادة، والمراد بالآية هنا الأمران جميعًا، فإذا توجه وسأل هذا فهو يدعو، وإذا عبد وتقرب وذبح، هذا أيضًا يدعو؛ لأنه يطلب، فهو لم يفعل هذا إلا طلبًا لشيء، فالأول يسمى دعاء مسألة، والثاني يسمى: دعاء عبادة، وكلاهما نصرفه لله.
المثال الأول: لَمَّا يقوم المؤمن أو المؤمنة ويقول: يا رب يا رب أعطني كذا، وارزقني واشفي مريضي، ونحو ذلك، هذا دعاء مسألة مشروع، يدعو الله -عز وجل.
الثاني: المؤمن يقوم فيصلي ركعتين، والمؤمن يقوم فيصوم، ويقوم بالليل، ويزكي ويتصدق، لَمَّا يفعل هذه الطاعات ماذا يريد هو؟ يطلب الأجر والرحمة من الله، ويطلب التوفيق وعنده حاجات الله يعلمها، فهو يطلبها من الله وبهذا يُسمى دعاء عبادة، ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ ، إذًا يدعو من دون الله بالسؤال، يدعو من دون الله بالعبادة، بالأمرين.
﴿مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ هنا فائدة: وهي تصريح بالاستجابة، الاستجابة تكون لأي شيء؟ لَمَّا واحد يطلب من واحد ماذا ينتظر منه؟ ينتظر منه أن يجيبه، يقول له: يا فلان أعطني أو يتقرب بشيء، يريد منه شيئًا، هذه استجابة، إذًا ليس المراد بالدعاء الاعتقاد أنه ينفع أو يضر، وليس المراد بالدعاء والعبادة هنا الاعتقاد أنه هو الخالق الرازق، لا، بل إذا دعا غير الله -عز وجل- وهو يريد منه أن يجيبه، وليستجيب له، وهذا يُذكرنا أيضًا بالآية التي في سورة فاطر: ﴿إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ﴾ استجابوا في ماذا؟ في طلبات، إذًا هناك طلبات وجهت لهم، وهذه الطلبات التي توجه لهم قد تتعجبون لَمَّا نذكر هذا التفصيل، هذا التفصيل هو الرد على الشبهات التي يثيرها دعاة الشرك الآن، فنحن نحتاج إلى مثل هذا التفصيل، حتى تنتبه للآية.
﴿إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ﴾ إذًا شيء مسموع يهتف بأسمائهم وينادوا، ﴿وَلَوْ سَمِعُو﴾ يعني في طلبات تطلب منهم ﴿مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ﴾ في طلبات يطلبونها منهم.
ثم قال: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾ سمى هذا الشيء الذي هو الدعاء والطلب سماه شركًا؛ لأنهم توجهوا به لغير الله -عز وجل-.
هنا قال: ﴿مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ وهذا الواقع الآن، هل الأموات يستطيعون نفع أنفسهم فضلا عن غيرهم؟ لا، لو قلت له: حرك هذه اللبنة من قبرك، حرك الحصاة عن قبرك، لا يقدر، ومثال لرجل لَمَّا كان حيًا، كان إذا أراد المشي يحملونه على عكاز، فيحمل من هنا ومن هنا، ما يقدر حتى يمشي، والطبيب المرافق لا يغادره، ويحتاج إلى من يسقيه حتى الماء والدواء، ولَمَّا مات صار الناس يعكفون عنده ويعظمونه ويعبدونه من دون الله، هو لَمَّا كان حيًا ما كان يقدر على مساعدة نفسه، هل تظنه سيساعدك وهو ميت؟! هذا من جهل المشركين، ﴿وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾ يعني: هُم أمَّا في نعيم كانوا من الأنبياء والرسل والصالحون، فهم مشغولون بما هم فيه من النَّعيم، وأمَّا إن كان هؤلاء ممن يعبد بعض الطواغيت من الكفرة والمشركين فهم في عذاب عظيم، قال: ﴿وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ﴾ يعني: يوم الحشر قيامة، ﴿كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً﴾ وهذا أشد ما يكون من الحسرة والخسارة وكمال الندامة، حياتهم في التعلق بهذا، فإذا جاء يوم القيامة يُعاديه أشد العداء، هذا الذي كان يعبده، ﴿وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾ يكفرون بعبادتهم، يقول: نحن نكفر بكم ونكفر بعبادتكم، فيتبرأون منهم، وهذا -والعياذ بالله- أشد ما يكون من الضلال، ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾ .
{هذا نفس الكلام الذي قلناه في قوله: ﴿مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ أن لو استجاب لشي من طلباتك، ترى إنما هي استجابة من الله سبحانه وتعالى}
نعم لو تحقق هذا، لا يعني هذا أنه مستحق للعبادة! أبدًا، فإنَّ بعض المشركين كانوا يسمعون من الجن بعض الكلمات، وكانوا يظنون أنَّ الأصنام هي التي تتكلم.
وفي النهاية هذا كله ابتلاء واختبار، يعني: كونهم لا يستجيبوا له إلى يوم القيامة هذا الأغلب الأعم، والناس يرونهم أمواتًا، يرون حجارة أو يرون أصنامًا لا تنفع ولا تضر حتى باعترافهم هم -كما مر معنا- ﴿هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ﴾ ماذا قالوا؟ ﴿بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ وهذا هو التقليد الأعمى، يعني: أعذار المشركين في شركهم، بعضهم يقول: أنا والله أقلد الآباء والأجداد، وبعضهم يقول: أنا أتعصب لهذا الشيء، هذه عقيدتي وعقيدة آبائي وأجدادي، وبعضهم يقول: أنا تعودت على هذا الشيء، وبعضهم يقول: حصل ذاك اليوم، أنه حصل لنا فائدة مُعينة كذا وكذا.
{أنا أقصد أنَّ هذه الفائدة التي حصلت هي من الله، بقدر الله وابتلاء واختبار، وقد تكون شياطين تضلهم، كما وقع كثيرًا}.
قال: (وَقَوْلُهُ: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ )، هذا يُبين فيه -سبحانه وتعالى- أنه المنفرد بإجابة المضطرين ودعائهم، والله -عز وجل- هو الواحد القهار، هو الذي يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء -سبحانه-، وجعل الله -عز وجل- هذا من الحجج على المشركين؛ لأنَّ هذا أمر يُقر به سائر أهل الأرض ويعرفونه، في حال الضرورة وفي حال الاضطرار، وأمَّا من يتجه إلى غير الله -عز وجل- من الأشجار والأحجار والقبور والأموات، فهذا -والعياذ بالله- يدخل في قول الله -عز وجل: ﴿آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النمل:59]، فقدم ما يشركون على الله -سبحانه وتعالى- تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا.
وهذه الآية تعتبر من براهين التوحيد، وهي أيضًا من براهين الربوبية، وهي من الحجج على صحة توحيد الألوهية، فالمشركون يعرفون أنَّ الله -عز وجل- هو الذي يجيب المضطر، ولذلك إذا اشتدت عليهم الأمور في البحار، وماجت عليهم الأمواج، ماذا يفعلون؟
يدعون الله وحده، وهذا أمر يقر به هؤلاء ويعرفونه، ولهذا احتج به عليهم -سبحانه- فقال: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ﴾ هذا شيء يعرفونه من أنفسهم، ولهذا قال: إذا كنتم تعرفون هذا لماذا لا تخلصون له العبادة وتوحدونه؟
ما الشاهد من هذه الآية في الباب؟
الجواب: أنَّ الله -عز وجل- قال: ﴿إِذَا دَعَاهُ﴾ فالمدعو من هو؟ الله -سبحانه- وهو الذي يكشف الضر، إذا دعا غيره يسمى ماذا؟ يسمى مُشركًا، فالله -عز وجل- يبين أنهم في حالة ضرورة ماذا يفعلون؟ يدعون الله، ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ ينادونه ويدعونه، ﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ إذًا كلمة ﴿إِذَا دَعَاهُ﴾ تدل على أنه إذا دعا الله فهذا توحيد، وإذا دعا غيره فهذا شرك بالله -عز وجل- وهذه المسألة ربما بعض الإخوة الكرام يقول: هذه واضحة جدًا مثل الشمس، أحسنت، لكن هناك من ينازع من دعاة الشرك ويقول: المراد بالدعاء هنا أي: إذا عبده مُعتقدا أنه الخالق الرازق.
لا، انتبه من هؤلاء، أنا أرى أن نقف عند الآيات؛ لأنَّ الله -عز وجل- علق على المشركين بماذا؟
هل بأنهم يعتقدون أنَّ غير الله هو الذي يخلق ويرزق؟ لا، بل الله -عز وجل- وصفهم بالشرك، وحكم عليهم بالشرك لَمَّا دعوا غيره، وليس فقط لَمَّا اعتقدوا أنَّ غيره يخلق ويرزق معه، هذا نادر في البشر، ويمكن أن يوجد جزء من البشر يفعل هذا، فانتبه لهذه المسألة وأتقنها تراها من أحسن وأهم المسائل في الرد على دعاة الشرك.
فالآية الكريمة هنا ﴿إِذَا دَعَاهُ﴾ هذا صريح، ليس المراد الاعتقاد بأنه يخلق ويرزق، لا، بل ناداه وهتف به، ولجأ إليه بدلالة يكشف السوء، وبدلالة أيضًا ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ وهم من قبل يعرفون أنَّ الله هو الخالق الرازق.
{أحسن الله إليكم شيخنا.
(رَوَي الطَّبَرانِيُّ: أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺ مُنافِقٌ يُؤْذِي الْمُؤْمِنينَ، فقال بَعْضُهُم: قُومُوا بِنا نَسْتَغيثُ بِرَسُول اللَّه ﷺ مِنْ هَذَا الْمُنافِقِ؛ فَقال النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّهُ لَا يُسْتَغاثُ بِي، وَإِنَّمَا يُسْتَغاثُ بِاللَّهِ»)}.
هذا الحديث فيه فائدة جليلة، وهي أنَّ لفظ الاستغاثة يُطلق فيما يقع بين المخلوقين، وأراد النبي ﷺ أن يُعلق قلوبهم بالله، ويجعلهم مُتعلقين بالله في كفاية شر المنافقين، فالاستغاثة بإمام المسلمين وبالأمير وبالقائد فيما يقدر عليه من دفع شر المنافقين وآذاهم الظاهر، هذا ممكن، فأراد ﷺ أن يدلهم على ما يدفع الشرور كلها، فإنَّ الشر الظاهر قد يدفعه الأمير أو القائد أو السلطان ونحو ذلك، لكن المنافقين شرهم ظاهر وباطن أيضًا، وعندهم دسائس وعندهم مكر، ولهذا أراد النبي ﷺ أن يعلق قلوبهم بالله لدفع شر المنافق ظاهره وباطنه، وأمَّا الصحابة فلم يسألوا شركًا، ولم يطلبوا شيئًا محرمًا؛ لأنهم لَمَّا قالوا: قوموا نستغيث برسول الله، أي: من الأمور الظاهرة التي يقدر عليها الرسول ﷺ من كف شره وعقوبته وتعذيره، فبين لهم النبي ﷺ ما يدفع الشر الظاهر والباطن وهو الاستغاثة بالله -سبحانه وتعالى-.
ثم أيضًا إنَّ المنافقين على عهد النبي ﷺ ترك النبي ﷺ عقوبتهم لحكمة وضحها في عدة مناسبات مثل قوله ﷺ: «حتى لا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» وذلك أنَّ وقت الرسول ﷺ كان الناس يدخلون في الدين الإسلامي، وكثير منهم في خارج البلد الإسلامي ولا يعلمون التفاصيل التي تكون بين النبي ﷺ وبين هؤلاء المنافقين، فظاهرهم -أعني المنافقين- ظاهرهم أنهم مسلمون، فتوهم بعض الناس أنه قتل فلانًا وهو مسلم، فأخشى أن أدخل في الدين فأقتل، فامتنع النبي ﷺ من هذا، ودلَّ الصحابة على أمر أعظم وهو الاستغاثة بالله.
وقال بعض أهل العلم في جواب آخر في هذا الحديث: إنَّ النبي ﷺ قال ذلك من باب سد الذرائع، حتى لا يتوسع الناس في قضية الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه المخلوق، ثم يتوهم أنه يُستغاث به فيما لا يقدر عليه إلا الله، فأمرهم أن يعتادوا اللجوء إلى الله، والاستغاثة بالله والتعلق بالله -سبحانه وتعالى-.
ولذلك نقول: أحد الجوابين إمَّا أنَّ النبي ﷺ امتنع من الاستجابة لطلبهم؛ حتى لا يقال: إنَّ محمدًا يقتل أصحابه، لهذا الغرض قال: «لا يستغاث بي في شيء لا أقدر عليه»، أو أنه قال ذلك سدًا للذريعة حتى لا يتساهل الناس في مثل هذا القول.
على كل حال، على هذا التقرير أو ذاك، الاستغاثة بالمخلوقين فيما لا يقدر عليه إلا الله لا تجوز، بل هي من الشرك الأكبر، وإنَّما يُستغاث بالله -سبحانه وتعالى-.
أمَّا الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه المخلوق فلا بأس بذلك، إذا كان حيًا وحاضرًا وفيما عليه قادر، وليس المراد الحضور أنه يكون أمامك، قد تهاتفه بالهاتف أو بالبرقية، أو ترسل خطاب للورق وتكتب له مقصود أنه حاضر يعني: ليس من الأموات الذين لا يملكون لأنفسهم فضلا عن غيرهم نفعًا ولا ضرًا.
هذا ما يتعلق بموضوع هذا الحديث إذًا قال النبي ﷺ: «وإنما يستغاث بالله» فهذا فيه ربط الناس بالخالق -جل وعلا- فيتوجه له حتى في الأمور المباحة، مع أنه يجوز الاستغاثة بمخلوق فيما يقدر عليه مخلوق، وهو حي حاضر إلا أنه ردهم إلى الكمال وردهم إلى الأعلى، وردهم إلى ما يدفع الشرور كلها، شر المنافق ظاهره وباطنه، هذا من جهة.
الجهة الثانية: أنَّ الشرك بالله -عز وجل- إذا اتجه إلى ميت أو غائب أو فيما لا يقدر عليه إلا الله -سبحانه وتعالى-.
بقي معنا أن نسأل سؤالا، ما الفرق بين الدعاء والاستغاثة؟
الاستغاثة طلب الغوث، أي: إزالة الكربة والشدة، فالاستغاثة تكون في حال الشدائد، فيسمى الطلب حينئذ استغاثة، أمَّا ما لم يكن في حال الشدة فيسمى الطلب حينئذ دعاءً، وبهذا نعرف الفرق بين الاستغاثة والدعاء.
إذًا الاستغاثة من الدعاء، وكان النبي ﷺ يستغيث بالله -عز وجل-، والصحابة كانوا يستغيثون بالله، ولم يأت في الشريعة أبدًا أنه يُستغاث بغير الله، قال الله -عز وجل- في سورة الأنفال: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ﴾ [الأنفال:9]، فكان النبي ﷺ ليلة بدر قبل بدء المعركة، طوال الليل يستغيث بالله، ويناجي الله -عز وجل- ويقول: «اللَّهمَّ إنَّكَ إنْ تُهلِكْ هذهِ العِصابةَ مِن أهلِ الإسلامِ، فلا تُعْبَدُ في الأرضِ أبدًا، اللهم نصرك الذي وعدتني» والصحابة كانوا كذلك.
إذًا هذا هو المشروع لأهل الإيمان وأهل الإسلام أن يستغيثوا بالله وينزلوا حوائجهم بالله -سبحانه وتعالى- أمَّا عكس ذلك وهو أن يستغيثوا بالأموات، ويستغيثوا بالملائكة، ويستغيثوا بالأنبياء، ويستغيثوا بأصحاب القبور، هذا مضاد لِمَا كان عليه الرسول ﷺ، وهذا هو الشرك الأكبر، والذنب الذي لا يغفر.
{أحسن الله إليكم شيخنا.
بالنسبة لموضوع الدعاء أو الاستغاثة بلفظها، يقول: والله أنا استغيث بفلان في شيء قادر عليه، هل في إشكال كلفظ يعني أن يستغيث بفلان؟}.
ينبغي التأدب مع الله -سبحانه وتعالى- فيه، وأنه إذا حصل أنَّ أحدًا من الناس أصابه بضرر، هذا يوجد بعض الناس فيه شر، والحمد لله هناك من يدفع هذا الشر، من ولاة الأمر أو من السلاطين أو من الشرط أو نحو ذلك، الذين يُنفذون حكم الله -عز وجل- ويقيمون العدل، فيقول: أنا لجأت إليهم، وطلبت منهم أن يغيثوني من هذا، قال الله -عز وجل-: ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ﴾ هذا لا بأس به، لكن التأدب أن يقول: لجأت أو طلبت منهم أو سألتهم أو بلغتهم بالأمر، أمَّا لفظ الاستغاثة كما جاء «إِنَّهُ لَا يُسْتَغاثُ بِي، وَإِنَّمَا يُسْتَغاثُ بِاللَّهِ» فيه بيان الأدب الذي ينبغي للمؤمن أن يعبر به، وهذا قد صرح به الشيخ في المسألة الثامنة عشرة، قال: (حماية المصطفى ﷺ حمى التوحيد والتأدب مع الله) فالمؤمن يتأدب مع الله -سبحانه وتعالى- ويقول: لا يُستغاث بالملك، ولا يستغاث برئيس الشرطة، وإنما يستغاث بالله -عز وجل، ولكن لو عبر بهذا وقال: أنا لجأت إلى الملك أو للسلطان أو لرئيس الشرطة لحمايتي من السارق أو من المعتدي وهو شيء يقدر عليه، فنقول: هذا من الجائز، لكن الأفضل والأكمل أن يكون التعبير باللفظ الذي يحمي جناب التوحيد، وفيه أدب مع الله -سبحانه وتعالى-.
{أحسن الله إليكم شيخنا.
يبدو لي أنَّ هذا الموضوع مُهم في تعلق الإنسان بمن يطلبه، وهذه أحيانًا إشكالية يعني مثلا أمة في المستشفيات ولا في حالة ضرر، الإنسان دنيوي يطلب من شخص أن يعالجه، فيبدو لي أنه يحتاج إلى أن يكون القلب معلقًا به}
الله -عز وجل- هو حسبه، ومن يتق الله يجعل له مخرجا، وهذا كثير، ولذلك صار من جزاء السبعين ألف، الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، جزاؤهم أنهم يوم القيامة يقال لهم: ادخلوا من الباب الأيمن من الجنة، لا حساب ولا عذاب، والناس يحاسبون، ثم يدخلون الجنة، هؤلاء أكرموا؛ لأن قلوبهم في الدنيا كانت معلقة بالله -سبحانه- متوكلين على الله مع أخذهم بالأسباب، ولا يفهم أو يظن ظانَّ أنهم يتركون العلاج ويتركون الطب ويتركون أسباب الرزق كما يظن بعض المتصوفة، لا، بل هذا غلط، هذا من الابتداع في الدين، ومن الانحراف عن صراط النبي ﷺ، وإنما المراد أنهم يلجأون إلى الله ويتوكلون عليه، ولكنهم تركوا بعض الأمور من توكلهم على الله -عز وجل- مع أنها مُباحة، ولكنهم يأخذون بالأسباب ويباشرونها، وأضيف إلى أنَّ الأبواب التي ستأتي بعد هذا وهي: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تعالى: ﴿أَيُشْرِكونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُم يُخْلَقُونَ * وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُم نَصْرً﴾ ) ثم الباب الذي بعده وهو قول الله عز وجل: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالوا مَاذَا قال رَبُّكُمْ قالوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ )، وكذلك الباب الذي بعده وهو: (بَابُ الشَّفَاعَة)، وأيضًا الباب الذي بعده وهو: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدي مَنْ يَشَاءُ﴾ ) هذه الأبواب سماها بعض الشراح مثل: الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله، قال: هذه من براهين التوحيد، وعبارة الشيخ عبد الرحمن السعدي يقول: هذا شروع في براهين التوحيد وأدلته، ثم قال: فالتوحيد له من البراهين النقلية والعقلية ما ليس لغيره، وذكر أعظم براهين التوحيد وأضخمها وذكر أيضًا أنَّ هذه الأبواب التي عقدها المصنف الشيخ محمد عبد الوهاب هي براهين عظيمة للتوحيد.
ولهذا أدعوا إخوتي أن يتأملوا فيما ذكره الشيخ عبد الرحمن السعدي في شرح هذه الأبواب، وهو شرح مختصر جدًا في كتابه المشهور القول السديد، ويتأملوا في هذه النصوص المذكورة، وأنها تدل على ما تقدم ذكره من وجوب إفراد العبادة لله -سبحانه وتعالى- والبراءة من الشرك، وبيان المراد بالشرك.
في الحقيقة هذه الأبواب مهمة جدًا، وهي التي ستأتي فيما بعد، نسأل الله -جل وعلا- أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وجزاكم الله خير الجزاء وبارك الله في جهودكم، وفي الجمعية المباركة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
{وأنتم جزاكم الله عنا خير الجزاء، وتقبل الله منا ومنكم، وجزاكم الله خيرًا على مُتابعتكم، ونلتقي إن شاء الله في حلقة قادمة ودرس جديد، وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
-----------------------------
[1] السعالي والغول والقطرب كلمات يطلقها العرب على أمور كانوا في الجاهلية يزعمون وجودها، وجاء في تعاريفها في لسان العرب لابن منظور: والسعلاة السعلا: الغول وقيل هي ساحرة الجن.. وقيل السعلاة أخبث الغيلان وكذلك السعلا يمد ويقصر والجمع سعالى سعال وسعليات وقيل هي الأنثى من الغيلان.. وفيه: والغول: ساحرة الجن، والجمع غيلان، وقال أبو الوفاء الأعرابي: الغول الذكر من الجن، فسئل عن الأنثى فقال: هي السعلاة... وفيه أيضاً: القطرب: دويبة كانت في الجاهلية، يزعمون أنها ليس لها قرار البتة، وقيل: لا تستريح نهارها سعياً.. والقطرب: ذكر الغيلان، الليث: القطرب.. والقطروب الذكر من السعالي.
[2] رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ.
[3] رواه مسلم (2577).

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك