الدرس الخامس

فضيلة الشيخ أ.د. فهد بن سليمان الفهيد

إحصائية السلسلة

34828 6
الدرس الخامس

كتاب التوحيد

{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبا بكم أيُّهَا الإخوة والأخوات، في هذا الدرس الجديد من شرح (كتاب التوحيد) للإمام المجدد/ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- يشرحه لنا فضيلة الشيخ/ الأستاذ الدكتور فهد بن سليمان الفهيد، فمرحبًا بكم فضيلة الشيخ}.
حياكم الله، وحيا الله الإخوة جميعًا.
{نستأذنكم في القراءة}.
تفضل حفظك الله.
{الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى: (بَابُ مَا جاءَ فِي الذَّبْحِ لِغَيْر اللَّهِ، وَقَوْلُ اللَّه تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام: 162-163].
وقَولُهُ: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر:3])
}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أمَّا بعد؛ فقد عقد المصنِّف الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- هذا الباب في (كتاب التوحيد)؛ لأهمية العناية بهذا الموضوع العظيم، ولكونه من العبادات التي يُتقرب بها إلى -عَزَّ وَجَلَّ، فالذبح من العبادات التي يُتقرب بها إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وكذلك في الأضحية يوم عيد الأضحى، وكذلك الهدي للحجاج، والفداء الواجبة على الحجاج لترك واجب أو فعل محظور، وكذلك في النَّذر، حيث إنَّ بعض الناس يُنذر أن يذبح لله -عَزَّ وَجَلَّ-، فهذه كلها من العبادات، ويلحق بذلك العقيقة أيضًا، فكل هذا مما يُتقرب به إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ، ويحبه الله -عَزَّ وَجَلَّ- من عباده، وأمر به نبيه ﷺ، وأمر الله -عَزَّ وَجَلَّ- نبيه ﷺ أن يجعل ذلك كله لله -سبحانه وتعالى- وهذا في سائر العبادات، فأمره بقوله جل وعلا: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي﴾ والنسك هنا الذبح، ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام: 162-163]، وقال بعض أهل العلم: النسك هو العبادة، فيشمل عبادة الذبح وسائر العبادات، والنسك يُطلق على الذبح، ويُطلق أيضًا على العبادة ﴿لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ﴾ [الحج:67]، العبادة بجميع صورها وأنواعها هي كل ما أمر الله -عَزَّ وَجَلَّ- به عباده أمر إيجاب أو أمر استحباب، فإذا أمر الله -عَزَّ وَجَلَّ- عباده بالسجود له أو بالركوع له أو دفع أموال تقربًا إليه، وهي: الزكاة أو النفقات الواجبة، فكل هذه تسمى: عبادات، والعبادات لا تكون منهيًا عنها؛ فالمنهي عنه لا يكون عبادة، ولا يتقرب به إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وبهذا نعرف أنَّ الذبح يكون عبادة لله -عَزَّ وَجَلَّ- إذا كان استجابة لأمره، والله -عَزَّ وَجَلَّ- شرع لعباده الأضحية، وبعض العلماء جعلها واجبة لمن كان قادرًا عليها للحديث الوارد في ذلك، «مَنْ وَجَد سَعَةً فلم يُضَحِّ فلا يَقْرَبَنَّ مُصَلاَّن»[1]، فبعض أهل العلم قال: واجبة، ولكن هذه المسألة مسألة خلاف بين أهل العلم، هل هي واجبة أو مُستحبة؟ وعند جميع أهل العلم فهي مُستحبة مأمور بها ندبًا، وبعضهم أوجبها.
إذًا الأضحية عبادة يُتقرب بها إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ-، يشتري بماله هذه البهيمة من البقر أو الغنم أو الإبل، ثم يأتي بالسكين أو يطعنها بحربة ونحوها، ويزهق هذه الروح -روح البهيمة- تقربًا إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وتعظيمًا له، فهذه عبادة فيها مال يُدفع، وفيها ثقة بالله -سبحانه وتعالى- وتوكل عليه وحسن ظنٍّ به أن يُخلف الله -عَزَّ وَجَلَّ- على هذا المنفق، وفيها أيضًا معنى يقوم بالقلب، معنى يتقرب به المتعبد لله -عَزَّ وَجَلَّ-، لا يوجد في غيرها هذه العبادة، عبادة النسك أو الذبح أو الأضحية أو نحوها.
هذا مما يحبه الله -عَزَّ وَجَلَّ- من عباده؛ لأنَّه تعظيم له، ولأنه من شعائره، ﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج:32]، إذًا بهذا الوصف عرفنا أنَّ الذبح يكون عبادة لله -عَزَّ وَجَلَّ- فإذا قام بهذا الأمر لغير الله -عَزَّ وجل- فإنه أشرك بالله، وصرف خالص حق الله لغيره.
لو قال قائل ما الدليل؟
نقول: من الآية؛ لأنَّه قال في آخرها: (لَا شَرِيكَ لَهُ)، فقال: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، وقوله: (لله) الجار والمجرور يدل على الاختصاص، فهذه العبادات المختصة بالله، ثم قال بعدها مُؤكدًا هذا المعنى: ﴿لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾، فقوله: ﴿وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ﴾ أي: أُمِرَ بالتوحيد، أُمِرَ بإخلاص العبادة لله، قال الله -عَزَّ وَجَلَّ- في سورة البينة: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة:5]، وقوله -جل وعلا: ﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ دليلٌ على أنَّ الإسلام لا يكون إلا بإخلاص العبادة لله، والبراءة من الشرك به.
أمَّا إذا وجد الشرك بالله -عَزَّ وَجَلَّ- فلا يكون هذا إسلامًا، وكذلك إذا لم يوجد إخلاص العبادة لله فلا يكون هذا إسلامًا، ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَ﴾ [الحج:78]، فالإسلام هو إخلاص العبادات كلها لله -عَزَّ وَجَلَّ- والبراءة مما يعبد من دونه، وهذا معناه: الانقياد لله -عَزَّ وَجَلَّ- بالطاعة والتسليم والاستسلام له، والبراءة من الشرك وأهله.
إذًا، عرفنا أنَّ الذبح يكون عبادة لله مأمورًا به، إمَّا أمر إيجاب وإمَّا أمر استحباب، على حسب ما تقدم ذكره من الأمثلة، فالأضحية مثلا على قول جماهير أهل العلم سُنَّة، والهدي -هدي التمتع- واجب، وهدي القران واجب، ومن لم يجد انتقل إلى الصيام، والكفارات في ارتكاب المحظورات يجب على بعض أصحاب النسك الهدي الفدية بذبح الدم، وقد لا يجب ذلك بحسب ما ارتكبه من محظور أو تركه من واجب، وهذا يُعرف في مراجعة مسائل الفقه.
إذًا؛ الذبح هنا صار واجبًا في صور، ومستحبًا في صور، والمقصود به التقرب إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ-  بذبح هذه البهيمة تعظيمًا لله -عَزَّ وَجَلَّ- على الوجه الذي شرعه الله لنا، والحد الذي حَدَّه لنا رسول الله ﷺ، لا نزيد ولا ننقص ولا نبتدع.
مثال ذلك: هناك من يذبح للجن، خوفًا منهم أو طمعًا في كف شرهم، أو استجابة لتوجيهات الكهنة والسحرة، فيقول له: ليُشفى المريض اذبح كذا وكذا، هذا نوع.
النوع الثاني: هناك من يذبح للكواكب ويعظمها، وهناك من يذبح للشمس، ويقولون له: إذا طلعت الشمس فاتجه إليها واذبح هذه الذبيحة، حتى أحيانا يقولون لها: اذبح أي شيء؛ لأنَّ مُرادهم التعظيم، حتى لو يقال له: اذبح حمامة أو طيرًا أو عصفورًا، فيريدون فقط التعظيم كما سيأتي من حال أهل الشرك، هذه الصور يُضاف إليها أيضًا أنَّ بعض الناس يذبح تعظيمًا لأصحاب القبور، فهذا هو الشرك بالله -عَزَّ وَجَلَّ- وهو من الأمور المخرجة عن ملة الإسلام.
وقال تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ أمر الله -عَزَّ وَجَلَّ- نبيه محمدًا ﷺ بأمرين عظيمين.
الأول: الصلاة لله -عَزَّ وَجَلَّ.
والثاني: النحر لله -عَزَّ وَجَلَّ.
وهنا وقفة يسيرة ذكرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في كتابه (كشف الشبهات) وهي في الرد على الشبهات المجادلين والمدافعين عن الشرك، وهم أغلب أحوالهم أنهم يذبحون لغير الله، ولا يدعونه ولا يستغيثون به، فيقول الشيخ: بعضهم يقول: هذا التقرب أو هذا الذبح لا يكون عبادة؛ فيكون الرد عليه من خلال هذه الآية الكريمة.
الله -عَزَّ وَجَلَّ- أمر النبي ﷺ بماذا؟ أمره بأمرين هناك، ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾، فيقال له: أعلمت أنَّ الصلاة عبادة لله؟ سيقول: نعم، الصلاة عبادة لله، فكذلك النحر عبادة لله -عَزَّ وَجَلَّ-، فعند هذا الذي وقع في هذا الشرك إذا صلى لغير الله عَرَفَ أنَّه صرف العبادة لغير الله، ولكنه يتهرب من هذا، فكذلك إذا نحر لغير الله فقد صرف العبادة لغير الله؛ فهذا صرفه لله توحيد، والصلاة توحيد لله والنحر لله توحيد. والذبح والصلاة لغير الله شرك، والنحر لغير الله شرك.
نأتي إلى مسألة أنواع الذبح، وأتمنى من الإخوة أن ينتبهون لهذا الشيء، وهو أربعة أنواع معروفة عندنا، ولكن الترتيب يُعيد صفاء الذهن، ووضع كل شيء في موضعه:
الأول: الذبح يكون عادة وغالبًا لا يقصد منه إلا الحم، يعني: كثير من الناس يذبحون -يذهب إلى المسلخ، ويشتري خروفًا أو بعيرًا ثم يتقاسمونه أو يذبحه لبيته- وهذا يكون المراد منه اللحم، والذبح إذا أريد به اللحم فالواجب فيه أنَّ الله -عَزَّ وَجَلَّ- قد أباحه لعباده، وأحلَّ الله لنا بهائم الأنعام، أحلَّ الله لنا الإبل والبقر والغنم وكذلك الطيور، إلا ما ورد تحريمه.
إذًا هذا ما الواجب فيه؟ أن يذكر عليه اسم الله، يقول: بسم الله ثم يذبحها؛ فحينئذ تكون حلالا.
وأمَّا الثانية: التي لا يذكر عليها اسم الله -عَزَّ وَجَلَّ- فيقال عليها مثلًا: باسم المسيح أو باسم الزهرة -نجم- أو باسم الولي الفلاني أو باسم الصنم -ولابد له أن ينص على الاسم الشركي- وهو يريد اللحم، فيقول مثلا: باسم الزهرة أو باسم المسيح ثم يذبحها، هذه أُهل لغير الله به، أُهِلَّ عليها اسمٌ غير اسم الله، ما حكمها؟
بإجماع المسلمين هي حرام وميتة، ولا يحل منها شيء، والذابح أيضًا يكون مُشركًا بالإجماع.
يذبح والمقصود اللحم، حتى لو قال: جاءني ضيف فذبحت له، مُراده هنا اللحم، وليس المراد تعظيمه للضيف، ولهذا لو كانت عنده مثلا لحوم جديدة، وَقَدَّمَها الضيف بعد ما ذبحت، فلو قدمها وهي جديدة لا يفترق الأمر عند الضيف ولا يدري، ليس نفس مقصود التعظيم، مجرد الذبح، وأنه ينهر الدم أمامه. مراده اللحم فقط. فإذا وضع أمامه هذا اللحم الكثير يرضى الضيف وينبسط بهذا، هذا هو مقصود أغلب الناس.
الصورة الثالثة: أن يقصد التعظيم، وهذه العبادة لله -عَزَّ وَجَلَّ- يوم الأضحية، لَمَّا يُضحي المسلمون، لو كان عنده في الثلاجة قبل يوم الأضحية -يوم تسعة أو يوم عرفة أو قبله يوم التروية- لو كان عنده عشرات الذبائح المذبوحة وأطيب مما في السوق ثم قال: أتصدق بها يوم الأضحى، هل تجزئ عن الأضحية؟
لا تُجزئ عن الأضحية؛ لأنَّ المقصود أنَّك تذبح في هذا اليوم تعظيمًا لله -عز وجل، هذا يقصد به التعظيم لله، هذه الصورة الثالثة.
الصورة الرابعة مما يقصد به التعظيم: ما يُعظم به الأموات، أو يُعظم به الجن، أو تُعظم به الكواكب، يعظم به لغير الله، حتى لو قال عليها: "بسم الله"؛ لأنه ذبحها ويريد بها غير الله -عَزَّ وَجَلَّ-، يريد أن يتقرب بها لصاحب القبر، يقول: أنا أذبحها تعظيمًا لصاحب القبر، أو أذبحها تعظيمًا للكوكب، أو أذبحها تعظيمًا للجن؛ لدفع شرهم حتى لا يُؤذونني، فأذبحها لهم.
هنا يُراد بالتعظيم غير الله، هذا بالإجماع أيضًا يعد شركا أكبر؛ لأنَّ الذبح لغير الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وربما بعض الناس -هذا يخطئ فيه بعض المنحرفين عن السنة والتوحيد- حيث يبحثون عن أعذار لمثل هؤلاء، ولذلك وَضَّحَ الشيخ هذا الأمر أتَمَّ توضيح في كتاب الله -عَزَّ وَجَلَّ- قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام: 162-163].
هذه الصور الأربع عرفناها، الصورة الأولى والثانية يُقصد بها اللحم، والأولى يذكر عليها اسم الله؛ فهي حلال، والثانية يُذكر عليها اسم غير اسم الله فهي حرام، والثالثة والرابعة يُقصد بها التعظيم، وهذه العبادة -عندنا الهدي، عندنا الأضحية، عندنا العقيقة- يُقصد به التعبد لله عز وجل، فالعقيقة هي شكر لله على نعمة الولد، وهكذا، فهذا إذا عُظِّم بها الله -عَزَّ وَجَلَّ- وتقرب إلى الله بها؛ فهذه عبادة يحبها الله، ويؤجر صاحبها، وأجره عظيم.
والثاني: الذي يذبحها ويتقرب بها إلى غير الله -عَزَّ وَجَلَّ- ليس مقصوده اللحم، وإنَّمَا مقصوده التعظيم.
بقي معنا صورة خامسة، يعني: فيها شبه من هذه الأخيرة الشركية، وهي ما يُذبح كما يقال عند الفقهاء: طلعة السلطان أو قدوم شخص معظم، فإذا قدم وأصبح داخل القرية أو داخل البلد يمشي، فيكون على يمين الطريق أو على شماله، يأتون بهذه الخرفان أو هذه الإبل أو هذه البقر، ثم يذبحونها أمامه حتى يسيل الدم أمامه، وليس مُرادهم أنَّ هذه سيطبخونها له، وهذه المسألة مسألة عظيمة أفتى بها أهل البخاري قديمًا بأنها شرك، وفيها هناك أيضًا فتوى من سماحة الشيخ/ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- مفتي الديار في هذه البلاد قديمًا، أفتى بأنها أيضًا من الشرك، وأنها ميتة ولا تحل، وأنَّ على من فعل ذلك أن يجدد إسلامه ويتوب إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- والسلاطين والمعظمين والمحبوبين في الناس والمجتمع وشيوخ القبائل ونحو ذلك، يُحَبُّون في الله -عَزَّ وَجَلَّ- إذا كان لهم قدم خير، يكرمون إكرام الضيف من الإيمان، لكن لا يفعلون بمثل هذا؛ لأنَّ هذا مما يُقصد به التعظيم، إذًا، هذا ما يتعلق بمسألة الذبح وأنواعه.
وباقي معنا أيضًا صورة أخرى، وهي كانت عند الجاهلية، وهي العَقر عند القبور، ولها أيضًا وجهان.
الأول: أن يقال إنَّ هذا الرجل مات وكان كريمًا وشريفًا، وكانت له مناقب، فيقول حتى بعد موته عند قبره تعقر عنده ويوزع اللحوم، وهذا ما جاء النهي عنه صريحًا في السُّنَّة عن النبي ﷺ أنه نهى عن ذلك.
والوجه الثاني: أن يُفعل ذلك تقربًا لصاحب القبر، ومنه سميت "مناة" بهذا الاسم؛ لكثرة ما يمنى عليها أي ما يذبح عندها من الدماء تقربًا لها، وهذا من الشرك الأكبر، نسأل الله العافية والسلامة.
بقي معنا مسألة نضيفها أيضًا، وهي: لماذا ذكرت الصلاة والنسك في الموضعين -يعني في قوله: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي﴾ وفي قوله: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾؟!
لأنَّ هاتين العبادتين تجمعان كل المعاني التي تقوم بالإنسان؛ فيتجه الإنسان بقلبه وبلسانه وبجوارحه وبماله وبحسن ظنه إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ-، فلا يصرف شيئًا من ذلك لغير الله.
{أحسن الله إليكم شيخنا الفاضل.
(عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قال: حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّه ﷺ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوى مُحْدِثًا، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ» رَوَاهُ مُسْلِمُ)}.
هذا الحديث العظيم، قال فيه عليٌّ -رضي الله عنه: (حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّه ﷺ) وهذا يدل على أنه سمع ذلك من رسول الله ﷺ، وحدثه بذلك.
قوله: (بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ) أي: بأربع جمل.
الأولى: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ» وَقدَّمَهَا على الجمل الأخرى؛ لأنَّها مخلة بالتوحيد ومخلة بالعقيدة، ونقف وقفة عند قوله ﷺ: «لَعَنَ اللَّهُ»، جاء في القرآن أنَّ الله -عَزَّ وَجَلَّ- لعن من اتصف بصفات وقامت به أمور، كقوله -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ [آل عمران:61]، والله -عز وجل- قال في القاتل: ﴿وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمً﴾ [النساء:93]
واللعن من الله -سبحانه وتعالى- حقيقي، ومن آثاره: الطرد والإبعاد عن رحمة الله -عَزَّ وَجَلَّ-، فالله -عَزَّ وَجَلَّ- يُحب بعض الأعيان، وبعض الأوصاف، وبعض الأمور من عباده، وفي مقابل ذلك يسخط على بعض الأعيان، وبعض الأوصاف وبعض الأمور من عباده، وأيضًا يلعن -سبحانه وتعالى- من يستحق ذلك، فمن صرف عبادة الذبح لغير الله -عَزَّ وَجَلَّ- كالذي يذبح للجن أو للملائكة أو للكواكب أو للأموات، فهذا ذبح لغير الله، والله -عَزَّ وَجَلَّ- يلعنه، نسأل الله العافية والسلامة، وهذا يدل على أنه من الشرك الأكبر المخرج من الملة؛ لقوله: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ»، وطبعا نستفيد كونه مخرج من الملة من النصوص الأخرى، من قوله: ﴿لا شريك له﴾، وذلك في قوله: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ﴾ [الأنعام: 162-163]، وأيضا من مجموع أدلة الشريعة، ﴿وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾ [المؤمنون:117]، والدعاء هنا: دعاء المسألة، ودعاء العبادة.
يقول أهل العلم: كل ما أمر الله -عَزَّ وَجَلَّ- به أمر إيجاب أو أمر استحباب؛ فصرفه لله توحيد، وصرفه لغير الله شرك أكبر مخرج من الملة، هذه قاعدة لا يخل عنها شيء، وقد ذكر هذه القاعدة عدد كبير من أهل العلم -رحمهم الله تعالى.
الثاني: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ» إمَّا بالتسبب في لعنهم، يسب آباء الناس، أو أنه هو يلعن، وهذا من أقبح، فكل من هذا مُستوجب للعنة الله، ولكن هذا من الكبائر التي لا تخرج من الملة، وبالمناسبة فاللعن خطير جدًا، وبعض الناس يتساهل فيه، وبعض الناس تحيتهم اللعن، إذا دخل على أصحابه لعنهم أو لعنوه من باب المزاح، ولا يُعلم هؤلاء الجهلة أنَّ هذا من كبائر الذنوب، بل جاء في صحيح البخاري أنَّ الرسول ﷺ قال: «لَعْنُ الْمُؤْمِنَ كَقَتْلِهِ»[2]، فلا يجوز للإنسان أن يقول لأخيه هذا الكلام، بل يجب عليه أن يتقي هذا الكلام ويحذر منه، وجاء عن النبي ﷺ أنَّه قال: «إنَّ اللَّعّانِينَ لا يَكونُونَ شُهَداءَ، ولا شُفَعاءَ يَومَ القِيامَةِ»[3]. وقال: «لَيْسَ المُؤْمِنُ بالطَّعَّانِ، وَلا اللَّعَّانِ، وَلا الْفَاحِشِ، وَلا الْبَذِيء»[4]؛ فليحذر كل مسلم من هذا الأمر.
الثالثة: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوى مُحْدِثً» آوى يعني: حماه ونصره وساعده وأخفاه عن الأعين، حتى ينجوا من التبعات، و «مُحْدِثً» يشمل نوعين:
النوع الأول: الحدث: أي الإفساد في الأرض، مثل: القتل أو قطع الطريق أو السرقة والجنايات الأخرى.
النوع الثاني: الحدث الذي هو البدعة، «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»[5]، وقوله: «وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ»[6]، فالمبتدع الذي ينشر البدع يضل الناس عن سنة النبي ﷺ لا ينصر، ولا يُؤوى ولا يساعد.
الرابعة: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ» أي: العلامة التي يُستنار بها ويعرف بها الحدود بين الأراضي والمزارع أو يعرف بها المسافرون الطرقات فيمشون، وكذلك المنار يدخل فيه اللوحات الإرشادية، بعض الناس يعبث بها، وكذلك يدخل في هذا تغيير الصكوك والسجلات سواء في المحاكم أو في غيرها فيعطى مثلا صكًا فيه حد لملكه بأمتار محددة، فيتلاعب ويزيد الأمتار ويزيد فيما أعطي عن حقه الأساسي، فهذا ملعون، الزائد الذي تصرف بهذا «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ» أي: المراسيم التي بينك وبين الجار أو الحدود التي بين المزارع، يأتي في الليل ويغيرها، هذه العلامات التي تدل على حدود الملكية، هذا كله من الأشياء الخطيرة، ولذلك انظر إلى هذا الحديث فيه حماية لحق الله -عَزَّ وَجَلَّ- بالمنع من الذبح لغير الله وحماية لحق الوالدين والمجتمع أيضًا.
والثالثة: حماية الحقوق والحرمات والدماء والأموال والأعراف، فلا يؤوى المحدثون، وحماية للدين من الابتزاز.
والرابعة: الممتلكات العامة والخاصة، فجمع يعني هذا الحديث كل ما يُسيء إلى هذه الحقوق العظيمة، وأعظمها حق الله -سبحانه وتعالى.
{أحسن الله إليكم.
(وَعَنْ طَارِقَ بنِ شِهَابٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال: «دَخَلَ الْجَنَّةَ رَجُلٌ فِي ذُبَابٍ، ودَخَلَ النَّارَ رَجُلٌ فِي ذُبَابٍ»، قالوا: وَكَيْفَ ذَلِكَ يا رَسُولَ اللَّهِ؟
قال: «مَرَّ رَجُلَانِ عَلَى قَوْمٍ لَهُمْ صَنَمٌ لَا يَجُوزُهُ أَحَدٌ حَتَّى يُقَرِّبَ لَهُ شَيْئًا.
فقالوا لِأَحَدِهِمَا قَرِّبْ، قال: لَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ أُقَرِّبُ، قالوا لَهُ: قَرِّبْ وَلَوْ ذُبَابًا، فَقَرَّبَ ذُبَابًا، فَخَلُّوا سَبِيلَهُ؛ فَدَخَلَ النَّارَ.
وَقالوا لِلْآخَرِ: قَرِّبْ، فقال: مَا كُنْتُ لِأُقَرِّبَ لِأَحَدٍ شَيْئًا دُونَ اللَّهِ ﻷ، فَضَرَبُوا عُنُقَهُ؛ فَدَخَلَ الْجَنَّةَ»
رَوَاهُ أَحْمَدُ)
}.
هذا الحديث أخرجه أحمد في كتاب الزهد، من حديث طارق بن شهاب -رضي الله عنه- وهو من صغار الصحابة، وغالب أحاديثه يرويها عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- وهذا يُعتبر من مراسيل الصحابة، ومرسل الصحابي مَقبول عند أهل العلم، فهذه القصة العجيبة العظيمة فيها عبرة لكل مسلم ولكل موحد، وفيها فوائد مُتعددة.
أولًا: قوله ﷺ: «دَخَلَ الْجَنَّةَ رَجُلٌ فِي ذُبَابٍ» يعني: بسبب الذباب، «ودَخَلَ النَّارَ رَجُلٌ فِي ذُبَابٍ» يعني: بسبب الذباب، مثلما قال ﷺ: «دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النار في هِرَّةٍ» أي: بسبب هرة.
قالوا: وَكَيْفَ ذَلِكَ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال: «مَرَّ رَجُلَانِ عَلَى قَوْمٍ لَهُمْ صَنَمٌ لَا يَجُوزُهُ أَحَدٌ حَتَّى يُقَرِّبَ لَهُ شَيْئًا، فقالوا لِأَحَدِهِمَا: قَرِّبْ، قال: لَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ أُقَرِّبُ» أي: كأنه متساهل في هذا الأمر، ولكن المانع له أنه لا يملك شيئًا يُقَرِّبه، «قالوا لَهُ: قَرِّبْ وَلَوْ ذُبَابًا، فَقَرَّبَ ذُبَابًا، فَخَلُّوا سَبِيلَهُ؛ فَدَخَلَ النَّارَ»؛ لأنَّ مُرادهم التعظيم؛ لأنَّه إذا عَظَّمَ الصنم اطمئنوا، وعرفا مولاتك لهم؛ «فَقَرَّبَ ذبابً» أي: أخذ ذبابة وقربها لهذا الصنم، وهذا يُبين لك ما في قلوب أهل الشرك من تعظيمهم للشرك، ورغبتهم في موافقتهم على ما هم عليه، والرضا بذلك، ومشاركته في ذلك ولو بالشيء اليسير.
«وَقالوا لِلْآخَرِ: قَرِّبْ، فقال: مَا كُنْتُ لِأُقَرِّبَ لِأَحَدٍ شَيْئًا دُونَ اللَّهِ» يعني: لا يمكن أن أُعَظِّمَ صنمكم أبدًا، أنا بريء إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- من هذا الشرك، واعترف وبين وصرح «فَضَرَبُوا عُنُقَهُ؛ فَدَخَلَ الْجَنَّةَ» والأول دخل النار.
فهذا يبين أنَّ ما في القلوب هو المقصود حتى عند عباد الأوثان؛ لأنَّ عباد الأوثان يُريدون التعظيم ولو بالقلب، وهذا يُبين أيضًا أنَّ شرع من قبلنا -ربما والله تعالى أعلم- لم يكن لهم رخصة عذرا في حال الإكراه، أمَّا في شرعنا فقد قال الله -عَزَّ وَجَلَّ- ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾ [النحل:106]، ولو أنَّ الإنسان أُكره إكراهًا حقيقيًا على ذلك، ولم يتخلص من هذا الإكراه إلا بالإجابة إلى ما طلبوه، فهذا يفعل ما طلبوه، ولكنه ينوي بقلبه تعظيم الله -عَزَّ وَجَلَّ- والتخلص من شرهم، لا ينوي تعظيم صنمهم، وهذا جائز في شرعنا، قال الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النحل:106].
وهذا الحديث فيه فائدة مُهمة أيضًا نستفيد منها في وقتنا، بلَّغني أحد الإخوة أنَّ هناك شركات سياحية، تذهب ببعض الناس في بعض البلدان الغير إسلامية التي فيها أوثان تعبد من دون الله، فذكر لي أنهم يجعلون في البرنامج السياحي زيارة لصنم أو زيارة لمعبد قديم، بحجة أنَّ هذا من الآثار أو أنَّ هذا من الأشياء القديمة في البلد، ويريدون أن يُفرجوا الناس عليها، والأصل أنه لا يجوز أن يذهب الناس إلى أماكن الشرك ويكثر سوادهم، فيقول السائل: إنَّه ذهب -هذا الرجل- ولَمَّا مَرَّ بتلك الأماكن التي فيها المعابد والأصنام، وإذا به يجد أمام هذه الأصنام أشخاص يبيعون الزهور، ويبيعون أشياء تافهة، ويقولون: من الأدب وكما يعبرون -الاتيكيت- أنَّك تأخذ وردة وتضعها أمام هذا المعبد، فهذا ينطبق عليه «قَرِّبْ وَلَوْ ذُبَابً»؛ لأنَّهم يريدون منك أن تُعَظِّمَ صنمهم بأي طريقة كانت، ولو كان بالشيء اليسير، فالمؤمن يبرأ إلى الله من هؤلاء، ولا يُشاركهم في مثل هذه المظاهر الشركية الكفرية، ولو وقع أحد من الناس في هذا فليتب إلى الله وليجدد إسلامه؛ لأنَّه إذا عَظَّمَ الصَّنَمَ ولو بوردة، فإنَّ هذا من الشرك والكفر المخرج من ملة الإسلام، فالمسلم لا يُعظِّم الأصنام، ولا يُعَظِّم الأوثان، ولا يُعَظِّم ما يُعبد من دون الله، بل يبرأ إلى الله من ذلك، وليتذكر قول إبراهيم الخليل: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾ [إبراهيم:35]، قال التيمي -رحمه الله-: ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم، إذا كان إبراهيم خاف، بعض الناس يتساهل في أمر التوحيد، ويظن أنَّ الأمر يسير والخطب سهل، لا، الأمر عظيم جدًا، نسأل الله العافية لنا ولكم ولجميع المسلمين، أمين.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله تعالى: (بَابُ لا يُذْبَحُ لِلهِ بِمَكَانٍ يُذْبَحُ فِيهِ لِغَيْر اللَّهِ
وَقَوْلُ اللَّه تعالى: ﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدً﴾ الْآيَةُ.
عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ س قال: "نَذَرَ رَجُلٌ أَنْ يَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم؟ فقال: «هَلْ كَانَ فِيها وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟» قالوا: لَا. قال: «هَلْ كَانَ فِيها عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟» قالوا: لَا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَوْفِ بِنَذْرِكَ؛ فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعَصيةِ اللَّهِ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِهِمَ)
}.
قال -رحمه الله: (بَابُ لا يُذْبَحُ لِلهِ بِمَكَانٍ يُذْبَحُ فِيهِ لِغَيْر اللَّهِ) وهذا من الواجبات على الموحد، إذا ذبح لله -عَزَّ وَجَلَّ- فليحذر أن يكون المكان من الأماكن التي يذبح فيها لغير الله، وما الدليل؟ وما الحجة في ذلك؟ احتج الشيخ -رحمه الله تعالى- على ذلك بآية وبحديث.
أمَّا الآية فهي قول الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدً﴾، وأمَّا الحديث فهو حديث (ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ) وكلاهما يدل على أنَّه ى يُذبح لله بمكان يُذبح فيه لغير الله، والسبب والله تعالى أعلم، أنَّ هذا فيه تكثير لسواد أهل الشرك الذين يذبحون لغير الله، وفيه أيضًا فتنة الضعفاء والجهلة والسذج؛ فيغترون بهذا الذي ذبح في هذا المكان، وأيضًا قد يُساء به الظن هو، فيعتقد أو يظن في أنه مع أهل الشرك، وأيضا أنَّ هذا محل عذاب وعقوبة وسخط، فكيف يكون في هذا المكان!
وأيضًا مما يضاف إلى هذا أنه قد يزيغ وقد يفتن إذا رأى هؤلاء يعظمون الأصنام أو القبور بهذه الذبائح، فقد يُفتن وقد يُزين له إبليس أنَّ هذا جائز، ويقاس على الذبح لغير الله -عَزَّ وَجَلَّ- كل العبادات تفعل لغير الله -عَزَّ وَجَلَّ- فلا يأتي عند أماكن الشرك والوثنية، بل يحذر منها أشد الحذر.
قال: (وَقَوْلُ اللَّه تعالى: ﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدً﴾) هنا الخطاب للنبي ﷺ، نهى الله النبي ﷺ أن يُصلي في ذلك المسجد، الذي قال الله -عَزَّ وَجَلَّ- فيه: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ﴾ [التوبة:107]، يعني: هذه الأغراض السيئة أرادوا بها لَمَّا بنوا هذا المكان وسموه مسجدًا، وقالوا هذا في الليلة الشاتية، يأتيه الضعفاء من الناس ونحن نريد كذا، والله -عَزَّ وَجَلَّ- فضحهم، ﴿ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ﴾ يعني: مأوى لكل من عاند الرسول ﷺ وعاند الدين الإسلامي، وعاند المسلمين، قال الله: ﴿وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدً﴾ هنا السؤال، لَمَّا رجع النبي ﷺ من تبوك أمر بإحراقه، وأزيل هذا ولله الحمد، وهذا يُبين أنَّ الأماكن المؤسسة على الكفر والمؤسسة على الإضرار ببلاد الإسلام أنه لا يجوز إبقاؤها، بل يجب إتلافها حتى لا يبقى شعارًا للكفرة أو يأتي من يُحييه بعد ذلك.
ما وجه الشاهد؟
سؤال مهم يا طالب العلم، يا من تنظر في هذه الآية الكريمة، هل يستدل بقوله: ﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدً﴾ على أنه لا يُذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله؟
نعم، والاستدلال بديع، وقيام صحيح تمامًا، كيف؟ الذي يذبح لله موحد أليس كذلك؟! والمكان الذي يذبح فيه لغير الله مكان سيء -مكان شرك-، فالمؤلف يقول: لا تذبح.
طيب الآية الكريمة: ﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدً﴾ الخطاب فيها لمن؟
للرسول ﷺ، والرسول ﷺ إذا صلى في ذلك مكان فلمن سيصلي؟ سيصلي لله -عَزَّ وَجَلَّ-، فنهاه الله عن تلك الصلاة، وهي له سبحانه وتعالى؛ لأنَّ المكان مكان سخط ومكان غضب، ﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ۚ لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُو﴾ قيل: هو مسجد قباء، وقيل مسجد المدينة، وكلاهما أُسِّسَ على التقوى، فهذا يُبين أنَّ التشبه بأعداء الله وتكثير سوادهم يُنهى عن.
قال: (عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ، قال: "نَذَرَ رَجُلٌ أَنْ يَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ) بِبُوَانَةَ هذه يقال: هضبة تحت مكة، وقيل: إنها وراء ينبع، والمقصود أنه مكان معروف، إمَّا أنه حول ينبع هناك أو تحت مكة، فهنا استفصل النبي ﷺ، وهذا يُبين أنَّ المفتي إذا جاءه سؤال يحتاج إلى استفسار وتفصيل فلا مانع من أن يستفسر ويستفصل؛ لأنَّ هذا يُزيل الشبهة ويزيل الإشكال؛ لأنَّه إذا أجاب جوابًّا عامًّا قد يحمله السائل على أحد الأوجه الممنوعة، وهذا غير صحيح.
فقال النبي ﷺ: هل كان هل كان؟ فسأل، ثم قال: كذا وكذا وأجاب، وهذا فيه تربية من النبي ﷺ، وتعليم لكل من يجيب على أسئلة المستفتين، قال: «هَلْ كَانَ فِيها وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟»
الوثن غير الصنم، سبق معنى هذا، وهو أنَّ الصنم ما له صورة، عينان، وأنف، وفم، يعني: صورة رأس، هذا يسمى صنمًا، أمَّا الوثن فيشمل الصنم الذي له صورة ويشمل كل ما عبد من دون الله، كحجر أو عامود أو شجر أو غيره، فسأل: «هَلْ كَانَ فِيها وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟» أي: هذا الموضع الذي ترغب أن تذبح فيه، هل فيه وثن؟ (قالوا: لَ)، قال: («هَلْ كَانَ فِيها عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟») يعني: هل يعتاد المشركون أن يأتوا إليه؟ عيد زماني أو عيد مكاني، العيد الزماني هو يوم في السنة أو يوم في الشهر عليه من أهل الجاهلية أو مكاني يترددون عليه معين، قالوا: لا، طيب ماذا نفهم من هذا؟
أنه لو كان فيه وثن أو كان فيه عيد زماني أو عيد مكاني أنه يحرم النحر في ذلك المكان.
طيب سؤال قد يتبادر، بعض الإخوة يقول: لِمَاذا الصحابي أو ذاك الرجل نذر أن ينحر إبلا بذلك المكان؟
الجواب والله تعالى أعلم: أنه ربما وجد فقراء أو ربما كان هناك حاجة ماسة من أهل بلد أو قرية حول هذا المكان، أراد أن يبرهم بهذا، فالنبي ﷺ قال: «أَوْفِ بِنَذْرِكَ»، لَمَّا زالت المحاذير هذه فـ «أَوْفِ بِنَذْرِكَ»، دليل على وجوب الوفاء بالنذر، ثم قال: «فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعَصيةِ اللَّهِ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ». وهذا أصل عند العلماء في مسألة النذر المعصية، وأعظم المعاصي الشرك بالله -عَزَّ وَجَلَّ- لكن لَمَّا قال النبي ﷺ: هل كان فيها، هل كان فيها؟ هذا يدل على ماذا؟ السائل الموحد مسلم صحابي، والمكان الذي سيذبح فيه لو قدر أنَّ فيه وثن من أوثان الجاهلية، ما حكمه؟ لا يجوز المشاركة فيه، إذًا لا يذبح لله بمكان فيه وثن من أوثان الجاهلية، وهذا معنى تبويب بمصنف (لا يُذْبَحُ لِلهِ بِمَكَانٍ يُذْبَحُ فِيهِ لِغَيْر اللَّهِ) فالأماكن المعدة للشرك أو للكفر؛ لا يأتي المؤمن إليها ويفعل فيها الطاعات، بل يبتعد عنها ويذهب إلى المساجد أو يذهب إلى الأماكن التي أحلها الله -عَزَّ وَجَلَّ-، هذا ما يتعلق بهذا الحديث.
{أحسن الله إليكم.
هل مجرد الزيارة شيخنا الفاضل؟ لأنَّ بعض الناس قد يذهب للأماكن التي يكون فيها شيء من الشرك للنزهة مثلا}.
ينهى عن هذا؛ لأنَّه خطر عليه، إلا إذا كان يريد أن يُقيم عليهم النصيحة والحجة بالرفق وبالكلام الطيب، ويدعوهم إلى التوحيد، ويدعوهم للإسلام، أمَّا مجرد النزهة والزيارة والفسحة، فهذه أماكن غضب لله -عَزَّ وَجَلَّ- ولذا يجب على المؤمن والمؤمنة أن يستحضر أنَّ هؤلاء يعبدون غير الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وأنهم يُشركون بالله -سبحانه وتعالى- كيف تنبسط نفسك وأنت ترى هذا الكفر؟
بالعكس هذا مُقتضى قولك: (لا إله إلا الله) أن تبرأ، قال الله جل وعلا: ﴿فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ﴾ [البقرة:256]. فينهى عن ذلك. نعم.
{أحسن الله إليكم}.
لكن زيارة القبور ثلاثة أنواع، زيارة شرعية، وزيارة شركية، وزيارة بدعية، فزيارة القبور الشرعية لا بأس بها، لأنَّ المقصود منها: التذكر والاعتبار، وكذلك الدعاء للميت بالرحمة والمغفرة، هذه لا بأس، بالسلام على الموتى، بالسلام عليكم أهل الديار، لا بأس بها، وهي مشروعة.
 {أحسن الله إليكم.
قال المؤلف -رحمه الله: (بَابُ مِنَ الشِّرْكِ النَّذْرُ لِغَيْر اللَّهِ؛ لِقَوْلِهِ: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾.
وَقَوْلِهِ: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾.
وفي الصحيح: عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ»)
}.
النذر أن يوجب المكلف على نفسه شيئًا ليس واجبًا بأصل الشرع، تقربًا للمنذور له، وهذا يكون عبادة وتوحيدًا إذا كان لله -عَزَّ وَجَلَّ-، ويكون شركًا أكبر إذا كان لغير الله -عَزَّ وَجَلَّ-.
نأخذ ما يفعله المسلمون أو الموحدون، ما هو؟
يقول لله عليَّ نذر أن أتصدق بدرهم.
لله عليَّ نذر أن أصوم يومًا لله.
لله عليَّ نذر أن أعتكف ليلة.
كل هذا حُكمه أنه عبادة، وهو أوجده تقربًا لمن؟ تقربًا لله -عَزَّ وَجَلَّ-.
والنذر نوعان: نذر تبرر، يعني: طلبًا للبر، يسمى: نذر التبرر أو نذر الطاعة، ونذر معلق، وهذا مثل أن يقول: إن شفى الله مريضي فعليَّ نذر كذا وكذا، إن نجحت في الاختبار فعلي نذر كذا وكذا، وهكذا.
وكثير من أهل العلم، حمل الحديث الوارد عن النبي ﷺ في الصحيح في قوله: «لَا تَنْذِرُوا، فإنَّ النَّذْرَ لا يُغْنِي مِنَ القَدَرِ شيئًا، وإنَّما يُسْتَخْرَجُ به مِنَ البَخِيلِ»[7]، حمل هذا على النذر المشروط أو المعلق، لماذا؟ لأنَّه كأنَّ النَّاذر يقول: يا الله حقق لي هذا، وإن لم تحققه لي فلن أفعل هذه الطاعة، وإن حققتها لي فسأتصدق، فإنه لا يرد شيئًا من قدر الله، لا تنذروا، هذا النذر من حيث هذا المعنى جاء النهي عنه.
وأمَّا من حيث أصل النذر وهو أن يتقرب إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- قال في وصف أهل الجنة في سورة الإنسان: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾ [الإنسان:7]، فعلم أنه شيء يحبه الله -عَزَّ وَجَلَّ، فالوفاء بالنذر محبوب لله -عَزَّ وَجَلَّ- لكن النذر من حيث هو نقول: الأفضل للمؤمن أن لا ينذر لماذا؟
الأفضل أن تقوم بالطاعات التي فرضها الله عليك وهي الواجبات، وتستكثر من المستحبات دون نذر، أي: دون أن تلزم نفسك بشيء، لكن لو ألزمت نفسك لله -عَزَّ وَجَلَّ- بشيء؛ فيجب عليك أن تُوفي بك كما في حديث عائشة، وهذا فيما يتعلق بالتقرب إلى الله -سبحانه وتعالى- بالنذر.
بقي معنا الصورة الشركية، والتي بوب لها الشيخ فقال: (باب مِنَ الشِّرْكِ النَّذْرُ لِغَيْر اللَّهِ) إذا علمنا أنَّ التقرب بالوفاء بالنذر به لله عز وجل عبادة، وهو تعظيم لله عز وحل، فإذا كان المقصود بالنذر تعظيم الميت أو تعظيم الصنم أو تعظيم الكوكب أو تعظيم الجن، والتقرب إليهم وطلب رضاهم، فهذا هو الشرك الأكبر.
فيقول لفلان الميت عليه نذر، أن ينذر له كذا وكذا، وكانوا يفعلون هذا، بل بعضهم يظن أنه لا تتحقق له المقاصد، مثل: أن يرزق بولد أو يرزق بمال، حتى يأتي بسمن أو دقيق أو نحو ذلك، فيضعه عند الشجرة، يظن أنها النذر، بل يقولون هذه العبارة: هذا العمود المخلق يقبل النذور، كذا يقولون، ويضعون صناديق يسمونها صناديق النذور، فيأتي الجهلة وهؤلاء الضلال فيقولون لهم: ادفعوا هذه النذور لهذا الميت، فيأتي هذا بمال ويدفعه للميت ويقول: هذا يقبل النذر، وإذا نذرت له شفي المريض أو حصل كذا وكذا، وهذا هو الشرك بالله -عَزَّ وَجَلَّ- وهو من الشرك الأكبر، فيصرفون لهم العبادة وينذرون لهم، ويظنون أنَّ هذا سبب لتحقيق مقاصدهم وحصول الشفاعة لهم، قال الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ﴾ [يونس:18] هذا مُراد هؤلاء، أنهم يطلبون شفاعتهم فيظنون أنَّ هذه النذور ترضي الميت أو ترضي الصنم أو ترضي الجني أو ترضي العمود أو ونحو ذلك، وهذا من الشرك الأكبر، نسأل الله العافية والسلامة.
والشيخ حذر من هذا فقال: (بَابُ مِنَ الشِّرْكِ النَّذْرُ لِغَيْر اللَّهِ) فإذا علمنا أنَّ النذر والوفاء به عبادة لله -عَزَّ وَجَلَّ- كما في الآيتين ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾، فعطف النذر على النفقة، والنفقة محبوبة لله -عَزَّ وَجَلَّ-، والوفاء بالنذر أيضًا محبوب لله، (وفي الصحيح: عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ»)، وهذا يُبين وجوب الوفاء بنذر الطاعة، وتحريم الوفاء بنذر المعصية، لو أنَّ شخصًا قال: عليه نذر أو لله عليه نذر أن لا يكلم أباه أو أمه أو أن يقطع ابن عمه أو أن يمتنع من أشياء فيها صلة رحم أو فيها إحسان، يقول: هذا نذر معصية، نذر قطيعة رحم، وعقوق والدين، هذا نذر معصية ولا يجوز الوفاء به، وعليك أن تستغفر الله -عَزَّ وَجَلَّ- وأن تكفر عن نذرك كفارة يمين، وهي: ﴿إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ﴾ أي: هذه الأمور الثلاثة؛ ينتقل إلى الصيام ثلاثة أيام.
والنذور الشركية كمن يقول: للميت الفلاني نذر عليه، ويقول: أنا فعلت هذا الشيء ماذا علي؟
نقول: عليك أنَّ تجدد إسلامك وتوحيدك، وأن تتوب إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وليس في هذا كفارة؛ لأنَّ هذا جرم أعظم من أن يكفر بالكفارة، بل ونذرك باطل، وعليك أنَّ تجدد توحيدك، وأن تستغفر ربك من هذا الأمر، ونسأل الله -جل وعلا- لنا ولكم ولجميع المسلمين العافية والسلامة.
{أحسن الله إليكم.
شيخنا لو كان النذر هذا في مباح، النذر المباح كمن يقول: لله عليَّ نذر أن أركب السيارة الفلانية، أو أن يأخذ هذا الكأس أو أن يضع هذا القلم، هذه أشياء مُباحة. ما حكمها؟
الجواب: هو مخير إمَّا أن يلتزم بما ذكره في نذره أو أنه يكفر كفارة يمين، كما جاء في الحديث: «كفارة النذر كفارة يمين».
{أحسن الله إليكم.
إلى هنا نصل إلى نهاية هذا الدرس، أسأل الله -عَزَّ وَجَلَّ- أن يُوفقنا وإياكم إلى كل خير، وجزى الله شيخنا عنا خير الجزاء، وإلى لقاء قريب، وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
-------------------------
[1] أخرجه ابن ماجه (2123)، وأحمد (8273) واللفظ له، وحسنه أحمد شاكر.
[2] الأدب المفرد (587)، وقال الألباني: صحيح لغيره، وفي رواية عند البخاري (6047)، ومسلم (110)، قال ﷺ: «ومَن لَعَنَ مُؤْمِنًا فَهو كَقَتْلِهِ».
[3] رواه مسلم (2598).
[4] رواه الترمذي (1977)، وابن حبان (1/421) (192)، والحاكم (1/57)، وجوَّد إسناده الذهبي في (المهذب) (8/4200)، وصححه الألباني في (صحيح الترمذي) (1977)، وقال ابن حجر في (بلوغ المرام) (444): روي مرفوعًا وموقوفًا ورجح الدارقطني وقفه.
[5] أخرجه البخاري (2697)، ومسلم (1718).
[6] رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
[7] رواه مسلم (1640).
 

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك