الدرس الرابع

فضيلة الشيخ أ.د. فهد بن سليمان الفهيد

إحصائية السلسلة

33962 6
الدرس الرابع

كتاب التوحيد

{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، مرحبًا بكم أيُّها الإخوة والأخوات في الدرس الرابع من دروس شرح (كتاب التوحيد) للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- يشرحه لنا فضيلة الشيخ/ الأستاذ الدكتور فهد بن سليمان الفهيد، فمرحبا بكم فضيلة الشيخ}.
حياكم الله، وحيَّا الله الإخوة جميعًا، وأهلاً وسهلاً بكم.
{نستأذنكم شيخنا في بداية القراءة}.
على بركة الله
{جزاكم الله خيرً.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: (بَابُ مِنَ الشِّرْكِ لِبْسُ الْحَلْقَةِ وَالْخَيْطِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِرَفْعِ الْبَلاءِ أو دَفْعِهِ، وَقَوْلُ اللَّهِ تعالى: ﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أن أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أو أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ۚ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ۖ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [الزمر: 38])}
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد؛ فحياكم الله أيُّها الإخوة الكرام في هذا الدرس، الذي نتناول فيه هذا الباب من أبواب التوحيد للشيخ الإمام المجدد/ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- حيث يقول: (بَابُ مِنَ الشِّرْكِ لُبْسُ الْحَلْقَةِ وَالْخَيْطِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِرَفْعِ الْبَلاءِ أو دَفْعِهِ، وَقَوْلُ اللَّهِ تعالى)، وتقدم في الدرس الماضي في خاتمة الباب السادس أن الشيخ قال: (وَشَرْحُ هَذِهِ التَّرْجُمَةِ مَا بَعْدَها مِنَ الْأَبْوابِ) يعني: (بَابُ تَفْسيرِ التَّوْحِيدِ) لَمَّا ذكر هذا الباب قال: من الشرح للباب السادس كل الأبواب التي ستأتي وعددها واحد وستون بابًا، كلها شرح لتفسير التوحيد، وليس فقط الآيات الخمسة وحديث أبي مالك طارق الأشجعي، وإنما واحد وستين باب كلها شرح لتفسير التوحيد وتوضيح له، فهذا بداية الشرح.
وبدأ الشيخ بأمور تعتبر من الشرك الأصغر، قدمها الشيخ هنا لحكمة -سأذكرها بعد قليل- والشيخ ذكر الواحد وستين بابًا هذه بعد الأبواب الستة، ذكر فيها أمورًا تتعلق بالشرك الأكبر، وذكر فيها أمورًا تتعلق بالشرك الأصغر، وذكر فيها أمورًا تنافي كمال التوحيد، وذكر فيها براهين التوحيد كما يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله: "هذه براهين التوحيد ذكرها ضمن الأبواب" فالحقيقة الكتاب كتاب جميل وبديع، وفيه تقسيمات تدل على أنَّ المؤلف -رحمه الله تعالى- اعتنى به، ونرجو أنَّ هذا من صدقه ونصحه -رحمه الله رحمة واسعة-.
لماذا بدأ الشيخ بأمور هي من الشرك الأصغر، مثل: (لُبْسُ الْحَلْقَةِ وَالْخَيْطِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِرَفْعِ الْبَلاءِ أو دَفْعِهِ)؟
الحلقة من حديد مثل: السوارة، الخاتم، القلادة.
والخيط معروف، الخيوط تعلق على الأكتاف أو تعلق على الأصابع أو تعلق على الأرجل أو تربط بالأرجل أو بالأيدي أو حول الإصبع، فهي خيوط عادية يظنون فيها -هذه الحلقات وهذه الخيوط- أنها سبب للشفاء وسبب للعافية، والشيخ -رحمه الله- بيَّنَ أنَّ هذا من الشرك، وذكر الأدلة من القرآن ومن السنة على ذلك.
السؤال هنا، لماذا بدأ الشيخ هنا بالشرك الأصغر؟ ولماذا لم يبدأ بالشرك الأكبر، مثل: دعاء غير الله والسجود لغير الله، ونحو ذلك؟
الجواب: أنَّ الشيخ ذكر هذا؛ لأنَّه يَكثر وقوعه جدًا -هذا احتمال-.
وأيضًا هذا يعتبر وسيلة إلى ما هو أعلى منه. هذا الاحتمال الثاني.
وعندي أنا احتمال أقوى منهما، وهو أنَّ غالب المخاطبين من دعاة الشرك خصوصًا من علماء السوء في زمن الشيخ حتى يومنا هذا كانوا يفعلون هذه الأمور وهم يقرأونها في كتب الفقه؛ لأنَّ هذه الأمور منصوص عليها في كتب الفقه أنها محرمة وممنوعة شرعًا، وهم يفعلونها، فهذا فيه تنبيه من الشيخ لجميع القراء ولجميع المطلعين على هذا الكلام أنَّ هؤلاء يعرفون حرمتها وهم يفعلونها، هذا واحد.
الثاني: أنَّ هذه الأمور إذا كانت محرمة وهي بهذا اليُسر، وبهذا الصغر في الحجم وفي المعنى، فما بالك بالأمور الأعظم! إذا كان من عَلَّقَ خيطا أو ربط خيطًا أو وضع خلقة يعتبر هذا من الشرك حتى باعتراف هؤلاء المخالفين، فما بالك بمن دعا غير الله واستغاث به وتوجه بقلبه إليه، وذبح له ونذر له؟! أي ذلك أعظم؟!
لا شك لسانه الثاني أعظم، فكل هذا من المنفرات عن الشرك، ومما يفسر لك التوحيد، فهذا تفسير للتوحيد حقيقة.
قال: (لِرَفْعِ الْبَلاءِ أو دَفْعِهِ) الفرق بينهما أي: يعني بلاء نزل مثل: المرض، أو أصابه جرب أو أصابه وجع في رأسه، فأخذ يصنع هذه الأشياء لرفع البلاء، هذا شرك.
قال: (أو دَفْعِهِ) أي: أنه يدفعه ويحتاط قبل وقوع البلاء.
قال: (وَقَوْلُ اللَّهِ تعالى: ﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ۚ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ۖ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ ).
هذه الآية الكريمة تُبين أنَّ المعبودات التي عبدها المشركون والجاهليون -عبدوا أشياءً وادَّعوا أنها آلهة، فأخبر الله -عز وجل- أنها لا تكشف الضر ولا تجلب الرحمة، وإنما هي أوهام واعتقادات فاسدة لا حقيقة لها، لا تنفعهم ولا تضرهم، بل هي جمادات أو أموات أو معبودين لا يدرون عنهم.
كل هذا يُبين تحريم تعليق التمائم، والتعلق بغير الأسباب الشرعية؛ لأنَّه حقيقة يتعلق بأشياء موهومة لا حقيقة لها كما تعلق المشركون بمن يعبدونهم من دون الله فظنوا فيهم هذا الشيء، وبهذا نعرف وجه استدلال الشيخ بهذه الآية الكريمة.
وننتقل الآن إلى حديث عمران وحديث عقبة وحديث حذيفة.
{أحسن الله إليكم.
(عَنْ عِمْرانَ بنِ حُصينٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَأَى رَجُلاً فِي يَدِهِ حَلْقَةٌ مِنْ صُفْرٍ، فَقال: «مَا هَذِهِ؟!» قال: مِنَ الْواهِنَةِ. قال: «انْزِعْها؛ فَأَنَّهُا لَا تَزيدُكَ إِلَّا وَهَناً، فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ؛ مَا أَفْلَحْتَ أَبَد» رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ)}.
في الرواية الأخرى أنَّ الذي وضع هذا الشيء هو عمران نفسه رضي الله عنه، وعمران صحابي وأبوه حصين الخزاعي أسلم -رضي الله عنه- فهو صحابي، فهذا يبين أيضًا تحريم وضع الحلق
وقوله: (حَلْقَةٌ مِنْ صُفْرٍ) أي: من نحاس، فسأله النبي ﷺ ما هذا؟!
إذًا للداعي إلى الله والمعلم والمربي والموجه والمسئول في البيت ومسؤول في البلد أن يسأل إذا رأى شيئًا غريبًا، لماذا وضعت هذا؟ لماذا صنعت كذا؟ فقال: من الواهنة؟ إذًا القاعدة الكبيرة أنَّ أي أشياء جديدة يأتي بها الناس في المجتمع، يعني: بعض الناس الآن يأتي بأشياء من بلدان شرقية غير مسلمة، وبعضهم يأتي من بلدان غربية غير مسلمة، فيأتي بأخلاقهم وعاداتهم وأشياء يضعونها، فلك الحق أنك تسأل وتبين وتوضح حكم هذه الأشياء في الشريعة.
هل النبي ﷺ غَلَّظَ أم سَهَّلَ الأمر -ها يا شيخ ريان- أي: في قوله: «انْزِعْها؛ فَأَنَّهُا لَا تَزيدُكَ إِلَّا وَهَن» هذا تغليظ، وهذا يبين أنه من أكبر الكبائر؛ لأنَّه قال: «فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ؛ مَا أَفْلَحْتَ أَبَد» ويبين لنا الحديث أنَّ الأمور تنقلب عكس مراد صاحبها، هو يريد بها إزالة الوهن؛ «فَإنَّهُا لَا تَزيدُكَ إِلَّا وَهَن».
بعض الناس يضع أشياء أو حصيات، الآن صار من يقول: في أحجار معينة تمنحك طاقة، أو تمنحك كذا، سلب منك الطاقة، يعطيك طاقة، سبحان الله العظيم، تنقلب الأمور عليهم، وهذا حال كل من تعلق بغير الله -عز وجل- و «مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ» .
وفي هذا الحديث أيضًا أنَّ هذا المرض اشتهر قبل الإسلام أنهم يضعون هذه الحلقة للشفاء منه، ولهذا الصحابي هذا وضع هذه الحلقة؛ لأنها شيء مُشتهر، كيف تدفع هذا المرض؟ قال: تضعها من الواهنة، بسبب الواهنة، في الكتف أو في أو المنكب، فهذا يبين لك تحريم جميع أنواع التعاليق، ولا يُستثنى منه شيء، الآن طلعوا أشياء يقول لك: الروماتيزم يضعون سوارًا أو ساعة يقولون: إنَّها تشفي من الروماتيزم ووجع العظم، وشيخنا عبد العزيز بن باز يقول: سألنا كثيرًا من المختصين، فلم نجد أي مستند؛ لأنَّه لا يجوز أن نجعل شيئًا سببًا للعلاج إلا بناء على تجربة صحيحة من الموثوقين المتخصصين.
أمَّا الظنون أو أصحاب التجارة أو أصحاب الدعاية أو الباعة الذين في الصيدليات أو غيرهم فهؤلاء ليسوا متخصصين، المتخصص هو الطبيب الناصح الصادق الذي يعرف حقيقة الأمر، وغالب الناس يضع هذه الأشياء ثم يتعلق قلبه بها مع مرور الأيام، فإذا نزعها أحسَّ بفقد شيء من جسمه، مثل من تعود على لبس الساعة، فإذا خلعها شعر بشيء ناقص، وبعض الناس إذا وضع هذه الأشياء يظن أنها سبب للشفاء، وهنا يتعلق القلب، هذا التعلق والاتجاه القلبي يكن مع الله، لا تجعله مع هذه الأشياء التافهة، والأشياء التي اتضح أنها لا حقيقة لها، فالتعلق بها يعتبر داخل في قوله: («انْزِعْها؛ فَأَنَّهُا لَا تَزيدُكَ إِلَّا وَهَناً، فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ؛ مَا أَفْلَحْتَ أَبَد»).
إذًا الجاهليون قبل الإسلام كانوا يظنون أشياء وحتى الآن يوجد أناس يدعون إلى هذه الأشياء، فالشريعة حرمتها ومنعتها وبينت أنَّ ذلك من الشرك، ويجب إنكارها، ونصح من فعلها، وإن استجاب فالحمد لله، وإلا فقد قامت عليه الحجة.
{أحسن الله إليكم شيخنا.
(وَلَهُ عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامرٍ مَرْفوعاً: «مَنْ تَعَلَّقَ تَميمَةً؛ فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدْعَةً؛ فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ».
وَفِي لَفْظٍ: «مَنْ تَعَلَّقَ تَميمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ»)
}.
هذا يؤكد هذا المعنى الشرعي بتحريم تعليق الحلقة أو الخيط أو نحوهما، ومن ذلك التميمة والودعة، فما هي التَّميمَة؟ سيأتي باب خاص بالتمائم، وهي أشياء تعلق غالبًا على الأولاد، أو تعلق على المزارع أو المراكب أو غير ذلك، يعني: بعض الناس يخاف على البهائم التي عنده فيعلقها عليه.
«مَنْ تَعَلَّقَ تَميمَةً» هذه التَّمَائِمَ غالبًا يكون فيها كتابات، ولهذا نَهى عنها الشرع مُطلقًا «مَنْ تَعَلَّقَ تَميمَةً» دعا عليه الرسول ﷺ «فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ».
«وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدْعَةً» الودع ما يُلقيه البحر من الأصداف ونحوها، هذه يأخذونها ويجعلونها في خيط ينظمونها في خرزات تعلق على الصدور أو الأيدي.
إذا كان التعليق لأجل الشفاء أو طلب العافية أو دفع شر الجن أو دفع شر الأمراض؛ فيكون هذا حينئذ من الشرك بالله -عز وجل- ينال دعاء الرسول ﷺ عليه.
«من تَعَلَّقَ وَدْعَةً؛ فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ» يعني: لا تركه الله -عز وجل- في دعه، وهذا يُبين حرمة هذه التعاليق، وأنه لا يجوز للمسلم أن يُعلق على أولاده أو على غيره أو على نفسه، هذه الأمور، وبعض الجهلة يأتي بجلد الذئب ويقول: جلد الذئب يطرد الجن وهذا كذب، وحتى لو وقع وقدر هذا؛ فلا يجوز التعلق لها بذئب ولا بجلد ذئب ولا بشعرة ولا بطلاسم ولا أوراق، كل هذا منعت منه الشريعة وسدته سدًا تامًّا، إنَّما نتعلق بالله -عز وجل- وندعوه ونأخذ بالأدوية الصحيحة المجربة النافعة المعروفة عند الأطباء والمختصين. هذا هو الذي نتعلق به.
{أحسن الله إليك.
لو كانت هذه مثال الخيوط أو هذه التعليقات أحيانا يكون فيها شيء من اسم الله أو الآيات القرآنية، هذا مما يؤكد أنها قد تمتهن أيضًا يعني: يمنع منها أيضًا؛ لأنها قد يتعلق بها قلبه، وقد تُخلط أيضًا بأشياء محرمة.
فالصحيح أنه لا يجوز تعليق شيء لا من القرآن ولا من غير القرآن، حتى بعض الناس يضع مصحفًا ويقول: حتى لا يصيبني حادث أو يضع مصحفًا حتى يحرس في الليل، يعني يقول: أضع المصحف عند رأسي يحرسني. لا، هذا كلام باطل، الذي يحرسك والذي يحفظك هو الله، اقرأ آية الكرسي، اقرأ أنت، هذه تحفظك بإذن الله. هذه ورد فيها شيء.
{أحسن الله إليكم.
(ولابْن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ حُذَيْفَةَ: أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً فِي يَدِهِ خَيْطٌ مِنَ الْحُمَّى، فَقَطَعَهُ، وَتَلَا قَوْلَهُ تعالى: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُشْرِكُونَ﴾ )}.
يعني حذيفة استدل بالآية التي في الشرك الأكبر على موضوع تعلق بالشرك الأصغر، يعني الموضوع الذي أنكره حذيفة هو شرك أصغر وليس أكبر؛ لأنَّ ذلك الرجل الذي قطع حذيفة -رضي الله عنه- منه رجل مريض من المسلمين وليس من المشركين، ولكنه وضع خيطًا من الحمى، وهذا يؤكد لك المعنى السابق أنهم يضعون خيوطًا، وأنا رأيت أيضًا بنفسي رأيت بعض العمال وهو يعملون، يضع أحدهم خيطًا في يده سألته فقال: يدي توجعني، يدي تؤلمني، فوضعت هذا الخيط، ولهذا أنكرت عليه، ونبهت عليه أنَّ هذا من الشرك الأصغر ويجب ترك هذا الشي، لكن أنا ضربت هذا المثال؛ لأنَّه منتشر؛ فيجب علينا أن نوعي إخواننا المسلمين.
لكن حذيفة هنا استدل بآية في سورة يوسف ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُشْرِكُونَ﴾ . المراد إيمانهم بإقرارهم بالربوبية، الله خالقنا، الله خلق السماوات، هذا كلامهم ﴿إِلَّا وَهُم مُشْرِكُونَ﴾ يعني: يعبدون غيره سبحانه، هذا شرك في الألوهية ولكن هل هو شرك أكبر أو أصغر؟ عبادة غير الله شرك أكبر.
كيف استدل بها حذيفة على الشرك الأصغر؟
الجواب: أنَّ الجامع لذلك هو التعلق بغير الله، فالشرك الأكبر يتعلق بغير الله بصرف العبادة، والشرك الأصغر يتعلق بغير الله ولكن ليس بصرف العبادة وإلا لصار أكبر، ولكن يتعلق بغير الله باعتقاد سبب ليس سببا، والنظر الى سبب وتعلق القلب بهذا السبب ففيه التفات من القلب إلى هذا السبب الباطل، ولهذا ناسب أن يحتج حذيفة -رضي الله عنه- بالآية التي نزلت في الشرك الأكبر على أمر يتعلق بشرك أصغر، وأنَّ هذا من الشرك الأصغر.
إذًا يجب علينا أن نحذر ذلك وأن نحذر إخواننا المسلمين من جميع صور الشرك الأكبر والأصغر.
سؤال

{نعم أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله تعالى-: (بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّقَي وَالتَّمَائِمَ
في الصحيح: عَنْ أَبِي بشيرٍ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَأَرْسَلَ رَسُولاً: «أَنْ لَا يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادَةً مِنْ وَتَرٍ، أَوْ قِلَادَةٌ؛ إِلَّا قُطِعَتْ»)
}.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى-: (بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّقَي وَالتَّمَائِمِ) أي من الأحكام الشرعية والتفصيل، يعني: ليست الرقى كلها محرمة أو كلها شرك، وأمَّا التَّمَائِمَ فهي محرمة، إذ قال: (بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّقَي وَالتَّمَائِمِ)، ولم يقل: باب من الشرك والرقى والتمائم؛ لأنَّ الرقى تختلف وفيها تفصيل.
ما الذي استمع ايها المسلم لهذه الآيات ولهذه الأحاديث ولهذه النصوص ستعرف باب ما الذي ورد في باب الرقى والتَّمَائِمَ جاء فيها أحاديث، فما الفرق بين الرُّقى والتمائم؟
الرقى جمع رقية، وهي الشيء الذي يُقرأ، سواء من كلمات أو من آيات أو من أدعية أو حتى من تمتمة، وكانت الرقى موجودة في الجاهلية، أغلبها شركية وفيها خطاب للجن، وفيها كلمات مسجوعة حتى هناك رقية اسمها (رقية النملة) ورقية اسمها (رقية العقرب) ورقية اسمها رقية كذا، ورقية كذا، ولها سجعات يعني: مسجوعة حتى إنَّ بعضها يحفظ بسهولة من كثرة تكرارها، فكانت موجودة بالجاهلية بكثرة، فجاء الحديث عن النبي ﷺ بتحريمها كلها أول الأمر، فقال ﷺ: «إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَة؛َ شِرْكٌ». إذا جاء تحريمها أول الأمر، ولهذا يحتاج الأمر إلى تفصيل.
والتَّمَائِمَ كذلك فيها بيان ولكنها كلها محرمة، ليست مثل الرقى.
قال: (في الصحيح) يعني: في البخاري (عَنْ أَبِي بشيرٍ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَأَرْسَلَ رَسُولاً: «أَنْ لَا يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادَةً مِنْ وَتَرٍ، أَوْ قِلَادَةٌ؛ إِلَّا قُطِعَتْ») إذًا الرسول ﷺ أنكر هذا الشيء وأزاله من الوجود في تلك الغزوة ومناعة، وهذا ربما أنَّ بعض من أسلم من الصحابة أسلم حديثا في تلك الغزوة فبقي معه بقايا مما كان عليه أهل الجاهلية.
ما الذي كانوا عليه؟ كان إذا اخلولق الوتر. ما هو الوتر؟ القوس التي يرمى بها السهام فيها أوتار، وهذه غالبًا تُؤخذ من أمعاء الإبل، وأمعاء الإبل إذا كانت جديدة تعد من أجود ما يكون في استخدامها في القوس، فيكون هذا الوتر للقوس قويًا جدًا؛ فيرمى بالسهم فينطلق بشدة.
هذا الوتر إذا اخلولق وصار باليًا؛ يأخذونه ويعلقونه على الدابة للحماية والوقاية من الجن، يشدون هذه القلائد أو هذه الأوتار ويعلقونها على الأبقار، ويعلقونها على الإبل، وبعضهم يضع نعلا قديمة، وبعضهم يضع حافرًا، وبعضهم يضع صورة عقرب، والآن بعضهم يضع صورة عين وسهم وسط العين، ويقول عين الحسود فيها عود، وكل هذه الأمور حكمها واحد في الشرع، وهي أنها محرمة ولا تجوز.
وأيضًا مثل هذا من يضع خرقة سوداء على السيارة والشاحنة، وقد ترى بعض الناس يضع على السيارات خرق ويزعمون أنهم يوقون بها من الحوادث.
ما الذي فعله الرسول ﷺ مع هذه الأمور؟ أرسل رسولا -رجلا من الصحابة- ألا يبقى شيء من هذا، بل يُزال كله، وهذا يُبين لك أنها من الشرك، وأنه يجب إزالتها، وأن لا يبقى شيء منها عند المسلمين، فهذا هو حُكم هذه التعاليق.
طبعا الأوتار تعتبر في حكم الباب الذي قبله، لكن الشيخ قدَّم هذه المقدمة ثم أورد حديث ابْنِ مَسْعُودٍ قال: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُول: «إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةُ؛َ شِرْكٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وأَبُو دَاوُدَ) هذا الحديث -حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه- له سبب وهو في سنن أبي داود، أنه دخل على امرأته فسألته عن هذا الأمر فقال: إنَّ آلَ عبد الله لأغنياء عن الشرك، يعني: أسرتي وآلِ بيتي أغنياء عن الشرك، لسنا بحاجة إلى الشرك، وهذا فيه بيان أنَّ بعض الأولاد أو بعض أفراد الأسرة قد يلجئون المريض أحيانا أو رب الأسرة إلى بعض التصرفات المحرمة، ويقولون: ماذا نسوي إنَّ المرض داهمنا وفعل بنا؟ نقول: لا، عليكم أن تتوكلوا على الله، واصبروا وعالجوا أنفسكم بما شرع الله وبما أباح الله من الأدوية، واذهبوا إلى المستشفى والطبيب المختص، وأمَّا هذه الأمور فاتركوها، أي: -التوقعات والأشياء التي يفعلها أهل الجاهلية.
فقال: «إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَة؛َ شِرْكٌ» إذا هذا كلام الرسول ﷺ، والرقى أي: جميعها فلم يستثن منها شيئًا، أي: ليس فيها استثناء.
إذًا حرَّم الرسول ﷺ الرقى أول الأمر لماذا؟ لانتشار الأمر واختلاطه، ولوجود بعض الرقى المحرمة التي يتناولها الناس ويحفظونها؛ فخشي النبي ﷺ وحرمها كلها، ثم بعد ذلك قال: «اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ»، وقوله: «اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ» إذا لابد أن ينظر فيها، ما هي ألفاظها؟ ما هي كلماتها؟ إن كان فيها كلمات ودعوات طيبة مباحة لا شرك فيها ولا تمتمة ولا أسماء أعجمية ولا أسماء غريبة؛ فلا بأس بذلك. إذًا لابد تكون بلسان معروف، وليس فيها جهالات أو أشياء خفية.
ثانيا: أن يكون المعنى سليمًا ليس فيه ما يخالف الشرع.
الثالث: ألا يعتمد على الرقية بذاتها أو على الراقي بذاته، وإنما يجعلها سببًا للشفاء، سببًا شرعيًا، ويتوكل على الله سبحانه وتعالى، وبهذا تكون الرقى جائزة.
ولهذا إذا جاءنا شخص يسأل عن رقية معينة غير ما ورد في الكتاب والسنة نقول: اعرض علينا هذه الرقية ما هي حتى نتأكد؟
إذا فيها أسماء أعجمية أو فيها تمتمة أو فيها كلمات مجهولة المعنى؛ صارت حرامًا، ولو فيها تعلق صريح بالجن أو استغاثة بالملائكة؛ هذا شرك بالإجماع.
الثالث أن يقول: والله أنا أعتقد أنَّ الراقي هذا بعينه كما يعبرونه ويقولون: هذا شفاء متيقن، لا، لا، الشفاء يكون من الله -سبحانه وتعالى- وليس من الراقي، والنبي ﷺ رَقَى وَرُقِيَ، رقاه جبريل، ورَقَى بعض أصحابه، فهذه الرقية مشروعة، لكن الرقية تكون بكلام الله -الآيات القرآنية- وتكون بأدعية ثابتة عن الرسول ﷺ أو أدعية مُباحة ليس فيها توسل بالشياطين ولا بالجن ولا بغيرهم، ولا بحق فلان وجاه فلان، كل هذا من البدع، وليس فيها حروف مقطعة أو مجهولة المعنى، هذه كلها من الأشياء المحرمة.
سؤال

أمَّا التَّمَائِمَ فهي شيء يعلق، بينما الرقى شي يقرأ، قال: «والتَّمَائِمَ» يعني: التَّمَائِمَ كلها شرك، فالتَّمَائِمَ يعني يكتبون أوراقًا أو يضعون أشياء أو يُعلِّقون خرزًا أو يعلقون الودع أو الطلاسم أو العظام، كل هذا شرك.
سؤال
قال: «وَالتِّوَلَةُ» التولة بينها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الشرح، قال: (شَيْءٌ يَصْنَعُونَهُ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ يُحَبِّبُ الْمَرْأَةَ إِلَى زَوْجِهَا، وَالرَّجُلَ إِلَى امْرَأَتِهِ) يعني من أنواع السحر، يسمى السحر العطف، وهذا كله من الشرك والكفر.
هذا معنى حديث ابن مسعود وهو يبين فيه تحريم هذه الأمور، والله تعالى أعلم.
{قال -رحمه الله تعالى-: (التَّمَائِمُ: شَيْءٌ يُعَلَّقُ عَلَى الْأَوْلَادِ يتقون به عَنِ الْعَيْنِ، لَكِنْ إِذَا كَانَ مِنَ الْقُرْآنِ؛ فَرَخَّصَ فِيهِ بَعْضُهُم، وَبَعْضُهُمْ لَمْ يُرَخِّصْ فِيهِ، وَيَجْعَلُهُ مِنَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، مِنْهُمُ ابْنُ مَسْعُودِ.
وَالرُّقَى: هِيَ الَّتِي تُسَمَّى الْعَزَائِمَ، وَخَصَّ مِنْهُ الدَّليلُ مَا خَلَا مِنَ الشِّرْكِ؛ فَقَدْ رَخَّصَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْعَيْنِ وَالْحُمَةِ.
وَالتِّوَلَةُ: شَيْءٌ يَصْنَعُونَهُ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ يُحَبِّبُ الْمَرْأَةَ إِلَى زَوْجِهَا، وَالرَّجُلَ إِلَى امْرَأَتِهِ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ مَرْفُوعاً: «مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئاً وُكِلَ إِلَيْهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ والتِّرْمِذِيّ)
}.
هذا أصل كبير يُبين جميع مسائل هذا الباب، وهو أنَّ القلب إذا اتجه إلى المخلوقين أو إلى هذه القطع والحلق والخيوط؛ فإنه يؤكل إليها ويبوء بالخسران، ولا يحصل الربح ولا المصلحة، لا في الدين ولا في الدنيا.
أمَّا من تعلق بالله -عز وجل- فإنه يُوكل إلى الله، ومن يتوكل على الله فهو حسبه، الذي هو على كل شيء قدير.
فهذا الحديث فيه التحذير من التعلق بغير الله -عز وجل- من هذه الخيوط أو الحلق أو نحوها، أمَّا الأدوية فقد أباح الله -عز وجل- ذلك، وقال الرسول الكريم ﷺ: «إِنَّ اللهَ تعالى أنزلَ الداءَ والدواءَ، وجعلَ لِكُلِّ داءٍ دواءً، فتداوَوْا ولَا تَدَاوَوْا بحرامٍ» معنى هذا أنَّ التعلق بالأدوية ليس تعلق بالتوكل عليها والتفات القلب إليها، بل بالتوكل على الله -سبحانه وتعالى- والعمل بشرع الله، فإنَّ هذا من العمل بشرعه، ومما يرضيه سبحانه وتعالى، فالقلب متعلق بالله، والله -عز وجل- خلق في هذه الموجودات أشياء تنفع وتُفيد الإنسان، مثل: الماء الذي يدفع العطش، ومثل: الطعام الذي يدفع الجوع، كذلك هناك أدوية وأعشاب ومركبات تُفيد الإنسان؛ فهذا من خلق الله -عز وجل- ومن إذنه الشرعي والقدري، وليس تعلق بغير الله -سبحانه وتعالى.
ثم أيضًا نضيف فائدة أخرى وهي: أنه ليس حصول الفائدة دليل على جواز العمل، فلو قال الذي يبيع الخمر: أنا أحصل فائدة، أو قال المرابي: أنا أحصل فائدة، أو قال شخص: أنا علقت هذه الحديدة أو هذا الحجر فحصلت فائدة، ليس حصول الغرض دليل على إباحة الشيء، بل لا بد أن نكون في جميع ما نقول: إنه مباح أو إنه حلال، أن نرجع فيه إلى ما شرعه الله وما قاله رسوله ﷺ.
سؤال


ثم بين الشيخ معنى: (التَّمَائِمَ) ومعنى: (الرُّقَى) ومعنى: (التِّوَلَةُ) وقد تقدم ذكر ذلك، لكن هنا بين الشيخ الخلاف في (التَّمَائِمَ)، وأنَّ بعض السلف رخصوا فيه، ويروي هذا عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وبعضهم لم يرخص فيه مثل: عبد الله بن مسعود وغيره من الصحابة والتابعين، ويجعلون ذلك من المحرم، وهذا هو الصحيح لثلاث أسباب أو أربعة.
الأول: الخلاف ترى فيما كان من القرآن فقط، أمَّا ما كان ليس من القرآن مثل الكلمات أو الأشياء المجهولة؛ فهذا بالإجماع أنه حرام.
لكن آية الكرسي أو آية سورة الفاتحة ما حكم تعليقها؟
فيه خلاف، والصحيح أنه لا يجوز تعليقها؛ وذلك لأنها قد تمتهن؛ ولأنها لم يرد بذلك من النبي ﷺ، ولعموم النَّهي أنَّ (الْرُّقَى والتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةُ) لم يستثن الرقى استثنى لا بأس بالرقى هو الذي استثنى عليه الصلاة والسلام، أمَّا التمام فلم يستثن منه شيء.
الأمر الثالث: أنها قد تكون تمتهن؛ لأنها غالبًا تُعلق على الأطفال، ويدخلون الخلاء، ويقعون في التراب أو الأوساخ، وينبغي أن يجل كلام الله -عز وجل، والقرآن عن الامتهان، وأيضًا ممكن تكون سبب في تعلق الإنسان بها، وممكن تكون أيضًا سببًا للاشتباه وتعلق الإنسان بها، وقد يراها من لا يعرف فيظن أنها من جنس المحرم، وبالتالي نقول: إنها لا تجوز.
{أحسن الله إليكم.
(وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ: عَنْ رُوَيْفِعٍ قال: قال: لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يا رُوَيْفِعُ! لَعَلَّ الْحَيَاةَ سَتَطُولُ بِكَ، فَأَخْبِرِ النَّاسَ أَنَّ مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ، أَوْ تَقَلَّدَ وَتَراً، أَوْ اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ أَوْ عَظْمٍ، فَإِنَّ مُحَمَّداً ﷺ بَرِيءٌ مِنْهُ».
وَعَن سَعِيدِ بنِ جُبَيْر قال: "مَنْ قَطَعَ تَمِيمَةً مِنْ إِنْسَانٍ؛ كَانَ كَعِدْلِ رَقَبَةٍ" رَوَاهُ وَكِيعُ.
وَلَهُ: عَنْ إِبْرَاهِيَمَ قال: "كَانُوا يَكْرَهُونَ التَّمَائِمَ كُلَّهَا، مِنَ القُرْآنِ وَغَيْرِ الْقُرْآنِ")
}
ختم المصنف -رحمه الله- هذا الباب بحديث رُوَيْفِعٍ -رضي الله عنه- وأثرين عن سعيد بن جبير، وعن إبراهيم النخعي، أمَّا حديث رُوَيْفِعٍ فإنَّ الرسول ﷺ قال: «يا رُوَيْفِعُ! لَعَلَّ الْحَيَاةَ سَتَطُولُ بِكَ» ووقع هذا وتأخرت وفاته رضي الله عنه.
قال: («فَأَخْبِرِ النَّاسَ أَنَّ مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ، أَوْ تَقَلَّدَ وَتَراً، أَوْ اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ أَوْ عَظْمٍ، فَإِنَّ مُحَمَّداً بَرِيءٌ مِنْهُ») عقدُ اللحية يفعله بعض أهل الجاهلية على وجه التخنث والتشبه بالنساء اللاتي يعقدن شعورهن، وأيضًا يفعله بعض أهل الكبر والخيلاء عندهم؛ فحرمه النبي ﷺ، واللحية تُعفى ولا تعقد وإنما تسرح بالمشط ونحوه، وتترك ولا تُقرب بقص أو حلق، لكن المراد هنا التحريم الذي يتعلق بالتشبه بأهل الجاهلية بعقد اللحى، بينما يفعلونه إمَّا على وجه التخنث والتأنث، وإمَّا على وجه الاستكبار.
قال: أو («تَقَلَّدَ وَتَر») هذا هو الشاهد من هذا الحديث في هذا الباب، «تَقَلَّدَ وَتَر» أي: وضع وترًا، وهو سبق ذكره في حديث أبي بشير الأنصاري، والوتر هنا يعلق لأجل دفع البلاء أو رفعه.
قال: («أَوْ اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ أَوْ عَظْمٍ») لا يجوز الاستنجاء بها؛ لأنه كما جاء عن النبي ﷺ أنَّ رجيع الدابة يكون علفًا لبهائم إخواننا من الجن، والعظام تكون أوفر ما يكون لهم لحمًا إذا ذُكر عليها اسم الله، فلا يجوز تلويثها بالاستنجاء.
قال: («فَإِنَّ مُحَمَّداً بَرِيءٌ مِنْهُ») إذًا هذه الأمور تعتبر من كبائر الذنوب؛ لأنَّ النبي ﷺ تبرأ ممن فعل ذلك.
أمَّا أثر سعيد ("مَنْ قَطَعَ تَمِيمَةً مِنْ إِنْسَانٍ؛ كَانَ كَعِدْلِ رَقَبَةٍ" رَوَاهُ وَكِيعُ) هذا يُبين لنا أنَّ سعيد بن جبير -وهو من كبار علماء التابعين- وأصحاب ابن مسعود وابن عباس أنَّ هذا العلم انتشر عندهم وهو التوحيد، والتعلق بالله وتحريم التعلق بغير الله، وأنَّ من أنكر ذلك وأزاله فإنه يُحصل الأجور العظيمة (كَانَ كَعِدْلِ رَقَبَةٍ) ليس حديث عن النبي ﷺ ولكن هذا يُبين فضل الدعوة إلى التوحيد وإنكار الباطل.
لكن العلماء ينبهون على أمر ما هو؟
أنَّ الإنكار لابد أن يكون مع وجود السلطة أو بالإقناع حتى لا يرجع مرة ثانية فيضع هذه التميمة أو الخيط أو نحوه، لأنَّ بعض الناس إذا أنكرت عليه وأزلته بالقوة ربما يذهب مرة ثانية فيضعها، لكن لابد أن يكون هذا مع التعليم والتوجيه حتى لا يتكرر هذا الباطل.
ثم قال: (وَلَهُ: عَنْ إِبْرَاهِيَمَ قال: "كَانُوا يَكْرَهُونَ التَّمَائِمَ كُلَّهَا، مِنَ القُرْآنِ وَغَيْرِ الْقُرْآنِ") يكرهون أي: يرون تحريمها، الكراهة عند الأوائل تعني: التحريم.
(مِنَ القُرْآنِ وَغَيْرِ الْقُرْآنِ)؛ لأنَّ إبراهيم من أصحاب تلامذة ابن مسعود -رضي الله عنهم ورحمهم الله- فقد اشتهر عندهم هذا الشيء، وهو تحريم تعليق التَّمَائِم حتى لو كانت من القرآن.
بقي معنا مسألة، وهي أنَّ بعض الرُّقاة يتخذ الرقية مهنة، وهذا ليس من هدي السلف الصالح، وغالب من يفعل ذلك قد يقع في مخالفات شرعية مُتعددة، وقد يفتح بابًا من المنكرات، مثل: الخلوة أو وقوع بعض الأمور الشركية، أو تلاعب الجن بهؤلاء، يترك هذا ولا يفعل وإنما كل مسلم يرقي نفسه أو يرقيه من فيهم خير وصلاح من جيرانه أو من مَعارفه، وأن يرقي نفسه فهو أفضل، يعني: إنسان يرقي نفسه فهذا أفضل، يتعلم كيفية الرقية، قراءة الفاتحة سبع مرات، ويقرأ سورة الإخلاص والمعوذتين، ويقرأ آية الكرسي ويكررها، ويجعل الله فيه بركة، لا يعتقد أنَّ الرقية لا تكون إلا عن طريق واحدٍ معينٍ أو شخصٍ معينٍ، لا، الأمر فيه والحمد لله توسعة في الشريعة، هذا ما بموضوع الرقاة.
ويجب على المسلم أيضًا أن يحذر من الأشياء المتوهمة، فبعض الناس يريد أن يدفع العين عن نفسه، ويخاف من العين فماذا يفعل؟ يفعلونها في أشياء منكرة، وإنما تدفع العين بالتعوذ بالله عز وجل، قال الله: ﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ فتقرأ هذه السورة العظيمة -سورة الفلق- وكذلك تدفع العين بالتوكل على الله سبحانه وتعالى، وكذلك تُدفع العين بالدعاء وأذكار الصباح والمساء، والمحافظة على الصلوات، والبعد عن أسباب الشر، مثل: بعض الناس لا يبرك على إخوانه، ولا يدعو لهم بالبركة، كذلك تدفع العين بالصدقة وتقوى الله -سبحانه وتعالى- ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ وتدفع العين بالرقية الشرعية، فأسترقي لهم؟ قال: نعم، وتدفع بالإيمان بالقدر أيضًا، لو قدر الله -عز وجل- وقع عليك الشيء فترضى بقضاء الله تبحث عن أسباب العافية المشروعة والمباحة، وبالله التوفيق.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (بَابُ مَنْ تَبَرَّكَ بِشَجَرةٍ أَوْ حَجَرٍ وَنَحْوِهِمَا، وَقَوْلُ اللَّه تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ﴾ .
عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ قال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى حُنَيْنٍ، وَنَحْنُ حُدَثَاءُ عَهْدٍ بِكُفْرٍ، وَللْمُشْرِكِينَ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا وَيَنُوطُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ، يقال لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ.
فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ، فَقُلْنَا: يا رَسُولَ اللَّهِ! اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ. فَقال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اللَّهُ أَكْبَرُ! إنَّهَا السُّنَنُ، قلتمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، كَمَا قالتْ: بَنُو إِسْرَائيلَ لِمُوسَى: ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لهُمْ آلِهَةٌ قال إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلْونَ﴾ لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَصَحَّحَهُ)
}.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: (بَابُ مَنْ تَبَرَّكَ بِشَجَرةٍ أَوْ حَجَرٍ وَنَحْوِهِمَ) هذا الباب بدأ فيه هنا بأمور الشرك الأكبر، هذا من الشرك الأكبر الذي كان عند أهل الجاهلية.
قال الله -عز وجل-: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ﴾ [النجم: 19-20]، اللَّاتَ قبر رجل كان يَلتُّ السويق للحجاج، فعبد من دون الله.
وَالْعُزَّى شجرة من شجر السمر، ثلاث شجرات، وفيها يسمعون أصوات جنية يُسمونها الْعُزَّى.
وَمَنَاةَ: صخرة بيضاء.
إذًا الله -عز وجل- أنكر عليهم التعلق بالقبر، وأنكر عليهم التعلق بالحجر والشجر.
وماذا كان يفعل أهل الجاهلية؟ كانوا يطلبون منها البركة، كان من أفعالهم العكوف عندها، وينوطون بها أسلحتهم كما في حديث أبي واقد الآن.
(يَعْكُفُونَ عِنْدَهَ) العكوف ما هو؟
طول المكث والبقاء، ما يصنعه المشركون قديمًا وحديثًا هو هذا، ولهذا يجب علينا أن نعرف أنَّ التبرك بالأشجار أو الأحجار أو التبرك بالقبور هو من شرك الجاهلية، هذا النص واضح في القرآن وواضح في السنة، فالله -عز وجل- أنكر عليهم شركياتهم، وعرفنا المراد بالآية.
أمَّا الحديث، فقد قال أبو واقد الليثي رضي الله عنه: (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى حُنَيْنٍ، وَنَحْنُ حُدَثَاءُ عَهْدٍ بِكُفْرٍ) يعني: للتو أسلموا، أسلموا في آخر رمضان، والخروج إلى حنين في عشرة أو عشرين من شوال، يعني: بعد عشرين يوم فقط، ولا شكَّ أنَّ كثيرًا ممن أسلم يخفى عليه، وبقيت عندهم أمور سابقة ما كانوا يعرفونها، لكنه مع هذا -رضي الله عنهم- انظر إلى أدبهم.
قال: (وَللْمُشْرِكِينَ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا وَيَنُوطُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ) هنا فائدة! لماذا يذهب بعض الناس إلى شجرة ويطلب منها؟ الآن يقول بعض الناس: الآن العلم الحديث والطب والتقنية والصناعات نقول: وإلى الآن حتى بعض العلمانيين الذين يدعون الانسلاخ من الدين يقعون في هذا الشرك، ويسوغونه، بل وهناك منظمات كافرة ترعى هذا النوع من أنواع الشرك إلى الآن، فلا تظن أنَّ هذه الأمور التي حرمها الله -عز وجل- وأنكرها على المشركين الأوائل أنَّ هذه الأعصار المتأخرة بسلام منها، لا حتى لو انتشر العلم، بل بعضهم عنده شهادات عليا ويقع في هذا، ويدافع عن هؤلاء المشركين، ويمدح هذا النوع من أنواع الشرك بالأشجار، وأضرب لكم مثلا، بعض الناس الآن جاء يدعو الأطفال، ويقول لهم: هذه الشجرة تسمى شجرة الأمنيات، فلو عندك أمنية تريد أن تتحقق، اكتبها وعلقها على هذه الشجرة؛ لتتحقق أمنيتك.
انظر الآن كيف يعيدون الشرك؟ ويعيدون تعليق قلوب الأطفال بغير الله -عز وجل- بأساليب جديدة.
إذًا؛ لابد أن ننتبه لهذه المسائل، ونجدد التوحيد في قلوبنا ونحييه في أبنائنا وفي بناتنا، ونحذر من دعاة الشرك مهما تغيرت ألوانهم وأسماؤهم وصفاتهم ووسائلهم وتجددت، فنحذر منهم ونحذر.
قال: (وَللْمُشْرِكِينَ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَ) العكوف تقدم وهو طول اللزوم للشيء والمكث عنده.
(وَيَنُوطُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ) ينوط يعني: يعلق السلاح مثل: السيف ونحوه، يعلقه على الشجرة.
لماذا المشرك في الجاهلية يعلق سلاحه على الشجرة؟
الجواب: يطلب أن يكون أقوى في القدرة على القتال، يعني: أنَّ السلاح سيصل إليه بركة الشجرة، وأنَّ هذه الشجرة تنطق، هذه عقيدة الجاهلية.
قال: (يقال لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ) من كثرة التعليقات صار اسمها مشهورًا عند الناس، هذه ذات أنواط الشجرة.
(فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ، فَقُلْنَا: يا رَسُولَ اللَّهِ! اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ) هنا الصحابة -أنا أسأل يا شيخ وأسأل الإخوة المستمعين المشاهدين- الصحابة فعلوا أم سألوا؟
الصحابة سألوا فقط ولم يفعلوا هذا الشرك، ولم يعلقوا، إنما طلبوا الإذن، سألوا النبي ﷺ، مجرد هذا السؤال لم يقعوا في الشرك، ولم يقعوا في المخالفة، إنما طلبوا الإذن، (اجْعَلْ لَنَ) اسمح لنا، ائذن لنا، ومع هذا أنكر عليهم النبي ﷺ بثلاث أنواع من أنواع الإنكار، وَغَلَّظَ وأبدى وأعاد صلوات الله وسلامه عليه.
فقالوا: (اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ) فقال النبي ﷺ: («اللَّهُ أَكْبَرُ!») وهذا نوع من أنواع الإنكار، تكبير للإنكار والتعجب من هذه المقالة السيئة.
(«إنَّهَا السُّنَنُ») يعني: أنتم شابهتم بني إسرائيل الذين قالوا: ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لهُمْ آلِهَةٌ قال إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلْونَ﴾ ، («قلتمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ قلتمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ») أقسم وهو الصادق صلوات الله وسلامه عليه، والإمام مقسم.
(«كَمَا قالتْ: بَنُو إِسْرَائيلَ لِمُوسَى: ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لهُمْ آلِهَةٌ قال إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلْونَ﴾ ») وهذا فيه فائدة أخرى نضيفها، ما هي؟ أنَّ العبرة بالمعاني لا بالأسماء، يعني لو سموا الشرك الآن باسم جديد وليس فيه، ولو سموا المعبود الذي يعبدونه -لم يسمونه- إلها ولا معبودًا، وإنما سموه: سيدًا أو قالوا: هذا فيه اعتقاد أو سموه باسم آخر؛ فالعبرة بالمعاني، إذا تحققت هذه المعاني، فالأسماء مهما زيفت ومهما غيرت لا تغير المسميات، فالقبوريون الآن وعباد الأموات يقولون عن شركياتهم: إنها حب للصالحين، ويقول: نحن نحب الأولياء، وهذه محبة للأولياء، ويجعلون هذا من الأشياء المشروعة.
نقول لهم: لو سميتموه توسلا أو سميتموه حبًا للأولياء؛ إذا وقعتم في صرف العبادة لغير الله فقد وقعتم في الشرك مهما غيرتم الأسماء.
قال: (﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لهُمْ آلِهَةٌ﴾ ) إذًا اتخاذ شجرة أو قبرًا أو حجر أو أي شيء من المخلوقين سببًا للبركة وسببًا للعافية وسببًا للشفاء ما حكمه؟
(«﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لهُمْ آلِهَةٌ قال إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلْونَ﴾ لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ») وهذا فيه تحذير من مشابهة أولئك القوم، وأنه سيوجد في هذه الأمة من يشابه الأمم السابقة.
(«لَتَرْكَبُنَّ سنن») هذا على التحذير، وليس على الإخبار المجرد فقط، هذا ما يتعلق بهذا الدرس.
إذًا التبرك هذا يعتبر من التبرك الممنوع، والتبرك ينقسم في الشريعة إلى: تبرك مشروع وتبرك ممنوع.
ما هو التبرك المشروع؟
التبرك المشروع هو التبرك -أي طلب البركة- والبركة من الله -سبحانه وتعالى- وهو الذي يبارك ما يشاء، والبركة يمنحها الله ويضعها فيمن يشاء، وأعظم بركة تطلب هي بركة الإسلام، ادخل في هذا الإسلام فهذه أعظم بركة عليك؛ لأنك ستنجو من عذاب الله وتدخل الجنة.
أيضًا أعظم بركة هي اتباع الرسول ﷺ، وعدم الابتداع في الدين، فالبدع مشؤومة مردودة على أصحابها.
أعظم بركة أيضًا الصلوات والزكاة والصوم والحج وبر الوالدين، هذه بركات عظيمة عليك.
وقراءة القرآن، القرآن كله مُبارك، وكذلك هناك أشياء مباركة نصت عليها الشريعة كزيت الزيتون ونحوه.
وهناك أشياء تعتبر من التبرك الممنوع، والتبرك الممنوع أعظمه (الشرك بالله عز وجل)، والطلب من الأموات والغائبين، والطلب من الأحجار وما يفعلها أهل الجاهلية.
وهناك أيضًا صور محرمة في التبرك الممنوع، لا تبلغ الشرك الأكبر، لكن أصحابها هم مسلمون، ويظنون أنهم مثلا يتبرك مثلا يعني بقعة معينة، يقول: أنا أصلي فيها، يظن أنها مباركة.
نقول: هذا من البدع في الدين، ومن وسائل الشرك، أمَّا إذا اعتقد فيها أو طلب منها البركة أو اعتقد أنها تمنح؛ فهذا شرك أكبر، نسأل الله العافية والسلامة لنا ولكم، آمين وللمسلمين.
أيضًا من الأشياء التي تعتبر من البدع: التبرك بالأشخاص والتمسح بأيديهم أو بملابسهم أو الشرب من سؤرهم أو يتفل عليهم لغير الرقية، ويتمسحون بتفالة، هذا كله من البدع في الدين وليس من أفعال المؤمنين؛ ولأنَّ الصحابة ما فعلوا هذا مع أبي بكر الصديق ولا مع عمر ولا مع عثمان ولا مع علي وهم سادة الأولياء، وأفضل هذه الأمة بعد النبي ﷺ.
النبي ﷺ يختلف أمره؛ لأنَّه أعظم مخلوق، ولأنَّ الله -عز وجل- جعله حُجة، وجعل له آيات ودلائل على النبوة منها:
أنَّ ريقه مبارك، وشعره مبارك، وعرقه مبارك، فهو ﷺ مبارك ذاتًا وجسدًا، وكل ما ينفصل عنه فهو مبارك، لكن هذه الأمور التي انفصلت عنه مثل: الشعر أو الأشياء التي كان يستعملها لم يبق منها شيء، ولهذا نقول: لا يجوز أن نُصدق هؤلاء الذين يقولون: هذه شعرة باقية من شعرات النبي ﷺ في المتحف الفلاني، كل هذه أشياء غير ثابتة وغير صحيحة.
أمَّا بالتمسح بالصالحين، فالصحابة لم يفعلوا مع أبي بكر ولا مع عمر ولا مع عثمان، أيضًا هذا فيه تزكية لهؤلاء وغرور، وقد يُداخلهم الكبر والإعجاب بأنفسهم، والصالحون من المعروف عنهم أنهم يهضمون أنفسهم ولا يرضون بمثل هذا، ثم هذا الباب نقول لمن يفعله: لو كان خيرًا لسبقونا إليه، لو كان هذا الباب خيرًا لفعله الصحابة مع أبي بكر ومع خيار الصحابة، ومع خيار التابعين، فحذاري من هذه المحدثات، نسأل الله -جل وعلا- للجميع العلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
{اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد.
أحسن الله إليكم، جزاكم الله خير شيخنا على هذا الإيضاح وهذا الشرح، وأنتم أيضًا يا طلاب العلم، جزاكم الله خيرًا على متابعتكم، ونلتقي إن شاء الله وأنتم على خير في الدرس القادم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك