الدرس التاسع

معالي الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان

إحصائية السلسلة

1686 12
الدرس التاسع

آداب المشي إلى الصلاة (4)

{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على قَائدِ الغُرِّ المحجَّلينَ، نبيِّنا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعينَ.
مرحبًا بكم أيُّها الإخوة والأخوات في دَرسٍ مِن دُروسِ كتاب آدابِ المشي إلى الصَّلاة، ضيفُ هذا اللقاء هو سماحةُ العلَّامة الشَّيخ/ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدَّائمة للإفتاء، والذي سيشرح هذه المتون من هذا الكتاب المبارك، أهلًا ومرحبًا بالشَّيخ صالح}.
حيَّاكم الله وبارك فيكم.
{ما زلنا في كتاب صلاة الجمعة، حدثونا عن فضلِ صلاة الجمعة، وعن التَّبكير لها، والاستعدادِ لها}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله ربِّ العَالمينَ، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد؛ فإنَّ صلاة الجمعة لها فضلٌ كبير، ولذلك خُصَّت بأحكامٍ لا تكون لغيرها، منها: اجتماع الناسِ في مسجدٍ واحدٍ متى ما أمكنَ ذلك، ولا تتعدَّد الجوامع إلَّا لحاجةٍ شرعيَّةٍ، ومُسوِّغٍ شرعيٍّ؛ وإلَّا فالأصل أنَّهم يجتمعون في جامعٍ واحدٍ لأداء هذه الصَّلاة العظيمة.
وقد جاء في فضلها: أنَّ مَن بكَّرَ إليها وابتكرَ، وغسل واغتسلَ، ومشى ولم يركب إليها؛ أنَّه يُكتَبُ له ما بينَ الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيَّامٍ من الأجرِ العظيم.
فهي صلاةٌ عظيمةٌ يُسعَى لها، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الجمعة:9].
{من الأسئلة التي وردت في الدَّرس السَّابق، هذا سائل يقول: نحنُ مجموعة من المعلمين نتردَّد على قرية للتدريسِ فيها بنحو خمسة وتسعين كيلًا؛ فهل نترخَّص برُخَصِ السَّفر؟}.
نعم، خمس وتسعين كيلًا هذه مَسافة قصرٍ، يُترخَّصُ فيها بقصر الصَّلاة، وجمع الصلاتين في الطَّريق، والإفطار في رمضان؛ لأنَّ هذا سفرٌ يُبيح الإفطار ويُبيح الجمع بين الصَّلاتين، ويُبيح قصر الصَّلاة الرُّباعية إلى ركعتين.
{المسافر الذي يمر ببلدٍ وهو سائر، ثُمَّ سمع النِّداء، هل يلزمه التَّوقُّف لصلاة الجماعة؟}.
لا يلزمه ذلك؛ لأنَّه مسافر، والجُمُعة إنَّما تلزم الحاضرين في البلد.
{وهل هذا الحكم يشمل مَن دخل بلدًا وهو يسمع خطبة الجُمُعة؟}.
لا يشمله، فإنَّ المسافر لا يلزمه حضور الجمعة ولا حضور الخطبة.
{الذين يُسافرون للنزهة في البراري؛ هل يجوز لهم الجمع والقصر؟}.
إذا كانوا يَقصدون مَوضعًا مُعيًّنًا يبعد ثمانينَ كيلًا فأكثر؛ فلهم القصر والجمع، إلَّا إذا كانوا سيُقيمونَ في هذا الموضع أكثر من أربعةَ أيَّامٍ فليس لهم قَصرٌ ولا جمعٌ؛ لأنَّ السَّفر انقطع بهذه الإقامة، فيُتمِّونَ الصَّلاة، ويُصلُّونَ كلَّ صلاةٍ في وقتها.
{في الآية الكريمة: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا ۖ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:239]، هل له مدلولٌ يتعلَّق بالقصرِ في السَّفر؟}.
فأول ما شُرعَت صلاة الخوف في حال القتال أو الاستعداد للقتال؛ قال تعالى: ﴿فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۚ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتً﴾ [النساء:103]، فإذا زال الخوف فإنَّ حكم صلاة الخوف يزول، فتُصلَّى صلاة الأمن.
{وقف بنا الحديث ونحن نقرأ في المتن في صلاة الجمعة عند قول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَيَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرٍ أَوْ مَوْضِعٍ عَالٍ)}.
يخطبُ خطيب الجمُعَة على منبرٍ له دَرجاتٌ، كما كان النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في آخر أمره يخطبُ على منبرٍ لَمَّا صُنِعَ له، وإذا فرغَ مِن الخُطبة نزل وَصَلِّي بالنَّاس صلاة الجُمُعَة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَيُسَلِّمُ عَلَى الْمَأْمُومِينَ إِذَا خَرَجَ، وَإِذَا أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ)}.
قوله: (وَيُسَلِّمُ عَلَى الْمَأْمُومِينَ إِذَا خَرَجَ)؛ يعني: إذا طلع عليهم من باب المسجد يُريد الخطبة، فيُسلِّم عليهم السَّلام الأوَّل، وإذا وصلَ إلى المنبر يُسلِّم أيضًا على الحاضرينَ حول المنبر، وإذا صعدَ على المنبر يُسلِّم على الجميع السلام الخاص بالخطبة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَيَجْلِسُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ جِلْسَةً خَفِيفَةً)}.
الهديُ النَّبويُّ أنَّه يجلس بينَ الخطبتينِ جلسةً خفيفةً، ولا يُواصل بينهما، ولا يَبقى واقفًا بعدَ الخطبة الأولى ثُمَّ يَشرع في الثَّانية؛ وإنَّما السُّنَّة أن يجلس بينهما ويَستريح، ثُمَّ يَقوم للثَّانية، هكذا كان النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يفعل.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ)}.
لِمَا في الصَّحيحين مِن حديثِ عمر بن الخطاب -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عند البخاري ومسلم أنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانَ يجلسُ بينَ الخطبتينِ.
{قال: (وَيَخْطُبُ قَائِمًا؛ لِفِعْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)}.
الوقوف في خُطبة الجمعة سُنَّة، ولو خطبَ وهو جالس جازَ له ذلك، وإذا كان يشقُّ عليه القيام يخطبُ أيضًا جالسًا، ولا حرج عليه في ذلك للعذرِ، وقد كانَ مُعاوية بن أبي سفيان -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يخطب جالسًا لَمَّا احتاجَ إلى ذلك.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَصَلاَةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ، يَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ)}.
يجهر في صلاة الجُمُعة بالقراءة خاصَّة، وكذلك صلاة الكسوف، أما بقيَّة صلوات النَّهارِ فلا يُجهَرُ فيها بالقراءة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (يَقْرَأُ فِي الأُولَى بِالْجُمُعَةِ، وَالثَّانِيَةِ بِـ"الْمُنَافِقُونَ")}.
السُّنَّة أن يقرأ في الرَّكعةِ الأولى مِن صلاة الجمعة بعدَ الفاتحة بسورةِ: الجمعة، ويقرأ في الرَّكعة الثَّانية بسورة: "إذا جاءك المنافقون"، فأمَّا قراءَته بسورة الجُمُعة فالمناسبة واضحَة أنَّ هذا يوم الجمعة، وأمَّا الحكمة مِن قراءة سورة: "المنافقون"؛ فلأنَّ المنافقين يحضرون الجمعة فيُسمِعَهم الوعظَ والتَّذكير؛ لعلَّهم يتوبون إلى الله.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (أَوْ بِـ "سَبِّحْ" وَالْغَاشِيَةِ، صَحَّ الْحَدِيثُ بِالْكُلِّ)}.
أو يقرأ في الرَّكعة الأولى بــ "سبِّح اسم ربِّكَ الأعلى"، وبــسورة: الغاشية في الرَّكعة الثَّانية؛ فهذا أيضًا وارد عن الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{قال: (وَيَقْرَأُ فِي فَجْرِ يَوْمِهَا بِـ "الم" السَّجْدَةَ، وَسُورَةَ الإِنْسَانِ)}.
مِنَ السُّنَّة في يوم الجمعة أن يَقرأ الإمام في فجرها بــ "الم" السَّجدة، وفي الرَّكعة الثَّانية يقرأ بسورة: الإنسان ﴿هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورً﴾ [الإنسان:1]؛ لأنَّ الإنسان خُلق في يوم الجمعة، فيُذكَّر بهذا.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَتُكْرَهُ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى ذَلِكَ)}.
تُكرَه المداومَة على قِراءة الجُمُعَة والإنسان في كلِّ جُمُعةٍ؛ بل يُقرأ بهما في غالب الأوقات، وأحيانًا يُقرأ بغيرهما؛ ليُبيِّن أن قراءتهما ليست واجبة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَإِنْ وَافَقَ عِيدٌ يَوْمَ جُمُعَةٍ سَقَطَتْ الْجُمُعَةِ عَمَّنْ حَضَرَ الْعِيدَ، إِلاَّ الإِمَامُ فَلاَ تَسْقُطُ عَنْهُ)}.
إذا وافقَ يومُ عيدٍ يومَ الجُمُعةِ فقد اجتمع عيدان -عيد الجمعة، وعيد السَّنة- فمن حضرَ صلاة العيد من المأمومين فلا يلزمه حضور صلاة الجُمُعة، وإنَّما يُستحبُّ له ذلك، وأمَّا الإمام فإنَّه يلزمه أن يُصلِّيَ الجُمُعَةِ بمَن حضرَ معه مِن المسلمين.
{قال: (وَالسُّنَّةُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ أَوْ أَرْبَعٌ)}.
أقلُّ السُّنَّة بعدَ الجُمُعةِ ركعتانِ، وأكثرُها أربع ركعاتٍ بسلامين، أو ستِّ ركعاتٍ بثلاثِ تسليمات، ومَن صلَّاها في المسجد يُصلِّيها ركعتين، ومن صلَّاها في البيت يُصلِّيها أكثر من ركعتين، بأربعِ ركعاتٍ أو ست ركعات.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَلاَ سُنَّةَ لَهَا قَبْلَهَا، بَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَنَفَّلَ بِمَا شَاءَ)}.
ليس للجمُعَةِ سنَّةٌ راتبةٌ قبلَهَا؛ إنَّما سُنَّتها بعدها، لكن مَن جاء مُبكِّرًا، أو جاء قبل حضور الإمام فإنَّه يُصلِّي ما تيسَّر له، فيصلِّي أولًا تحيَّة المسجد، ثم يُضيف إليها ما تيسَّرَ من الصَّلوات النَّافلة؛ فهذا أفضل له، ولو استمرَّ يُصلِّي من دخوله إلى أن يحضر الإمام كان ذلك أفضل.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَيُسَنُّ لَهَا الْغُسُلُ، وَالسِّوَاكُ، وَالطِّيبُ)}.
يُسنُّ للجُمُعةِ التَّهيُّوء بالاغتسالِ لجميعِ البدنِ ليُزيلَ الرَّوائحَ والعرَقَ عن جسمِهِ، ويستاك ليُزيل الرَّائحة الكريهة مِن فَمِه، ويتطيَّب بما عندَه من الطِّيبِ لأنَّه سيحضُر اجتماعًا عظيمًا، فيتهيَّأ لهذا الاجتماع.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَيَلْبَسُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ)}.
يتزيَّن لصلاة الجُمُعةِ ويلبس لها أحسنَ الثِّيابِ.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَأَنْ يُبِكِّرَ مَاشِيً)}.
قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» .
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَيَجِبُ السَّعْيُ بالنِّدَاءِ الثَّانِي بِسَكِينَةٍ وَخُشُوعٍ، وَيَدْنُو مِنَ الإِمَامِ)}.
يجب السَّعي إلى الجمُعَة، والمشي بسَكينةٍ وخشوعٍ وعَدمِ عجلةٍ؛ لأجلِ أن تُكثُر الخُطَى التي تكونُ في ميزانِ حسناته يوم القيامَة، ولا يستعجل في مشيه، وإنَّما يمشي على هيئته، لقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ الْإِقَامَةَ، فَامْشُوا إِلَى الصَّلَاةِ، وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، وَلَا تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ ، فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُو» ، وفي رواية: «فَأَتِمُّو».
{شكر الله لكم سماحة الشَّيخ صالح على تفضُّلكم بشرح هذا المتن المبارك من كتاب "آداب المشي إلى الصلاة".
يتجدَّد اللقاء في هذا البرنامج في هذا البرنامج -إن شاء الله- وتقبَّلوا تحيات الزُّملاء في فريق العمل، والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك