الدرس الثالث

معالي الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان

إحصائية السلسلة

1682 12
الدرس الثالث

آداب المشي إلى الصلاة (4)

{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على قائدِ الغرِّ الحجَّلين، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبهِ أجمعين.
مرحبًا بكم أيُّها الإخوة والأخوات في درسٍ جديدٍ من دُروسِ كتاب "آداب المشي إلى الصلاة"، ضيفُ هذا اللقاء هو سماحة العلَّامة الشَّيخ/ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللَّجنة الدَّائمة للإفتاء. أهلًا ومرحبًا بالشَّيخ مع الإخوة والأخوات}.
حياَّكم الله وبارك فيكم.
{بقي بعض الأسئلة للإخوة على الدَّرس السَّابق.
يقول: هناك مَن يُسابق الإمام في رُكوعه أو سُجوده، فما الحُكمُ الشَّرعي في نظركم في مُسابقة الإمام في الإسراع والموافقة؛ مأجورين؟}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله ربِّ العَالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمدٍ.
لا تجوزُ مُسابقةُ الإمام، ولا تصحُّ معها الصَّلاة؛ لقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي إِمَامُكُمْ، فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ، وَلَا بِالسُّجُودِ» .
{قال المؤلف -رَحَمَهُ اللهُ تعالى: (وَيُسَنُّ تَطْوِيلُ قِرَاءَةِ الرَّكْعَةِ الأُولَى أَطْوَلَ مِنَ الثَّانِيَةِ)}.
مِن سُنن الصَّلاة: أن تُطوَّل الرَّكعة الأولى أكثر من الثَّانية، وهكذا تكون الصَّلاة كما كان النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصلِّيها، فتكون مُتدرِّجة، أوَّلها أطول من آخرها.
{قال: (وَيُسْتَحَبُّ لِلإِمَامِ انْتِظَارُ الدَّاخِلِ لِيُدْرِكَ الرَّكْعَةَ)}.
يُستحبُّ للإمامِ انتظار الدَّاخل وهو راكع، فلا يرفع رأسَه مِنَ الرُّكوعِ ما دام أنَّه يسمع أنَّ هناك داخلًا إلى المسجد، فينتطره حتى يلحق بالرَّكعة، كما كانَ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينتظر في ركوعه، فلا يرفع رأسه وهو يسمع وقعَ قدمٍ.
{قال: (إِنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَى المَأْمُومِينَ)}.
إن لم يَشق انتظار الدَّاخل على المأموم؛ فإنَّ المحافظة على راحة المأموم أولى من انتظار الدَّاخل، فالذين معه أولى بالتَّخفيف من الدَّاخل.
{ما الضَّابط في المشقَّة؟}
المشقَّة لا ضابطَ لها، فما شقَّ على المأمومين؛ أي: طالَ عليهم.
{قال: (وَأَوْلَى النَّاسِ بِالإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ)}.
المعنى: أنَّ الذي تكون قراءته للقُرآن أجود من الآخر؛ لقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ» .
{قال: (وَأَمَّا تَقْدِيمُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَا بَكْرٍ مَعَ أَنَّ غَيْرَهُ أَقْرَأَ مِنْهُ كَأُبَيٍّ وَمُعَاذٍ فَأَجَابَ أَحْمَدُ أَنَّ ذَلِكَ لِيَفْهَمُوا أَنَّهُ الْمُقَدَّمُ فِي الإِمَامَةِ الْكُبْرَى)}.
أمَّا أنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قدَّمَ أبا بكرٍ في مَرضه ليُصليَ بالناس؛ فقال: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ». قالت عائشة -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْها: "يا رسول الله؛ إنَّ أبا بكر رجل أسيف، إذا قام مقامك لم يملك نفسه من البكاء". فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرِي أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ» ، وفي هذا إشارة إلى استخلافه مِن بعده، ولذلك لما حاولوا معه أن يقبل الخلافة؛ قالوا: "أيرضاك رسول لله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لديننا، ولا نرضاك لدنيانا؟!".
{قال: (وَقَالَ غَيْرُهُ: لَمَّا قَدَّمَهُ مَعَ قَوْلِهِ: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّه»)}.
النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قدَّم أبا بكرٍ مع أنَّ أُبيّ بن كعب أقرأ منه لكتاب الله، وهذا فيه إشارة إلى أنَّه الخليفة من بعده.
{قال-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ»}.
إذا تساووا في جَودة القِراءة فيُقدَّم أعلمهم بسنَّة الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأحفظهم لها.
{قال: (عُلِمَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَقْرَؤُهُمْ وَأَعْلَمُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَتَجَاوَزُونَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ حَتَّى يَتَعَلَّمُوا مَعَانِيَهُ وَالْعَمَلَ بِهِ)}.
يُؤخذ مِن هذا: أنَّ أبا بكرٍ -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ- هو أعلمهم بكتاب الله وسنة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولذلك قدَّموه.
{قال: (كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: "كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا إِذَا تَعَلَّمَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ لَمْ يَتَجَاوَزْهُنَّ حَتَّى يَتَعَلَّمَ مَعَانَيَهُنَّ وَالْعَمَل بِهِنَّ")}.
كانَ الصَّحابة يتعلَّمونَ ألفاظَ القُرآنَ ومعانيَه وفقهَه، كما قال ابن مسعود -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ: "كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا إِذَا تَعَلَّمَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ لَمْ يَتَجَاوَزْهُنَّ حَتَّى يَتَعَلَّمَ مَعَانَيَهُنَّ وَالْعَمَل بِهِنَّ، فتعلمنا العلم والعمل جميعًا".
{قال: (وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ يَرْفَعُهُ: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّ»)}.
هذا هو ترتيبُ الأئمَّةِ عندَ الاختيار، فيُقدِّمونَ أقرأَهم لكتابِ الله، فإن كانوا في جودةِ القراءةِ سواءً فإنَّهم يُقدِّمونَ أعلَمَهم بسُنَّةِ الرَّسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأحاديثِهِ، فإن كانوا في السُّنَّةِ سواء فأقدمهم إسلامًا، فإن كانوا سواءً في الأقدميَّة في الإسلام فيُقدَّمُ الأسنُّ.
{هل الصَّحابة -رضوان الله عليهم- في مَنزلةٍ واحدةٍ أم أنَّهم يتفاوتُونَ؟}.
بلا شكٍّ أنَّهم يتفاوتونَ في المنزلة، فالمهاجرون أفضل مِن الأنصار، والأجود قراءة أولى من غيره من المهاجرين والأنصار، ثم إذا تساووا في ذلك فأقدمهم دُخولًا في الإسلام، فإن كانوا سواءً فأكبرهم سنًّا.
{قال: «وَلا يَؤُمَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ»}.
هذا مُستثنًى، فالسلطان يُقدَّم ولو كان فِقهه أقل؛ لأنَّه له حقّ التقديم في الأمر والنَّهي، فهو أولى من غيره.
والمراد بالسُّلطان: السُّلطان العام -وهو الحاكم- أو السُّلطان في بيته، فإنَّ الرَّجلَ في بيته سلطانٌ، فلا يتقدَّم عليه أحدٌ في بيتهِ إلا بإذنه.
{قال: «وَلاَ يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ»}.
إذا كان لصاحبِ البيت مجلسٌ خاصٌّ مُهيَّأ له بالجلوس فيه؛ فلا يجوز أن يَسبقه إليه أحد؛ لقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلاَ يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ».
{قال: (وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: «يَؤُمُّكُمْ أَكْبَرُكُمْ»)}.
هذا إذا تساووا في القُرآن والسُّنَّة والفقه؛ فإنَّه يُقدَّم أكبرهم سنًّا.
{قال: (وفي بعض ألفاظ أبي مسعود: «فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمً» أي: إسلامً)}.
قوله: «فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ»، أي: من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام.
قوله: «سَوَاءً»، يعني: تساووا.
قال: «فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمً»، أي: يُقدَّم أولهم دخولًا في الإسلام.
{نكتفي بهذا القدرِ من شرح هذا المتن في كتاب "آداب المشي إلى الصَّلاة"، ونستأنف -إن شاء الله- بقيَّة المتن في الدَّرس القادم.
شكرَ الله للشَّيخِ صالح الفوزان على ما تفضَّل بهِ من شرحِ هذه الدُّروس المهمَّة للأمَّة، وشكرًا لحضراتكم أنتم، كما أشكر فريق العمل الذين قاموا بتسجيل هذه الدُّروس، والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك