بسم الله الرحمن الرحيم
حمدًا لك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اللهم صل وسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، أما بعد،
إن الله سبحانه وتعالى يرغب من عباده المسلمين أن يهتموا بالعلم، ومن أفضل العلوم ما يوصل إلى فهم كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أفضل ما يوصل لفهم كتاب الله عز وجل علمان جليلان هما: علم النحو وعلم التصريف.
وفي أغلب الأحيان فإن علم الصرف أو التصريف يكون تابعًا لعلم النحو، وبين العلمين مقابلة، فإن علم الصرف يهتم ببنية الكلمة عدا الحرف الأخير، وعلم النحو يهتم بتركيب الكلام بعضه إلى بعض، ولا يهتم بتفاصيل الكلمة الواحدة؛ وللك لا يعد نحوًا أن تقول: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، هذا لا شأن له بالنحو؛ لأنها مجرد كلمات متتالية متتابعة.
وأمَّا النحو فهو مثل: بسم الله الرحمن الرحيم، إن الله غفور رحيم، هذا كله، أي أن: تركيب الجمل يعد من النحو.
الصرف يكون في أجزاء الكلمة الواحدة، وينظر في الصرف إلى مسائل سنذكرها تباعًا -إن شاء الله- تتعلق بالكلمة الواحدة فيما عدا الحرف الأخير منها؛ لأن الحرف الأخير هذا مُهمة النحو؛ لأن النحو مهمته أن يعرف هل هذه الكلمة مبنية أم معربة؟ هل هذه الكلمة مرفوعة أم منصوبة أم مجرورة أم منصوبة؟ وإذا كانت مبنية فهي مبنية على أي شيء؟ هذا إذا نظر إلى الكلمة، أمَّا إذا نظر إلى الجملة عامة فإنه ينظر إلى ترتيبها.
نعود إلى المهم عندنا؛ لأننا مطالبون بالنظر في شرح كتاب تصريف العزي، ورحم الله العزي فقد سماه التصريف، وهناك من يسميه الصرف، والصرف بارك الله فيكم، وأهل اللغة يسمون كلمة الصرف هذه اسم مصدر، وأمَّا التصريف فهو المصدر، صَرَّفَ، يُصَرِّفُ، تصريفًا، أمات الصرف فهو اسم هذا العلم، وقد اصطلح المتقدمون على تسميته تصريفًا، والمتأخرون أكثرهم يسميه صرفًا، فما هو الصرف؟
الصرف له تعريفات، التعريف الأول تعريف لغوي، ما معنى كلمة تصريف في اللغة؟
التصريف في اللغة هي التحويل والتغيير، والتغيير عمومًا هو التصريف، قال تعالى: ﴿وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ أي: تغييرها لما تمر به، أو أن الله تعالى يصرفها كيف يشاء، أي يحولها يمينًا أو يسارًا حتى تدفع الغيم، فالتصريف في اللغة بمعنى التغيير والتحويل.
أمَّا في الصناعة (أي الاصطلاح)، كما قال صاحبنا: أي ماذا يقصد الصرفيون بهذا العلم؟
يقول: (هو تحويل الأصل الواحد إلى أمثلة مختلفة بمعانٍ مقصودة لا تحصل هذه المعاني إلا بهذا التغيير) سنضرب مثالاً حتى نتبين هذا التعريف.
(تحويل الأصل الواحد) يعد أكثر الصرفيين المصدر هو الأصل للكلام، ولنجعل المصدر الآن كلمة (إكرام) أكرمني الله وإياكم بطاعته.
(إكرام) هذا مصدر، ويمكن أن تحول المصدر (إكرام) لعدد من الصور لغرض، ولا يحصل هذا الغرض إلا بالتحويل.
فإذا أردت الدلالة على حصول هذا الإكرام في الزمن الماضي فإني سأقول (أكرمه)، وإذا أردت تحويله ليدل على حصوله الآن فإني سأقول (يُكرمه)، فإذا أردت الأمر؛ قلت له: (أَكْرَمَ)، فإذا أردت وصف هذا الرجل بأنه فَعَلَ فِعْلَ إكرام، فسأقول: هو (مُكْرِمٌ)، فإذا أردت أن أصفه أنه قد وقع عليه هذا الإكرام؛ فسأقول: (مُكْرَمٌ)، فإذا أردت أن أصفه بالكرم قلت له: (كريم)، وهذه التغييرات كلها هي مهمة الصرف.
والصرف لا يُغير هذه التغييرات إلا لغرض، هو يقصد اسم الفاعل فيقول: (مُكْرِم) من أكرمَ، وهو يقصد أن يصفه بهذه الصفة، يعني: (كريم)، ولكن لا تحصل هذه الصفة إلا بهذا التغيير
هو معنى قوله: (هو تحويل الأصل الواحد إلى أمثلة مختلفة بمعانٍ مقصودة لا تحصل هذه المعاني إلا بهذا التغيير).
ثم النظر في الأشياء التي يحدث فيها هذا التصريف، واعلموا بارك الله فيكم أن الكلمة تنقسم ثلاثة أقسام، إما اسم، وإما فعل، وإما حرف، الاسم مثل: (قمر)، والفعل مثل: (أكل)، والحرف مثل: (إنَّ، في، ليت) ومن الآن نقول: الحروف لا يجري فيها صرف، فكل حرف من الصرف بريء، لا شأن له به.
بقي عندنا نوعان هما: الأفعال والأسماء، أيهما يجري عليه التصريف أكثر؟ بدون شك هي الأفعال، فالأفعال هي التي يحدث فيها التصريف والتغيير، ومنها يتحول المراد إلى اسم فاعل أو اسم مفعول أو صفة مشبهة أو صيغة مبالغة، كل هذا من الفعل بغد أن أخذناه من المصدر.
قلنا قبل قليل: المصدر هو (إكرام)، و (يُكْرِمُ) فعل مضارع، و (أَكْرِم) فعل أمر، واسم الفاعل: (مُكْرِم)، واسم المفعول: (مُكْرَم) إلى آخره.
من أين نستمد هذا العلم؟
نستمده من كتاب الله تعالى، ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكذلك من كلام العرب المعتد بكلامهم شعرًا ونثرًا.
مَنْ العرب؟ هل هم الموجودون اليوم؟ نقول: لا؛ لأن هناك مدة زمنية محدودة تحدد العرب ويعتمد عليها النحويون والصرفيون لا يتجاوزونها، يقولون: ينتهي الاستشهاد بكلام العرب إلى نهاية مائة وخمسين هجريًا في الحاضرة، يعني: في المدن، وأمَّا في البادية ففي حدود مائتين وخمسين هجريًا.
سؤال: لماذا فرقنا بين الحاضرة والبادية؟ الجواب؛ لأن الحاضرة يختلطون بالأعاجم، والأعاجم هم السبب في تأليف علم النحو والصرف، لماذا؟ لأنه دبَّ اللحن بالألسنة بسبب اختلاط العرب بالعجم، وهذا ليس فيه عيب في العجم؛ لن الله عز وجل جعل لكل أناس لغة يعتمدون عليها ويتفاهمون بها، هؤلاء لغتهم غير العربية، ولَمَّا اختلطوا مع العرب انتشر اللحن فخيف على اللغة فألفت قواعد النحو والتصريف.
ما هي مباحث هذا العلم؟
مباحث علم التصريف هي الأسماء المتمكنة، والمقصود بها الأسماء المعربة؛ لأن الأسماء المبنية لا يجري فيها تصريف؛ لأنها ثابتة لا تتغير، بل لم يذكروا من الأسماء المبنية مما يحصل فيه تصريف إلا بعض كلمات مثل: تصغير كلمة (ذ) وهي اسم إشارة وصغروها إلى (ذَيَّ)، وكذلك (ت) صغروها إلى (تَيَّ)، و (الذي، والتي) صغروهما إلى (اللذيَّ، اللتيَّ)، هذه فقط ولم يدخل فيها اسم الفاعل أو اسم المفعول أو الصفة المشبهة أو أي شيء آخر، أي أنَّ بقية الأسماء المبنية ثابتة لا تصريف فيها، مثل: (أنت، أنتِ، هو، هي، نحن، إلخ) كلها ثابتة ليس فيها تصريف.
وعلى هذا فإن الاسم قسمان، إمَّا معرب، وإمَّا مبني، والذي يجري فيه التصريف هو المعرب.
كيف نصرف الأسماء؟ نأتي منها بـ "اسم الفاعل، اسم المفعول، الصفحة المشبهة، واسم التفضيل، نأتي منها بالمثنى وبالجمع وبالتذكير والتأنيث"، هذه كلها تصريفات في الأسماء، فنقول:
(قمر، أقمار)، (بيت، بيوت)، (بيت من الشعر، أبيات من الشعر)، هذه كلها تصريفات.
سؤال: ما الفائدة من هذا العلم؟
الجواب: الاحتراز عن اللحن أو الخطأ في اللسان أو القلم، أي الكتابة، وهذا يعطيك الدلائل التي تجعلك لا تلحن ولا تخطئ بإذن الله تعالى إذا ما أتقنته.
من واضع علم التصريف؟
أول من كتب فيه هو عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، وأظن أنه توفي في القرن الأول الهجري، وقد ألَّفَ كتابًا لم يصل إلينا، اسمه الهمز، وذكر فيه تصريفات الهمزة، أو بناء كلمات من الهمزة، مثال: ابنِ من الكلمة على وزن (أكرم) مثلاً.
اشتهر بين الصرفيين أن أول من وضع هذا العلم هو معاذ بن مسلم الهراء المتوفى سنة سبع وثمانين ومائة من الهجرة؛ لأنه هو الذي أكثر من الحديث في هذا، وكان أكثر من هو عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي بكثير، والذين سبقوه لم يُكثروا في التأليف من هذا العلم.
الصرف أو التصريف لم يأت في كتب مستقلة عن النحو، بل كان في الغالب يأتي في آخر كتب النحو، وهذا كما جاء في كتاب سيبويه، وفي غيره من الكتب يذكرون الأبواب الصرفية في آخر الكتاب.
وأول ما وصل إلينا من الكتب التصريفية هو التصريف لـ (أبو العثمان المازني) حيث ألَّف
كتابًا سمَّاه التصريف، وجعله مستقلاً عن النحو، وهذا الكتاب موجودًا بين أيدينا.
هذه المقدمات أرى أنها ضرورية لابد أن نفهمها.
صاحب الكتاب هنا بدأ بالحديث عن الفعل، وأنا بينت لكم قبل قليل أن الكلام ينقسم إلى اسم، وفعل وحرف، وقد مثلت للجميع، وبينا أنَّ التصريف في الأسماء قليل، وأنَّ التصريف في الأفعال كثير.
يقول المصنف غفر الله له ولي ولكم جميعًا: (ثم الفعل إمَّا ثلاثي وإما رباعي) هذا كلام حق؛ لأننا ننظر إلى المجرد من الأفعال وهو الذي ليس فيه حروف زائدة، مثل: (كتب، أكل، شرب، نام، باع، قضى، إلخ)، والرباعي مثل: (دحرج، بعثر، برهن).
سؤال: هل توجد أفعال تزيد عن الأربعة أحرف في أصولها بدون زوائد؟ الجواب: لا يوجد في اللغة ذلك؛ لأن الأفعال إما فعل ثلاثي، وإما فعل رباعي.
هذان القسمان، كل واحد منهما إما مجرد، وإما مزيد، والمجرد يقصد به ما ليس معه حرف زائد، والمزيد معناه أن معه بعض الحروف الزائدة.
(فأما الفعل الثلاثي فله مع الزيادة صور) فيمكن أن يزاد فيه حرف، ويمكن أن يزاد فيه حرفان، ويمكن أن يزاد فيه ثلاثة أحرف فقط، ولا يمكن أن يوجد فعل على أكثر من ستة أحرف، حيث يكون الأصل في الحرف ثلاثة ويزيد عليه ثلاثة، نمثل لذلك:
الفعل الثلاثي المزيد بحرف واحد مثل: (أكرمَ، قاتلَ، كَرَّمَ)، الفعل الثلاثي المزيد له ثلاثة أوزان، هي: (أفعل) من أكرم وأحسن.
(فاعل) مثل: (قاتل، ساهم، جادل)
الوزن الثالث الذي لا يوجد فيه غير حرف واحد وهو ما يسمى بالمضعف، والمضعف هو ما كانت زيادته بالتضعيف، أي: تكون عينه مشددة، والحرف المشدد عبارة عن حرفين الأول منهما ساكن والثاني متحرك، مثال: (جلَّسَ، نَوَّمَ، حسَّنَ، قَطَّع) كل هذه أفعال حروفها الأصلية ثلاثة، وحرف واحد مكرر، ولذا يقال: هذا مزيد بالتضعيف.
وعلى هذا يكون مزيد الثلاثي بحرف، إمَّا (أفعل) وإمَّا (فاعل) وإمَّا (فعَّل).
ننتقل إلى المزيد الثلاثي بحرفين، وهو خمس صور، فهو:
إمَّا أن يكون على وزن: (تفعَّل)، نحو: (تَقَدَّمَ، وتصدق، وتزكى، وتردى).
وإمَّا أن يكون على وزن (انفعل)، نحو: (انشرح، انكسر، وانفتح).
وإمَّا أن يكون على وزن (افتعل)، نحو: (اقترن، اجتمع، اتصل).
وإمَّا أن يكون على وزن (افعلَّ)، نحو: (احمرَّ، ابيضَّ، اسودَّ).
وإمَّا أن يكون على وزن (تفاعل)، نحو: (تغافل، تجاهل، تعامى، توالى).
ننتقل الآن إلى الثلاثي المزيد فيه ثلاثة أحرف، له أربع صور، هي:
وزن (استفعل) مثل: (استخرج، استهزأ، استجاب، استعان).
وزن (افْعَوْعَلَ) مثل: (اِعْشَوْشَبَ، احدودب)، كأن تقول: احدودب ظهره.
وزن (اِفْعَالَّ) مثل: احمارَّ الورد، اِصْفَارَّ واِحْوَالَّ.
بالمناسبة: (افعلَّ) تدل على المبالغة في الشيء، تقول: "احمرَّ الورد" يعني: صار أحمرًا، بينما (اِفْعَالَّ) مثل: احمارَّ الورد، تدل على أنه بلغ غاية ونهاية الاحمرار، ولهذا كان هذان الوزنان دالان على المبالغة.
وزن (اِفْعَوَلَّ) وهذا لا توجد منه إلا كلمات يسيرة، مثل: (اِعْلَوَطَّ) يعني: تعلق برقبة البعير ثم علا على ظهره، وكذلك: (اِجْلَوَذَّ) ومعناها أسرع. ولا أحفظ لهذا الوزن غيرهما، وعدم حفظي ليس بدليل على أنه لا يوجد غيرهما، ولكن قد مصَّ بعض النحويين على أنه لا يوجد غيرهما.
الفعل الرباعي المزيد، إما مزيد بحرف واحد وإمَّا مزيد بحرفين، أمَّا المزيد بحرف واحد نحو: (تدحرج) على وزن (تَفَعْلَلَ)، دحرج هي الحروف الأصلية وتزيد عليها التاء.
وزن (اِفْعَلَلَّ) مثل: (اقشعرَّ)، (اِطْمَأَنَّ)، أصله الرباعي (اطمئن، قشعر) ثم تزيد الهمزة في أوله وتضاعف الحرف الخير، فيصير على ستة أحرف، ولا يزيد الفعل عن ستة أحرف، والأصل فيه أن لا ينقص عن ثلاثة، وذلك فإنَّ هناك شيئًا مهمًا جدًا في التصريف، وهو ما يسمى بميزان الصرف، وصاحب كتاب (تصريف العزي) لم يذكر هذا الباب، وأرى أنه مهم.
لَمَّا كنت أقول قبل قليل: إن (أكرم) على وزن (أَفْعَلَ) كيف عرفت؟ عرفت عن طريق الميزان الصرفي، ولذا كان الميزان الصرفي مهم في الصرف ومهم في النحو.
ما هو الميزان الصرفي؟
اخترع الصرفيون ثلاثة أحرف جعلوها أساسًا للميزان، فجعلوا الحرف الأول من حروف الكلمة الأصلية يقابل (الفاء)، والحرف الثاني يقابل (العين)، والحرف الثالث يقابل (اللام)، فالأحرف هي (فَعَلَ).
عندنا سؤلان، السؤال الأول: لماذا ثلاثة أحرف فقط؟ لماذا لم تكن اثنان أو أربعة مثلا؟
الجواب: لأن أكثر كلام العرب الذي يجري فيه التصريف على ثلاثة أحرف.
السؤال الثاني: لماذا أحرف (ف، ع، ل)؟ لماذا لم يختاروا أحرف أخرى مثل: (ب، ج، د)؟
الجواب: لأن هذه الأحرف لها خاصيتان:
الخاصية الأولى: أن كل أمر تفعله يسمى فِعْلا، مثل: إذا قلت: (قام) فهو فعل، إذا قلت: (قال) فهو فعل، إذا قلت: (صلى) فهو فعل، إذا قلت: (سجد) فهو فعل، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾ ولم يقل: مؤدون، وقد يكون لها معنى آخر عند البلاغيين، ولكن هذا ظاهره أن معناها مؤدون.
وهذا يدل على أن كلمة (فَعَلَ) يدل على أن كل عمل يصلح أن تسميه (فعل)، الصلاة تسمى (فعل)، الكلام يسمى (فعل)، المشي يسمى (فعل)، الضرب يسمى (فعل)، الأكل يسمى (فعل).
الخاصية الثانية: أشار إليها بعض الصالحين، حيث قال: هذه الأحرف تمثل المخارج الثلاثة للحروف، فإن (ف) من الشفة، وإن (ع) من الحلق، وإن (ل) من منتصف اللسان، فتمثل من أول مخارج الحروف إلى آخرها.
إذن اختيرت هذه الأحرف بسبب هذين الأمرين وقد بينتهما؛ ولذا إذا أردنا أن نزن كلمة نقابل الحرف الأول من الجروف الأصلية للكلمة بـ (ف)، والثاني (ع)، والثالث (ل).
في حال إذا ما كانت الكلمة أكثر من ثلاثة أحرف، فإننا ننظر ما سبب هذه الزيادة؟
فإن كانت أصول الكلمة أكثر من ثلاثة أحرف كحال الفعل قد يكون من أربعة، بل الأسماء تصير إلى خمسة.
ولذا إذا أردت أن تزن كلمة تزيد أحرفها الأصلية عن ثلاثة فزد (ل) في آخر الكلمة، فمثلا: (دحرج، بعثر) وزنها (فعلل) وهذه لأن الحروف كلها أصلية.
نفرض أن أصول الكلمة خمسة أحرف، ولا يمكن أن تزيد أصول الكلمة عن خمسة أحرف، فإذا كانت أصولها خمسة فماذا نفعل؟
الجواب، تزيد لامًا (ل) ثانية، مثل: (زبرجد) هذه حروفها كلها أصلية، فإذا أردنا وزنها فيكون على وزن (فَعَلَّل).
عندنا ثلاثة أوزان أخرى؛ لأن الخماسي من الأسماء له أربعة أوزان، والرباعي له خمسة أوزان، وهذا يجب أن تحفظ، فما هي أوزان الخماسي؟ له أربعة أوزان.
(سَفَرْجَلٌ) نوع من الفاكهة، وهي على وزن (فَعَلَّل).
(جَحْمَرِش) وتعني العجوز الكبيرة المنتهية، وهي على وزن (فَعْلَلِل).
(قِرْطَعْبٌ) وتعني الشيء القليل، وهي على وزن (فِعْلَلٌّ).
(قُذَعْمِلٌ) وتعني الشيء التافهِ الذي لا يستعمل، وهي على وزن (فُعَللٌ)
قد تكون الزيادة بسبب أن بعض حروف الكلمة زائد، ولوزنها نأتي بالحرف الزائد ونضعه في مكانه من الميزان، مثل: (كاتب) أين الحرف الزائد؟ الحرف الزائد هو (الألف) فيكون وزن الكلمة (فاعل).
مثال: (أخرج) أين الحرف الزائد؟ الحرف الزائد هو (الألف) فيكون وزن الكلمة (أفعل).
مثال: (انتصر) ونه (افتعل).
إذن الحرف الزائد تأتي به في مكانه من الميزان.
سؤال: هل يمكن للكلمة القابلة للتصريف أن تكون أقل من ثلاثة أحرف؟
الإجابة: نعم
ماذا نفعل عند وزن الكلمة حينئذ؟
نحذف من الميزان ما يقابل الحرف المحذوف من الموزون.
مثال: الفعل (قال) وزنه (فعل)، إذن فعل الأمر منه (قل)، إذن وزن الفعل (قل) هو (فُل).
مثال: الفعل (باع) وزنه (فعل)، إذن فعل الأمر منه (بِع)، إذن وزن الفعل (بِع)هو (فِل).
مثال: الفعل (رأى) وزنه (فعل)، الفعل المضارع منه (يرى) والياء الأولى زائدة فنأتي بها على لفظها، فيكون وزن المضارع منه (يفل) إذن فعل الأمر منه يبقى منه حرف واحد وهو الراء (ر) وإذا وقفنا عليه ربد من زيادة هاء السكت في آخره، فتقول: (رَه) عند السكت، ويجوز عدم السكت فتقول: (ره يا عبد الله).
تنبيه: في ميزان الصرف تضبط (الفاء، والعين، واللام) والحروف الزائدة بحركات الموزون، فإن كان الموزون فيه ساكن، فلابد من التسكين في الميزان، مثال: (انْتَصَرَ) فالنون ساكنة، والتاء مفتوحة، والصاد مفتوحة، والراء هو الحرف الأخير، والحرف الأخير لا شأن لنا به، ولذا كان وزن (انْتَصَرَ) هو (افْتَعَلَ).
وزن (كَرُمَ) هو (فَعُلَ).
وزن (عَلِمَ) هو (فَعِلَ).
وزن (فَتَح) هو (فَعَلَ).
وكان من الضروري أن نفهم ميزان الصرف حتى نتمكن من السير سريعًا في التصريف؛ لأن الميزان الصرفي يُساعدنا على معرفة أوزان الكلمات.
يقول المؤلف: (الفعل إما أن يكون مجردًا وإما أن يكون مزيدً) فما تعريف المجرد؟
المجرد: هو ما كانت جميع حروفه أصلية، والفعل إذا كانت حروفه أصلية، فهو ثلاثي أو رباعي، والاسم إذا كانت جميع حروفه أصلية، فهو ثلاثي أو رباعي أو خماسي.
الثلاثي والخماسي انتهينا منهما، والرباعي له خمسة أوزان هي:
فَعْلَل: جَعْفَر، خَزْرَج.
فِعْلِل: زِبْرِج (بمعنى السحاب الرقيق).
فُعْلُل: بُرثن، بُلْبُل، هُدْهُد، بُرْقُع.
فِعْلَل: دِرْهَم، ضِفْدَع.
فِعَلّ (فِعَلْل): خِدَبُ.
ثم ننتقل بعد هذا إلى ما ذكره المصنف رحمه الله: (الفعل إما ثلاثي، وإما رباعي، وإما خماسي، وكل واحد منهم مجرد ومزيد، وكل منها إما سالم أو غير سالم، ونعني بالسالم ما سلمت حروفه الأصلية) ننتقل الآن إلى تقسيمات جديدة، هي
الفعل المجرد إمَّا سالم وإما معتل، والسالم له ثلاثة أوصاف، والمعتل له خمسة أوصاف.
السالم: إمَّا صحيح سالم، وإمَّا مضعف سالم، وإمَّا مهموز سالم.
الصحيح السالم مثل: (كتب، ضرب، قتل، سمع، شرب، نظر، إلخ) وهو ما خلت أصوله من حروف العلة (الألف، الواو، الياء) ومن الهمز، ومن التضعيف.
الصحيح المهموز: ما كان واحد أو أكثر من أصوله همزة، مثل: (أكل، سأل، قر) والهمزة قد تكون في أول الكلمة وقد تكون في منتصفها وقد تكون في آخرها.
المضعف: هو ما كانت عينه ولامه من جنس واحد، مثل: (مدّ، عدّ، سدّ، شدّ، إلخ).
المعتل: هو ما كان واحد أو أكثر من أصوله حرف حلة، وحروف العلة هي (الألف، الواو، الياء)، وحروف العلة لها ثلاث تسميات، فتسمى: حروف لين، حروف مَدٍ، وحروف علة.
حرف العلة المتحرك فقط هو ما لا يشاركه غيره هو ما كان متحركًا، مثل: (يَوم) الياء متحركة، فهي حرف علة، ولا تسمى حرف مد أو حرف لين.
حرف اللين: هو ما كان ساكنًا لكن قبله حركة غير مناسبة.
ما الذي يناسب (الواو)؟ يناسبها الضمة.
ما الذي يناسب (الياء)؟ يناسبها الكسرة.
ما الذي يناسب (الألف)؟ يناسبها الفتحة.
تنبيه: حرف (الألف) في اللغة العربية لا يأتي إلا ساكناً، والحرف الذي يقع قبله حركته الفتحة دائماً، أي حركة تناسبه، مثل: (سَالم، حرَام، قَام) فحرف الألف هو حرف علّة ولين ومد في الوقت نفسه دائماً وأبداً.
(الواو والياء): قد يكونان حرفا علة فقط، وذلك إذا كانا متحركين، مثل: (وجد) وقد يكونان حرفا لين وعلة إذا كانا ساكنين، وقبلها حركا غير متجانسة، مثل: (فرعون)؛ لكن الواو يناسبها الضمة، ولكن جاء قبلها مفتوح.
و(الياء) كذلك قد تكون ساكنة وقبلها حركة غير مناسبة، ولكن قد تسمى (الواو، والياء) حرفا مدٍ، وذلك إذا كان قبلهما حركة مناسبة لهما، مثل: (قوط، سيرة).
المعتل له خمس صور؛ لأنه إما أن يكون (مثال)، وإما أن يكون (أجوف)، وإما أن يكون (ناقصً)، وإما أن يكون (لفيفًا مقرونً)، وإما أن يكون (لفيفًا مفروقً).
أمَّا المثال: فهو ما كان الحرف الأول منه حرف علة، يعني: (واوًا أو ياءً) لأن الألف لا يبتدئ بها أبدًا.
هل الفعل (أكل) مبدوء بالألف؟ هذه ليست ألفًا ولكنها همزة، والهمزة حرف صحيح وليست من حروف العلة.
(وجد): هذا يسمى مثالا.
(الأجوف): إذا وجد حرف العلة في وسطه يسمى (أجوف)، ومثاله: (قول، عين، بيت، قال، نام، باع، إلخ).
(الناقص): هو ما كان آخر حرف منه هو حرف علية، مثل: (دعا، رمى، شكا، سعى، إلخ).
إذا كان (فاؤه) حرف علة يسمى (مثال).
إذا كان (عينه) حرف علة يسمى (أجوف).
إذا كان (لامه) حرف علة يسمى (ناقص).
(اللفيف): إذا كان في أوله وفي آخره حرف علة أو في (عينه، وفي لامه) حرف علة فهو ما يسمى بـ اللفيف، إذا كان حرف العلة بجانب حرف العلة يسمى لفيفًا مقرونًا؛ لأنهما مقترنان مع بعض مثل: (شوى، هوى، روى، لوى، أوى) وإذا كان حرف العلة في أوله وفي آخره مثل: (وَهَىَ، وقى، وشى، وخى، وصّى، إلخ) فإنه يسمى لفيفًا مفروقًا؛ لأنه فرق بينهما حرف صحيح.
قال المؤلف رحمه الله: (أمَّا الثلاثي إذا كان ماضيه على وزن (فَعَلَ مفتوح العين)) هذا باب جديد يسميه الصرفيون الأبواب الستة، وذلك لابد وأن يكون أول الفعل الماضي مفتوحًا، وأمَّا عينه فيحتمل أن تكون مفتوحة، ويحتمل أن تكون مكسورة، ويحتمل أن تكون مضمومة.
فالماضي له ثلاث صور، وهي:
- إما أن يكون مفتوح (الفاء والعين)، مثل: (ضرب).
- إما أن يكون (مفتوح الفاء ومكسور العين) مثل: (عَلِمَ، فَرِحَ).
- إما أن يكون (مفتوح الفاء مضموم العين) مثل: (شَرُفَ، حَسُنَ، كَرُمَ).
الفعل المضارع إذا كان موازنًا بالماضي فلهما ست صور، وهي:
- إذا كان الماضي مفتوح (العين) فالمضارع يكون (إمَّا مفتوح العين أو مضموم العين أو مكسور العين) مثل:
(نَصَرَ، ينصُرُ) مفتوح في الماضي مضموم في المضارع.
(ضرب، يضرب) مفتوح في الماضي مكسور في المضارع.
(فتح، يفتح) مفتوح في الماضي، ومفتوح في المضارع.
تنبيه: يقولون: لا يمكن أن يكون مفتوح العين في الماضي ومفتوح العين في المضارع إلا بشرط أن يكون (عينه أو لامه) حرف حلق.
سؤال: ما هي حروف الحلق؟
الجواب: حروف الحلق هي: (الهمز والهاء، والعين والحاء، والغين والخاء).
فلا يكون الفعل مفتوح (العين) في الماضي ومفتوح العين في المضارع إلا إذا كانت (عينه أو لامه) حرف حلق.
سؤال: كيف يكون (أبى – يأبى) مفتوح العين في الماضي ومفتوح العين في المضارع وليس فيهما شيء من حروف الحلق؟
الجواب: أن هذا من الشواذ؛ لأن هناك ثلاثة أفعال أو أربعة فقط جاءت مفتوحة العين في الماضي ومفتوحة العين في المضارع ولذا فهي مخالفة للقاعدة التي ذكرنا.
- إذا كان (مكسور العين) في الماضي؛ فإنه:
إمَّا أن يكون (مفتوح العين) في المضارع، مثل: (عَلِمَ – يَعْلَمُ)، (فَرِحَ - يَفْرَحُ)، (سَمِعَ - يَسمَعُ).
وإمَّا أن يكون (مكسور العين) مثل: (حَسِبَ – يَحْسِبُ)، (وَرِثَ – يَرِثُ)، (وَهِمَ – يَهِمُ) فهو في هذه الحالة يكون في الماضي مكسورًا وفي المضارع إمَّا مفتوحًا وإمَّا مكسورًا.
سؤال: هل يمكن أن يكون في الماضي مكسورًا وفي المضارع مضمومًا؟
الجواب: لا يوجد في اللغة العربية فعل (عينه في الماضي مكسورة وفي المضارع مضمومة).
- أن يكون مضموم العين في الماضي، ولا يكون في المضارع إلا مضموم العين فقط، وهذا مثاله: (كَرُمَ – يَكْرُمُ)، (حَسُنَ – يَحسُنُ)، (شَرُفَ – يَشْرُفُ).
أفعاله كلها لازمة، أي: غير متعدية ولا تنصب المفعول به.
نكتفي بهذا القدر وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.