الدرس الثامن

معالي الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان

إحصائية السلسلة

1682 12
الدرس الثامن

آداب المشي إلى الصلاة (4)

{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على قائدِ الغرِّ المحجَّلينَ، نبيِّنا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعينَ.
مرحبًا بكم أيُّها الإخوة والأخوات في درسٍ من دروسِ كتاب آدابِ المشي إلى الصَّلاة، ضيفُ هذا اللقاء هو سماحةُ العلَّامة الشَّيخ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدَّائمة للإفتاء. أهلًا ومرحبًا بالشَّيخ مع الإخوة والأخوات}.
وعليكم السَّلام ورحمة الله وبركاته.
{من الأسئلة التي وردَت في الدَّرس السَّابق: هل هُناك حالات تُبيح لغيرِ المريضِ أن يُصلِّي كصلاةِ المريض؟}.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
صلاةُ الخوف ثبتت عن النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بصفاتٍ كلِّها جائزة -كما قال الإمام أحمد- وقال: "وأمَّا حديثُ سهلٍ فأنا أختاره".
وكذلك صلاة المريض والمسافر، فيقصرُ الصَّلاة ويجمعُ بين الصَّلاتين؛ فهذه الأعذار هي التي تَعرِضُ للمسلم في الصَّلاة.
{هل للإشارة بالأصبع في الصَّلاة أصلٌ؟}.
نعم لها أصل، في جلوس التَّشهُّد يرفع أصبعه السَّبَّابة إشارة إلى التَّوحيد، ويعقد البنصر مع الوسطى على هيئة الحلقة.
{إذا كان هناك عُذر مِن مَطَرٍ وكانت الصَّلاة ممَّا تُجمَع إلى وقت الثَّانية، فهل يُصلُّونَ على الرَّاحلة أم يجمعون؟}.
إذا كانوا يسيرون في الطَّريق واعترضهم جري السُّيولِ مِن تحتهم؛ فلو نزلوا لتأثَّروا بالماء؛ فإنَّهم يُصلُّونَ على الرَّواحل، فيتقدَّمهم الإمام على رَاحلته، ويصلُّونَ خلفَه على رواحلِهم، كما كانَ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يفعل ذلك في أسفاره إذا أصابهم المطر.
{هل يجوز الجمع بين الصَّلوات لعمَّال الدُّهانات لمشقَّةِ غَسلِ الزُّيوت التي عليهم؟}.
لا يحقُّ لهم الجمع من أجلِ إزالة الزُّيوت، فيُزيلونها لكلِّ صلاةٍ، ويُعينهم الله -عزَّ وَجَلَّ.
{يتساهل بعضُ أئمَّة المساجد في الجمع بينَ الصَّلوات، ويحتجُّونَ بحديث ابن عباس أنَّ الرَّسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جمع من غيرِ سفرٍ ولا مطرٍ. فما توجيهكم لذلك؟}.
تساهلهم هذا غيرُ جائزٍ، فلا يجوز الجمع إلا بحسبِ الدَّليل، فيُباحُ الجمع في السَّفر وللمرضِ وللخوفِ من العدو؛ فلابدَّ من سببٍ يُبيح الجمع، وإلَّا فإنَّ الصَّلاة تُصلَّى لوقتها، كما قال -جلَّ وعلا: ﴿فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتً﴾ [النساء: 103]، يعني: مَفروضًا في الأوقات، والنَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «صَلُّوا الصَّلاة لِوَقْتِهَ» .
{يقول السَّائل: أنا مُدرِّس وأتردَّدُ على قرية في حُدود تسعين كيلًا، فهل لي رُخَص السَّفر؟}.
نعم، هو أولى برخصة ما دامَ يتردَّد في سفره، فله رخصة الإفطار في رمضان، وقصر الصَّلاة، وجمع الصَّلاتين؛ وذلك لوجود المشقَّة.
{ما ضابط الإقامَة التي تمنع التَّرخُّص برُخَصِ لسَّفر؟}.
ما زادَ على أربعةِ أيَّام، فإذا نَوى إقامةً تزيدُ على أربعةِ أيام فإنَّ حُكمه كَحُكْمِ المقيمين، فلا يقصر ولا يجمع؛ بل يُصلِّي كلَّ صلاةٍ في وقتِها تامَّة؛ لأنَّ السَّفر انقطعَ بالإقامة التي تزيد على أربعةِ أيَّام، ويعرف صاحبها أنَّه سيُقيم.
{قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (بَابُ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ)}.
صلاةُ الجُمُعَةِ هي صلاة نهاية الأسبوع، وهي صلاةٌ عظيمَةٌ، أنزلَ الله فيها سورة كاملة وهي سورة "الجُمُعَةِ" لعِظَم شأنها ومكانتها في الإسلام، وعظيم أجرها، ويُتأهَّبُ لها بالثِّياب الطِّيبَة والرَّائحة الطِّيبَة وبإزالة الأوساخ والأدران والرَّوائح الكريهة، فهو اجتماعٌ عظيمٌ يجتمعه المسلمونَ، ويُغفَرُ للمسلم ما بينَ الجمعةِ إلى الجُمُعةِ وزيادة ثلاثةِ أيّام؛ لأنَّ الحسنَة بعشرٍ أمثالها.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَهِيَ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) }.
يعني: فرضُ عينٍ على كلِّ فردٍ مسلمٍ، فلا يكفي أن يُصلِّيَها بعضُ النَّاس ويتركها بعض النَّاس، وإنَّما تجبُ على الجميع.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (بَالِغٍ عَاقِلٍ ذَكَرٍ حُرٍّ مُسْتَوْطِنٍ)}
(بَالِغٍ)، يعني: بلَغَ سنَّ الرُّشدِ، كما قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» .
والبلوغ يحصل بأمور:
 الأمر الأوَّل: إنباتُ الشَّعر الخشن حولَ القُبُل.
 الأمر الثَّاني: الاحتلام، أن يحتلم في نومهِ، وينزل منه ماء الاحتلام؛ فحينئذٍ يُحكَمُ ببلوغه.
 الأمر الثَّالث: إذا بلغَ في السِّنِّ خمسةَ عشرةَ سنةٍ.
 وتزيد المرأة العلامة الرَّابعة وهي: نزولُ الحيضِ عليها.
وقوله: (عَاقِلٍ)، يخرج به المجنون والمعتوه، فليسَ عليه شيء؛ لأنَّه لا يشعر ولا يدري بالصَّلاة ولا بأحكامِهَا، واللهُ تعالى وضعها عنه.
وقوله: (ذَكَرٍ)، يخرج به الإناث، فإنَّ المرأة ليس عليها جُمُعةٍ، وليس عليها صلاة جماعة، وإنَّما الجمعة والجماعة في حق الرِّجال من المسلمين.
وقوله: (حُرٍّ)، يُخرج المملوك، فإنَّ المملوك لا تجب عليه الجُمُعة، ولكن إذا صلَّاها أجزأته؛ لأنَّ المملوك مَنفعته وخدمته لسيده، وصلاة الجمعة تُفوِّت عليه خدمَةَ سيِّده إلا بإذنه.
وقوله: (مُسْتَوْطِنٍ)، يُخرج المسافرين والأعراب؛ لأنَّهم غير مستوطنين.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (بِبِنَاءٍ يَشْمَلُهُ اسْمٌ وَاحِدٌ)}.
أمَّا السَّكن في الخيام وبيوت الشَّعر كما عند البادية؛ فهؤلاء ليسَ عليهم جمعة، وكانت بيوت البوادي حولَ المدينةِ، ولم يأمرهم النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بإقامةِ جُمُعة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَمَنْ حَضَرَهَا مِمَّنْ لاَ تَجِبُ عَلَيْهِ أَجْزَأَتْهُ)}.
مَن حضرَها ممَّن لا تجبُ عليه مثل: "المسافر والمريض والمماليك" وصلَّاها مع المسلمين أجزأته عن الظُّهر.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَإِنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً أَتَمَّهَا جُمْعَةً وَإِلاَّ أَتَمَّهَا ظُهْرً)}.
لا تُدرَك الجُمُعة إلا بإدراكِ ركعةٍ كاملةٍ مع الإمامِ، فإذا رفعَ الإمامُ رأسَه مِن الرُّكوع في الرَّكعةِ الثَّانية فقد فاتته الجُمُعة، ولكن يدخل معهم بنيَّةِ الظُّهر، فإذا سلَّم الإمام قامَ وصلَّاها ظهرًا.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَلاَ بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِ خُطْبَتَيْنِ)}.
من شروط صحَّة صلاة الجُمعة: تقدُّم خطبتين؛ لأنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يخطب خطبتين، وهاتان الخطبتان تقومان مقام الركعتين، فتجبر الأربع.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فِيهِمَا حَمْدٌ وَالشَّهَادَتَانِ)}.
يعني: من شروط صحَّة الخطبة: أن يحمدَ اللهَ في أوَّلها كما كانَ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحمد الله في أوَّلِ الخُطبِ، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَبْتَرُ» .
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَالْوَصِيَّةُ بِمَا يُحَرِّكُ الْقُلُوبَ)}.
أركان الخُطبَة:
الأوَّل: حمدُ الله -وقد بيَّنَّاه.
الثَّاني: الشَّهادتان (شهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا على رسول الله).
الثَّالث: الصَّلاة والسَّلام عَلى رسولِ الله.
الرَّابع: الوصيَّة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَتُسَمَّى خُطْبَةً)}.
تُسمَّى "خُطبة" بضمِّ الخاء، خلافًا للــ "الخِطبَة" التي هي للنِّساء، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ﴾ [البقرة: 235].
{شكر الله لكم سماحة العلَّامة الشَّيخ صالح الفوزان.
انتهى هذا الدَّرس، ولنا لقاء - إن شاء الله- نستكمل فيه المتن في باب "خطبة الجمعة"، حتى ذلكم الحين تقبَّلوا تحيات الزُّملاء الذين سجَّلوا هذا الدَّرسَ، والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك